مصباح المنهاج - كتاب الطهارة المجلد 6

اشارة

سرشناسه : طباطبائي حكيم، محمد سعيد، 1935- م.

عنوان و نام پديدآور : مصباح المنهاج/ تاليف محمد سعيد الطباطبائي الحكيم.

مشخصات نشر : نجف : دار الهلال، 1427 ق.= 2006 م.= 1385 -

مشخصات ظاهري : ج.

شابك : دوره:964-8276-54-4 ؛ ج.1:964-8276-54-4 ؛ ج. 4 964-8276-42-0 : ؛ ج.5: 964-8276-43-9 ؛ ج.7: 964-8276-83-1 ؛ ج. 8:964-8276-84-8 ؛ ج.5: 964-8276-85-5

وضعيت فهرست نويسي : برون سپاري.

يادداشت : عربي.

يادداشت : ج. 4 و 5 (چاپ اول: 1426ق. = 2005م. = 1384).

يادداشت : ج. 3 و 7 و 8 ( چاپ اول: 1430 ق.= 2009 م.= 1388)

يادداشت : ج.9(چاپ؟: ؟؟13).

يادداشت : چاپ قبلي: محمدسعيد طباطبايي حكيم، 1415 ق. = 1994م.= 1373.

يادداشت : كتابنامه.

مندرجات : ج.1. كتاب التجارة.- ج. 4 و 5 و 7 و 8 . كتاب الطهاره

موضوع : اصول فقه شيعه

رده بندي كنگره : BP159/8/ ط2م6 1385

رده بندي ديويي : 297/312

شماره كتابشناسي ملي : 1041894

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

تتمة كتاب الطهارة

تتمة المبحث الرابع

المقصد الخامس في غسل الأموات

اشارة

المقصد الخامس في غسل الأموات (1) و فيه فصول:

الفصل الأول في أحكام الاحتضار
اشارة

الفصل الأول في أحكام الاحتضار

مسألة 1: الكلام في وجوب الاستقبال بالميت حال الاحتضار و جملة من أحكامه
اشارة

(مسألة 1): يجب علي الأحوط توجيه المحتضر إلي القبلة (2)،

______________________________

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام علي سيدنا و نبينا محمد و آله الطيبين الطاهرين و لعنة اللّه علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين.

(1) الأنسب بمباحث هذا المقصد أن يقال: في أحكام الأموات.

وجوب الاستقبال حال الاحتضار
اشارة

(2) فقد أوجبه في المقنعة و الوسيلة و الشرائع و المنتهي و الإرشاد و الدروس و اللمعة و الروض و جامع المقاصد و ظاهر النهاية و المبسوط- في بحث القبلة- و التهذيب و المراسم و المختلف، و قواه في نكت النهاية، كما حكاه عن الصدوق- و إن كان كلامه في الفقيه و المقنع و الهداية لا يساعد عليه- و حكي أيضا عن المهذب و الاصباح و التلخيص و الذكري و البيان و الجعفرية و شرحيها. و في الروض و الروضة و المدارك و الحدائق و عن الكفاية أنه المشهور، و في جامع المقاصد و عن شرح الجعفرية أنه الأشهر، و عن الذكري أنه الأشهر نصا و فتوي، و عن المفاتيح أنه مذهب الأكثر.

و في النافع و محكي التنقيح و المفاتيح أنه الأحوط، و ظاهر التذكرة و القواعد و محكي التحرير و غاية المرام التردد فيه. بل صرح بالاستحباب في الخلاف و السرائر- كما في المطبوع منه و حكاه عنه بعضهم، و يناسبه مساق كلامه، و إن نسب له غير

ص: 5

______________________________

واحد القول بالوجوب- و إشارة السبق و المعتبر و كشف اللثام و المدارك، و هو ظاهر النهاية و المبسوط- في بحث أحكام الميت- و الاقتصاد، و حكي عن المصباح و مختصره و الجامع و المفيد في الغرية و السيد المرتضي و كشف الرموز و مجمع البرهان و الكفاية.

و مقتضي نسبته في التذكرة للباقين عدا المفيد و سلار أنه المشهور، بل ظاهر الخلاف دعوي الإجماع عليه.

و كيف كان، فقد استدل للوجوب بجملة من النصوص:
الأول: صحيح سليمان بن خالد:

«سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إذا مات لأحدكم ميت فسجوه تجاه القبلة. و كذلك إذا غسل يحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة فيكون مستقبل [مستقبلا بباطن] قدميه و وجهه إلي القبلة» «1».

و فيه: أن ظاهره إرادة التوجيه بعد الموت، بل هو كالصريح منه، فإن حمل الميت علي المشرف علي الموت أو علي نفس الذات المعروضة له في موارد حمل الموت عليه و إن كان مألوفا، نظير قولنا: خبزت الخبز، و طحنت الطحين، و كتبت الكتاب، إلا أن حمل الفعل و هو (مات) علي معني: (احتضر) بعيد في نفسه، خصوصا مع كون فاعله «الميت» الذي يراد منه الذات أو المشرف علي الموت، كما نبه له شيخنا الأعظم قدّس سرّه في الجملة. و إمكان حمل الاحتضار علي الميت بعد حمله علي الذات بنفسها- كما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه- عقلي لا عرفي صالح لأن يحمل عليه الكلام. مضافا إلي عدم مناسبة ذلك لأخذ الاستقبال قيدا في التسجية التي هي التغطية بثوب و نحوه، و التي هي بعد الموت بلا إشكال. و حمل التسجية علي التوجيه أو التمديد مما لا شاهد له في كلام أهل اللغة و لا في الاستعمال.

و ما في الجواهر من أن التسجية هنا ليست بمعني التغطية، لأن التغطية مستحبة مطلقا لا مقيدة بالاستقبال، و لأن قوله عليه السّلام: «و كذلك إذا غسل … » كالصريح في أن الحكم السابق هو التوجيه دون التغطية. كما تري؛ لأن استحباب التغطية مطلقا لا ينافي الأمر بالمقيد منها بنحو التعدد المطلوب. كما لا مانع من حمل قوله عليه السّلام: «و كذلك إذا غسل … » علي إرادة تشبيه حالة التغسيل بحالة الموت في القيد، و هو الاستقبال، لا في

______________________________

(1) الوسائل باب: 35 من أبواب الاحتضار حديث: 2.

ص: 6

______________________________

المقيد، و هو التسجية، ليتعين حملها علي التوجيه.

و دعوي: أن الحمل علي حالة الاحتضار مقتضي قرينة السياق بلحاظ قوله عليه السّلام: «و كذلك إذا غسل يحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة».

مدفوعة: بأن الاستشهاد بقرينة السياق المذكورة إن كان بلحاظ أن الاستقبال يجب حال التغسيل لا بعده- كما يظهر من الجواهر- فمن الظاهر أن مقتضي ذلك هو الاستقبال حال الموت لا قبله حالة الاحتضار، كما هو المدعي. إلا أن يحمل الموت في الصدر علي حال الاحتضار الذي له نحو من الاستمرار كالتغسيل. و قد عرفت منعه.

و إن كان بلحاظ لزوم الاستقبال عند إرادة التغسيل قبله آنا ما- كما يظهر من الحدائق- فمن الظاهر أن تقديم الاستقبال علي التغسيل إنما هو لتوقف إحراز التغسيل حال الاستقبال عليه، و إلا فيكفي في تحقق المطلوب الشرعي الاستقبال حين التغسيل من دون أن يسبقه أصلا. و لا مجال لاحتمال اعتبار ذلك في الموت، لظهور التوقيت بالأمور الآنية الحدوث التي لا استمرار لحال حدوثها في إرادة إيقاع الفعل بعد حدوثها بنحو الموالاة العرفية.

و إن كان بلحاظ ظهور قوله عليه السّلام: «يحفر له … » في إرادة ما قبل التغسيل، لأن الحفر سابق عليه. ففيه: أن بيان الحفر تجاه القبلة ليس لكونه محققا للاستقبال بالميت قبل التغسيل، بل لبيان كيفية الاستقبال المطلوب، بلحاظ أن الحفر حيث يكون في جانب الرجلين فكونه تجاه القبلة مستلزم لكونهما تجاهها، أو لبيان الكيفية التي يسهل معها جريان ماء التغسيل.

و بالجملة: لا تنهض قرينة السياق بصرف الحديث عن ظاهره في إرادة الاستقبال بعد الموت، بل هي به أنسب، لأن الجامع بين حالة التغطية بعد الموت و حالة التغسيل ارتكازي، بخلاف الجامع بين حالتي الاحتضار و التغسيل.

و مثله ما في الجواهر قال: «فإن المعهود من المسلمين في جميع الأعصار توجيه الميت إليها حال الاحتضار، لا بعد الموت، و في المفاتيح أنه قد أطبق العلماء علي أن زمان التوجيه قبل الموت، و إن اختلفوا في وجوبه و استحبابه. انتهي. فإذا كان ذلك هو المعروف وجب صرف اللفظ إليه، بل كان ذلك هو المنساق منه».

ص: 7

______________________________

إذ فيه: أن ذلك لو تم ليس بنحو يوجب رفع اليد عما تقدم. علي أنه غير تام، فإن بقاء الميت بعد الموت متوجها إلي القبلة ليس بعيدا عن السيرة، بل ربما أدعي ظهور الأدلة في وجوبه، كما يأتي إن شاء اللّه تعالي، فلا بعد في حمل النص علي الاستقبال بعد الموت لو كان محتملا منه، فضلا عما إذا كان ظاهرا منه، بل هو كالصريح فيه، كما ذكرنا.

الثاني: موثق معاوية بن عمار:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الميت، فقال: استقبل بباطن قدميه القبلة» «1».

و قد استشكل في الاستدلال به غير واحد بأنه لا قرينة فيه علي كون المسؤول عنه حكم الاستقبال، ليكون ظاهر الأمر به وجوبه، بل قد يكون لبيان كيفية الاستقبال من دون نظر لحكمه. و قد يدفع بما أشار إليه سيدنا المصنف قدّس سرّه من ظهوره في السؤال عن حكم الميت، لأن ذلك هو الظاهر من إطلاق السؤال عن الموضوع. لكن اشتمال الجواب عن بيان كيفية الاستقبال و عدم الاقتصار علي الأمر به مقرب لاحتمال كون المسؤول عنه الكيفية. فتأمل.

مضافا إلي أن ظاهر السؤال فيه عن الميت إرادة المتصف فعلا بالموت، لأن المشتق حقيقة في المتلبس، فيكون ظاهرا في إرادة الاستقبال به بعد الموت، و قد عرفت أنه لا مانع من الحمل عليه.

و أما ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من أن الجواب يأبي الحمل علي ذلك، لعدم كون التوجيه إلي القبلة من أحكام الميت بعد الموت، بل ورد الأمر بتعجيل جهاز الميت، فإطلاق الأمر بالاستقبال يقتضي إرادة المحتضر من الميت. فهو كما تري؛ لأن الإطلاق لا يصلح قرينة علي تعيين الموضوع في فرض إجماله، فضلا عن صرفه عن ظاهره، بل يتعين إبقاء الميت علي ظاهره، و هو المتصف فعلا بالموت، و يكون المراد الأمر بالاستقبال به ما دام علي الأرض، كما قربه قدّس سرّه بعد ذلك. و لا أقل من الإجمال المانع من الاستدلال.

الثالث: ما رواه الصدوق عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه السّلام قال:

«دخل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله علي رجل من ولد عبد المطلب و هو في السوق و قد وجه لغير [إلي غير]

______________________________

(1) الوسائل باب: 35 من أبواب الاحتضار حديث: 4.

ص: 8

______________________________

القبلة، فقال: وجهوه إلي القبلة، فإنكم إذا فعلتم ذلك أقبلت عليه الملائكة و أقبل اللّه عز و جل عليه بوجهه فلم يزل كذلك حتي يقبض» «1».

و قد استشكل في الاستدلال به من وجوه..

أولها: ما ذكره غير واحد من ضعفه في نفسه. و انجباره بفتوي من سبق غير ظاهر، لعدم وضوح اعتمادهم عليه، بل استدل بعضهم- كالشيخ في التهذيب- بغيره.

لكنه يندفع: بأن الصدوق و إن رواه مرسلا في الفقيه، إلا أنه رواه مسندا في العلل عن شيخه محمد بن علي ماجيلويه- الذي أكثر من الرواية عنه في كتبه المعروفة مترضيا عليه، بل قيل: أنه لم يرو عنه فيها إلا مترضيا عليه، و ظاهره جلالته في نفسه زائدا علي كونه ثقة عنده- عن محمد بن يحيي- الظاهر أنه العطار الثقة العين- عن محمد بن أحمد- الظاهر أنه ابن يحيي العطار الذي هو كسابقه- عن أحمد بن أبي عبد اللّه، المنحصر بالبرقي الثقة.

كما رواه في ثواب الأعمال عن شيخه محمد بن موسي بن المتوكل- الذي أكثر الرواية عنه مترضيا عليه، و عن ابن طاوس في فلاح السائل بعد ذكر حديث هو في طريقه: أن رواته ثقات بالاتفاق- عن عبد اللّه بن جعفر- الذي لا إشكال في أنه الحميري الثقة العين- عن أحمد بن أبي عبد اللّه المتقدم.

أما أحمد بن أبي عبد اللّه المذكور فقد رواه عن أبي الجوزاء المنبه بن عبد اللّه عن الحسين بن علوان عن عمرو بن خالد.

و أبو الجوزاء قد نص النجاشي علي أنه صحيح الحديث. و صحة الحديث باصطلاح القدماء و إن لم تكن بالمعني المراد للمتأخرين- و هو وثاقة رجال السند- بل بمعني مطابقته للواقع أو للأمارات المعتبرة، فلا يروي المناكير و لا عن الضعفاء، و لا يضطرب في حديثه، إلا أن الاهتمام بوصف الشخص بها إنما هو لأجل بيان أنه يعول علي رواياته، و هو فرع وثاقته في نفسه، فهو ظاهر في المفروغية عن ذلك.

و الحسين بن علوان قال النجاشي في ترجمته: «الحسين بن علوان الكلبي مولاهم، كوفي عامي، و أخوه الحسن، يكني أبا محمد، ثقة، رويا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام».

______________________________

(1) الوسائل باب: 35 من أبواب الاحتضار حديث: 6.

ص: 9

______________________________

و الظاهر منه رجوع التكنية و التوثيق للحسين- كما قربه بعض مشايخنا- لأنه المترجم، و الحسن مذكور تبعا، كما هو كثير النظائر في كلام النجاشي. مضافا إلي أنه من رواة تفسير القمي و الظاهر من كلامه أنه لا يذكر فيه إلا ما رواه الثقات.

و أما عمرو بن خالد فهو الواسطي الذي حكي الكشي عن ابن فضال أنه ثقة «1».

مضافا إلي أنه من رجال كتاب كامل الزيارة، الذي صرح مؤلفه بأنه لا يثبت فيه إلا ما رواه الثقات. و من هنا لا ينبغي التوقف في اعتبار سند الحديث و حجيته في نفسه.

ثانيها: ما في المعتبر من أنه وارد في قضية خاصة لا عموم فيها. و فيه: أنه لا ينبغي التوقف في إلغاء خصوصية المورد في مثل ذلك، إذ خصوصية كونه من ولد عبد المطلب مما قد يقطع بعدم دخلها، و عدم تعرض الامام عليه السّلام للخصوصيات الأخري غير كونه في السوق ظاهر في عدم دخلها.

ثالثها: ما في المعتبر أيضا من أن التعليل فيه كالقرينة الدالة علي الفضيلة، و تابعه عليه غير واحد، حتي قال شيخنا الأعظم قدّس سرّه تعريضا بمن أنكر ذلك:

«و منع إشعاره بالاستحباب خلاف الانصاف ممن له ذوق سليم». لكن استشكل فيه الفقيه الهمداني قدّس سرّه بأن بيان الفائدة إنما يمنع من الظهور في الوجوب إذا كانت الفائدة عائدة للمخاطب نفسه، بخلاف ما إذا كانت عائدة للغير، كما في المقام، مدعيا ظهور الفرق بينهما حتي استغني عن إيضاحه.

و هو غير ظاهر، لأن الوجه في مانعية ذكر الفائدة العائدة للمخاطب من ظهور الأمر في الوجوب هو تبعية داعوية الأمر لداعوية الفائدة المذكورة، فإذا لم تكن ملزمة لم تكن داعوية الأمر إلزامية، و ذلك يجري في ذكر الفائدة العائدة للغير إذا كان المخاطب يهتم نوعا بنفعه، كما في المقام، لأن المخاطب حضار الميت الذين يهمهم نفعه غالبا، و لذا كان ظاهر ذكر الفائدة في الحديث المتقدم تأكيد الداعي لمتابعة الأمر في نفوسهم. نعم إذا لم يكن الغير ممن يهتم المخاطب بنفعه لم يكن ذكر الفائدة العائدة له موجبا لتبعية داعوية الأمر لداعويتها، لفرض عدم الداعوية لها، فلا تنهض بالقرينية و الخروج عن ظهور الأمر في الوجوب، نظير الفائدة التعبدية العائدة للمخاطب التي

______________________________

(1) رجال الكشي: 201 طبع النجف الأشرف.

ص: 10

______________________________

لا يهتم بتحصيلها نوعا بطبعه.

الرابع: حديث الحسين بن مصعب

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: جرت في البراء ابن معرور الأنصاري ثلاث من السنن، أما أولهن فإن الناس كانوا يستنجون بالأحجار … فاستنجي بالماء … فجرت السنة في الاستنجاء بالماء. فلما حضرته الوفاة كان غائبا عن المدينة، فأمر أن يحول وجهه إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله. و أوصي بالثلث من ماله، فنزل الكتاب بالقبلة، و جرت السنة بالثلث» «1»، حيث قد يظهر من الوسائل الاستدلال به.

و يشكل بأنه- مع عدم وضوح اعتبار سنده- لا ينهض بالمطلوب.. أولا:

لإجمال مورد أمر البراء و عدم وضوح كونه التوجيه حالة الاحتضار، بل قد يكون هو التوجيه بعد الموت حالة الدفن، كما لعله الأنسب بأن يأمر به، إذ لو كان مهتما بالتوجه حالة الاحتضار لكان الأنسب قيامه به بنفسه و محافظته عليه قبل عجزه عنه.

و ثانيا: لأنه إنما أمر بالتوجه إلي النبي صلّي اللّه عليه و آله و هو حينئذ بالمدينة كما يناسبه ما تضمنه من نزول الكتاب بمدح الاستنجاء بالماء بضميمة ما تضمنته نصوص أخر «2» من حديث النبي صلّي اللّه عليه و آله مع الذي كان يستنجي به حين نزول الآية. و حمله علي أن التوجه للمدينة مستلزم للتوجه لمكة، لأنه في موضع يلزم فيه ذلك، لا يخلو عن تكلف، كالاستشهاد له بقوله عليه السّلام: «فنزل الكتاب بالقبلة»، لوضوح أن الكتاب الشريف لم يتضمن استقبال القبلة إلا في حال الصلاة، فلا بد أن يكون الاستشهاد به بلحاظ تضمنه تشريع أصل الاستقبال و إن لم يكن في المورد الذي أمر به البراء، و حينئذ كما يمكن التوسع فيما يستقبل فيه يمكن التوسع فيما يستقبل و يتوجه إليه. و حمل الكتاب علي ما كتبه اللّه لا علي القرآن الكريم- مع عدم مناسبته لمقابلته بجريان السنة في الثلث- يمنع من الاستشهاد به علي أن القبلة هي الكعبة.

و ثالثا: لأنه لا ظهور له في الوجوب، لعدم ابتناء أمر البراء عليه، و عدم ملازمته لجريان السنن فيه. و أما قوله: «فنزل الكتاب بالقبلة» فحيث ذكرنا في الوجه السابق أن الكتاب لم ينزل بالتوجه للكعبة إلا في الصلاة، و أن الاستشهاد به يبتني علي التوسع،

______________________________

(1) الوسائل باب: 34 من أبواب أحكام الخلوة حديث 6.

(2) راجع الوسائل باب: 34 من أبواب أحكام الخلوة.

ص: 11

______________________________

فمن الممكن أيضا التوسع من حيثية الإلزام و عدمه. و بالجملة: الحديث المذكور لا يخلو عن اضطراب في نفسه، فلا مجال للتعويل عليه في المقام. و لا سيما مع ما في صحيح معاوية بن عمار عنه عليه السّلام: «قال: كان البراء بن معرور الأنصاري بالمدينة و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بمكة و المسلمون يصلون إلي بيت المقدس فأوصي إذا دفن أن يجعل وجهه إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فجرت فيه السنة و نزل به الكتاب» «1»، و قريب منه صحيحه الآخر «2».

الخامس: مرسل الدعائم

عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنه قال: «من الفطرة أن يستقبل بالعليل القبلة إذا احتضر» «3». حيث يظهر من بعضهم الاستدلال به. و فيه- مع عدم ظهوره في الوجوب، لأن الفطرة أعم منه-: أن إرساله مانع من الاستدلال به. و دعوي: انجباره بالشهرة. ممنوعة، لعدم ظهور حال المشهور في الاعتماد عليه، بل ظاهرهم عدمه.

و أضعف منها دعوي: جبرها لضعف الدلالة فيه و في بقية النصوص المستدل بها، لما هو المعلوم من عدم نهوض الشهرة بضعف الدلالة. إلا أن تكشف عن قرائن قد خفيت علينا، و هو غير حاصل في المقام.

و مثلها الاستدلال ببعض النصوص الظاهرة في بيان كيفية الاستقبال لا في حكمه، كصحيح ابن أبي عمير عن ابراهيم الشعيري [و عن. يب في] غير واحد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في توجيه الميت. قال: تستقبل بوجهه القبلة و تجعل قدميه مما يلي القبلة» «4» و غيره.

هذا، و لو فرض تمامية دلالة بعض النصوص المتقدمة لزم رفع اليد عنها بصحيح سليمان بن خالد المتقدم الذي سبق قوة ظهوره في الأمر بالاستقبال بالميت بعد الموت، فإنه لا يناسب وجوبه قبله جدا. بل غاية ما يمكن البناء علي استحبابه، حيث قد يتسامح فيه فيحسن بيان الأمر به بعد الموت أيضا و لو بملاك آخر. مؤيدا بما في الإرشاد من قول النبي صلّي اللّه عليه و آله حين وفاته لأمير المؤمنين عليه السّلام: «ضع يا علي رأسي في حجرك فقد جاء أمر اللّه تعالي، فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدك و امسح بها وجهك،

______________________________

(1) الوسائل باب: 61 من أبواب الدفن حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 61 من أبواب الدفن حديث: 2.

(3) مستدرك الوسائل باب: 25 من أبواب الاحتضار و ما يناسبه حديث: 3.

(4) الوسائل باب: 35 من أبواب الاحتضار حديث: 3.

ص: 12

______________________________

ثم وجهني إلي القبلة و تول أمري … » «1» و نحوه في المناقب «2».

و أما ما في الجواهر من احتمال إرادة الاستمرار علي الاستقبال بعد الموت منه، لا حدوثه بعده مع عدمه حال الاحتضار. قال: «و إلا فمن المعلوم أنه راجح، و يستبعد عدمه منه صلّي اللّه عليه و آله إن لم يمتنع». فهو كما تري، لأنه كالصريح في إرادة الحدوث لا الاستمرار، و لا غرابة في عدم حصوله منه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم مع استحبابه، إذ قد لا تساعد عليه الظروف المحيطة به صلّي اللّه عليه و آله من حيثية المكان أو غيره.

و مثله ما ذكره قدّس سرّه من تأييد وجوب الاستقبال باستمرار العمل عليه في الأعصار و الأمصار، قال: «و ليس شي ء من المستحب يستمرون عليه كذلك، بل قد يعدون الموت إلي غيرها من سوء التوفيق و من الأمور الشنيعة. فتأمل».

إذ فيه: أنه لو تم ما ذكره من السيرة و الارتكاز فمن الظاهر أن عامة الناس كثيرا ما يهتمون ببعض المستحبات المتعلقة بالميت بنحو يزيد علي اهتمامهم بالواجبات، و إلا فلو كان الأمر بهذا الظهور لم يقع الخلاف من القدماء.

بل الانصاف أن ملاحظة حالات المحتضرين المختلفة و ما يحيط بهم كثيرا من ملابسات بدنية و نفسية و خارجية تقتضي استبعاد وجوب مثل هذا الأمر الذي كثيرا ما يصعب القيام به، و لا يسهل تشخيص بلوغ الكلفة فيه مرتبة الحرج أو التعذر المسقط للتكليف. نعم لا ينبغي التوقف في استحبابه بعد ما سبق من تمامية سند حديث زيد بن علي، و اعتضاده بمرسل الدعائم المتقدم.

بقي في المقام أمور:
الأول: ظاهر حديث زيد بن علي عليه السّلام الأمر بالاستقبال في تمام حال الاحتضار،

لظهور الفائدة التي تضمنها في الاستمرار في تمام الحال المذكور و مثله في ذلك مرسل الدعائم. غايته أن الأمر به انحلالي بنحو تعدد المطلوب، فالإخلال به أول حال الاحتضار لا ينافي الأمر به في ما يبقي منه، كما فعل صلّي اللّه عليه و آله و سلّم. أما بقية النصوص- لو تمت دلالتها- فالمتيقن منها كون الموت إلي القبلة بحيث يكون متوجها قبله آنا ما- كما قد

______________________________

(1) الإرشاد: 109 طبع النجف الأشرف سنة 1392 ه.

(2) المناقب ج 1: 203 طبع النجف الأشرف.

ص: 13

______________________________

يظهر مما يأتي عن الذكري- لأنه المتيقن من حمل الميت علي المشرف علي الموت، و ليس الاستقبال به حالة الاحتضار إلا لتحصيل ذلك.

نعم، لا يبعد لزوم المبادرة إليه في أول حال الاحتضار ظاهرا لو خيف قصره بحيث يفوت الاستقبال لو لم يبادر إليه، لصلوح الاحتضار عرفا لأن يكون أمارة علي الموت تصلح لتنجيز احتماله. هذا و حيث عرفت اختصاص دليل الاستقبال حال الاحتضار بحديث زيد و مرسل الدعائم، و أن ظاهرهما أو المتيقن منهما الاستحباب تعين البناء علي استحبابه في تمام الحال المذكور. فتأمل جيدا.

الثاني: قال في محكي الذكري: ان ظاهر الاخبار سقوط الاستقبال بموته،

«و أن الواجب أن يموت علي القبلة، و في بعضها احتمال دوام الاستقبال، و نبه عليه ذكره حال الغسل، و وجوبه حال الصلاة و الدفن و إن اختلفت الهيئة عندنا».

هذا، و لا يخفي أن ما كان من النصوص موضوعه المحتضر فلا موضوع له بعد الموت، بل خبر زيد بقرينة الفائدة المذكورة فيه ظاهر في تمامية الغرض من الأمر بالاستقبال إلي حين الموت. و ما كان منها موضوعه الميت فحيث لا يصح الاستدلال به إلا بعد حمله علي المشرف علي الموت أو علي الذات المعروضة له لا بقيده فهي و إن أمكن إرادة الاستمرار لما بعد الموت منها، إلا أن المتيقن من إطلاقها إرادة الموت حالة الاستقبال، لأن أخذ العنوان بلحاظ الأول أو المشارفة في مثل ذلك ظاهر في الاهتمام بحالة حصوله، لا الاكتفاء بصرف وجود الاستقبال و لو آنا ما.

و لا وجه لما في الروض و المدارك من أن مقتضي إطلاق النصوص الاستمرار عليه بعد الموت. و ما عن محكي المصابيح من ظهور صحيح سليمان بن خالد في ذلك.

بل كأنه مبني علي تنزيل الميت علي المتصف فعلا بالموت، الذي لو تم كان قاصرا عن حال الاحتضار، و هو خلاف الفرض. و من هنا يتعين الاقتصار في وجوب الاستقبال علي المتيقن عملا بأصالة البراءة، بناء علي ما هو التحقيق من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام التكليفية و نحوها مما يكون موضوعه فعل المكلف الذي هو كلي قابل للتقييد، لعدم العبرة بالتسامح العرفي في موضوع الاستصحاب.

و إلا كان مقتضي الاستصحاب وجوب إبقائه مستقبلا ما لم يرفع عن الأرض،

ص: 14

______________________________

إذ لا يجب الاستقبال به حالة الرفع قطعا، فإذا وضع عليها كان مقتضي الاستصحاب عدم وجوب الاستقبال به.

و لا مجال لاستصحاب وجوبه بعده حتي بنحو الاستصحاب التعليقي. و ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من أنه ربما يجري، فيقال: كان قبل الرفع بحيث لو وضع لوجب الاستقبال به، فكذا بعد ما رفع. كما تري، فإنه لا يتعين بالقضية التعليقية قبل الرفع، إذ لا معني لوضعه قبل رفعه، بل المتيقن بضميمة وجوب الاستقبال به ما دام علي الأرض، و لا موضوع له بعد الرفع.

و مثله ما ذكره قدّس سرّه من ظهور قوله عليه السّلام في صحيح سليمان: «و كذلك إذا غسل» في عدم وجوب الاستقبال به بين الموت و التغسيل، و إلا كان المناسب أن يقول: إلي أن يغسل. و بذلك يمتنع الرجوع لاستصحاب وجوب الاستقبال ما لم يرفع و إن كان جاريا في نفسه.

لاندفاعه: بأن غلبة نقله قبل التغسيل عن موضعه تمنع من التعبير بما يدل علي استمرار وجوب الاستقبال إلي حين التغسيل، و إن كان واجبا كلما وضع علي الأرض.

فالعمدة ما ذكرنا من عدم جريان الاستصحاب لا قبل رفعه و لا بعده. فلاحظ.

هذا، كله بناء علي ظهور النصوص المتقدمة في الاستقبال حين الاحتضار. أما بناء علي ما ذكرنا آنفا من ظهور صحيح سليمان بن خالد و موثق معاوية بن عمار في الاستقبال به بعد الموت فالكلام يقع تارة: في حكمه، و أخري: في أمده.

أما الأول فلا مجال لاستفادة وجوبه من صحيح سليمان بن خالد، لأن الأمر فيه بالاستقبال قيدا في التسجية- التي سبق أنها بمعني التغطية المستحبة- يمنع من استفادة وجوبه من الأمر المذكور. و مجرد ظهور الأمر في أن المقصود الأصلي بالبيان هو القيد دون المقيد- كما تقدم آنفا- لا يكفي في حمله علي الوجوب بعد فرض عدم وجوب المقيد. فلم يبق إلا موثق معاوية الذي تقدم احتمال حمله علي كيفية الاستقبال دون حكمه، ليكون ظاهر الأمر فيه الوجوب، بل المتيقن منه الرجحان، و لو بنحو الاستحباب. فتأمل.

مضافا إلي ظهور عدم بناء الأصحاب علي ذلك، لعدم تنبيههم عليه، و إنما

ص: 15

______________________________

وقع كلامهم في الاستقبال حال الاحتضار، و من البعيد جدا اكتفاؤهم عن بيانه بمجرد غلبة إبقائه علي حالته حين الاحتضار الذي اختلفوا في وجوب الاستقبال به حينه و استحبابه. إذ قد لا يستقبل به حالة الاحتضار، عصيانا لوجوبه، أو للبناء علي استحبابه، أو لتعذره، فيحتاج لبيان وجوبه بعده لو كان ثابتا، لشدة الحاجة إليه، فعدم بيانهم ظاهر في مفروغيتهم عن عدمه، و حيث لا يمكن عادة خطؤهم في ذلك، بسبب شيوع الابتلاء بالمسألة، و لا سيما في الموارد الملفتة للنظر، كالوقائع الحربية التي يكثر فيها القتلي. لزم البناء علي عدم وجوبه. بل يأتي في صحيح يعقوب بن يقطين «1» التصريح بعدم وجوب الاستقبال حين التغسيل، و هو مناسب لعدم وجوبه قبله، لاستبعاد خصوصية التغسيل في عدم الوجوب، بل الأنسب أولويته بالوجوب. و من هنا يتعين البناء علي الاستحباب. فلاحظ.

و أما الثاني- و هو الكلام في أمد الاستقبال فمن الظاهر أن حديث سليمان بن خالد لم يتضمن بيان أمد الاستقبال، بل مجرد الأمر بإحداثه بعد الموت، إلا أن القطع بعدم إرادة صرف الوجود و لو آنا ما، و لا سيما مع أخذه قيدا في التسجية المبتنية علي الاستمرار، مستلزم لكون المتيقن منه إرادة الاستمرار مدة بقائه علي الأرض.

أما موثق معاوية بن عمار فحيث لم يكن الموضوع فيه الموت، بل الميت الذي هو عنوان استمراري، فهو ظاهر في أن الأمر بالاستقبال يستمر باستمراره، غايته أنه يسقط حالة رفعه و نقله عن موضعه، لاستبعاد الأمر به حينئذ و لو استحبابا، فلا ينافي ثبوته كلما وضع، عملا بإطلاقه. نعم بناء علي أن الموثق غير وارد للأمر بالاستقبال، بل لبيان كيفيته بعد الفراغ عن مشروعيته، فلا إطلاق له في مشروعيته، بل يقتصر فيه علي المتيقن المتقدم، و هو ما قبل رفعه في المرة الأولي. هذا كله قبل إكمال تغسيله، أما بعده فسيأتي الكلام فيه عند التعرض لكيفية الاستقبال إن شاء اللّه تعالي.

الثالث: صرح بعضهم بأنه لا فرق بين الرجل و المرأة في هذا الحكم،

كما صرح غير واحد بأنه لا فرق بين الصغير و الكبير. و من الظاهر أن حديث زيد بن علي عليه السّلام الذي هو عمدة ما تضمن الاستقبال حال الاحتضار وارد في قضية خاصة لا إطلاق

______________________________

(1) الوسائل باب: 5 من أبواب غسل الميت حديث: 2.

ص: 16

______________________________

لها، بل مورده الرجل. إلا أن الظاهر إلغاء خصوصيته عرفا و التعدي منه للمرأة.

كما لا يبعد التعدي منه للصغير و إن لم يخل عن إشكال، بلحاظ أن عدم بلوغه مرتبة التكليف و الخطاب و سقوط القلم عنه قد يناسب عدم حصول الفائدة التي تضمنها الحديث أو قلة الاهتمام بتحصيلها له. و أما صحيح سليمان بن خالد و موثق معاوية بن عمار الظاهران في الاستقبال بعد الموت فحيث كان موضوعهما الميت كان إطلاقهما شاملا للمرأة و الصغير بلا إشكال.

نعم، صرح غير واحد بقصور الحكم عن الكافر، بل ظاهر بعضهم المفروغية عنه. و كأنه لظهور كون الحكم المذكور كسائر أحكام الميت المذكورة له متفرعة علي احترامه، و لا حرمة للكافر. و لذا ورد التصريح بعدم ثبوت بعض أحكام الميت له في بعض النصوص، بل الظاهر الإجماع عليه في جميعها، علي ما يذكر في محله. مضافا إلي ما يأتي في غير المؤمن.

بل في الروض: «و قد كان ينبغي اختصاص الحكم بمن يعتقد وجوبه، فلا يجب توجيه المخالف إلزاما له بمذهبه، كما يغسل غسله و يقتصر في الصلاة علي أربع تكبيرات». و مراده بقرينة ذيل كلامه بإناطة الحكم بمن يعتقد ثبوته ليس هو كون اعتقاد المحتضر للوجوب منجزا له ظاهرا في حق الحاضرين له و اعتقاده عدمه معذرا منه في حقهم، لينافي ما هو المعلوم من أن المعيار في تنجيز الحكم علي المكلف اعتقاده، لا اعتقاد من يتعلق به الفعل، كالمحتضر في المقام، و الميت في أحكامه، و المتفق عليه في وجوب النفقة و غيرهم، بل مراده أن اعتقاد المحتضر المخالف لعدم الوجوب رافع له في حق الحاضرين واقعا، لقاعدة الإلزام الجارية في حق المخالفين و نحوهم من أهل الأديان الباطلة. و منه يظهر أنه لا مجال لما في حاشية جمال الدين الخوانساري من الإشكال عليه بأن المناط رأي الحاضر لا الميت.

نعم، قد يشكل ما ذكره قدّس سرّه بعدم وضوح كون المورد من صغريات قاعدة الإلزام، لأن الاستقبال بالميت و إن كان من شئون احترامه، إلا أنه لم يتضح كونه من حقوقه التي يكون سقوطها مقتضي إلزامه، و لا سيما الاستقبال به بعد الموت. و أما الاستشهاد لذلك بأنه يغسل غسله، و يقتصر في الصلاة عليه علي أربع تكبيرات. فلا

ص: 17

______________________________

مجال له، لعدم وضوح ثبوت الأول، و دلالة النصوص الخاصة علي الثاني في الجملة.

و يأتي الكلام فيهما في محله إن شاء اللّه تعالي.

فالعمدة في المقام حديث زيد- الذي هو عمدة الدليل علي الاستقبال حال الاحتضار- وارد في قضية خاصة لا إطلاق لها، و موردها غير المخالف، لعدم ظهور الخلاف و الافتراق بين الأمة إلا بعد النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم. بل التعليل فيه لا يناسب العموم للمخالف. كما أن المتيقن من قوله عليه السّلام في صحيح سليمان بن خالد الوارد في الاستقبال بعد الموت: «إذا مات لأحدكم ميت» هو المؤمن، لأن إضافته للمخاطبين قد يكون بلحاظ اخوته معهم في الدين. نعم الظاهر ثبوت الإطلاق لموثق معاوية بن عمار الذي تقدم أنه وارد في الاستقبال بعد الموت أيضا، بناء علي أنه وارد لبيان الأمر بالاستقبال، لا لبيان كيفيته بعد الفراغ عن مشروعيته، فيحتاج إخراج المخالف منه لدعوي انصرافه عنه بلحاظ عدم أهليته للاحترام. فتأمل.

الرابع: لا إشكال في سقوط وجوب الاستقبال- لو تم في نفسه- واقعا بتعذره.

و الظاهر سقوطه عن التنجز بالجهل بالقبلة و اشتباهها بين جميع الجهات، كما نبه له في الجملة غير واحد، لتعذر الاحتياط فيه بالتكرار، و انحصار الأمر بالاحتمال الذي هو حاصل علي كل حال. لكن عن الذكري احتمال الوجوب بالنسبة للأربع جهات، فضلا عن الجهتين.

و هو كما تري، إذ بناء علي أن الواجب هو الاستقبال في خصوص حال الموت فالجمع بين أكثر من جهة متعذر فيه، و بناء علي أن الواجب الاستقبال في تمام حال الاحتضار فالجمع بين أكثر من جهة فيه و إن كان ممكنا إلا أن الموافقة القطعية الإجمالية معه مقترنة بالمخالفة كذلك، و من ثم لا تترجح علي الموافقة الاحتمالية الحاصلة بتوجيهه إلي جهة واحدة، علي ما ذكرناه عند الكلام في أن التخيير عند الدوران بين محذورين ابتدائي أو استمراري. و إنما يتم ما ذكره لو كان الواجب هو مسمي الاستقبال و لو في آن ما من حال الاحتضار، حيث يمكن حينئذ الاحتياط التام بجعله في حال الاحتضار إلي تمام الجهات الأربع. لكن لا يظن بأحد البناء عليه.

نعم، لا يبعد البناء علي حرمة المخالفة القطعية بالتوجه إلي ما يعلم بخروجه

ص: 18

بأن يلقي علي ظهره و يجعل وجهه و باطن رجليه إليها (1).

______________________________

عن القبلة، لأن تعذر الموافقة القطعية لا يستلزم جواز المخالفة القطعية، علي ما ذكرناه في مباحث العلم الإجمالي من الأصول. كما أن الكلام في سعة الاستقبال مطلقا أو في حال الجهل بها، و الكلام في طرق التعبد بها حال الجهل موكول إلي محله من مباحث القبلة من كتاب الصلاة.

كيفية استقبال المحتضر و الميت
اشارة

(1) كما صرح به جماعة من الأصحاب، و يظهر من غير واحد أنه من المسلمات، بل في المعتبر و التذكرة و المستند و ظاهر كشف اللثام دعوي الاجماع عليه، و عن الذخيرة نفي الخلاف فيه، و عن الخلاف دعوي الإجماع عليه، و يأتي التعرض لما ذكره.

و يقتضيه النصوص الكثيرة المتقدم بعضها بعد الجمع بينها و ضم بعضها إلي بعض، حيث تضمن بعضها الاستقبال بالوجه و القدمين- كصحيحي سليمان بن خالد و ابن أبي عمير عن الشعيري «1» المتقدمين- و بعضها الاستقبال بالقدمين- كموثق معاوية بن عمار «2» المتقدم و مرسل الصدوق «3» - و بعضها الاستقبال بالوجه كصحيح ذريح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: «و إذا وجهت الميت للقبلة فاستقبل بوجهه القبلة لا تجعله معترضا كما يجعل الناس، فإني رأيت أصحابنا يفعلون ذلك، و قد كان أبو بصير يأمر بالاعتراض، أخبرني بذلك علي بن أبي حمزة «4». فإذا مات الميت فخذ في جهازه» «5». فإن المستفاد من مجموعها لزوم الامتداد نحو القبلة بنحو تكون في جهة الرجلين، في مقابل ما إذا كانت في جهة الرأس، و الاعتراض الذي عليه بعض العامة، و يراد بالاستقبال بالوجه ما يحصل بسبب انحداره إلي أسفل خصوصا مع رفع الرأس قليلا علي الوسادة و نحوها.

نعم، لم تتضمن النصوص الاستلقاء علي الظهر، بل مقتضي إطلاقها تأدي الوظيفة بالاضطجاع علي أحد الجانبين، و بالانكباب علي الوجه، و بالجلوس مع مدّ الرجلين الذي كثيرا ما يكون المريض عليه. كما يناسبه اشتراك حالتي التغسيل

______________________________

(1) الوسائل باب: 35 من أبواب الاحتضار حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 35 من أبواب الاحتضار حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 35 من أبواب الاحتضار حديث: 4.

(4) لا يبعد أن يكون قوله: (فإني رأيت … إلي قوله: أبي حمزة) من كلام بعض رجال السند. (منه عفي عنه)

(5) الوسائل باب: 35 من أبواب الاحتضار حديث: 1.

ص: 19

______________________________

و الاحتضار في كيفية الاستقبال مع تضمن جملة من نصوص التغسيل «1» إقعاده، و إضجاعه علي كل من الجانبين، في أثناء التغسيل، و منها ما تضمن الأمر بالاستقبال به «2». و هو مقتضي إطلاق المقنعة و الخلاف- مدعيا فيه الإجماع علي الكيفية- و النهاية و المراسم و الوسيلة و غيرها، و لعل ذكر جماعة من الأصحاب الاستلقاء علي الظهر لأنه الأيسر علي المحتضر غالبا، و الأسهل في توجيه الميت بعد الموت، أو لتخيلهم وجوبه بسبب السيرة، التي قد تكون ناشئة عن ذلك، و لا مجال لمتابعتهم فيه بعد ما ذكرنا.

هذا، و لو تعذرت الكيفية المذكورة، كما لو كان منحرف الرجلين فوجوب الممكن منها بامتداد باقي الجسد للقبلة لا يخلو عن إشكال، لعدم وضوح جريان قاعدة الميسور في ذلك بعد عدم تمامية العمومات المستدل بها. اللهم إلا أن يستفاد من النصوص أن ذكر الاستقبال بباطن القدمين للكناية عن امتداد البدن نحو القبلة و إن كانت الأطراف منحرفة عنها، في مقابل الاعتراض، فيدخل ذلك في الاطلاق بلا حاجة لقاعدة الميسور. فتأمل.

و أشكل من ذلك ما في العروة الوثقي من الانتقال إلي الكيفيات الأخري في الاستقبال بتوجيهه جالسا، أو مضطجعا علي الأيمن أو الأيسر مع تعذر الجلوس.

فإن الظاهر أن مراده الاضطجاع علي أحد الجانبين مع الاعتراض الذي هو أحد وجوه الاستقبال حال الصلاة. و يشكل- مضافا إلي ما ذكرناه من عدم جريان قاعدة الميسور في المقام- بأن الاضطجاع لا يعد ميسورا عرفا للكيفية المطلوبة، و لا دليل آخر علي بدليته منها. بل هو بالنحو المذكور ينافي ما تضمن النهي عن الاعتراض، كما أشار إليه في الجواهر. نعم تقدم أن الجلوس في الجملة داخل في الكيفية المطلوبة، و مشمول لإطلاق أدلتها. فلاحظ.

بقي شي ء:

و هو أن يعقوب بن يقطين روي في الصحيح قال: «سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن الميت كيف يوضع علي المغتسل، موجها وجهه نحو القبلة أو يوضع علي يمينه و وجهه نحو القبلة؟ قال: يوضع كيف تيسر، فإذا طهر وضع كما يوضع في

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 3 من أبواب غسل الميت.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب غسل الميت حديث: 3، 5.

ص: 20

بل الأحوط وجوب ذلك علي المحتضر نفسه إن أمكنه ذلك (1)

______________________________

قبره» «1». و مقتضاه تبدل هيئة الاستقبال بعد الغسل.

نعم، الظاهر عدم وجوب ذلك، لعدم تنبيه الأصحاب عليه، حيث يظهر منهم البناء علي عدم الوجوب، و لو كان واجبا لم يخف عليهم لشيوع الابتلاء بذلك، كما تقدم في نظيره.

هل يعتبر استئذان الولي في الاستقبال
اشارة

(1) كما استظهره في الجواهر و شيخنا الأعظم قدّس سرّه. و هو غير بعيد. من دون فرق بين البناء علي كونه واجبا كفائيا و كونه مختصا ببعض المكلفين، كالولي أو الحاضرين، فإن اهتمام الشارع بإيصال النفع إليه بفعل الغير يناسب تكليفه به مع قدرته عليه، و إن كان ذلك لا يناسب الجمود علي مفاد النصوص. بل في الجواهر أنه قد يدعي اختصاص الوجوب به حينئذ، لانصراف الأمر للغير في الأخبار السابقة إلي الغالب من صورة عجزه، بنحو يمنع من حجية إطلاقها في فرض قدرته، و لم يستبعده شيخنا الأعظم قدّس سرّه.

لكنه لا يخلو عن إشكال، لأن اهتمام الشارع بإيصال النفع إليه مع عجزه بتكليف الغير لا ينافي عموم تكليف الغير لصورة قدرته، و لا سيما إذا كان معذورا لغفلة أو نحوها، ليعتد بالانصراف المدعي. فتأمل.

هذا، و لو كان الاستقبال به بعد الموت واجبا فلا مجال للبناء علي تكليفه به بحيث يجب عليه تحصيله بتهيئة مقدماته لو احتمل فوته بعد الموت بدونها، لعدم وضوح كون الغرض منه فائدة عائدة إليه، ليجري فيه ما سبق.

بقي في المقام أمران:
الأول: صرح في الشرائع و غيره بأن التكليف بالاستقبال كفائي،

بل في الجواهر:

«بلا خلاف أجده فيه». و قد يظهر من بعض عباراتهم مشاركته لبقية أحكام الميت في وجه ذلك. و لا يخلو عن إشكال بعد كون عمدة الدليل عليه حديث زيد، و لا ظهور له في عموم الخطاب للمكلفين، بل هو ظاهر في تكليف خصوص الحاضرين- كما قد يظهر من كلام المقنعة الآتي في التلقين-. و إلغاء خصوصيتهم عرفا غير ظاهر، لقرب

______________________________

(1) الوسائل باب: 5 من أبواب غسل الميت حديث: 2.

ص: 21

______________________________

خصوصيتهم بسهولة ذلك عليهم.

و منه يظهر أنه لا مجال لاستفادة العموم من التعليل، بدعوي: أن اهتمام الشارع بإيصال النفع المذكور للمحتضر لما كان بنحو يقتضي تكليف غيره فلا خصوصية للحاضر فيه. لاندفاعها بأن الاهتمام المذكور قد لا يكون بمرتبة تقتضي تكليف غير الحاضر ممن يكون التكليف عليه أشق من التكليف علي الحاضر.

نعم، بناء علي ما ذكرنا من استحبابه لا يبعد البناء علي عموم المكلفين بلحاظ التعليل المذكور، لعموم حسن إيصال النفع للمؤمن.

هذا، و أما الاستقبال بعد الموت فالمتيقن من صحيح سليمان بن خالد «1» توجه الخطاب به لأهله، و مقتضي إطلاق موثق معاوية بن عمار «2» توجيهه لعموم المكلفين، بناء علي وروده للأمر به، لا لبيان كيفيته بعد الفراغ عن مشروعيته.

هذا، و قد ادعي في الحدائق أن جميع أحكام الميت- و منها أحكام الاحتضار- متوجهة إلي الولي. و هو مبني.. أولا: علي كون المورد من موارد الرجوع للولي. و ثانيا:

علي منافاة الرجوع للولي لتكليف غيره. و سيأتي في الأمر الثاني المنع من الأول، و في المسألة الثانية في الفصل الثاني المنع من الثاني.

الثاني: صرح في العروة الوثقي بلزوم استئذان الولي في الاستقبال المذكور.
اشارة

و قد يظهر مما سبق من الحدائق من الكلام في اختصاص التكليف اختباره.

و قد يستدل عليه بوجوه:

أولها: عموم ما دل علي أن أولي الناس بالميت أولاهم بميراثه،

لدعوي: عمومه للمقام، لعموم بعض معاقد الإجماع الذي هو الدليل عليه. قال في الجواهر: «قد يظهر من جامع المقاصد و غيره فيما يأتي تعميم حكم الولاية بالنسبة إلي سائر أحكام الميت، بل استظهر في الأول الإجماع علي ذلك».

و يشكل بعد ثبوت العموم المذكور، و المتيقن من معقد الإجماع المدعي في جامع المقاصد غير ذلك مما يترتب بعد الموت، كالتغسيل و ما بعده.

______________________________

(1) الوسائل باب: 35 من أبواب الاحتضار حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 35 من أبواب الاحتضار حديث: 4.

ص: 22

و ذكر العلماء رضي اللّه عنهم أنه يستحب نقله إلي مصلاه (1)

ثانيها: قوله تعالي: و أولوا الأرحام بعضهم أولي ببعض في كتاب اللّه

______________________________

(وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْليٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ) «1».

و يشكل بأنه ظاهر في تعيين الأولي بعد الفراغ عن كون المورد من موارد الحاجة للأولي، لا في بيان توقف الأفعال علي مراجعة الولي، فلو تم إطلاق الخطاب بالأحكام يقتضي عدم الحاجة إليه كان واردا عليه.

ثالثها: أن التوجيه المذكور تصرف في بدن المحتضر لا يجوز بغير إذن الولي.

و فيه.. أولا: أن ولي المحتضر نفسه مع كماله، و وليه الخاص مع الحجر عليه.

و لازم ذلك الاستئذان من أحدهما مع الإمكان، و بدونه لا وجه للاكتفاء بإذن الولي في تجهيزه، لاختصاص دليل ولايته بما بعد الموت، بل يلزم الرجوع لما تقتضيه القواعد فيمن لا ولي عليه مع الاحتياج للولي، من الرجوع للحاكم الشرعي- لو تم عموم ولايته- أو لما تقتضيه القواعد في الأمور الحسبية من الاقتصار علي المتيقن باستئذان كل من يحتمل اعتبار إذنه.

و ثانيا: أن مقتضي إطلاق الخطاب بالتوجيه للقبلة حال الاحتضار و بعد الموت في النصوص السابقة جواز التصرف في بدن المحتضر و الميت بذلك من دون إذن، و به يخرج عن عموم الحرمة.

و دعوي: أن النصوص المذكورة واردة لبيان وجوب التوجيه من دون نظر للسلطنة علي القيام به. ممنوعة، بل الظاهر منها جواز القيام به فعلا و سلطنة المخاطبين به عليه بنحو يستغني عن الاستئذان من أي شخص. و لعله لذا ذكر في الجواهر أنه قد يظهر من الأصحاب عدم اعتبار إذن الولي، لعدم تعرضهم لذلك. ثم إنه لا يفرق في ذلك بين البناء علي وجوب الاستقبال و البناء علي استحبابه. كما أنه ينفع في الآداب الآتية، و لو كان في بعضها مخرج عنه ينبه عليه إن شاء اللّه تعالي.

في استحباب نقل المحتضر إلي مصلاه إن اشتد عليه النزع

(1) كما تضمنته جملة من النصوص. ففي موثق ليث أو صحيحه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: إن أبا سعيد الخدري قد رزقه اللّه هذا الرأي و أنه اشتد نزعه

______________________________

(1) سورة الأنفال: 75.

ص: 23

______________________________

فقال: احملوني إلي مصلاي فحملوه فلم يلبث أن هلك» «1». و قريب منه غيره في قصة أبي سعيد، و ما تضمن الأمر به ابتداء.

لكن في صحيح عبد اللّه بن سنان عنه عليه السّلام: «إذا عسر علي الميت موته و نزعه قرب إلي مصلاه الذي كان يصلي فيه» «2» و في خبر حريز عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال:

إذا دخلت علي مريض و هو في النزع فقل له: ادع بهذا الدعاء يخفف اللّه عنك … ثم لقنه كلمات الفرج، ثم حول وجهه إلي مصلاه الذي كان يصلي فيه، فإنه يخفف عنه و يسهل أمره بإذن اللّه» «3». و قد يحملان بقرينة النصوص الأخر علي الكناية عن النقل إلي المصلي، و إلا يطرحان لعدم نهوضهما بمعارضة النصوص الأخر، لأنها أظهر، و أشهر رواية، و عليها عمل الأصحاب، مع بعد الجمع بالحمل علي التخيير. فتأمل.

هذا، و أما الاستدلال عليه في المعتبر بأن مواطن الصلاة مظنة الرحمة و هو مقام استرحام. فهو كما تري، إذا الظن بنفسه لا ينهض بالمطلوب، بل لا بد فيه من النصوص، فتكون هي العمدة في المقام.

ثم إن الظاهر من المصلي في النصوص و جملة من الفتاوي المكان الذي يصلي فيه، لأن ذلك هو مفاد الهيئة، و مقتضي التوصيف في بعض النصوص بقوله: «الذي يصلي فيه» و المناسب للأمر في جملة منها بنقل المحتضر و حمله إليه، لظهوره في كون المصلي ثابتا لا ينقل.

لكن في الفقيه و نسخة من المقنع و المسالك و الروض و الروضة و كشف اللثام و عن المدارك و غيرها أنه الذي كان يصلي فيه أو عليه، و ظاهر جملة منها إرادة التخيير بين المكان الذي يصلي فيه و الفراش الذي يصلي عليه. و كأنه لصحيح زرارة:

«قال: إذا اشتد عليه النزع فضعه في مصلاه الذي كان يصلي فيه أو عليه» «4»، بحمله علي التوسع في إطلاق المصلي علي فراش الصلاة لتنزيله منزلة مكانها، فيكون للمصلي فردان: حقيقي، و هو مكان الصلاة، و مجازي، و هو فراشها، أشير لكل منهما في صلة الموصول الذي أريد بتوصيف المصلي به شرحه. و منه يظهر أنه لا يبتني علي استعمال

______________________________

(1) الوسائل باب: 40 من أبواب الاحتضار حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 40 من أبواب الاحتضار حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 40 من أبواب الاحتضار حديث: 7.

(4) الوسائل باب: 40 من أبواب الاحتضار حديث: 2.

ص: 24

إن اشتد عليه النزع (1)،

______________________________

المصلي في معنيين، كما أشار إليه سيدنا المصنف قدّس سرّه.

لكن ذلك ليس بأولي من حمل: «أو عليه» في الصحيح علي خصوص الأرض التي يصلي عليها، و يكون العطف بين أمرين متلازمين خارجا، نظير العطف بين المترادفين، كما هو الظاهر من بعض نسخ المقنع، حيث قال: «الذي يصلي فيه أو عنده».

و لعل الثاني أنسب بلحاظ تضمن الصحيح الأمر بوضع المحتضر في المصلي، الظاهر في كونه من سنخ المكان الثابت الذي ينقل إليه المحتضر، لا المنقول الذي يوضع تحته.

و أشكل من ذلك ما في الوسيلة من الجمع بين الأمرين، حيث قال: «و نقله إلي موضع صلاته، و بسط ما كان يصلي عليه تحته» و نحوه ما عن ابن سعيد، حيث لا شاهد علي ذلك. إلا أن يبتني علي دعوي إجمال المصلي في النصوص و تردده بين المكان و الفراش، فيحتاط بالجمع بينهما. و يظهر ضعفه مما تقدم.

(1) كما قيده بذلك في المقنع و المبسوط و النهاية و الوسيلة و السرائر و التذكرة و المنتهي و القواعد و الدروس و غيرها، بل لعله المعروف. لأن النصوص بين ما قيد فيه به كصحيح عبد اللّه بن سنان المتقدم و غيره، و ما اختص مورده به، كحديث ليث المتقدم و غيره.

و أطلق في الشرائع و النافع و المعتبر و الإرشاد و اللمعة، بل في الحدائق أنه ظاهر الأكثر، و إن لم يتضح لنا وجهه بعد ما عرفت منهم. و قد يستدل له- مضافا إلي عموم الوجه الاعتباري المتقدم من المعتبر، و الذي عرفت حاله- بأن المناسبات الارتكازية تقضي بمطلوبية الكون في المصلي، و أن ذكر الفائدة التي تضمنتها النصوص من تسهيل أمره إنما هو لتأكيد الداعي لذلك ببيان الفائدة، لا بنحو تكون قيدا في المطلوبية. و لا سيما و أن الفائدة المذكورة كما تقتضي النقل بعد اشتداد النزع لتخفيف الأمر كذلك تقتضي النقل بدونه لتجنب حصول الشدة.

و استشكل فيه في الجواهر بورود النهي عن مس المحتضر «1»، و بمخالفته لمفهوم

______________________________

(1) الوسائل باب: 44 من أبواب الاحتضار حديث: 1.

ص: 25

______________________________

الشرط في بعض النصوص الموافق لفتوي الأكثر.

و يندفع: بأنه لا تلازم بين النقل و المس الممنوع عنه، و لو استلزمه أشكل الحال حتي مع اشتداد النزع، و لذا جمع في الرضوي بين الأمر بالنقل مع اشتداد النزع و النهي عن المس «1». و لا مجال للتعويل علي المفهوم مع التعليل المتقدم، بل يتعين حمله علي أنه مسوق لتحقيق مورد شدة الحاجة لذلك، فلا ينافي المطلوبية بدونه. كما قد يمكن ذلك في عبارات الأكثر علي أنها لا تنهض بالخروج عن ظاهر التعليل.

اللهم إلا أن يقال: الوجه المذكور إنما يقتضي رجحان كون المحتضر في المصلي مطلقا، و هو لا يستلزم استحباب نقله إليه في حق الغير، إذ قد ينافي سلطنته أو سلطنة وليه علي نفسه و ماله، بل لا بد في استحبابه في حق الغير فعلا من ترخيص الشارع له فيه، الذي هو أولي بالمحتضر من نفسه، و المتيقن منه صورة اشتداد النزع، لاختصاص النصوص به. و لا مانع من اختصاص الاستحباب بها مع عموم التعليل المتقدم، لأن اهتمام الشارع بالنقل للمصلي أو بحصول فائدته المذكورة للمحتضر قد لا تكون بمرتبة تقتضي رفع اليد عن السلطنة إلا في حال النزع و فعلية الحاجة للفائدة المذكورة.

و بعبارة أخري: الوجه المتقدم إنما يقتضي رجحان كون المحتضر في المصلي مطلقا بحيث يحسن منه نفسه السعي له و لو بالأمر بنقله إليه، و كذا من غيره لو لم يناف السلطنة، كما لو كان مفوضا إليه الأمر من قبله. و يعضده في ذلك ما عن مصباح الأنوار عن سلمي ممرضة الزهراء عليها السّلام قالت: «ثم قالت يا سلمي هلمي ثيابي الجدد فأتيتها بها فلبستها، ثم جاءت إلي مكانها الذي تصلي فيه فقالت: قربي فراشي إلي وسط البيت، ففعلت، فاضطجعت … » «2».

أما مع منافاته للسلطنة فلا يجوز له إلا في حال اشتداد النزع عليه، لأنه المتيقن من النصوص. و منه يظهر أنه لا مجال للاستدلال علي استحباب النقل بنحو ينافي السلطنة بما ورد في قصة أبي سعيد الخدري حتي في صورة اشتداد النزع، لصراحة حديث ليث المتقدم في إذن أبي سعيد نفسه بذلك. اللهم إلا أن تكون حكاية

______________________________

(1) كتاب الفقه الرضوي: 17.

(2) مستدرك الوسائل باب: 30 من أبواب الاحتضار حديث: 2.

ص: 26

و تلقينه الشهادتين (1)،

______________________________

الامام عليه السّلام للقصة ظاهرة في الحث علي النقل للمصلي، و حيث يغلب تعذر استئذان المحتضر مع اشتداد النزع عليه يكون ظاهرا في عدم اعتبار إذنه. علي أنه يكفي إطلاق صحيحي عبد اللّه بن سنان و زرارة المتقدمين، معتضدا بإطلاق النصوص الأخر التي لم تبلغ أسانيدها درجة الاعتبار. فتأمل.

استحباب تلقين المحتضر الشهادتين و الإقرار بالنبي ص و الأئمة ع و سائر الاعتقادات الحقة
اشارة

(1) و يقتضيه- مضافا إلي رجحانه ذاتا، خصوصا في هذا الحال الذي يكون الملقّن فيه أحوج ما يكون للتذكير بالحق و الثبات عليه- النصوص، ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: إذا حضرت الميت قبل أن يموت فلقنه شهادة أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، و أن محمدا عبده و رسوله» «1». بل في خبر أبي خديجة عنه عليه السّلام: «ما من مؤمن يحضره الموت إلا وكّل به إبليس من شياطينه من يأمره بالكفر و يشككه في دينه حتي يخرج نفسه [فمن كان مؤمنا لم يقدر عليه] «2» فإذا حضرتم موتاكم فلقنوهم شهادة أن لا إله إلا اللّه و أن محمدا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله حتي يموتوا» «3».

و ظاهره استحباب الاستمرار عليها حتي الموت.

لكن في موثق إسحاق بن عمار عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام: «إن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال: لقنوا موتاكم لا إله إلا اللّه، فإن من كان آخر كلامه لا إله إلا اللّه دخل الجنة» «4» و نحوه غيره مما هو صريح في استحباب الختم بلا إله إلا اللّه، الذي قد لا يحرز إلا بتكرارها وحدها عدة مرات، و مقتضي القاعدة- بعد غض النظر عن ضعف سند الأول- الجمع باستحباب كلا الأمرين، و إن كان الثاني أفضل لظهور دليله في قوة ملاكه.

و أما الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام و عن حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال إنكم تلقنون موتاكم عند الموت لا إله إلا اللّه، و نحن نلقن موتانا محمد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله» «5». فلا يبعد حمله علي إرادة ضم التلقين بالرسالة للتلقين

______________________________

(1) الوسائل باب: 36 من أبواب الاحتضار حديث: 1.

(2) ما بين القوسين ساقط في رواية الحديث مرسلا في الفقيه.

(3) الوسائل باب: 36 من أبواب الاحتضار حديث: 3.

(4) الوسائل باب: 36 من أبواب الاحتضار حديث: 9.

(5) الوسائل باب: 36 من أبواب الاحتضار حديث: 2.

ص: 27

______________________________

بالتوحيد، في مقابل ما قد ينسب للعامة أو يتوهم من مثل موثق إسحاق المتقدم من الاقتصار علي التوحيد، لا علي إرادة الاقتصار علي التلقين بالرسالة، لمنافاته للنصوص الكثيرة المشتملة علي الأمر بالتلقين بالتوحيد.

و أما ما عن الوافي من أن ذلك لأنهم مستغنون عن تلقين التوحيد، لأنه خمّر بطينتهم. فهو كما تري، لأن المراد بموتانا إن كان هو الأئمة عليهم السّلام فلا فرق معتد به بين التوحيد و الرسالة في حقهم. مع أنهم مستغنون عن التلقين مطلقا، و لذا لم يرو في شي ء من الأخبار المتضمنة لنقل كيفية وفاياتهم عليهم السلام. و إن كان هو غيرهم عليهم السّلام من أقربائهم نسبا و سببا و مواليهم و نحوهم، لبيان الحث علي ذلك- كما هو الظاهر- فهم في حاجة للأمرين، بل تضمنت بعض النصوص الآتية تلقينهم عليهم السّلام بعض بني هاشم كلمات الفرج أو نحوها، كما تضمنت النصوص المتقدمة الحث علي تلقين التوحيد، و قد ذكر أكثر ذلك في الحدائق و الجواهر.

هذا، و المعروف بين الأصحاب استحباب التلقين، بل في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه، و في كشف اللثام أنه اتفاقي. لكن في المقنعة: «و إذا حضر العبد المسلم الوفاة فالواجب علي من يحضره من أهل الإسلام أنه يوجهه إلي القبلة … ثم يلقنه: أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، و أن محمدا عبده و رسوله و أن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السّلام ولي اللّه القائم بالحق بعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و يسمي الائمة له واحدا [واحدا.

ظ] ليقر بالإيمان … و يستحب أن يلقن كلمات الفرج». و هو ظاهر في وجوب التلقين بقرينة عطفه علي الواجب و تعقيبه باستحباب تلقين كلمات الفرج، و إن كان هو بعيدا في نفسه بعد ظهور إطباق الأصحاب علي الاستحباب حتي لم يشيروا إلي خلافه.

و من ثم لا يبعد حمله علي شدة الاستحباب، الذي لو تم جري في الاستقبال أيضا.

و كيف كان، فلا مجال للبناء علي الوجوب بعد ما عرفت من الأصحاب، لما تكرر في نظائره من استبعاد خطئهم في مثل ذلك مما يشيع الابتلاء به. بل نصوص التلقين بالشهادتين و بكلمة الاخلاص وحدها ظاهرة في جواز الاقتصار علي ما تضمنته و عدم وجوب التلقين بما زاد عليه كالولاية. و أما التعليل فلا مجال لسوقه قرينة علي الاستحباب بعد وضوح كون الفائدة دفع خطر الهلكة، حيث لا بعد في

ص: 28

و الإقرار بالنبي صلّي اللّه عليه و آله (1) و الأئمة عليهم السّلام (2)، و سائر الاعتقادات الحقة (3)،

______________________________

وجوب تحصيل ذلك للمحتضر علي من حضره. و لا أقل من عدم نهوض النصوص المشتملة علي التعليل برفع اليد عن النصوص الخالية عنه لو كانت ظاهرة في الوجوب.

فلاحظ.

(1) الإقرار به صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إنما هو بالاقرار برسالته، و هو حاصل بالشهادتين.

(2) كما يقتضيه- مضافا إلي رجحانه ذاتا، كما تقدم في الشهادتين، و إلي ما تقدم في خبر أبي خديجة من رفع التلقين خطر تشكيك الشيطان المحتضر في دينه- خبر أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام و فيه: «فقال: أما إني لو أدركت عكرمة قبل أن تقع النفس موقعها لعلمته كلمات ينتفع بها، و لكني أدركته و قد وقعت موقعها. فقلت: جعلت فداك و ما ذاك الكلام؟ قال: هو و اللّه ما أنتم عليه، فلقنوا موتاكم عند الموت شهادة أن لا إله إلا اللّه و الولاية» «1».

و أما ما في صحيح زرارة: «فقال أبو جعفر عليه السّلام: لو أدركت عكرمة عند الموت لنفعته. فقيل لأبي عبد اللّه عليه السّلام: بما إذا كان ينفعه؟ قال: يلقنه ما أنتم عليه» «2». فهو لا يدل علي استحباب تلقين المحتضر إذا كان من أهل الحق، بل علي انتفاع من ليس علي الحق بالإقرار به حتي حال الاحتضار، كما تضمنته جملة من النصوص. و حينئذ يدل علي استحباب تلقينه به أو وجوبه عند احتمال الاستجابة ما تضمن الأمر بالدعوة للحق و إرشاد الضالين.

(3) كالبعث و النشور و فرائض الإسلام و القبلة و غيرها من ضروريات الدين المميزة له. و لا دليل عليه من النصوص. و أما استفادته من إطلاق قوله عليه السّلام في حديثي أبي بصير و زرارة: «ما أنتم عليه». فتشكل بأنه- مضافا إلي ما سبق من عدم نهوضه باستحباب التلقين، بل بانتفاع من ليس علي الحق بالإقرار به حين الاحتضار- منصرف إلي الولاية التي بها امتياز عقيدة أهل الحق عن غيرهم ممن كان منهم عكرمة.

فينحصر وجه استحبابه بكونه راجحا ذاتا، و مؤكدا و مجلبا للإقرار بالدين

______________________________

(1) الوسائل باب: 37 من أبواب الاحتضار حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 37 من أبواب الاحتضار حديث: 1.

ص: 29

و تلقينه كلمات الفرج (1)،

______________________________

الذي تضمنت بعض النصوص المتقدمة و غيرها تعرض المحتضر للتشكيك فيه.

نعم، في معتبرة سليمان بن جعفر عن أبيه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام الحث من النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم علي الإقرار عند الموت أمام من يحضر بجملة من العقائد الحقة مقدمة للوصية، و أن من ترك الوصية بالنحو المذكور كان نقصا في مروته و عقله «1».

(1) و يقتضيه- مضافا إلي خبر حريز «2» و مرسلتي الكليني «3» و الصدوق «4» غير المتعرضة لشرحها- صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: إذا أدركت الرجل عند النزع فلقنه كلمات الفرج: لا إله إلا اللّه الحليم الكريم لا إله إلا اللّه العلي العظيم سبحان اللّه رب السماوات السبع و رب الأرضين السبع و ما فيهن و ما بينهن [و ما تحتهن. في، يب] و رب العرش العظيم و الحمد للّه رب العالمين» «5».

و في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله دخل علي رجل من بني هاشم و هو يقضي فقال له رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: قل: لا إله إلا اللّه العلي العظيم، لا إله إلا اللّه الحليم الكريم سبحان اللّه رب السماوات السبع و رب الأرضين السبع و ما بينهن [و ما تحتهن. فقيه، ئل] و رب العرش العظيم و الحمد للّه رب العالمين. فقالها فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: الحمد للّه الذي استنقذه من النار» «6». و رواه الصدوق مرسلا- كما في المطبوع الجديد منه، و حكاه عنه في كشف اللثام و الحدائق و الرياض، كما حكاه في الجواهر عن نسخة من هامش ما حضره من نسخه، و إن أهمله في الوسائل و محكي الوافي-: «و سلام علي المرسلين و الحمد للّه رب العالمين». كما زاد بعده قوله: «و هذه الكلمات هي كلمات الفرج» «7».

و في معتبرة القداح عنه عليه السّلام: «كان أمير المؤمنين عليه السّلام إذا حضر أحدا من أهل

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام الوصايا حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 40 من أبواب الاحتضار حديث: 7.

(3) الوسائل باب: 37 من أبواب الاحتضار حديث: 3.

(4) الوسائل باب: 38 من أبواب الاحتضار حديث: 4.

(5) الوسائل باب: 38 من أبواب الاحتضار حديث: 1.

(6) الوسائل باب: 38 من أبواب الاحتضار حديث: 2.

(7) الوسائل باب: 38 من أبواب الاحتضار حديث: 2. و من لا يحضره الفقيه ج 1: 77 طبع النجف الأشرف.

ص: 30

______________________________

بيته الموت قال له: قل: [لا إله إلا اللّه الحليم الكريم. يب، ئل] لا إله إلا اللّه العلي العظيم سبحان اللّه رب السماوات السبع و [رب] الأرضين السبع و ما بينهما [بينهن] و رب العرش العظيم و الحمد للّه رب العالمين فإذا قالها المريض قال: اذهب فليس عليك بأس» «1».

و المتعين العمل في تعيين كلمات الفرج علي صحيح زرارة، لتصريحه بشرحها دون غيره، و يتعين الجمع بينه و بين صحيح الحلبي و معتبر القداح باستحباب التلقين بمضمونهما و إن لم يكن مطابقا لكلمات الفرج. و مجرد تقارب مضامينها لا يلزم بكونها جميعا في مقام بيان كلمات الفرج بنحو يمنع من الجمع المذكور. و ما تقدم من الصدوق بعد ذكر مضمون صحيح الحلبي لا يبعد كونه اجتهادا منه. و لو كان من تتمة الرواية فليست بحجة بعد إرساله.

و يجري ذلك في خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: القنوت [قنوت] يوم الجمعة في الركعة الأولي بعد القراءة تقول في القنوت: لا إله إلا اللّه الحليم الكريم لا إله إلا اللّه العلي العظيم لا إله إلا اللّه رب السماوات السبع و رب الأرضين السبع و ما فيهن و ما بينهن و رب العرش العظيم و الحمد للّه رب العالمين … » «2».

نعم، في صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: إذا خرجت من بيتك تريد الحج و العمرة إن شاء اللّه فادع دعاء الفرج، و هو لا إله إلا اللّه الحليم الكريم لا إله إلا اللّه العلي العظيم سبحان اللّه رب السماوات السبع و رب الأرضين السبع و رب العرش العظيم و الحمد للّه رب العالمين … » «3». و لا بد من الجمع بينه و بين صحيح زرارة إما بالبناء علي أن كلمات الفرج غير دعائه، أو علي ان الزيادة المذكورة في صحيح زرارة من كمال كلمات الفرج. و ربما ادعي استحكام التعارض بينهما و ترجيح صحيح زرارة بأن التصحيف بالنقص في صحيح معاوية أقرب من التصحيف بالزيادة فيه. و لا يخلو عن إشكال.

و مما تقدم يظهر أن: «و سلام علي المرسلين» ليست من كلمات الفرج، و لعله لذا

______________________________

(1) الوسائل باب: 38 من أبواب الاحتضار حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 7 من أبواب القنوت حديث: 4.

(3) الوسائل باب: 19 من أبواب السفر الي الحج و غيره حديث: 5.

ص: 31

______________________________

لم يعدها في المقنع و الاقتصاد، خلافا لما تقدم من الفقيه، و لما في الهداية و المقنعة و المبسوط و الغنية و ظاهر التذكرة و المنتهي و الروض و الروضة و غيرها. بل لم يثبت استحباب التلقين بها، إذ لو تضمنتها رواية الصدوق فهي مرسلة. نعم لا بأس بالإتيان برجاء المطلوبية، بل بداعي الاستحباب المطلق، لأن السلام علي المرسلين من أفضل القربات.

و منه يظهر أنه لا مجال للإتيان بها في الصلاة بعنوان أنها من كلمات الفرج- التي قيل باستحبابها في القنوت- بل مطلقا، خلافا لما في المدارك من أنه لا ريب في جوازه، و ما عن المحقق من أنه سئل عنها في الفتاوي فجوزها، لأنها بلفظ القرآن، مع ورود النقل بها. لعدم ثبوت النقل. و مجرد كونها بلفظ القرآن لا يكفي في الجواز إلا أن يؤتي بها بقصده، و هو خارج عن محل الكلام.

و دعوي: دخولها فيما تضمن جواز الدعاء في الصلاة، و في إطلاق صحيح الحلبي:

«قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: كلما ذكرت اللّه عز و جل به و النبي صلّي اللّه عليه و آله فهو من الصلاة» «1».

مدفوعة: بأن ما تضمن جواز الدعاء مختص بما يكون بنحو الخطاب للّه تعالي و مناجاته، و لذا علل محللية التسليم للصلاة بأنه من كلام الآدميين المحرم فيها «2».

و الصحيح ظاهر في خصوص نبينا صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أو هو المتيقن منه، و لم يتضح تعديته لغيره بفهم عدم الخصوصية أو تنقيح المناط. نعم لا بأس بالإتيان بها بقصد القرآنية، كما أشرنا إليه.

و أما ما عن المصباح عن سليمان بن حفص عن الهادي عليه السلام: «قال:

لا تقل في صلاة الجمعة في القنوت: و سلام علي المرسلين» «3». فهو- مع ضعفه في نفسه- مختص بمورده، و محتمل لبيان عدم مشروعيتها بعنوان الورود، لا ما يعم الإتيان بها بقصد القرآن. فتأمل.

بقي في المقام أمور:
الأول: استحباب قراءة الدعاء و سورة الصافات عند المحتضر لتعجيل راحته

أنه قد ورد في صحيح سالم بقراءة هذا الدعاء: «اللهم اغفر لي الكثير من معاصيك و اقبل مني اليسير من طاعتك» «4». كما أرسل الصدوق عن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم

______________________________

(1) الوسائل باب: 4 من أبواب التسليم حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب التسليم حديث: 10.

(3) الوسائل باب: 7 من أبواب القنوت حديث: 6.

(4) الوسائل باب: 39 من أبواب الاحتضار حديث: 1.

ص: 32

______________________________

أنه أمر محتضرا بقول كلمة التوحيد فعجز لغضب أمه عليه، فلما استرضاها صلّي اللّه عليه و آله و سلّم له أمره بها فقالها ثم قال له: «قل: يا من يقبل اليسير و يعفو عن الكثير اقبل مني اليسير و اعف عني الكثير إنك أنت العفو الغفور» «1». و تضمن صحيح سليمان الجعفري استحباب قراءة و الصافات عند المحتضر لتعجيل راحته «2»، كما يظهر منه استحباب قراءة ياسين عنده. و روي غير ذلك مما لا مجال لاستقصائه. فليراجع في مظانه من مستدرك الوسائل و غيره.

الثاني: التلقين لغة و إن كان هو التفهيم، و هو يحصل بإسماع المحتضر الكلام و تفهمه له و إن لم يقله،

إلا أنه يظهر من ذيل موثق إسحاق المتقدم في التلقين بالشهادتين أن الغرض منه متابعة المحتضر فلا بد من تلفظه. كما هو الظاهر من كل ما تضمن أمره بأن يقول شيئا ككلمة الإخلاص و بعض الأدعية و الأذكار، مثل ما تقدم في صحيح الحلبي و غيره. و لعله الأقرب بالنظر لمجموع النصوص و ملاحظة المناسبات الارتكازية كون التلقين محققا لبعض المطلوب، و متابعة المحتضر أكمل فيه.

و أما استحباب قراءة ما ورد التلقين به مع عدم شعور المحتضر فلا تنهض الأدلة به، لعدم صدق التلقين به. و إن كان قد يحسن برجاء تحقق التفهيم به و إن لم يكن مدركا لنا، نظير تلقين الميت عند الدفن. و هو المتعين فيما تضمن مجرد الأمر بقراءة الشي ء عنده، كما تقدم في سورة الصافات و ياسين.

الثالث: قال في الجواهر في تعيين من يستحب منه التلقين:

«و يستحب للولي أو ما دونه أو غيرهما مع فقدهما، بل و مع عدمهما علي الأقوي». و ظاهره تحقق الخلاف أو الإشكال مع عدم إذن الولي. و لم يتضح وجهه بعد إطلاق كثير من الأدلة، نظير ما تقدم في الاستقبال. بل هو أولي بعدم الإشكال، لعدم كون التلقين تصرفا في المحتضر عرفا كي يتوهم حرمته بدون إذن، بل هو راجح في جميع الأوقات رضي الناس أو أبوا. و لا يبعد عدم اختصاص الاستحباب بمن حضره، و إن اختص به الخطاب في بعض النصوص، لإلغاء خصوصيته عرفا بلحاظ قضاء المناسبات الارتكازية بكون ملاك الاستحباب الإحسان للمؤمن و إعانته و تفريج كربته.

______________________________

(1) الوسائل باب: 39 من أبواب الاحتضار حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 41 من أبواب الاحتضار حديث: 1.

ص: 33

ما يكره حال الاحتضار

و يكره أن يحضره جنب أو حائض (1)،

______________________________

(1) لخبر علي بن أبي حمزة: «قلت لأبي الحسن عليه السّلام: المرأة تقعد عند رأس المريض، و هي حائض في حدّ الموت. فقال: لا بأس بأن تمرضه، فإن خافوا عليه و قرب ذلك فلتنح عنه و عن قربه، فإن الملائكة تتأذي بذلك» «1» و قريب منه خبر الجعفريات عن علي عليه السّلام «2» و في خبر يونس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «قال: لا تحضر الحائض الميت و لا الجنب عند التلقين، و لا بأس بأن يليا غسله» «3» و قريب منه الرضوي لكن مع التعليل المتقدم «4»، و في مرسل الصدوق الأول عن الصادق عليه السّلام أنه قال: «لا تحضر الحائض و الجنب عند التلقين، لأن الملائكة تتأذي بهما» «5».

و الظاهر تسالم الأصحاب علي أن النهي للكراهة، و نسبها في المعتبر لأهل العلم.

لكن في المقنع و الهداية أنه لا يجوز، و بذلك عنون الباب في كتاب العلل. و ربما يحمل علي الكراهة، بقرينة التسالم المذكور حتي لم أعثر علي من نسب له الخلاف فيها. و هو العمدة في البناء علي الكراهة. و أما التعليل فلم تتضح قرينيته عليها، إذ لا استبعاد في إلزام الشارع بتجنب ما يؤذي الملائكة. نعم قد يمنع التعويل علي النصوص المتقدمة في البناء علي الحرمة، لضعف سندها، و عدم صلوح عمل الأصحاب في الاستحباب و الكراهة بجبر الضعف، لبنائهم علي التسامح في أدلتها.

اللهم إلا أن تقرب حجية الأول بأن سنده صحيح إلي علي بن أبي حمزة، الذي لا يبعد كونه ثقة في أول أمره، بل من الأعيان الأجلاء، لأنه من وكلاء الإمام الكاظم عليه السّلام المنسوبين إليه، و قد اجتمع عنده المال الكثير بسبب ذلك. و توكيله عليه السّلام غير الثقة المعروف بالدين فيما يعود لمنصب الإمامة من أبعد البعيد لو كان ممكنا عقلا.

كما أنه يبعد جدا رواية الأصحاب عنه بعد انحرافه، لأنه صار من رءوس الفرقة الضالة الواقفة التي كثر الذم لها و التشنيع عليها من الأئمة عليهم السّلام و أصحابهم،

______________________________

(1) الوسائل باب: 43 من أبواب الاحتضار حديث: 1.

(2) مستدرك الوسائل باب: 33 من أبواب الاحتضار و ما يناسبه حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 43 من أبواب الاحتضار حديث: 2.

(4) مستدرك الوسائل باب: 33 من أبواب الاحتضار و ما يناسبه حديث: 3.

(5) الوسائل باب: 43 من أبواب الاحتضار حديث: 3.

ص: 34

______________________________

كما كثر الذم له لأنه كان متعمدا في إخفاء الحق و ترويج الباطل و البهتان. و لا سيما و أن الراوي عنه هذه الرواية الحسن بن محبوب الذي هو من الأجلاء الأعيان حتي عده بعضهم من أصحاب الإجماع.

و بهذا يجمع بين تضعيفه في كلام غير واحد، و توثيقه المستفاد من الشيخ في العدة و ظاهر ابن قولويه، حيث روي عنه في كامل الزيارة الذي التزم بأن لا يروي فيه إلا عن الثقات المشهورين. و يؤيد ما ذكرنا، بل يعضده ما ذكره الشيخ في العدة من أن الأصحاب قد عملوا برواياته. كما قد يرجع إليه ما عن المحقق في المعتبر من قوله:

«ان تغيره إنما كان بعد زمن موسي عليه السّلام فلا يقدح فيما قبله».

فالعمدة في الحمل علي الكراهة ما عرفت من ظهور تسالم الأصحاب رضي اللّه عنهم.

نعم الحديث مختص بالحائض فالتعميم للجنب يبتني علي النصوص الباقية غير المعتبرة.

هذا، و لا يبعد أن المعيار في الحائض حدث الحيض و إن انقطع دمه، لأنه المناسب لمشاركة الجنب لها في الحكم لو تم دليله. كما لا يبعد بناء علي ذلك مشروعية التيمم لهما لرفع الحدث لو اضطر للحضور قبل الغسل، لإطلاق أدلة بدليته. أما مجرد مشروعية التيمم لهما في أنفسهما- لمرض و نحوه- من دون أن يضطر للحضور فلا يخلو ارتفاع الكراهة معه عن إشكال، لأن كون الطهارة معه اضطرارية يناسب عدم ارتفاع الكراهة به، بل تخفيفها، و هو لا ينافي ارتفاع مثل حرمة الدخول للمسجد، للسيرة و نحوها. و ربما يأتي في مبحث التيمم ما ينفع في المقام.

ثم إنه قد يظهر من بعض عبارات الأصحاب استمرار الكراهة لما بعد الموت.

و لم يتضح وجهه بعد ظهور النصوص المتقدمة في خصوصية حال التلقين و خروج النفس، و هو المتيقن من التعليل بإيذاء الملائكة. و لا سيما مع التصريح في خبر يونس و الرضوي بعدم البأس في أن يليا غسله.

نعم، في خبر الجعفي المحكي عن الخصال: أنه لا يجوز إدخالهما الميت قبره «1»، و في الرضوي النهي عن ذلك «2». و في الجواهر: «و لم أجد من أفتي بهما في الكراهة،

______________________________

(1) جواهر الكلام 4: 29.

(2) مستدرك الوسائل باب: 33 من أبواب الاحتضار و ما يناسبه حديث: 3.

ص: 35

و أن يمس حال النزع (1).

و إذا مات يستحب أن تغمض عيناه (2)،

______________________________

فضلا عن غيرهما». لكن ذكره في المقنع و إهمالهم بيان المكروه و المستحب لا يكشف عن عدمه.

هذا، و قد تقدم في المسألة الرابعة و الأربعين من مباحث الدماء في ذيل أحكام النفساء تقريب مشاركة النفساء للحائض في الحكم المذكور. فلاحظ.

ما يستحب بعد الموت

(1) ففي موثق زرارة: «ثقل ابن لجعفر و أبو جعفر جالس في ناحية فكان إذا دنا منه إنسان قال: لا تمسه، فإنه إنما يزداد ضعفا، و أضعف ما يكون في هذه الحال، و من مسه علي هذه الحال أعان عليه، فلما قضي الغلام أمر به فغمض عيناه و شد لحياه … » «1». و مقتضاه تحريم المس- كما ذكر سيدنا المصنف قدّس سرّه- بل شدة حرمته.

و هو مقتضي قاعدة السلطنة، لأنه تصرف في بدن المحتضر لا يجوز بدون إذنه، أو إذن وليه، الذي لا يجوز له الإذن فيما يحتمل إيذاؤه له.

لكن ذلك لا يناسب إهمال الأصحاب للحكم، مع شدة الحاجة لبيانه- لو كان ثابتا- بسبب غفلة العامة عنه، و قيام سيرتهم علي مس المحتضر في الجملة. بل لم ينبه كثير منهم لكراهته، حيث يظهر عدم أهميتها بنظرهم و المفروغية عن عدم الحرمة.

و من هنا لا معدل عن البناء علي الكراهة، حملا للموثق علي المبالغة في الردع عن المس بإطلاق الإعانة مجازا، بلحاظ مرتبة من الإيذاء لا تقتضي الحرمة. نعم لو كان المس بالنحو الذي يترتب عليه الإيذاء المعتد به عرفا يقينا أو احتمالا تعين حرمته، لما سبق من منافاته لقاعدة السلطنة. فتأمل جيدا.

(2) كما ذكره جماعة كثيرة من الأصحاب، و في المنتهي أنه لا خلاف فيه، و في مفتاح الكرامة: «ذكره الأصحاب قاطعين به. و يقتضيه موثق زرارة المتقدم في المس حال النزع، و خبر أبي كهمس الآتيان في التغطية بثوب. و علل أيضا بتجنب قبح منظره، و دخول الهوام فيهما.

______________________________

(1) الوسائل باب: 44 من أبواب الاحتضار حديث: 1.

ص: 36

و يطبق فوه (1)، و يشد لحياه (2)، و تمد يداه إلي جانبيه (3) و ساقاه، و يغطي بثوب (4)،

______________________________

(1) كما ذكره جماعة، و في المنتهي أنه لا خلاف فيه. و استدل له بتجنب قبح منظره، و دخول الهوام فيه. و قد يستفاد مما تضمن شد لحييه. و لعله لذا أهمله و اقتصر علي شد اللحيين في التذكرة و محكي نهاية الأحكام و المفاتيح. و أما العكس- كما في السرائر و الشرائع و المعتبر و النافع و القواعد و الإرشاد و اللمعة و محكي التحرير و البيان و التلخيص و غيرها- فلعله يبتني علي دعوي التلازم بينهما. و إن كانت غير واضحة.

(2) كما ذكره جماعة من الأصحاب تقدم بعضهم، و في المنتهي أنه لا خلاف فيه. و يجري فيه ما تقدم في تغميض العينين من النصوص و التعليل.

(3) كما ذكره جماعة، و في الجواهر: «بلا خلاف أجده في استحبابه، بل نسبه جماعة إلي الأصحاب مشعرين بدعوي الإجماع عليه، و هو كاف في إثباته»، و عن مجمع البرهان: «كأن دليله إجماع أو خبر». و زاد بعضهم مدّ ساقيه، بل نسبه في الروض و كشف اللثام للأصحاب، و في المعتبر: «و تمد يداه إلي جنبيه و ساقاه إن كانتا منقبضتين و لم يمتنعا. ذكر ذلك الشيخان و ابن الجنيد. و لم أعلم ذلك نقلا عن أهل البيت عليهم السّلام و لعل ذلك ليكون أطوع للغاسل، و أسهل للدرج».

و من هنا يشكل البناء علي استحبابه شرعا. و مجرد ذكر الأصحاب له لا يكفي في الإجماع الحجة بعد ما أشرنا إليه آنفا من تسامحهم في المستحبات.

(4) و في المنتهي و جامع المقاصد أنه لا خلاف فيه. و يقتضيه صحيح سليمان ابن خالد «1» المتقدم في الاستقبال، و المتضمن الأمر بالتسجية التي سبق أنها التغطية، و خبر أبي كهمس: «حضرت موت إسماعيل و أبو عبد اللّه عليه السّلام جالس عنده، فلما حضره الموت شدّ لحييه و غمضه و غطي عليه الملحفة» «2»، و نحوه خبره الآخر «3».

و قد تضمنت بعض النصوص أن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم «قد غطي بثوب بعد وفاته» «4».

______________________________

(1) الوسائل باب: 35 من أبواب الاحتضار حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 29 من أبواب التكفين حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 29 من أبواب التكفين حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 44 من أبواب الاحتضار حديث: 2.

ص: 37

و أن يقرأ عنده القرآن (1)، و يسرج في المكان الذي مات فيه و إن مات في الليل (2)،

______________________________

(1) تقدم في ذيل الكلام في التلقين الإشارة لصحيح سالم المتضمن قراء سورة الصافات عند المحتضر، و قال في المعتبر بعد ذكره: «و أعلم أن تلاوة القرآن مستحبة قبل خروج روحه ليسهل اللّه عليه الموت، و بعد خروجها استدفاعا عنه»، و عن الذكري: «و يستحب قراءة القرآن بعد خروج روحه، كما يستحب قبله، استدفاعا عنه»، و في الجواهر: «أطلق جماعة استحباب قراءة مطلق القرآن قبل الموت و بعده».

(2) هذا الحكم ذكره جماعة من الأصحاب حتي نسب للمشهور في الروضة، و للأصحاب في جامع المقاصد مدعيا اشتهاره بينهم. و عباراتهم و إن كانت مختلفة في خصوصياته، إلا أنه لا يبعد أن يكون مراد الجميع أن لا يكون الميت ليلا في مكان إلا أسرج فيه، سواء كان هو المكان الذي قبض فيه أم غيره، و سواء مات في الليل أم في النهار و بقي إلي الليل. و إن كان قد يظهر من إطلاق جملة منهم- كسيدنا المصنف قدّس سرّه- أن الاسراج في المكان الذي قبض فيه و إن رفع منه، و من إطلاق آخرين أن الشرط هو الموت ليلا، إلي غير ذلك من الاختلافات في خصوصيات عباراتهم يضيق عن استقصائها المجال.

و كيف كان، فقد صرح غير واحد بانحصار الدليل عليه من النصوص بما استدل به في التهذيب، و هو ما رواه الكليني عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن عثمان بن عيسي عن عدة من أصحابنا قال: «قال: لما قبض أبو جعفر عليه السّلام أمر أبو عبد اللّه عليه السّلام بالسراج في البيت الذي كان يسكنه حتي قبض أبو عبد اللّه عليه السّلام ثم أمر أبو الحسن عليه السّلام بمثل ذلك في بيت أبي عبد اللّه عليه السّلام حتي أخرج به إلي العراق ثم لا أدري بما كان» «1».

و لا مجال للإشكال فيه بالإرسال أو ضعف السند بعد ما سبق- في مبحث مطهرية الماء المضاف من الحدث- من تقريب الاعتماد علي سهل «2»، و ما هو المشهور المنصور من وثاقة عثمان بن عيسي حتي عد من أصحاب الإجماع، و أن روايته له عن

______________________________

(1) الوسائل باب: 45 من أبواب الاحتضار حديث: 1.

(2) راجع المجلد الثاني: 356.

ص: 38

و إعلام المؤمنين بموته (1)،

______________________________

عدة من أصحابنا يظهر منها استفاضة الحديث بنحو يخرجه عن حكم الإرسال.

و مثله الإشكال فيه في المعتبر بأنه حكاية حال. لاندفاعه: بأنه لا ريب في دلالة الالتزام من الإمامين عليهما السّلام هذه المدة الطويلة علي الرجحان. و احتمال خصوصية الصادقين عليهما السّلام أو جميع الأئمة عليهم السّلام لا يخلو عن بعد.

فالعمدة في الإشكال ما نبه له غير واحد من أن الحديث أجنبي عن المدعي، لأنه كالصريح في الاسراج بعد الدفن مستمرا في البيت الذي كان الميت يسكنه، لا قبله في البيت الذي يوضع فيه، كما هو المدعي.

و أما استفادة المدعي من الحديث بالأولوية. فهي غير ظاهره. و لا تنفع قاعدة التسامح في أدلة السنن في تتميم دلالة الحديث، بل في جبر سنده لو تمت في نفسها.

إلا أن يكون الاستدلال بالشهرة الذي قد يدعي بلوغها مرتبة الإجماع، خصوصا بعد قرب استنادهم لدليل آخر من سيرة أو غيرها، و إلا فمن البعيد جدا أن يخفي عليهم قصور الحديث عن إثبات المدعي. و حينئذ قد يتم ذلك بقاعدة التسامح. بل قال في المعتبر بعد الإشكال في الحديث: «لكنه فعل حسن». لكنه غير ظاهر.

و مثله استفادته مما تضمن النهي عن تركه وحده، و الأمر بقراءة القرآن عنده. إذ فيه: أن ذلك إنما يقتضي الإسراج تبعا، لا استحبابه بخصوصيته شرعا، كما هو المدعي.

هذا، و أما ما تضمنه الحديث فقد قال في الجواهر: «لعلنا نقول به، و إن لم أجد من صرح به، إلا أنه قد تقبله بعض العبارات. فتأمل».

(1) كما صرح به في المبسوط و الخلاف و المعتبر و غيرها. لصحيح أبي ولاد و عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: ينبغي لأولياء الميت منكم أن يؤذنوا إخوان الميت بموته، فيشهدون جنازته و يصلون عليه و يستغفرون له … » «1»، و في صحيح ذريح عنه عليه السّلام: «سألته عن الجنازة يؤذن بها الناس؟ قال: نعم» «2»، و قريب منه مرسل القاسم بن محمد «3».

إلا أن يستشكل في الأخيرين بظهورهما في دفع توهم الحظر و لو كان تنزيهيا،

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 4.

ص: 39

ليحضروا جنازته (1)، و يعجل تجهيزه (2)،

______________________________

لما قد يظهر منه من الاهتمام بمظاهر التكريم الدنيوية، أو لمنافاته للتعجيل الذي يأتي الكلام فيه، أو غيرهما. فالعمدة الأول.

نعم، دلت جملة كثيرة من النصوص علي استحباب تشييع المؤمن يأتي التعرض لها في الفصل الثامن. لكنها لا تقتضي استحباب الإعلام.

(1) كما هو مقتضي قوله في المبسوط: «ليتوفروا علي تشييعه» و يناسبه ما في صحيح أبي ولاد و عبد اللّه بن سنان المتقدم من جعل الغاية شهود الجنازة. و لا وجه معه لما في الخلاف من قصر الغاية علي الصلاة.

(2) بلا خلاف كما في المنتهي و جامع المقاصد و المدارك. و صرح بالإجماع عليه في المعتبر و التذكرة و الروض و كشف اللثام و محكي نهاية الأحكام و الذكري و كشف الالتباس، و في الجواهر: «إجماعا محصلا و منقولا مستفيضا».

و يقتضيه جملة من النصوص، ففي صحيح ذريح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «فإذا مات الميت فخذ في جهازه و عجله» «1»، و في خبر جابر عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: لا ألقين [ألفين] رجلا مات له ميت ليلا فانتظر به الصبح، و لا رجلا مات له ميت نهارا فانتظر به الليل، لا تنتظروا موتاكم طلوع الشمس و لا غروبها، عجلوا بهم إلي مضاجعهم يرحمكم اللّه. قال الناس: و أنت يا رسول اللّه يرحمك اللّه» «2»، و في خبر السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: إذا مات الميت أول النهار فلا يقيل إلا في قبره» «3»، و في مرسل الصدوق: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: كرامة الميت تعجيله» «4» و غيرها.

نعم، قد ينافيه ما دل علي استحباب إعلام المؤمنين بموته ليشيعوه مما تقدم، لأن اجتماع الناس للتشييع يحتاج إلي زمن معتد به. و قد يدعي أن المورد ليس من صغريات التنافي و التعارض بين الدليلين، بل من صغريات التزاحم بين الحكمين، لاختلاف موضوع كل منهما و تأدي ملاك كل منهما بموافقته و لو مع مخالفة الآخر،

______________________________

(1) الوسائل باب: 35 من أبواب الاحتضار حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 47 من أبواب الاحتضار حديث: 6.

(3) الوسائل باب: 47 من أبواب الاحتضار حديث: 5.

(4) الوسائل باب: 47 من أبواب الاحتضار حديث: 7.

ص: 40

______________________________

فيرجع فيه إلي مقتضي القاعدة فيه من الترجيح مع الأهمية و التخيير مع التساوي.

و هو و إن كان مسلما في الجملة. لكن من الظاهر غلبة التزاحم بينهما موردا، حيث يحتاج إعلام المؤمنين بموته إلي تأخيره غالبا، كما أن التعجيل المأمور به يستلزم غالبا قلة المشيعين، و ذلك يستلزم التنافي بين إطلاقي كل من الحكمين، لقوة ظهورهما في بيان الحكم الفعلي المبتني علي العمل، لا ما يعمم الاقتضائي المزاحم. و من هنا لا يبعد الجمع بينهما بحمل دليل التعجيل علي المتعارف بالنحو الذي لا يصدق معه الانتظار و حمل دليل الإعلام علي ما لا ينافي ذلك، لصعوبة حمل دليل التعجيل علي ما يعمم صورة الانتظار المعتد به لأجل الإعلام، كما لعله ظاهر، خصوصا بملاحظة ما تضمن الأمر بدفن من مات ليلا في الليل، لوضوح أن الدفن ليلا يلازم غالبا قلة المشيعين. لكن لا بمعني اختصاص ملاك كل منهما بذلك، لإباء مناسبة الحكم و الموضوع عنه جدا، بل بمعني أن ملاك الإعلام لا يقوي علي مزاحمة ملاك التعجيل، و إن أمكن استيفاؤه مع التفريط بالتعجيل أو تعذره.

نعم، لو كانت قلة المشيعين منافية لكرامة الميت و عزته و لو لتعارف الانتظار عند الناس علي خلاف الآداب الشرعية لم يبعد مزاحمة ذلك لاستحباب التعجيل، لأن ذلك عنوان زائد علي أصل الإعلام لا تأبي الأدلة ملاحظته. و لا سيما إذا كانت كرامة الميت راجعة لكرامة الدين، بحيث يكون تكريمه من شعائره. بل لو بلغ ذلك مرتبة يستلزم التفريط فيه توهين الميت فقد يحرم، لما هو المعلوم من مذاق الشارع الأقدس من الاهتمام بكرامة المؤمن و حرمته. و ما أكثر ما زوحمت الجهات الأولية بجهات ثانوية مسببة عن الأعراف القائمة و العادات الجارية علي خلاف الآداب الشرعية.

كما لا يبعد نهوض بعض المصالح الأخروية الراجعة للميت بمزاحمة استحباب التعجيل، كآداب التغسيل و التكفين لو لزم من مراعاتها الانتظار. و كذا النقل للأماكن المشرفة التي ورد استحباب الدفن فيها، لعدم إباء أدلة التعجيل الحمل عليه بعد قلة الابتلاء به في تلك العصور بسبب صعوبة النقل أو تعذره، بل قد دلت بعض النصوص عليه في الجملة، علي ما يأتي التعرض له في المسألة السادسة و الستين في مباحث الدفن.

ص: 41

إلا إذا شك في موته (1)،

______________________________

نعم، مقتضي اطلاق النصوص استحباب التعجيل بنحو لا يحسن انتظار الليالي الشريفة لو تم تفاضل الدفن باختلاف أوقاته. و لو ثبت استحباب مراعاتها فليس هو من باب التزاحم، بل من باب التخصيص، لأنه أخص موردا من نصوص التعجيل.

و اللازم النظر في دليله ليقتصر علي مفاده، و لم يتيسر لي العثور عليه، و إن كان ظاهر الجواهر وجوده. و إنما روي في الفقيه بعض النصوص المتضمنة فضيلة الموت يوم الجمعة و ليلتها و ما بين ظهر الخميس و ظهرها «1»، و هي أجنبية عن ذلك.

(1) فإنه و إن احتمل استحباب التعجيل به واقعا، لتحقق الموت، إلا أنه لا يستحب ظاهرا، لعدم احراز موضوعه، و هو الموت، بل مقتضي استصحاب الحياة عدمه. بل يلزم البناء علي حرمته ظاهرا بلا إشكال ظاهر، بل يظهر من جملة من عباراتهم المفروغية عنه، و عن نهاية الأحكام الإجماع عليه. للاستصحاب المذكور المقتضي لحرمة التصرف فيه بالدفن و نحوه، لمنافاته لسلطنته علي نفسه.

و لا مجال لإذن وليه الخاص أو العام فيه مع احتمال ضرره به، لأنه خلاف مقتضي الولاية. مضافا إلي ما هو المعلوم من وجوب الاحتياط في النفوس و الحفاظ عليها مع احتمال التلف، فضلا عن حرمة تعريضها للتلف بفعل ما قد يوجبه.

و من هنا لا يهم اختصاص النصوص ببعض أسباب الموت، كالغرق و نحوه، و لا سيما مع ما في صحيح اسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن الغريق أ يغسل؟ قال: نعم و يستبرأ. قلت: كيف يستبرأ؟ قال: يترك ثلاثة أيام قبل أن يدفن [إلا أن يتغير قبل فيغسل و يدفن. يب] و كذلك صاحب الصاعقة، فإنه ربما ظنوا أنه مات و لم يمت» «2»، فإن مقتضي التعليل في ذيله وجوب انتظار كل من يحتمل عدم موته.

و به يخرج عن الحصر الذي قد يوهمه صحيح إسماعيل بن عبد الخالق: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: خمس منتظر بهم إلا أن يتغير [يتغيروا. في يب]: الغريق و المصعوق و المبطون و المهدوم و المدخن» «3».

______________________________

(1) كتاب من لا يحضره الفقيه باب غسل الميت حديث: 30، 29. ج 1: 83 طبع النجف الاشرف.

(2) الوسائل باب: 48 من أبواب الاحتضار حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 48 من أبواب الاحتضار حديث: 2.

ص: 42

______________________________

علي أن دلالته علي الحصر تبتني علي مفهوم العدد غير الحجة. مضافا إلي أن الأمر بالانتظار فرع فرض حد من شأنه أن يرتب عليه أثر الموت، ليحسن الأمر بالانتظار عنه في خصوص هؤلاء الخمسة. فإن كان هناك طريق شرعي لإحراز الموت- علي ما يأتي الكلام فيه- كان مقتضي الحصر جواز الرجوع إليه في غير الخمسة. لكن مع إطلاق دليل الحد المذكور لا يحتاج للحصر، حيث يلزم الاقتصار في الخروج عنه علي المتيقن كالخمسة. و مع عدم الإطلاق له لا ينفع الحصر في الرجوع للحد المذكور، لما ذكرنا من تفرع الانتظار الذي هو موضوع الحصر علي فرض الحد في المورد. و إن لم يكن هناك حد شرعي فحيث لا معني لإرادة الانتظار بعد العلم بالموت يتعين كون الأمر بالانتظار للردع عن اعتقاد الموت في هؤلاء الخمسة بظهور أماراته العرفية التي من شأنها أن توجب العلم به في غيرهم.

و حينئذ لا يكون الحصر حقيقيا شرعيا، لتبعية العلم لأسبابه التكوينية و لا يقبل التحديد الشرعي، بل لا بد من كون الحصر بهم بالإضافة إلي من هو معرض للابتلاء حين صدور الرواية أو نحوه. و من هنا عمم بعض الأصحاب الكلام لغير مورد النصوص من أسباب الموت. فلاحظ.

هذا، و يأتي الكلام في العلامات التي تحتاج إلي نحو من الانتظار و تنافي التعجيل. و أما العلامات المتصلة بالموت أو المقاربة التي يرتب عليها آثاره بطبعها و لا تكون مراعاتها منافية للتعجيل عرفا فهي أمور موكولة للعرف لا يسعنا ضبطها، و قد تدرك بالتجربة.

نعم، أرسل الصدوق عن الصادق عليه السّلام أنه قال: «إذا رأيت المؤمن قد شخص ببصره و سالت عينه اليسري و رشح جبينه و تقلصت شفتاه و انتثر منخراه فأي ذلك رأيت فحسبك به»، و عن أبي جعفر عليه السّلام أنه قال: «إن آية المؤمن إذا حضره الموت أن يبيض وجهه أشد من بياض لونه و يرشح جبينه و يسيل من عينه كهيئة الدموع، فيكون ذلك آية خروج روحه، و إن الكافر تخرج روحه سلا من شدقه كزبد البعير» «1». لكن لا مجال للتعويل عليهما مع إرسالهما.

______________________________

(1) كتاب من لا يحضره الفقيه باب غسل الميت حديث: 20، 21. ج 1: 81. طبع النجف الأشرف.

ص: 43

فينتظر به حتي يعلم موته (1).

______________________________

هذا، و قد يشتبه الحال، لعدم تيسر مراعاة العلامات المقارنة للموت، لاحتمال الموت فجأة أو بسبب يتعذر معه النظر إليه حينه- كغرق و نحوه- أو لعدم الحضور عنده حالة النزع أو غير ذلك، فيدخل في محل الكلام.

(1) كما هو صريح بعضهم و ظاهر آخرين، و في المعتبر و التذكرة الإجماع عليه.

و يقتضيه في الجملة موثق عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الغريق يحبس حتي يتغير و يعلم أنه قد مات ثم يغسل و يكفن. قال: و سئل عن المصعوق فقال: إذا صعق حبس يومين ثم يغسل و يكفن» «1». لكن ذكر غير واحد أنه يستبرأ بأمرين.

الأول: علامات الموت. و قد تعرضوا لجملة منها، ففي التذكرة: «كاسترخاء رجليه و انفصال كفيه و ميل أنفه و امتداد جلدة وجهه و انخساف صدغيه» و زاد في جامع المقاصد تقلص أنثييه إلي فوق مع تدلي الجلدة و في كشف اللثام: «و عن أبي علي من علامته زوال النور من بياض العين و سوادها و ذهاب النفس و زوال النبض …

و عن جالينوس الاستبراء بنبض عروق [بين. خ] الأنثيين، أو عرق يلي الحالب و الذكر بعد الغمز الشديد، أو عرق في باطن الألية، أو تحت اللسان، و في بطن المنخر».

و الظاهر أن رجوعهم إليها ليس لحجيتها تعبدا، بل لملازمتها للموت بحيث توجب العلم به. لكن من الظاهر أن بعض هذه العلامات ليس عرفيا، بل هو مبني علي الاجتهاد الخفي و النظر الذي يختلف باختلاف الأشخاص و الأوقات و تطور الطب. فلا يوجب العلم لكل أحد. و الباقي منها لو كان عرفيا فرجوع العرف إليه و إن كان مبتنيا علي حصول العلم منه، إلا أن خطأهم في مثل ذلك ليس عزيزا.

و أما دعوي: لزوم الرجوع لأهل الخبرة في تشخيصه بملاحظة العلامات السابقة أو غيرها، لحجية قولهم و إن لم يلزم منه العلم. فتشكل بانحصار الدليل علي الرجوع إليهم ببناء العقلاء علي الرجوع إليهم في الأمور الاجتهادية الحدسية، و لم يتضح شموله للمقام مع عدم حصول العلم منه، لأهمية الموضوع بنحو لا يحرز

______________________________

(1) الوسائل باب: 48 من أبواب الاحتضار حديث: 4.

ص: 44

______________________________

تعويلهم فيه علي غير العلم. و لا سيما مع إمكان تحصيل العلم به بالانتظار.

نعم، تضمنت النصوص المتقدمة اعتبار التغير، و مثلها صحيح هشام بن الحكم عن أبي الحسن عليه السّلام: «في المصعوق و الغريق. قال: ينتظر به ثلاثة أيام. إلا أن يتغير قبل ذلك» «1».

و قد ذكر غير واحد أنه منصرف للتغير بالريح لكنه غير ظاهر. كالتعويل في حمل التغير فيها عليه علي حديث علي بن أبي حمزة قال: «أصاب [الناس] سنة من السنين صواعق كثيرة، مات من ذلك خلق كثير فدخلت علي أبي إبراهيم عليه السّلام فقال مبتدئا من غير أن أسأله: ينبغي للغريق و المصعوق أن يتربص به [بهما] ثلاثا لا يدفن إلا أن يجي ء منه ريح تدل علي موته. قلت: جعلت فداك كأنك تخبرني أنه قد دفن ناس كثير أحياء. فقال: نعم يا علي قد دفن ناس كثير أحياء ما ماتوا إلا في قبورهم» «2».

إمكان الجمع بينه و بين نصوص التغير بحمله علي بيان أحد أفراد التغير.

فالعمدة أنه حيث لا يراد بها مطلق التغير، لأن الحي قد يتغير ببعض الوجوه لا بد من حمله علي المتيقن، و هو التغير الموجب للعلم بالموت، لأنه المعهود عرفا، و يناسبه ما تقدم في موثق عمار من عطف العلم علي التغير.

و منه يظهر الإشكال فيما في الرياض، فإنه مع اعترافه بانصراف التغير للريح لم يستبعد حمله علي التغير بالعلامات المتقدمة في كلماتهم و إن لم تفد العلم، بدعوي:

أن الشهرة علي الرجوع إليهما تصلح للقرينية علي حمل التغير في النصوص علي الفرد غير المنصرف منه.

وجه الإشكال: أن الشهرة- لو تمت- لا تصلح قرينة علي الخروج عن ظاهر النص. و لا سيما مع أن ظاهر من ذكر العلامات كون الرجوع إليها لأنها توجب العلم، لا لكونها حجة شرعية بدونه، كما ادعاه قدّس سرّه.

الثاني: الانتظار ثلاثة أيام. و ظاهر جماعة أنه منتهي التربص. و يقتضيه صحيحا إسحاق بن عمار و هشام بن الحكم و حديث علي بن أبي حمزة المتقدمة. و لعله يبتني علي اطلاع الشارع الأقدس علي الملازمة بينه و بين الموت و إن خفيت علينا. و كأنه إليه يرجع

______________________________

(1) الوسائل باب: 48 من أبواب الاحتضار حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 48 من أبواب الاحتضار حديث: 5.

ص: 45

و يكره أن يثقل بطنه بحديد (1)

______________________________

قوله في المقنعة: «و لا ينتظر به أكثر من ثلاثة أيام فإنه لا شبهة في الموت بعد ثلاثة أيام».

و ما عن كشف الالتباس من الإجماع علي تحقق الموت بالثلاثة أيام، حيث يبعد جدا اطلاعهم علي خصوصيته في الثلاثة أيام تقتضي ملازمتها للموت غير النصوص.

كما يبعد جدا عن مذاق الشارع الأقدس ابتناء إرجاعه إليها علي كونها أمارة ظنية- بلحاظ الغلبة أو نحوها- و إن كانت قد تتخلف.

و أما ما في الجواهر و غيره من حمل ذكرها في النصوص علي أنها من أسباب العلم التكوينية، و أن المدار علي العلم، كما تقدم من المعتبر و التذكرة. فبعيد جدا، إذ لا يدرك العرف خصوصيتها في ذلك مع قوة ظهور النصوص في خصوصيتها في التربص، و لا سيما صحيح هشام و حديث علي بن أبي حمزة المستثني فيهما التغير و الريح اللذان هما سبب للعلم عند العرف. و من هنا لا يخلو الاكتفاء بالتربص ثلاثة أيام تعبدا- و إن لم يحصل به العلم للمكلف- عن قوة.

نعم، قد لا يناسب ذلك الاكتفاء باليومين في موثق عمار المتقدم، إذ مع اطلاع الشارع علي ملازمة اليومين للموت لا معني لاستحباب التأخير للثلاثة، و مع اطلاعه علي أن الملازم له خصوص الثلاثة يكون الإرجاع لليومين مبنيا علي كونهما إمارة غير علمية قد تخطئ، و قد تقدم أنه بعيد عن مذاق الشارع الأقدس. و مجرد إهمال الأصحاب له لا يكشف عن خلل فيه، لقرب ابتناء إهمالهم علي الاحتياط.

و من هنا قد يحمل التحديد بكل من اليومين و الثلاثة علي أن المدار حصول العلم من أحدهما، و إن كان هو بعيدا عن ظاهر النصوص، لما تقدم. و من ثم قد يتعين الاحتياط بالتأخير حتي يحصل العلم مع كمال التروي و التحفظ، و إن لزم الزيادة علي الثلاثة، لأهمية الموضوع جدا. بل لا ينبغي التأمل في لزوم ذلك في غير مورد النصوص من الأسباب الموهمة للموت، لأن إلغاء خصوصية المورد في مثل ذلك غير ظاهر، كعدم الفصل بين الأسباب بالنحو الكافي في الخروج عن مقتضي الأصل.

فلاحظ. و اللّه سبحانه العالم.

ما يكره بعد الموت

(1) كما نسب إلي المشهور و الأكثر في كلام جماعة. و في المعتبر: «لم يثبت عن

ص: 46

أو غيره (1)، و أن يترك وحده (2).

______________________________

أهل البيت به نقل». و في التهذيب: «سمعنا ذلك مذاكرة من الشيوخ». و استدل عليه في الخلاف بإجماع الفرقة و عملهم. و أما ما في المنتهي من منافاة ذلك للرفق بالميت.

فهو غير ظاهر. هذا و في محكي الذكري عن الفاخر أنه أمر بجعل الحديد علي بطنه، و عن ابن الجنيد: «و يضع علي بطنه شيئا يمنع من ربوها».

لكن في المختلف: «و لم أقف لعلمائنا علي قول يوافق ذلك»، و في جامع المقاصد:

«و إجماع الأصحاب علي خلافه» و نحوه في الروض. و كأنه لعدم الدليل عليه، و ظهور حال الأصحاب في أنه قول للعامة لا يتابعونهم عليه، بل هم بين مفت بالكراهة و ساكت عنه من دون احتمال للاستحباب عندهم.

ثم أن المعروف من الأصحاب أن الكلام في وضع الحديد علي بطن الميت، و في إشارة السبق نهي عن وضعه علي صدره. كما أن ظاهر كون محل الكلام ما بعد الموت. و كأنه لأنه مورد كلام العامة. و أما وضعه حال الاحتضار فهو تصرف يحتاج إلي مسوغ. بل قد يوجب أذاه و الإعانة عليه فتتأكد حرمته.

(1) قال في الروضة: «و لا كراهة في وضع غيره للأصل». لكن حيث عرفت عدم الدليل علي أصل الحكم عدا ما ذكره الأصحاب فلا يبعد كون مرادهم الأعم، كما يناسبه مساق كلماتهم، و إنما ذكروا الحديد لأنه مورد كلام العامة. و لعله لذا صرح بالتعميم لغير الحديد في التذكرة و المنتهي و المسالك و الروض و غيرها.

(2) ففي صحيح أبي خديجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: ليس من ميت يموت و يترك وحده إلا لعب الشيطان في جوفه» «1»، و في مرسل الصدوق عنه عليه السّلام: «لا تدعن ميتك وحده، فإن الشيطان يعبث في جوفه» «2». و مقتضي إطلاقهما خصوصا الثاني كراهته حتي بعد التغسيل. و من الغريب إهمال جماعة من الأصحاب التعرض لهذا المكروه مع ورود النص به و ذكر ما سبقه، مع عدم النص به.

______________________________

(1) الوسائل باب: 42 من أبواب الاحتضار حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 42 من أبواب الاحتضار حديث: 2.

ص: 47

ص: 48

الفصل الثاني في الغسل
وجوب التجهيز كفائي

الفصل الثاني في الغسل (1) تجب إزالة النجاسة عن جميع بدن الميت قبل الشروع في

______________________________

(1) حيث لا إشكال في وجوب تجهيز الميت بتغسيله و تحنيطه و تكفينه و الصلاة عليه و دفنه، فقد ذكر الأصحاب رضي اللّه عنهم أن التجهيز المذكور فرض كفائي علي جميع المسلمين لا يختص به بعضهم، بنحو يظهر منهم التسالم علي ذلك، فقد نفي الخلاف فيه في المبسوط و الغنية و المنتهي، و في المعتبر: «و هو مذهب العلماء كافة» و في التذكرة:

«بإجماع العلماء» و نحوه عن نهاية الأحكام، كما صرح بالإجماع في كشف اللثام و محكي الذكري، بل عن مجمع البرهان و ظاهر جماعة ممن تقدم أنه إجماعي بين المسلمين.

و لا يقدح مع ذلك إهمال التنبيه عليه في جملة من كلماتهم، حيث لا يبعد أن يكون منشؤه أنهم بصدد بيان جهات أخر، كشروط أفعال التجهيز و كيفيتها، استغناء عن بيانه بوضوحه، أو للبناء علي أنه مقتضي الإطلاق. كما لا يقدح فيه قول الشيخ في النهاية: «فليأخذ في أمر غسله أولي الناس بالميت أو من يأمره هو به».

لأن الظاهر كونه بصدد بيان أولوية الولي و شرطية إذنه، التي تعرض لهما جماعة ممن صرح بالوجوب الكفائي، و التي لو كانت منافية للوجوب الكفائي- كما يأتي من بعضهم- لاقتضت اختصاص الوجوب بالولي، و لا يعم من يأمره هو بالفعل، كما تضمنه الكلام المتقدم.

و كيف كان، فقد استدل عليه في الجواهر بما تضمن من النصوص الأمر به من غير تعيين للمباشر، قال: «فالأصل- مع العلم بعدم إرادة تكراره من كل مكلف و لا مشاركة الجميع فيه- مما يثبت ذلك و ينقحه. مع أن المستفاد من ملاحظة أخبار الباب- بحيث يشرف الفقيه علي القطع و اليقين- أن المراد إبراز هذه الأمور إلي الوجود

ص: 49

______________________________

الخارجي لا من مباشر بعينه». و ظاهره عدم الاستدلال بإطلاق النصوص، بل بالجمع بين دلالتها علي أصل الوجوب و العلم بعدم إرادة تكراره من كل مكلف و لا اجتماع المكلفين عليه. و هو كما تري، لأن ذلك إنما يكشف عن عدم كونه عينيا في حق جميع المكلفين، و لا ينافي كونه عينيا في حق بعضهم، كالولي، لإمكان سقوط تكليف الشخص عنه بفعل غيره، كتكليف الولد بقضاء ما فات أباه من الصلاة و الصوم، و التكليف بالنفقة علي الأرحام و نحوهما. و منه يظهر ضعف ما ذكره في آخر كلامه من أن مراد الشارع إيجاد هذه الأمور لا من مباشر بعينه. حيث ظهر أن عدم أخذ خصوصية المباشر لا يستلزم عموم التكليف.

هذا، و قد يستدل بإطلاق النصوص المشار إليها في الجواهر، و ذلك لأنه بعد عدم تعيين المكلف به في تلك النصوص يكون مقتضي الإطلاق عدم أخذ خصوصية فيه و سريانه في أفراد المكلفين، و حيث يمتنع البدلية في المكلف يتعين حملها علي تكليف الكل، غايته أن المكلف به صرف الوجود، بناء علي إمكان ذلك علي ما ذكرنا في بحث الواجب الكفائي من الأصول.

لكنه يشكل بأنه لم يتضح الإطلاق من حيثية المكلف في النصوص المذكورة، لأنها بين ما ورد لبيان أصل التشريع- مثل ما تضمن ذكر غسل الميت في ضمن الأغسال الواجبة «1»، و علة تشريع واجبات التجهيز من الغسل و غيره «2» - و ما ورد في مقام البيان من جهات خاصة، مثل ما تضمن الأمر بتعجيل التجهيز، و كيفية أفعاله و شروطها، و ما يظهر منه التعميم من حيثية الميت أو المباشر و بعض أسباب الموت و غير ذلك مما لا مجال معه لاستفادة الإطلاق من الجهة المطلوبة.

كما استدل في التذكرة و المنتهي بما رواه الجمهور من أن أعرابيا سقط عن بعيره فوقص فمات، فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم: «اغسلوه بماء و سدر» «3». فإن كان الاستدلال به بلحاظ الاقتصار علي بيان الكيفية مع الإطلاق في المكلف- كما قد يظهر من

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الجنابة حديث: 3 و باب: 1 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(2) راجع الوسائل باب: 1 من أبواب غسل الميت، و باب: 1 من أبواب التكفين، و باب: 1 من أبواب صلاة الجنازة، و باب: 1 من أبواب الدفن.

(3) التذكرة ج 1: 38 و المنتهي ج 1: 427.

ص: 50

______________________________

المنتهي- أشكل بأن وروده في مقام بيان الكيفية مانع من الإطلاق فيه من حيثية المكلف، كما تقدم.

و إن كان بلحاظ أن الظاهر منه خطاب غير أوليائه بتغسيله، كان نظيره في ذلك ما ورد في العراة الذين يجدون ميتا مطروحا في الطريق «1»، و نحوه مما يأتي عند الكلام فيما لو تعذر الاستئذان من الولي فإنه ظاهر في المفروغية عن وجوب تجهيزه، كما هو كذلك إجماعا.

و حينئذ يشكل بأن تكليف غير الولي بالتجهيز عند تعذر الرجوع إليه أو امتناعه لا يستلزم عموم التكليف لغيره عند إمكان الرجوع إليه، نظير تكليف غير الرحم بالانفاق علي المضطر عند تعذر إنفاق الرحم عليه أو امتناعه.

و من هنا يشكل استفادة الوجوب الكفائي من النصوص، و يكون العمدة فيه الإجماع المتقدم الذي يمتنع فيه الخطأ عادة بسبب شيوع الابتلاء بالحكم و بخصوصياته.

و لا سيما مع قرب كون مضمونه ارتكازيا عند المتشرعة، كما قد يناسبه ما يظهر من جملة من النصوص من المفروغية عن وجوب تجهيز من يتعذر الرجوع لوليه، فإنه لو لا كون عموم التكليف ارتكازيا لاحتياج تكليف غير الولي للسؤال و الدليل. فتأمل.

مضافا إلي عدم التعرض في النصوص علي كثرتها لتعيين المكلف مع شدة الحاجة لتعيينه، و أدلة الولاية ظاهرة في ابتنائها علي نحو من الحق و السلطنة للولي، لا علي محض تكليفه و التضييق عليه، و ذلك مما يناسب عموم التكليف لغيره جدا، كما يأتي، فعدم التعرض لتعيين المكلف قد يظهر في المفروغية عن عمومه.

كما أن ذلك هو المناسب لما يستفاد من بعض النصوص تبعا للمرتكزات من أن تجهيز الميت من شئون حرمة المسلم، ففي موثق الفضل بن يونس: «سألت أبا الحسن موسي عليه السّلام فقلت له: ما تري في رجل من أصحابنا يموت و لم يترك ما يكفن به اشتري له كفنه من الزكاة؟ فقال: أعط عياله من الزكاة قدر ما يجهزونه. فقلت:

فإن لم يكن له ولد و لا أحد يقوم بأمره فأجهزه أنا من الزكاة؟ فقال: كان أبي يقول:

إن حرمة بدن المؤمن ميتا كحرمته حيا، فوار بدنه و عورته و جهزه و كفنه و حنطه

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 36 من أبواب صلاة الجنازة.

ص: 51

______________________________

و احتسب بذلك من الزكاة، و شيع جنازته» «1»، و في خبر السكوني عن الصادق عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنه قال: «صلوا علي المرجوم من أمتي و علي القاتل نفسه من أمتي، لا تدعوا أحدا من أمتي بلا صلاة» «2»، و في موثق عمار عنه عليه السّلام: «أنه سئل عن النصراني يكون في السفر و هو مع المسلمين فيموت. قال: لا يغسله مسلم و لا كرامة و لا يدفنه و لا يقوم علي قبره و إن كان أباه» «3».

و من الظاهر أن حفظ حرمة المؤمن مما يجب علي كل أحد. بل قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم: «لا تدعوا أحدا من أمتي بلا صلاة» قوي الظهور في ذلك، فإنه و إن كان واردا للتعميم من حيثية الميت إلا أن الخطاب بواو الجماعة ظاهر في عموم التكليف لا مجرد ثبوته علي جنس المكلف، كما لو قيل: لا يترك أحد من أمتي بلا صلاة. و من هنا كان البناء علي أن التكليف كفائي قريب جدا.

لكن أصر في الحدائق علي عدم كون التكليف كفائيا، لعدم ظهور الأخبار فيه، بل في اختصاص التكليف بالولي. نعم لو لم يكن للميت ولي، أو كان و أخل بتكليفه و لم يكن هناك حاكم شرعي يجبره علي القيام به انتقل الحكم إلي المسلمين بالأدلة العامة، كما تشير إليه أخبار العراة المشار إليها آنفا. و قريب منه ما ذكره أخوه في إحيائه علي ما حكاه عنه في الجواهر. كما حكي غير واحد عن المرتضي اختصاص التكليف بالولي، علي ما يأتي في المسألة الخامسة عشرة.

و يشكل..

تارة: بما عرفت من نهوض الأدلة بإثبات عموم التكليف.

و أخري: بما أشرنا إليه آنفا من أن أدلة الولاية ظاهرة في ابتنائها علي نحو من الحق و السلطنة للولي في تعيين كيفية الامتثال، لا علي محض تكليفه و التضييق عليه، للتعبير فيها عنه بأنه أحق، و أن من تقدم من دون إذنه غاصب «4».

و أما مثل قوله عليه السّلام في مرسل ابن أبي عمير: «يصلي علي الجنازة أولي الناس

______________________________

(1) الوسائل باب: 33 من أبواب التكفين حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 37 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 18 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(4) راجع الوسائل باب: 23، 24 من أبواب صلاة الجنازة.

ص: 52

الغسل (1) علي الأحوط، و إن كان الأقوي كفاية إزالتها عن كل عضو قبل

______________________________

بها أو يأمر من يحب» «1». فهو غير ظاهر في بيان المكلف بالصلاة، بل من يباشرها، و هو لا يلازم اختصاص التكليف به، كيف و قد يلزم مباشرة غير الولي، كما في مورد اعتبار المماثلة إذا لم يكن الولي مماثلا. و يزيد ذلك وضوحا بملاحظة قوله عليه السّلام: «أو يأمر من يحب» لوضوح أن أمر المكلف بشي ء غيره بالقيام به لا يقتضي مشاركته له في التكليف به، بل ذلك يناسب ما ذكرنا من ابتناء الولاية علي السلطنة المذكورة مع عموم التكليف، حيث يكون اختياره لفعل من يأمره موجبا لاختصاص الامتثال بفعل المأمور، فيجب علي المأمور الامتثال بفعله بعد دخوله في عموم التكليف. و من ثم أشرنا آنفا إلي أن أدلة الولاية تناسب عموم التكليف لغير الولي. فلاحظ.

و ثالثة: بأنه بعد دعواه عدم الدليل علي الوجوب الكفائي لا وجه لما ذكره أخيرا من انتقال التكليف لغير الولي بالأدلة العامة، فإن الأدلة العامة لو وجدت نهضت باثبات كون التكليف كفائيا من أول الأمر بعد ما عرفت من عدم نهوض أدلة الولاية بتقييدها. و أما مثل نصوص العراة فهي مختصة بما إذا تعذر إعلام الولي، و لا تشمل صورة امتناعه.

نعم، قد يدعي أن الولاية تنافي عموم التكليف. و يأتي الكلام فيه عند الكلام في الدليل علي الولاية إن شاء اللّه تعالي.

إزالة النجاسة عن بدن الميت

(1) كما في الغنية و الشرائع المعتبر و التذكرة و المنتهي و الإرشاد و الدروس و اللمعة و محكي التحرير و نهاية الأحكام و البيان و غيرها. بل في الغنية و التذكرة و محكي نهاية الأحكام و كشف الالتباس و المفاتيح دعوي الإجماع عليه، و في المنتهي و عن مجمع البرهان أنه لا خلاف فيه، و في المدارك أنه مقطوع به في كلام الأصحاب، و عن الكفاية أنه المعروف من المذهب.

و قد استدل عليه- مضافا إلي الإجماع المتقدمة دعواه، و إلي ما تضمن ذلك في غسل الجنابة بضميمة ما تضمن مساواة غسل الميت له- بجملة من النصوص، ففي صحيح الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن [غسل] الميت فقال:

______________________________

(1) الوسائل باب: 23 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

ص: 53

______________________________

أقعده و اغمز بطنه غمزا رفيقا، ثم طهره من غمز البطن، ثم تضجعه ثم تغسله تبدأ بميامنه … » «1»، و في صحيح معاوية بن عمار: «أمرني أبو عبد اللّه عليه السّلام أن أعصر بطنه ثم أوضيه بالأشنان ثم أغسل رأسه بالسدر … » «2»، بناء علي أن التوضئة بالأشنان هي تنظيف الدبر بعد عصر البطن، كما يأتي نظيره في بعض النصوص.

و في صحيح العلاء بن سيابة عنه عليه السّلام أنه قال: «إذا قتل في معصيته يغسل أولا منه الدم ثم يصب عليه الماء صبا … » «3».

كما قد يستدل أيضا بقوله عليه السّلام في موثق عمار: «ثم تمر يدك علي بطنه فتعصره شيئا حتي يخرج من مخرجه ما خرج، و يكون علي يديك خرقة تنقي بها دبره … ثم تغسله بجرة من ماء القراح … » «4»، و في المرسل عن يونس: «ثم صب الماء في الآنية و ألق فيها حبات كافور، و افعل به كما فعلت في المرة الأولي ابدأ بيديه، ثم بفرجه، و امسح بطنه مسحا رفيقا، فإن خرج منه شي ء فأنقه، ثم اغسل رأسه … » «5». فإنه و إن تضمن الموثق التطهير قبل الغسلة الثالثة و المرسل التطهير قبل الثانية، إلا أن المفروض فيهما خروج النجاسة منه حينئذ، و مقتضاهما عدم جواز الشروع في الغسلتين المذكورتين قبل التطهير، و يتعدي منها للأولي لو ابتلي بالنجاسة قبلها بفهم عدم الخصوصية.

نعم، لا مجال للاستدلال بما تضمن الأمر بغسل الفرج قبل بعض الغسلات «6»، كما ذكره جملة من الأصحاب أيضا، لأنه حيث لم يفرض فيه نجاسة الفرج يتعين كونه من آداب التغسيل الخارجة عما نحن فيه، نظير ذكره في المرسل المتقدم. فالعمدة ما عرفت.

لكن يشكل الاستدلال بالإجماع لقرب كون ذكرهم التقديم لأنه أسهل من الإزالة في الاثناء، و أبعد عن تنجس يد الغاسل او ماء الغسل، مع كون المهم هو خلو كل موضع من بدن الميت عن النجاسة حين غسله، كما يناسبه تعليل الحكم في المعتبر و التذكرة- مضافا إلي النصوص- بالفرار عن تنجس ماء الغسل بملاقاتها، و بأنه إذا وجبت إزالة النجاسة الحكمية فوجوب إزالة العينية عنه أولي، و في جامع المقاصد تعقيبا علي ما في القواعد من وجوب البدء بإزالة النجاسة قال: «لا شبهة في وجوب

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 9.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 8.

(3) الوسائل باب: 15 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 10.

(5) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

(6) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 5.

ص: 54

______________________________

إزالة النجاسة عنه، لتوقف تطهيره عليها».

و إلا فوجوب التقديم نفسيا أو غيريا لتوقف صحة الغسل عليه ليس ارتكازيا، ليستغني عن بيانه، بل تعبديا محتاجا للبيان، و لم يتعرض له جماعة من الأصحاب كالصدوق و الشيخين و غيرهم. و من هنا لا مجال لإحراز الإجماع التعبدي علي التقديم بالنحو الكافي في الاستدلال.

و أما ما تضمن ذلك في غسل الجنابة فهو لا ينهض بالمدعي علي ما ذكرنا في المسألة الواحدة و الستين من مباحث الوضوء في أوائل فصل شرائطه. مع أنه لا مجال لقياس المقام بالجنابة، لأن غسل الخبث عن بدن الجنب موجب لطهارته، بخلاف بدن الميت، لعدم طهارته إلا بعد الغسل، علي ما يأتي في محله إن شاء اللّه تعالي.

و أما النصوص فمن القريب جدا تنزيلها علي ما سبق تنزيل كلمات الأصحاب عليه، لمطابقته للارتكاز. و يناسبه خلو جملة من النصوص الواردة في بيان كيفية الغسل و آدابه عن التعرض لذلك، و لو كان معتبرا لكان أمرا تعبديا محتاجا لعناية و تنبيه. كما يناسبه ورود نظيره في غسل الجنابة و لزوم حمله علي ما ذكرنا بقرائن مذكورة في محلها.

و من هنا لا ينبغي التأمل في عدم وجوب تقديم إزالة النجاسة علي الشروع في الغسل.

بل لا يجب تقديمها علي غسل الموضع لو لم يستلزم تنجس الماء لاعتصامه بالكرية أو المادة، و إنما يكفي زوالها حين غسله بسبب جريان الماء، لعدم الدليل علي لزوم الإزالة حينئذ، و ظهور اختصاص النصوص المتقدمة بصورة الغسل بالماء القليل غير المعتصم.

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، مصباح المنهاج - كتاب الطهارة، 6 جلد، مؤسسة المنار، قم - ايران، ه ق مصباح المنهاج - كتاب الطهارة؛ ج 6، ص: 55

و دعوي: أن الاكتفاء بغسل واحد للتطهير و غسل الميت يحتاج إلي دليل، لأصالة عدم التداخل. مدفوعة: بأن التداخل مقتضي الإطلاق من دون مخرج عنه في أمثال المقام، علي ما تقدم توضيحه في أوائل فصل شرائط الوضوء. مضافا إلي ما يأتي من امتناع زوال نجاسة دون أخري. فلاحظ.

نعم، لا يبعد لزوم إزالتها لو أوجبت انفعال ماء الغسل، لعدم اعتصامه، لأن الطهارة الخبثية شرط في ماء الغسل. و دعوي: أن ماء الغسل ينفعل بملاقاة جسد الميت بناء علي ما هو المعروف من نجاسته قبل الغسل، فلا بد من البناء علي العفو عن

ص: 55

______________________________

النجاسة الحاصلة حين الغسل. مدفوعة بأن العفو عن نجاسته بملاقاة البدن التي لا بد منها في الغسل لا يستلزم العفو عن نجاسته بملاقاة النجاسة التي علي البدن.

بل عدم العفو هو المستفاد من أدلة اعتبار الطهارة في الماء المستعمل في رفع الحدث، المطابق لارتكازيات المتشرعة، و المعتضد بالنصوص المتقدمة، لأن المتبادر منها بيان الكيفية المعتبرة في صحة الغسل. و أما حملها علي الفرار عن الاستقذار العرفي، أو عن تنجس البدن بعد إكمال غسله لو انتقلت بسببه من موضع لآخر، من دون دخل لها بصحة الغسل. فهو بعيد عن ظاهرها جدا. فتأمل جيدا.

بقي شي ء، و هو أنه حيث كان المعروف نجاسة بدن الميت، و عدم طهارته إلا بعد الغسل، فهل المعتبر في المقام مجرد إزالة عين النجاسة الخارجية عن الميت، أو لا بد معها من الغسل المعتبر في التطهير من تلك النجاسة؟

ظاهر غير واحد أو صريحهم الثاني. لكن جعل في الروض الحكم المذكور تعبديا، لئلا يلزم طهارة المحل من نجاسة دون نجاسة. بل في الجواهر: «لا مانع من ثبوت الطهارة من نجاسة خاصة مع ثبوت نجاسة الأخري [أخري. ظ] إذ هما من الأحكام الشرعية التعبدية التي ليس للعقل فيها مدخلية. نعم هي تدور مدار التوقيف من الشارع، فلا ينبغي الإشكال فيه بعد ثبوته من الشارع. و لا إشكال في الثبوت … ». بل يظهر من المدارك أنه مطابق للقواعد، قال: «أو يقال: إن النجاسة العارضة إنما تطهر بما يطهر غيرها من النجاسات، بخلاف نجاسة الموت، فإنها تزول بالغسل و إن لم يكن مطهرا لغيرها، فاعتبر إزالتها أولا لتطهير الميت بالغسل. و هذا أولي مما ذكره في المعتبر من أن تقديم الإزالة لئلا ينجس ماء الغسل بملاقاتها، أو لأنه إذا وجب إزالة الحكمية فالعينية أولي».

أقول: البناء علي وجوب الغسل إن كان لأصالة عدم التداخل- كما يظهر من الجواهر- فقد عرفت أن التداخل مقتضي الإطلاق، و لا مخرج عنه في مثل المقام، خصوصا مع امتناع زوال نجاسة دون أخري.

و إن كان لتجنب نجاسة الماء بملاقاة الموضع النجس، بدعوي: أن العفو عن تنجسه به لتنجسه من حيثية الموت لا يستلزم العفو عن تنجسه به لتنجسه من حيثية

ص: 56

______________________________

ملاقاته للنجاسة. أشكل بعدم الإطلاق في دليل اعتبار طهارة الماء يقتضي المانعية من الجهتين و لو مع وحدة الموضع النجس بحيث يجب التخفيف مهما أمكن، لأن تعدد نجاسة الملاقي ليس كتعدد الملاقي موجبا لتعدد نجاسة الملاقي. علي أن تنجس الماء من حيثية ملاقاة الميتة يمنع ارتكازا من تطهير الموضع النجس به من حيثية ملاقاته النجاسة الخارجية، بل لا بد من إزالة النجاستين معا بغسل واحد و العفو عن تنجس الماء بملاقاة الموضع المتنجس بهما. و لذا كان التطهير من نجاسة دون أخري مخالفا للقاعدة.

و إن كان للإجماع- بناء علي أنه الدليل في المسألة- فكلمات الأصحاب لا تقتضي الإجماع علي ذلك، لأنه و إن عبر في الغنية بالغسل إلا أن الأكثر قد عبروا بإزالة النجاسة، و هو إن لم يكن ظاهرا في الاكتفاء بإزالة عين النجاسة- و لو بضميمة المفروغية عن عدم طهارة بدن الميت قبل الغسل، بخلاف الجنب- فلا أقل من عدم ظهوره في لزوم الغسل.

بل التعليل المتقدم من المعتبر و التذكرة يناسب الاكتفاء بإزالة العين، و إن كان للنصوص فهو و إن كان مقتضي التعبير بالتطهير في صحيح الفضل و الجمود علي الغسل في صحيح العلاء، إلا أنه يلزم رفع اليد عنهما بصحيح معاوية بن عمار- بناء علي أنه من أدلة المسألة- و موثق عمار، لصراحتهما في الاكتفاء بإزالة العين بالأشنان و الخرقة، و يعضدهما التعبير بالتنقية في مرسل يونس. فيتعين حمل الصحيحين علي أن الغسل و التطهير لإزالة العين، و هو المناسب لارتكاز امتناع التطهير من نجاسة دون أخري، الذي أشرنا إلي وجهه.

و بذلك يخرج عن أصالة عدم التداخل أو محذور تنجس الماء بملاقاة الموضع المتنجس لو سلم نهوضهما بإثبات لزوم الغسل. و قد أشار إلي بعض ما تقدم في كشف اللثام، ثم قال: «فالظاهر أن الفاضلين و كل من ذكر تقديم الإزالة أو التنجية أرادوا إزالة العين لئلا يمتزج بماء الغسل، و إن لم يحصل التطهير». و ما ذكره قريب جدا.

نعم، قد لا يتم ذلك فيما لو كانت النجاسة لا يظهر منها الغسل مرة واحدة كالبول، لأن مقتضي إطلاق دليلها لزوم تعدد الصب في تطهير الميت منه. و مجرد

ص: 57

الشروع فيه (1)، ثم تغسيله (2)

______________________________

نجاسته بالموت لا يقتضي عدم تنجسه بغيره، و لا عدم ترتب حكم التنجس المذكور.

و حينئذ لا يكتفي في تطهيره بتغسيله غسل الميت، بناء علي عدم صلوح الغسلتين الأوليين للتطهير من الخبث، لخروج الماء فيهما بالخليط عن الإطلاق. و ليس في النصوص المتقدمة ما ينافي ذلك، لاختصاصها بالغائط، و التعدي منه لغيره مما يكفي فيه المرة لفهم عدم الخصوصية لا يقتضي التعدي لما يعتبر فيه التعدد. غاية الأمر أن غسلة تغسيل الميت تجزي عن إحدي الغسلتين.

لكنه لا يناسب إغفال النصوص التنبيه عليه مع كثرة ابتلاء الميت بالبول في حال مرضه أو بعده، و غفلة المتشرعة عن تطهيره قبل الغسل بالوجه المذكور، للجهل بمحله بسبب عدم تميزه بلون أو حجم، و لمعهوديتهم تنجس بدن الميت بالموت و عدم طهارته إلا بعد الغسل، كغفلتهم عن تطهيره بعده، لأن منتهي تطهير الميت عندهم تغسيله. و إن كان في بلوغ ذلك حدّ الخروج عن إطلاقات الأدلة إشكال. فلاحظ.

(1) لعل مراده ما سبق منا من إزالة النجاسة عن كل موضع قبل غسله. و إلا فلو أريد به خصوص الأعضاء الثلاثة التي يجب الترتيب بينها عندهم أشكل ما ذكره بعدم الدليل، لأن مقتضي الجمود علي مفاد النصوص لزوم الإزالة عن تمام البدن قبل الشروع فيه، و تنزيلها علي ما يناسب القواعد يقتضي الاكتفاء بما ذكرنا.

وجوب تغسيله ثلاثة أغسال هو المعروف بين الأصحاب

(2) وجوب تغسيله ثلاثة أغسال هو المعروف بين الأصحاب المنسوب للمشهور و الأكثر في كلام جماعة، بل في المعتبر و المدارك و عن كشف الرموز و الذخيرة أنه مذهب الأصحاب عدا سلار، و ادعي الإجماع عليه في الخلاف و محكي الغنية، و إن أشكل استفادته منها. و يقتضيه النصوص الكثيرة، كصحيح ابن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«سألته عن غسل الميت. فقال: اغسله بماء و سدر ثم اغسله علي أثر ذلك غسله أخري بماء و كافور و ذريرة إن كانت. و اغسله الثالثة بماء قراح. قلت: ثلاث غسلات لجسده كله؟ قال: نعم» «1». و قريب منه صحيح سليمان بن خالد «2» و معتبر الحلبي: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: يغسل الميت ثلاث غسلات مرة بالسدر، و مرة بالماء يطرح فيه الكافور،

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 6.

ص: 58

______________________________

و مرة أخري بالماء القراح، ثم يكفن» «1» و غيرها مما تضمن بيان كيفية الغسل «2».

و خالف سلار فاكتفي في بيان الواجب بالغسل مرة بالماء القراح و حكم باستحباب الغسلتين الأخريين. و استدل له تارة: بالأصل. و أخري: بما تضمن أن غسل الميت كغسل الجنابة كصحيح محمد بن مسلم «3»، و ثالثة: بما تضمن أن الميت الجنب يغسل غسلا واحدا «4»، و إذا ثبت الواحد مع الجنابة فمع عدمها أولي.

و يدفع الأول: بأن الأصل إنما يقتضي البراءة لو كان الواجب الغسل بنفسه، لدوران الواجب حينئذ بين الأقل و الأكثر، أما لو كان هو الطهارة المسببة عنه فمقتضي الأصل الاشتغال بها، للشك في المحصل، و المستفاد من جملة من النصوص- تبعا للمرتكزات- الثاني، مثل ما تضمن تعليل تشريعه بمطلوبية طهارة الميت في هذا الحال «5». و بأنه يجنب بالموت «6»، و ما تضمن بدلية التيمم عنه «7»، مع وضوح أن مبني البدلية علي أن التراب أحد الطهورين، و قوله عليه السّلام في صحيح يعقوب: «فإذا طهر وضع كما يوضع في قبره» «8» و غيره.

هذا، مع أن الأصل لا ينهض في قبال ما سبق من النصوص.

و أما الثاني: فهو محمول بقرينة ما سبق علي التشبيه في الكيفية. و أما ما تضمن تعليل تغسيله بأنه يجنب، فهو لا ينفع في استدلاله، لإمكان خصوصية جنابة الميت في عدم الإزالة إلا بالأغسال الثلاثة. و كذا ما تضمن تعليل تغسيله غسل الجنابة بذلك «9»، لأن وجوب تغسيله غسل الجنابة لا ينافي وجوب ما زاد عليه.

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 4.

(2) راجع الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت.

(3) الوسائل باب: 3 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(4) راجع الوسائل باب: 31 من أبواب غسل الميت.

(5) الوسائل باب: 1 من أبواب غسل الميت حديث: 3، 4.

(6) راجع الوسائل باب: 3 من أبواب غسل الميت.

(7) الوسائل باب: 16 من أبواب غسل الميت حديث: 3 و باب: 19 من الأبواب المذكورة حديث: 2 و باب: 13 من أبواب التيمم حديث: 1.

(8) الوسائل باب: 5 من أبواب غسل الميت حديث: 2.

(9) راجع الوسائل باب: 3 من أبواب غسل الميت.

ص: 59

______________________________

و أما الثالث: فقد أجيب عنه بأن المراد به بيان التداخل بالاكتفاء بغسل الميت المشتمل علي الأغسال الثلاثة. قال في المختلف: «و ليس بدال علي صورة النزاع، لأن غسل الميت عندنا واحد، إلا أنه يشتمل علي ثلاثة أغسال».

و هو متجه بالإضافة لجملة من النصوص المتضمنة أنه يغسل غسلا واحدا، بل هو كالصريح من موثق عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنه سئل عن المرأة إذا ماتت في نفاسها كيف تغسل؟ قال: مثل غسل الطاهر، و كذلك الحائض، و كذلك الجنب، إنما يغسل غسلا واحدا فقط» «1».

لكن في حديث أبي بصير عن أحدهما عليهما السّلام «في الجنب إذا مات: قال: ليس عليه إلا غسلة واحدة» «2»، و في صحيح العيص عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن رجل مات و هو جنب. قال: يغسل غسلة واحدة بماء ثم يغتسل بعد ذلك» «3» بناء علي أن المراد من قوله: «ثم يغتسل» اغتسال المغسّل لا تغسيل الميت. فإن تأنيث الغسلة ظاهر في وحدتها، و لا يعهد التعبير عن غسل الميت بالغسلة، فيكونان ظاهرين في الاجتزاء بغسلة واحدة، و لا سيما مع تقييدها في الثانية بالماء، لوضوح أن تغسيل الميت بغسلاته الثلاثة ليس بالماء وحده.

اللهم إلا أن يراد بذلك بيان تداخل إزالة الحدثين في الغسلة الواحدة و إن انفرد الموت بالغسلتين الأخريين، إذ لا دخل للخليط في رفع الجنابة، خصوصا بناء علي جواز خروج الماء عن الإطلاق بالخليط. مع أن حمل الغسلة علي الغسل الواحد المشروع- و إن تضمن أغسالا متعددة- قد يكون أقرب من رفع اليد عن ظهور النصوص الكثيرة في وجوب الأغسال الثلاثة، و لا سيما مع عدم الإشارة في شي ء من النصوص الواردة في شرح غسل الميت علي كثرتها لخلافه، مع شدة الحاجة للبيان فيها، و إلا فاستفادة شرح غسل الميت تبعا عند بيان التداخل مما لم يعهد النظير له في الفقه.

مضافا إلي ما عرفت من بناء الأصحاب علي التثليث حتي لم يعهد الخلاف فيه من غير سلار. و لا أقل من كون ذلك بمجموعه موجبا للتوقف في الحديثين و صيرورتهما من المشكل الذي يرد علمه لقائله عليه السّلام. و لا سيما مع احتمال كون المراد

______________________________

(1) الوسائل ج 2 باب: 31 من أبواب غسل الميت حديث: 2.

(2) الوسائل ج 2 باب: 31 من أبواب غسل الميت حديث: 4.

(3) الوسائل ج 2 باب: 31 من أبواب غسل الميت حديث: 6.

ص: 60

بماء السدر ثم بماء الكافور (1).

______________________________

بالذيل في الثاني تغسيل الميت، فيدل علي عدم التداخل، و يخرج عما نحن فيه، كما تضمنه بعض روايات العيص نفسه.

و من هنا لا مخرج عما عليه الأصحاب تبعا للنصوص الكثيرة من وجوب تثليث الأغسال، بل هو من الوضوح بحد قد يلحق معه بالضرورات الفقهية. فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

الكلام في وجوب الخليطين في الغسلتين
اشارة

(1) وجوب الخليطين في الغسلتين المذكورتين هو المعروف من مذهب الأصحاب المدعي عليه الإجماع في الخلاف، و في مفتاح الكرامة أن فيه كل ما في التثليث من نقل الإجماع و الشهرة.

و يقتضيه النصوص الكثيرة المتقدم بعضها عند الكلام في اعتبار التثليث.

لكن كلام الوسيلة ظاهر في الاستحباب، حيث اقتصر في بيان الواجب علي تثليث الغسلات، و قال في بيان المستحبات: «و غسله أولا بماء السدر، و ثانيا بماء جلال الكافور، و ثالثا بالماء القراح». و ما في المختلف و المدارك من نسبة استحباب الترتيب إليه، و عن الشهيد أنه يلوح منه. مخالف لظاهر كلامه جدا. و أصرح منه ما عن ابن سعيد حيث قال: «و إن من الواجب غسله ثلاثة أغسال علي صفة غسل الجنابة …

و يستحب إضافة قليل سدر إلي الماء الأول، و نصف مثقال من كافور إلي الثاني». بل نسب عدم ذكر السدر في الغسل الأول للصدوق في الفقيه و الهداية، حاكيا له عن والده، و للشيخ في النهاية و المبسوط، و إنما ذكر الصدوق غسل يدي الميت بالسدر، و الشيخ غسل فرجه به، قبل الشروع في الغسل، كما ذكروا غسل رأسه برغوته، و هي خارجة عن الغسل الواجب.

و من ثم قال في مفتاح الكرامة: «فقد كثر الموافقون لابن حمزة علي الظاهر».

لكن ملاحظة مجموع كلام الشيخ في كتابيه تشهد بمفروغيته عن كون الغسلة الأولي بماء الإجانة التي وضع السدر فيها و منه أخذت الرغوة لغسل الرأس و به يغسل فرجه. بل الظاهر أن ذلك مراد الصدوق في كتابيه، و لا سيما بملاحظة كلامه في

ص: 61

______________________________

المقنع، حيث يظهر جريه فيها علي نهج واحد، و لذا كان الظاهر انحصار الخلاف بابني حمزة و سعيد.

و قد يستدل لهما ببعض النصوص:
الأول: خبر معاوية بن عمار

المتقدم: «أمرني أبو عبد اللّه عليه السّلام أن أعصر بطنه، ثم أوضيه بالأشنان، ثم أغسل رأسه بالسدر و لحييه، ثم أفيض علي جسده منه ثم أدلك به جسده ثم أفيض عليه ثلاثا، ثم أغسله بالماء القراح ثم أفيض عليه بالماء الكافور و بالماء القراح، و أطرح فيه سبع ورقات سدر» «1». لكنه ظاهر في الإفاضة علي جسده من السدر. غاية ما فيه ذكر الماء القراح مرتين مرة قبل ماء الكافور و مرة معطوفا عليه بالواو، و هو موجب لاضطرابه كالأمر بطرح سبع ورقات من السدر في ذيله.

اللهم إلا أن يحمل الغسل الأول بالماء القراح علي الاستحباب للتنظيف من أثر السدر، و يحمل عطف ماء القراح بعد ذلك علي ماء الكافور علي الترتيب و لو بقرينة النصوص الأخري، و يحمل الأمر بطرح سبع ورقات سدر في الذيل علي بيان المقدار المعتبر من السدر في الغسل الأول. فتأمل.

الثاني: صحيح يعقوب بن يقطين:

«سألت العبد الصالح عليه السّلام عن غسل الميت أ فيه وضوء الصلاة أم لا؟ فقال: غسل الميت تبدأ بمرافقه فيغسل بالحرض ثم يغسل وجهه و رأسه بالسدر ثم يفاض عليه الماء ثلاث مرات … و يجعل في الماء شي ء من السدر و شي ء من كافور … » «2». و هو كما تري صريح في اعتبار الخليطين، و إن كان مجملا في كيفية خلطهما، حيث يحتمل جمعهما في ماء واحد يكون به الغسلات الثلاث، بل لعله الظاهر منه بدوا، فيلزم حمله علي النحو الذي ذكره الأصحاب بقرينة النصوص الباقية.

الثالث: صحيح الفضل بن عبد الملك

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و فيه: «ثم تغسله تبدأ بميامنه و تغسله بالماء و الحرض، ثم بماء و كافور، ثم تغسله بالماء القراح. و اجعله في أكفانه» «3». لكنه صريح في اعتبار الخليط و إنما يخالف ما عليه الأصحاب في إبدال السدر بالحرض في الغسلة الأولي، و حيث لا قائل بذلك و لا بالتخيير بينه و بين السدر يتعين طرحه، أو حمله علي استحباب الجمع بينهما- كما قد ينزل عليه معتبرة

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 8.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 7.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 9.

ص: 62

ثم بالماء القراح (1)، كل واحد منها كغسل الجنابة الترتيبي (2).

______________________________

الكاهلي «1» - أو بدليته عنه عند التعذر أو غير ذلك. كما يلزم نحو ذلك في بعض النصوص الأخر التي قد توهم خلاف ما عليه الأصحاب تبعا للنصوص الكثيرة المعتبرة السند الواضحة الدلالة.

وجوب الترتيب بين الغسلات
اشارة

(1) الظاهر عدم الخلاف في وجوب الترتيب بين الغسلات، بل هو داخل في معقد الإجماع المتقدم، و قد عرفت الإشكال في نسبة الخلاف فيه لابن حمزة. و يقتضيه النصوص المتقدمة، و ما قد يوهم عدم وجوبه كصحيح يعقوب المتقدم محمول علي ما لا ينافيه بقرينة النصوص الأخر. كما أن مقتضي ذلك عدم الإجزاء مع مخالفة الترتيب، بل يلزم الإعادة علي ما يطابقه، كما صرح به بعضهم. و ما يظهر من التذكرة من التردد فيه، لحصول الإنقاء المقصود من الغسلات، في غير محله.

(2) كما هو المعروف بين الأصحاب، و قد ادعي الإجماع عليه في الانتصار و المعتبر و محكي الذكري و ظاهر التذكرة، و عن كشف الالتباس أنه لا خلاف فيه، كما نفي في الجواهر وجدان الخلاف فيه.

و قد استدل عليه بوجوه:
الأول: الإجماع

المذكور. و يشكل بأن كلمات جملة من الأصحاب خصوصا القدماء خالية عن التنصيص علي الترتيب المذكور، مع ما هو المعلوم من شدة الحاجة للتنبيه عليه لو كان واجبا، لاحتياجه إلي عناية في مقام العمل و خروجه عن الإطلاق.

بل يظهر من كلام بعضهم ما ينافيه.

ففي المقنع: «ثم يؤخذ من الماء ثلاث حميديات ثم يقلب علي ميامنه فيصب عليه ثلاث حميديات من قرنه إلي قدمه، ثم يقلب علي مياسره فيصب عليه ثلاث حميديات من قرنه إلي قدمه. فهذا الغسل الأول». و مقتضاه عدم الترتيب بين الرأس و الجسد، بل يغسل كل شق من الرأس مع مثله من البدن. كما أنه ظاهر في جواز تقديم الأيسر علي الأيمن. إلا أن يحمل- بقرينة كلامه في بقية كتبه- علي قلبه بنحو يبدو

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 5.

ص: 63

______________________________

الأيمن أولا، ثم قلبه بنحو يبدو الأيسر. و لا يبعد حينئذ حمل الترتيب بين الشقين علي الاستحباب، و لا سيما بملاحظة عدم تيسر غسل تمام الشقين دفعة واحدة غالبا.

كما صرح في الفقيه و الهداية بغسل شقه الأيمن من قرنه إلي قدمه ثم شقه الأيسر كذلك، حاكيا عن رسالة والده، لكن بعد غسل رأسه برغوة السدر ثم بثلاث حميديات. و كذا في المبسوط و النهاية و التذكرة و المنتهي، لكن بعد غسل الجانب الأيمن من رأسه ثم الجانب الأيسر منه.

و الجمع بين تقديم غسل الرأس و غسل البدن من القرن إلي القدم كما يمكن لوجوب الأول و استحباب التعميم للرأس في الثاني ليوافق المشهور يمكن أن يكون لعكس ذلك- كما لعله الأنسب بالهداية و الفقيه جمعا مع ما في المقنع، و بتعليل غسل الرأس أولا بذهاب ما فيه من الوسخ فيكون التطهير أبلغ في المنتهي- فيدل علي عدم وجوب الترتيب، و يمكن أن يكون لوجوب كلا الأمرين، كما هو ظاهر التذكرة و كالصريح من المنتهي حيث صرح بغسله من قرنه إلي قدمه بالسدر وجوبا، ثم صرح بوجوب تقديم الرأس محافظة علي الترتيب المعهود و في مفتاح الكرامة بعد أن حكي الجمع المذكور عن نهاية الأحكام ذكر أنه قد يلوح منه الاستحباب.

أما في المقنعة فقد قال: «ثم يأخذ رغوة السدر فيضعه علي رأسه و لحيته بمقدار تسعة أرطال من ماء السدر، ثم يقلبه علي مياسره لتبدو له ميامنه و يغسله من عنقه إلي تحت قدميه بمثل ذلك من ماء السدر … ثم يقلبه علي جنبة الأيمن لتبدو له مياسره فيغسلها كذلك، ثم يرده إلي ظهره فيغسله من أم رأسه إلي تحت قدميه بماء السدر، كما غسل رأسه بنحو تسعة أرطال من ماء السدر إلي أكثر من ذلك»، و قد جمع بين غسله قبل جانبيه، ثم غسله مع بدنه حين رده إلي ظهره، و نحوه في المراسم، فيجري فيه ما سبق. مضافا إلي أنه قد يظهر في إلحاق الرقبة بالبدن خلافا لما قد ينسب للمشهور من إلحاقها بالرأس.

و مع كل ذلك يشكل التعويل علي دعاوي الإجماع المتقدمة. و لا سيما مع ظهور حال الكليني في العمل بحديثي الكاهلي و يونس الآتيين، لذكره لهما في باب غسل الميت، و مع عدم العثور علي كلام بعض القدماء كابن الجنيد و نحوه ممن ديدنهم تعليم

ص: 64

______________________________

كيفيات خاصة للأفعال، خصوصا مع سبق نقل ما يظهر منه عدم الالتزام بالترتيب في غسل الجنابة عن بعضهم، و مع بعد اطلاعهم علي غير ما اطلعنا عليه من ألسنة النصوص، حيث يشكل انعقاد الإجماع التعبدي مع ذلك، علي ما تقدم نظيره في غسل الجنابة. فراجع.

الثاني: أن الترتيب حيث ثبت في غسل الجنابة ثبت هنا للإجماع علي عدم الفرق بينهما في ذلك،

كما في الانتصار و المعتبر، و للنصوص، كصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: غسل الميت مثل غسل الجنب، و إن كان كثير الشعر فرد عليه [الماء] ثلاث مرات» «1» و غيره مما يظهر منه أن الغسل المذكور من أفراد غسل الجنابة حقيقة «2» و لذا شاع تشبيهه به، بل قد يستظهر من الخلاف الإجماع عليه، حيث قال: «غسل الميت كغسل الجنابة ليس فيه وضوء. و في أصحابنا من قال: يستحب فيه الوضوء …

دليلنا عمل [إجماع. خ ل] الفرقة علي ما قلناه و من قال من أصحابنا بالوضوء فيه عول علي أخبار مروية في هذا الباب … ». و إن كان المتيقن منه الإجماع علي التشبيه في نفي وجوب الوضوء.

و كيف كان، فالاستدلال المذكور مبني علي وجوب الترتيب في غسل الجنابة، و قد سبق الإشكال في ذلك بالنظر للنصوص و كلمات الأصحاب، و منهم المحقق في المعتبر، حيث صرح بعدم اعتبار الترتيب فيه بين الجانبين. بل بلحاظ ذلك يكون هذا الوجه دليلا لنفي وجوب الترتيب.

الثالث: النصوص

.. منها: موثق عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: « … ثم تبدأ فتغسل الرأس و اللحية بسدر حتي ينقيه، ثم تبدأ بشقه الأيمن، ثم بشقه الأيسر، و إن غسلت رأسه بالخطمي فلا بأس، و تمر يدك علي ظهره و بطنه بجرة [بجزء. خ ل يب] من ماء حتي تفرغ منهما، ثم بجرة [بجزء. خ ل يب] من كافور يجعل في الجرة من الكافور نصف حبة، ثم تغسل رأسه و لحيته ثم شقه الأيمن ثم شقه الأيسر، و تمر يدك علي جسده كله، و تنضب [تنصب. يب] رأسه و لحيته شيئا … ثم تغسله بجرة من ماء

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(2) راجع الوسائل باب: 3 من أبواب غسل الميت.

ص: 65

______________________________

القراح. فذلك ثلاث جراد [جرار. يب] فإن زدت فلا بأس» «1».

لكنه يشكل: بأن ملاحظة مجموعة تشهد بوروده لبيان الكيفية الكاملة من دون تعيين للواجب منها من غيره، فلا ينهض بتقييد الإطلاقات. علي أن التعبير في صدره بغسل الرأس و اللحية بسدر قد يظهر في كثرة السدر للتنظيف من الوسخ مقدمة للغسل بدل الغسل بالرغوة الذي تضمنته بعض النصوص المحمولة علي الاستحباب، كما يناسبه جعل الغاية التنقية المناسب لكونه من مقدمات الغسل، و قوله: «و إن غسلت رأسه و لحيته بالخطمي فلا بأس» الذي قد يظهر في التخيير بينه و بين السدر، و إهمال ذلك في الغسل الثالث بالماء القراح الذي يراد به مجرد إيصال الماء للبشرة بعد تنقيتها. و حينئذ يكون المراد بالشقين ما يعم الرأس.

كما لا يراد بالترتيب بينهما إكمال النصف الأيمن قبل الشروع في الأيسر، حيث لا يناسب الأمر مع ذلك بإمرار اليد علي الظهر و البطن بجرة من ماء في الغسل الأول، و لا بإمرار اليد علي الجسد كله في الغسل الثاني، و لا بنصب الرأس و اللحية الذي هو عبارة عن نضحهما بالماء، أو بنصبهما الذي لا يبعد كونه مقدمة لوصول الماء إليهما بالإفاضة. بل الترتيب بين الطرف الأيمن و الطرف الأيسر مع إكمال الغسل بغسل الظهر و البطن. إلا أن يحمل غسل الظهر و البطن علي التكرار. لكن لا بد من حمله حينئذ علي استحباب الجمع. و حينئذ كما يمكن إجزاء الأول وحده يمكن إجزاء الثاني وحده، و لا سيما مع عدم الإشارة للأول في الغسل الثالث. و دعوي: الاكتفاء بذكره في الأولين عن ذكره فيه، غير ظاهرة.

و منها: صحيح الحلبي عنه عليه السّلام: «ثم تبدأ بكفيه و رأسه ثلاث مرات بالسدر ثم سائر جسده و ابدأ بشقه الأيمن … فإذا فرغت من غسله بالسدر فاغسله مرة أخري بماء و كافور و بشي ء من حنوط، ثم اغسله بما بحت مرة أخري … » «2». و فيه: أن ظاهره لزوم تقديم الكفين و الرأس علي سائر البدن. و حمل غسل الكفين علي الاستحباب، و تعميم قوله: «و سائر جسده» لهما، ليس بأولي من البناء علي ذلك في غسل الرأس، كما يناسبه الأمر فيه و في الكفين بالتثليث، و عدم ذكر غسلها في الغسلين الأخيرين.

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 10.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 2.

ص: 66

______________________________

و منها: صحيح الكاهلي- بناء علي ما تقدم في مبحث الكر من وثاقة محمد بن سنان- عنه عليه السّلام: «ثم تحول إلي رأسه و ابدأ بشقه الأيمن من لحيته و رأسه ثم ثن بشقه الأيسر من رأسه و لحيته و وجهه … ثم أضجعه علي شقه الأيسر ليبدو لك الأيمن ثم اغسله من قرنه إلي قدميه و امسح يدك علي ظهره و بطنه ثلاث غسلات ثم رده علي جانبه الأيمن ليبدو لك الأيسر فاغسله بماء من قرنه إلي قدميه، و امسح يدك علي ظهره و بطنه ثلاث غسلات بماء الكافور و الحرض، و امسح يدك علي بطنه مسحا رفيقا … » «1» ثم ذكر نحو ذلك في الغسلتين الأخيرتين.

و يظهر حاله مما تقدم من ظهوره في بيان الكيفية الكاملة، و اشتماله علي تكرار غسل الرأس مرة قبل البدن و مرة معه. مع ما فيه من نحو من الاضطراب.

علي أنه لا بد من رفع اليد عنها بما هو ظاهر في عدم وجوب الترتيب المذكور.

ففي صحيح الفضل بن عبد الملك عنه عليه السّلام: «ثم تضجعه ثم تغسله تبدأ بميامنه و تغسله بالماء و الحرض ثم بماء و كافور ثم تغسله بماء القراح» «2» حيث لم يتضمن تقديم الرأس.

و قريب منه في ذلك صحيح معاوية بن عمار عنه عليه السّلام: «ثم اغسل رأسه بالسدر و لحييه ثم أفيض علي جسده منه ثم أدلك به جسده ثم أفيض عليه ثلاثا ثم أغسله بالماء القراح ثم أفيض عليه بالماء الكافور و بالماء القراح» «3»، و صحيح يعقوب بن يقطين عن العبد الصالح: «تبدأ بمرافقه فيغسل بالحرض، ثم يغسل وجهه و رأسه بالسدر ثم يفاض عليه الماء ثلاث مرات … و يجعل في الماء شي ء من السدر و شي ء من الكافور» «4»، و صحيح ابراهيم بن هاشم عن رجاله عن يونس عنهم عليهم السّلام: «ثم اغسل رأسه بالرغوة و بالغ في ذلك … ثم أضجعه علي جانبه الأيسر و صب الماء من نصف رأسه إلي قدميه ثلاث مرات و ادلك بدنه دلكا رفيقا، و كذلك ظهره و بطنه، ثم أضجعه علي جانبه الأيمن و افعل به مثل ذلك» «5»، ثم أمر في الغسلتين الأخيرتين بمثل ذلك.

فإن الظاهر منها إرادة استحباب غسل الرأس بالسدر، كما يناسبه عدم ذكره في

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 9.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 8.

(4) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 7.

(5) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

ص: 67

______________________________

الغسلتين الأخيرتين في الصحيحين الأولين، و الأمر بكون غسله بالرغوة في الأخير.

و يعضدها في ذلك إطلاق صحيح سليمان بن خالد: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن غسل الميت كيف يغسل؟ قال: بماء و سدر، و اغسل جسده كله، و اغسله أخري بماء و كافور، ثم اغسله أخري بماء. قلت: ثلاث مرات؟ قال: نعم» «1»، فإن تعرضه بعد السؤال عن كيفية غسل الميت للترتيب بين الغسلات و بقية الواجبات مع إهمال الترتيب في نفس الغسلات موجب لقوة ظهوره في عدم وجوبه.

و لا مجال لاحتمال الاعتماد فيه علي وضوح لزومه في غسل الجنابة الذي هو أظهر الأغسال.. أولا: لعدم وضوح ذلك في غسل الجنابة.

و ثانيا: لعدم مناسبته للتأكيد علي استيعاب الغسلة لتمام الجسد، لأن وضوح كونه كغسل الجنابة يناسب وضوح كونه مستوعبا. و أظهر منه في ذلك صحيح ابن مسكان «2» المتقدم عند الاستدلال لوجوب تثليث الغسلات، لاشتماله علي الاستفسار من السائل عن الاستيعاب المذكور.

و بالجملة: شدة اختلاف النصوص الواردة في تعليم كيفية التغسيل و اشتمالها علي كثير مما لا يمكن البناء علي وجوبه، بل قد يحمل بعضه علي مجرد دخله في سهولة الغسل مانع من التعويل علي ما قد يستظهر منه وجوب الترتيب، و الخروج به عما ظاهره عدم وجوبه من الإطلاقات و غيرها.

علي أن الحكم المذكور لما كان مخالفا للإطلاقات و لسيرة العرف، لظهور ثبوت غسل الميت عند العرب في الجاهلية و يبعد بناؤهم فيه علي الترتيب، فلو كان ثابتا لم يكن المناسب بيانه بهذه الصورة العابرة غير الموضحة في ضمن بيان الكيفيات التي يعلم جواز الخروج عنها في الجملة، بل ينبغي التعرض له بصورة مستقلة متعمدة جلية مؤكدة، مع التعرض لفروعه و ما يتعلق به، نظير ما ورد في الوضوء، بل هو أولي بذلك من الوضوء، علي ما سبق نظيره في غسل الجنابة، كما سبق التنبيه لبعض النكات النافعة في المقام، لأن المقامين علي نهج واحد. و لعله لهذا و نحوه لم ينبه علي وجوب الترتيب بالنحو المذكور من تقدم نقل كلامه من مشايخ الطائفة الذين هم أقرب عهدا

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من ابواب غسل الميت حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 2 من ابواب غسل الميت حديث: 1.

ص: 68

______________________________

بعصر صدور الأخبار و آنس بمؤدياتها و أكثر محافظة علي متابعة مضامينها. فلاحظ.

و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

بقي في المقام أمور:
الأول: تقدم في غسل الجنابة أن ما تضمنته بعض النصوص من عدم جواز تقديم تمام البدن علي الرأس لا مجال لرفع اليد عنه،

بل يلزم البناء عليه. و لا يبعد البناء عليه في المقام، لإطلاق دليل تشبيه غسل الميت بغسل الجنابة في النصوص و الفتاوي علي ما تقدم في الوجه الثاني للاستدلال علي وجوب الترتيب.

و لصحيح العلاء بن سيابة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام فيمن قتل في معصيته: «قلت:

فإن كان الرأس قد بان من الجسد و هو معه كيف يغسل؟ فقال: يغسل الرأس، و إذا غسل اليدين و السفلة بدئ بالرأس ثم بالجسد» «1». و لا خصوصية لمقطوع الرأس في ذلك عرفا، إلا بلحاظ شدة الحاجة للتنبيه علي عدم جواز تأخيره فيه، لأن تأخيره في غيره لما كان خارجا عن المتعارف لم يحتج للتنبيه علي المنع منه كثيرا.

و أما دعوي: أن مقتضي الصحيح لزوم تقديم الرأس علي الجسد لا مجرد عدم تأخيره عنه مع إجزاء غسله معه.

فمندفعة: بأن تنزيله علي مجرد عدم تأخيره عن الجسد بقرينة ما تقدم هنا و في الجنابة من النصوص المطلقة و الظاهرة في جواز غسله معه أقرب عرفا من الجمود علي مورده و هو مقطوع الرأس محافظة علي مدلوله المطابقي، و هو لزوم تقديمه علي الجسد. فتأمل.

الثاني: تضمنت جملة من النصوص المتقدمة الأمر بالبدء بالميامن،

و ظاهرها بدوا و إن كان هو الوجوب، إلا أنه يقرب حملها علي الاستحباب، بقرينة خلو جملة من النصوص الواردة في مقام تعليم كيفية الغسل و المطلقات الشارحة له و ما ورد في الجنابة عنه، بنحو يقوي ظهورها في عدم وجوبه، و لا سيما مع اشتمال بعض النصوص علي البدء بميامن الرأس الذي لا إشكال في استحبابه عندهم، و ظهورها في بيان الكيفية الكاملة، نظير ما ذكرناه في أصل الترتيب.

______________________________

(1) الوسائل باب: 15 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

ص: 69

الثالث: لو تم الدليل علي الترتيب المذكور فظاهره إلحاق الرقبة بالبدن

______________________________

لعدم شمول الرأس لها قطعا و عدم تبعيتها له عرفا، و إنما استفيد إلحاقها به في غسل الجنابة، لظهور بعض نصوصه في غسل البدن بوضع الماء علي المنكبين، و لا إشارة لذلك في نصوص المقام. اللهم إلا أن يستفاد إلحاقها به هنا من ذلك بضميمة ما تضمن تشبيه غسل الميت بغسل الجنابة، حيث قد يصلح للقرينية علي شرح كيفية الترتيب المعتبر فيه، و إن أو همت نصوصه خلافه. فلاحظ.

الرابع: صرح في القواعد بسقوط الترتيب بالارتماس،

و تبعه في ذلك في الإيضاح و الدروس و جامع المقاصد و المسالك و الروض و الروضة و محكي الذكري و فوائد الشرائع و الجعفرية و كشف الالتباس و غيرها، بل لعله مقتضي إطلاق تشبيهه بغسل الجنابة في كلام جماعة.

و قد استدل له بإطلاق التشبيه المذكور في صحيح محمد بن مسلم المتقدم في الوجه الثاني للاستدلال علي وجوب الترتيب. و أما الإشكال فيه تارة: بضعف السند كما في المدارك. و أخري: بظهوره في التشبيه بغسل الجنابة في الترتيب- كما في كشف اللثام و الجواهر- و لا سيما مع معروفيته في تلك الأزمنة.

فهو مندفع بأنه ليس في طريقه إلا إبراهيم بن مهزيار الذي تستفاد وثاقته من كونه من رجال كامل الزيارة معتضدا بجملة من القرائن قد تصلح بمجموعها لإفادته لا مجال لإطالة الكلام فيها، كما أن اختصاص التشبيه فيه بالترتيب مخالف لإطلاقه. و مجرد المعروفية لا تكفي في رفع اليد عنه.

نعم، قد يستفاد من قوله عليه السّلام في ذيله: «و إن كان كثير الشعر فرد عليه [الماء] ثلاث مرات» أن المفروض في التشبيه الغسل التدريجي بالصب، فلا إطلاق له يشمل الغسل بالارتماس.

لكنه لو تم لا يقتضي دلالته علي عموم لزوم الترتيب، بحيث لا يسقط مع الارتماس، بل غايته قصوره عن إفادة إجزاء الارتماس، و يكون مجملا من هذه الجهة، فيرجع فيه للنصوص الأخر المتضمنة أن غسل الميت من أفراد غسل الجنابة، كصحيح عبد الرحمن بن حماد: «سألت أبا ابراهيم عليه السّلام عن الميت لم يغسل غسل الجنابة؟

ص: 70

______________________________

قال: … فإذا مات الميت سالت منه تلك النطفة بعينها لا غيرها. فمن ثم صار الميت يغسل غسل الجنابة» «1» و غيره، و مقتضاها مشاركته له في الكيفية.

اللهم إلا أن يقال: النصوص المذكورة إنما تضمنت وجوب تغسيل الميت غسل الجنابة، و ذلك لا يدل علي أن كل غسل من أغساله فرد من أفراد غسل الجنابة، ليدخل في إطلاق أدلة كيفية غسل الجنابة المتضمنة للارتماس، بل لا يمكن البناء علي ذلك، لما هو المعلوم من أن غسل الجنابة مزيل لها، و لا يعقل إزالتها ثلاث مرات. بل يتردد الأمر بين أن يكون مجموع أغساله غسلا واحدا للجنابة في حقه، لخصوصية جنابته في عدم الإزالة إلا بها، و أن يكون غسل جنابته ببعض أغساله و وجوب ما زاد عليه لخصوصية الموت من دون أن يكون غسلا للجنابة.

و علي الأول يكون غسل جنابته مخالفا لغسل جنابة الحي في الكيفية، المستلزم لاختصاص أدلة كيفية غسل الجنابة المتضمنة للارتماس بغسل الحي، لصراحتها في كفاية الغسل الواحد في الطهارة من الجنابة المختصة بالحي، و تحتاج معرفة كيفية غسل جنابة الميت لدليل آخر.

و علي الثاني تثبت الكيفية المذكورة لأحد الأغسال من دون تعيين، غاية الأمر قضاء المناسبات بكونه الغسل الأخير الذي لا يعتبر فيه الخليط. لكن لا مجال للبناء عليه بمجرد ذلك، و لا سيما مع عدم ثبوت الوجه الثاني و احتمال الأول.

و من هنا لا مجال لاستفادة كفاية الارتماس من النصوص المذكورة، و ينحصر الأمر بالإطلاقات. لكن الاستدلال بها يتوقف علي عدم استفادة الوجوب من النصوص المتضمنة للكيفيات المتقدمة، المستلزم لعدم وجوب الترتيب حتي مع الغسل التدريجي بالصب، و هو خارج عن مبني كلام الأصحاب في المقام.

و من هنا يتجه ما في التذكرة و محكي نهاية الأحكام من الإشكال في سقوط الترتيب بالرمس، بل قوي عدمه في كشف اللثام، و جعله الأظهر في الجواهر، و مال إليه في المدارك.

نعم، استدل عليه في كشف اللثام و الجواهر- مضافا إلي ظهور الأخبار المفصلة

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب غسل الميت حديث: 8.

ص: 71

______________________________

لكيفيات الغسل- بالأصل، و الاحتياط، و ظهور الفتاوي و معاقد الإجماعات المفصلة لكيفيات الغسل، و التأسي.

و هو كما تري؛ فإن الأصل و الاحتياط يرجعان لوجه واحد محكوم لظواهر الأدلة الدالة علي سقوط الترتيب أو عدمه. كما أن المتيقن من الفتاوي و معاقد الإجماعات صورة الغسل التدريجي، لا بنحو تنهض بالمنع من الارتماسي، و لا سيما مع تصريح بعض مدعي الإجماع بسقوط الترتيب مع الارتماس أو بالإشكال فيه، و مع اشتهار التشبيه بغسل الجنابة في كلامهم. و أما التأسي فهو لا ينهض بنفسه دليلا علي الوجوب.

هذا، و أما الغسل الترتيبي برمس العضو بدل الصب عليه فلا يبعد البناء علي صحته، كما ذكره غير واحد، بل ادعي شيخنا الأعظم قدّس سرّه الاتفاق عليه. لإطلاق الأدلة بعد إلغاء خصوصية الصب في النصوص الشارحة لكيفية الغسل، و حملها علي المتعارف من الغسل التدريجي بالماء القليل.

ثم إنه بناء علي مشروعية التغسيل بالرمس- إما بنحو الغسل الارتماسي أو الترتيبي- فقد تقدم في غسل الجنابة جواز الارتماس في الماء غير المعتصم. و لا مجال له هنا، لانفعال الماء بملاقاة جسد الميت، فينجس و يمتنع التغسيل به. و لذا قيد غير واحد ممن بني علي الاكتفاء بالغسل الارتماسي بالارتماس في الكثير.

و دعوي: عدم تنجس الماء بجسد الميت في المقام، أو عدم مانعية تنجسه به من تغسيله به، و إلا فهو يتنجس بملاقاته حتي لو كان ترتيبيا بنحو الصب، فلو لا العفو عن ذلك لتعذر تغسيله بغير المعتصم.

مدفوعة: بأنه يكفي في التخلص عن المحذور المذكور العفو عن ملاقاة الماء للميت إذا كان واردا و عابرا عليه، كما هو المتعارف، فيكون هو المتيقن من العفو، أما العفو عنه مع ورود الميت علي الماء و رمسه به و مكثه فيه الخارج عن المتعارف، فهو مخالف لإطلاق أدلة الانفعال و لزوم طهارة المطهر المطابق للارتكاز، حتي لو بني علي إمكان التطهير بغمس المتنجس في الماء القليل، لأن العفو عن انفعال الماء بالمتنجس في مقام تطهيره به من الخبث، لا يستلزم العفو عنه في مقام التطهير به من الحدث، كما في المقام. و أما إطلاق دليل التشبيه بغسل الجنابة لو تم. فهو لا يقتضي العفو في المقام،

ص: 72

______________________________

لأن دليل مشروعية الارتماس ناظر لتصحيح الغسل من حيثية فقد الترتيب، لا من جميع الحيثيات حتي لو لزم منه تنجس الماء.

و أشكل من ذلك ما في كشف اللثام حيث قال: «و إن لم يشترط الإطلاق في الأولين لم يشترط الكثرة فيهما». إذ فيه: أن عدم اشتراط الإطلاق لا ينافي اعتبار الطهارة حين الوصول لجسد الميت، و هي منتفية بملاقاة أول جزء من الجسد عند رمسه. و منه يظهر أنه لو اجتزئ فيهما بغير المطلق امتنع رمسه في غير المطلق حتي لو كان كثيرا، لعدم عاصمية الكثرة في المضاف.

هذا، و في المسالك بعد أن ذكر سقوط الترتيب بالغمس قال: «و علي ما بيناه من وجوب نيات ثلاث يحصل التغاير بين الأغسال الثلاثة. و علي القول بإجزاء نية واحدة لا بد من تميز الغسلات بوضع الخليط مرتبا ليتحقق العدد و الترتيب». و ظاهره الاجتزاء بغمسة واحدة في ماء واحد، و إن تعدد الغسل إما بتعدد النية مع سبق جعل الخليطين فيه، أو بالتدرج في وضع الخليطين فيه مع وحدة النية.

و هو- مع ابتنائه علي الاكتفاء في كل غسلة بالبقاء تحت الماء من دون غمس جديد، الذي لا يبعد مطابقته لإطلاق الأدلة علي ما سبق في غسل الجنابة- يتوقف..

أولا: علي أن المعتبر في كل من الغسلتين الأوليين خليطها و لو مع ضم الخليط الآخر، و إلا تعذر تحقق كلتا الغسلتين مع عدم التدرج في وضع الخليطين، و خصوص الثانية منهما مع التدرج فيه، لاستلزامه تحققها حالة وجود الخليطين معا لا خصوص الكافور.

و ثانيا: علي أن وجود الخليطين لا يمنع من الغسلة الثالثة، لعدم خروج الماء بهما عن الإطلاق، و لأن المراد بالغسل بالماء القراح عدم اشتراط الخليط، لا اشتراط عدمه.

و كلاهما محل إشكال، و يأتي تمام الكلام فيهما في المسألة التاسعة إن شاء اللّه تعالي.

و لو تم الأمران اتجه تحقق الغسلات الثلاث مع سبق جعل الخليطين و وحدة النية باستمرار الغمسة الواحدة، حيث تقع الغسلة الأولي في الآن الأول، و الثانية في الثاني، و الثالثة في الثالث، و لا حاجة معه إلي التدرج في وضع الخليطين.

الخامس: تقدم في أول فصل أجزاء الوضوء أن المقدار الواجب من الماء ما يصدق معه وصول الماء للبشرة و مسّه لها و لو بمعونة اليد،

و إن لم يتحقق الجريان

ص: 73

______________________________

عرفا، بل و لا الغسل، و أن ما تضمنته جملة من الأدلة من الجريان و الغسل محمول بقرينة غيرها علي أن الغرض منهما وصول الماء للبشرة.

و يشكل الاكتفاء بذلك في غسل الميت، كما يبعد بناء الأصحاب رضي اللّه عنهم عليه و إن أوهمه إطلاق التشبيه بغسل الجنابة في كلماتهم، لما هو المرتكز- المعتضد ببعض النصوص- من ابتنائه علي التنظيف من الخبث الذي لا يكتفي فيه بذلك، و أن ترتب الطهارة من الخبث علي الطهارة من الحدث فيه لأن سبب الطهارة من الحدث بنحو يصلح للأمرين.

كما يناسبه ما في صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: إنما الوضوء حدّ من حدود اللّه ليعلم اللّه من يطيعه و من يعصيه، و إن المؤمن لا ينجسه شي ء، إنما يكفيه مثل الدهن» «1»، لظهوره في تفرع الاكتفاء بمثل الدهن علي عدم التنجس، و أنه لو تنجس- كما في المقام- لم يكفه ذلك.

و ظهور النصوص الواردة في تعليم كيفية تغسيل الميت علي كثرتها و اختلاف مضامينها في المفروغية عن كثرة الماء، فإنه و إن أشكل ظهورها في الوجوب، لنظير ما سبق في التثليث، من ظهورها في بيان الكيفية الكاملة المبنية علي الإسباغ، إلا أن اتفاقها في ذلك، بل الأمر في صحيح الكاهلي «2» بالإكثار من الماء من دون أن يدل غيرها أو يشعر بخلافه صالح للتأييد.

بل قد يدل عليه ما رواه الصدوق بسنده عن الصفار: «أنه كتب إلي أبي محمد عليه السّلام:

كم حدّ الماء الذي يغسل به الميت؟ كما رووا أن الجنب يغسل بستة أرطال من ماء و الحائض بتسعة فهل للميت حدّ من الماء الذي يغسل به؟ فوقع عليه السّلام: حدّ غسل الميت يغسل حتي يطهر إن شاء اللّه تعالي. قال الصدوق: هذا التوقيع في جملة توقيعاته عليه السّلام عندي بخطه عليه السّلام في صحيفة» «3» و قريب منه ما رواه الشيخ من التوقيع المذكور «4».

______________________________

(1) الوسائل باب: 52 من أبواب الوضوء حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 5.

(3) الوسائل باب: 27 من أبواب غسل الميت حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 27 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

ص: 74

______________________________

فإن عدوله عليه السّلام عن التحديد بالأمر الحسي و هو وصول الماء إلي تمام البشرة إلي التحديد بأن يطهر الميت قد يظهر في مطلوبية كثرة الماء بالنحو الصالح لترتب التطهير عليه عند العرف. و لا مجال لحمله علي ما يترتب عليه التطهير تعبدا، كي يمكن شموله لصورة قلة الماء، لأن ذلك هو المسؤول عنه و الذي طلب بيان الحدّ لأجله، فلا يمكن الجواب بالتحديد به.

و دعوي: أن السؤال فيه ليس عن الحد اللازم، بقرينة ذكر تحديد غسل الجنب بستة أرطال و الحائض بتسعة. مدفوعة: بأن ذلك لا يناسب الجواب بالتحديد بترتب الطهارة، فلا بد من حمله علي بيان الحدّ الواجب إما عدولا عما هو المسؤول عنه، أو لابتناء السؤال علي تخيل وجوب الحدين المذكورين لغسل الجنب و الحائض.

و منه يظهر أن المكاتبة لا تمنع من حمل التحديد الآتي علي الاستحباب. و لعل ما ذكرنا كاف في الخروج عن إطلاق التشبيه بغسل الجنابة في صحيح محمد بن مسلم المتقدم «1» و جملة من كلمات الأصحاب رضي اللّه عنهم، فيحمل علي التشبيه في استيعاب الماء للبشرة مطلقا أو مع الترتيب. و أما إطلاق الغسل فهو لو تم لا يقتضي الاكتفاء بذلك، كما أشرنا إليه.

هذا، و في خبر فضيل سكرة: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: جعلت فداك هل للماء الذي يغسل به الميت حدّ محدود؟ قال: إن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال لعلي عليه السّلام: إذا أنا مت فاستق لي سبع [ست] قرب من ماء غرس فاغسلني و كفني و حنطني … » «2». و لا بد من حمله علي الاستحباب جمعا مع مكاتبة الصفار المتقدمة و غيرها من النصوص الظاهرة أو الصريحة في الاكتفاء بأقل من ذلك، لتضمنها وضع ماء كل غسلة في الإجانة أو الاكتفاء في كل غسلة بجرة من ماء «3»، حيث يبعد جدا كون سعة الإجانة و مقدار الجرة قربتين أو أكثر، بل لا ريب في عدم وجوب المقدار المذكور.

نعم، قد يكون عدم النص علي توثيق فضيل سكرة مانعا من التعويل علي

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 28 من أبواب غسل الميت حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3، 10.

ص: 75

و لا بد فيه من النية (1)،

______________________________

الحديث في إثبات الاستحباب الشرعي للمقدار المذكور فيه. إلا أن يعتضد بما في صحيح حفص بن البختري عنه عليه السّلام: «قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لعلي عليه السّلام: يا علي إذا أنا مت فاغسلني بسبع قرب من بئر غرس» «1».

فإنه و إن لم يرد مورد التحديد إلا أنه حيث كان متضمنا تحديد ماء غسله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لم يبعد البناء علي استحبابه للتأسي، و لقرب ظهور وصيته صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في رجحان القدر المذكور فيه. لكنه يقتضي استحباب السبع قرب، لا الست كما هو المعروف من رواية فضيل، و إن كان الموجود في بعض طبعات الوسائل إضافة «سبع» في إحدي نسختي الحديث.

وجوب النية في غسل الميت
اشارة

(1) كما في الخلاف و إشارة السبق و القواعد و ظاهر التذكرة و في الدروس و اللمعة و جامع المقاصد و المسالك و الروض و الروضة و محكي الكافي و المهذب و التحرير و الذكري و البيان و كشف الالتباس و فوائد الشرائع و الجعفرية و شرحيها و غيرها. و في المدارك و عن المفاتيح و الذخيرة أنه مذهب أكثر الأصحاب، و عن الكفاية أنه المشهور، و في جامع المقاصد أنه مذهب المتأخرين عدا المحقق في المعتبر، بل في بعض نسخ الخلاف دعوي الإجماع عليه، كما حكاه عنه في المعتبر و غيره، و إن ادعي غير واحد عدم عثوره عليها فيه.

و تردد فيه في المعتبر و المدارك و محكي نهاية الأحكام و مجمع البرهان، كما عن ظاهر المفاتيح و الكفاية، بل عن المنتهي الجزم بالعدم، و إن كان ما عثرت عليه من كلامه لا يخلو عن اضطراب، و في مفتاح الكرامة: «و هو الذي حكاه جماعة عن السيد في المصريات». كما قد يستفاد من إهمال التنبيه عليها في جملة من الكتب، كالمقنعة و المبسوط و النهاية و الاقتصاد و الغنية و الوسيلة و السرائر و الشرائع و النافع و الإرشاد و غيرها، و إن احتمل كون إهماله في جملة منها للمفروغية عن أن الغسل من العبادات، و أن غسل الميت كغسل الجنابة.

و كيف كان، فيظهر من جملة منهم أن منشأ التوقف في وجوب النية احتمال كون

______________________________

(1) الوسائل باب: 28 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

ص: 76

______________________________

الغرض منه تطهير الميت من نجاسة، لما هو المعلوم من أن إزالة النجاسة لا يحتاج إلي نية.

لكنه كما تري لا يناسب النصوص الكثيرة المتضمنة تعليل وجوب الغسل بأن الميت يجنب «1»، و المتضمنة تشريع التيمم بدله «2»، لما هو الظاهر من أن التيمم مطهر من الحدث، و المتضمنة إجزاء غسله عن غسل الجنابة «3»، لما هو المرتكز من أن التداخل فرع اتحاد السنخ، بحيث يصلح العمل الواحد للقيام بالوظيفتين، و لا سيما مع تعليله في صحيح زرارة بقوله عليه السّلام: «لأنهما حرمتان اجتمعا في حرمة واحدة» «4». مؤيدا بسوقه في بعض النصوص «5» في سياق بقية الأغسال التي من شأنها الطهارة غير الخبثية.

بل لعل ذلك هو الفارق الارتكازي عند المتشرعة بين الغسل بالضم و الغسل بالفتح، و إن لم يتضح مأخذه من اللغة. و مجرد ترتب الطهارة الخبثية علي غسل الميت لا ينافي ذلك، لإمكان قيام الغسل بالوظيفتين، أو ترتب ارتفاع الخبث علي ارتفاع الحدث. و بالجملة: لا ينبغي التأمل في عدم تمحض غسل الميت في التطهير من الخبث.

نعم، لم يتضح عموم اعتبار النية في التطهير من الحدث، و لا في الغسل بالضم، لانحصار الدليل عليه في بقية الأغسال بالإجماع الذي لا مجال لدعواه في المقام بعد ما عرفت. و مجرد ظهور كلام من خالف فيه في استناده للشبهة المتقدمة التي عرفت دفعها لا يكفي في استفادة الإجماع علي العموم المذكور بالنحو الكافي في الحجية، و إن كان صالحا للتأييد.

و من هنا فقد استدل عليه سيدنا المصنف قدّس سرّه بأن عباديته من مرتكزات المتشرعة، و لا فرق عندهم بينه و بين بقية الطهارات في كونها عبادة يعتبر فيها ما يعتبر في سائر العبادات. قال: «و هذا الارتكاز حجة علي ثبوته في الشرع، و إلا لم ينعقد، لوجوب الردع عنه».

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 3، 1 من أبواب غسل الميت.

(2) الوسائل باب: 16 من أبواب غسل الميت حديث: 3. و باب: 19 من الأبواب المذكورة حديث: 1 و باب: 13 من أبواب التيمم حديث: 1.

(3) راجع الوسائل باب: 31 من أبواب غسل الميت.

(4) الوسائل باب: 31 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(5) الوسائل باب: 1 من أبواب غسل الجنابة حديث: 3.

ص: 77

______________________________

لكنه يشكل بعدم وضوح الارتكاز المذكور فضلا عن حجيته. و لا سيما مع عدم شيوع مزاولة تغسيل الميت بين المتشرعة، و إنما يختص به بعض الناس ممن يمكن استناد ارتكازهم لو تم لمعروفية الحكم في فتاوي العلماء، من دون أن يحرز اتصاله بعصور المعصومين عليهم السّلام و وضوحه، ليكشف عدم ردعهم عن مطابقته للحكم الشرعي.

كما استدل عليه في الجواهر و غيره بما تضمن من النصوص أن غسل الميت غسل الجنابة أو مثله، و حيث ثبت اعتبار النية في غسل الجنابة بالإجماع لزم اعتباره في غسل الميت، قضية للعينية أو المماثلة.

و قد استشكل فيه سيدنا المصنف قدّس سرّه بأنه موقوف علي عموم التشبيه لمثل النية التي هي خارجة عن الغسل بالمرة، و إنما تكون شرطا في ترتب الأثر لا غير. و قد يرجع إليه ما ذكره شيخنا الأعظم قدّس سرّه.

فإن أراد أن النية ليست شرطا شرعيا في غسل الجنابة، لامتناع أخذ ما لا يتأتي من قبل للأمر في متعلقه، و إنما يؤتي بها لتوقف ترتب الأثر عليها، فلا يشملها إطلاق التنزيل. فهو مندفع بما هو التحقيق من إمكان اعتبارها شرعا بنحو تكون قيدا في المأمور به لفظا أو لبا، و خصوصا في الطهارات، علي ما فصل في مبحث التعبدي و التوصلي، كما تقدم في المسألة الواحدة و السبعين من مباحث الوضوء التعرض لوجه خصوصية الطهارات.

و إن أراد انصراف الأدلة إلي التشبيه و التنزيل بلحاظ الكيفية الخارجية، دون مثل النية التي هي فعل قلبي. فهو ممنوع، و لا مخرج من إطلاق التشبيه.

فالعمدة الإشكال فيه- مضافا إلي ما سبق في الارتماس من قصور ما ظاهره كون غسل الميت من أفراد غسل الجنابة الحقيقية، و أن الاستدلال قد يمكن بما تضمن تشبيهه به- بما نبه له شيخنا الأعظم قدّس سرّه و غيره من أن اعتبار النية في غسل الميت- لو تم- ليس علي نحو اعتباره في غسل الجنابة، إذ المعتبر في غسل الميت النية من المغسل و في غسل الجنابة من المغتسل، فالدليل المذكور بعد قصوره عن إثبات اعتبارها بالنحو الثاني لا ينهض بإثبات اعتبارها بالنحو الأول. نعم قد ينفع في إثبات اعتبارها في غسل المغتسل قبل القتل إذا وجب قتله برجم أو قصاص بدلا عن تغسيله بعده. فتأمل.

ص: 78

______________________________

و منه يظهر الإشكال في الاستدلال بالإطلاقات المقامية بدعوي: أن ثبوت اعتبار النية في غير غسل الميت كاف في إثبات اعتبارها فيه، لأن الظاهر من الأمر بالغسل في المقام بعد عدم شرح يختص به هو المعهود من ماهية الغسل في سائر الموارد.

فإن ذلك لو تم لا يقتضي اعتبارها فيه علي نحو يخالف اعتبارها في سائر الموارد.

و مثله ما ادعي من أن الأصل التعبدية في الأوامر، لما تحقق في مبحث التعبدي و التوصلي من عدم تمامية الأصل المذكور، سواء أريد به مقتضي طبع الأمر أو إطلاقه في كل مورد، أم مقتضي عموم دليل خارج، أم مقتضي الأصل العملي. فراجع.

فلعل الأولي: الاستدلال علي اعتبار النية بأصل الاشتغال الذي سبق عند الكلام في وجوب تثليث الأغسال أنه المرجع عند الشك في اعتبار شي ء في غسل الميت لرجوع الشك فيه للشك في المحصل.

نعم، قد يدعي أن الأصل المذكور مورود للإطلاقات الشارحة لغسل الميت، التي لم تتعرض علي كثرتها للنية، بناء علي ما هو التحقيق من أن مقتضي الإطلاق التوصلية، علي ما حقق في مبحث التعبدي و التوصلي.

اللهم إلا أن تكون معروفية عبادية بقية الأغسال مانعة من انعقاد ظهور الإطلاقات المذكورة في نفي اعتبار النية في غسل الميت و موجبة لكون المتيقن منها بيان الكيفية الخارجية، و لا سيما مع ورود نظيرها في غسل الجنابة، و مع ما سبق من ظهور حال الأصحاب في المفروغية عن اعتبار النية لو كان الغسل رافعا للحدث، فإن ذلك كله لو لم ينهض بالحجية علي اعتبار النية فلا أقل من نهوضه بمنع انعقاد ظهور الإطلاقات في عدم اعتبارها، فلا تنهض بمنع الرجوع للأصل المتقدم.

هذا، و قد فصل الفقيه الهمداني فذهب إلي أنه لا يعتبر في الغسل النية، بمعني الداعي القربي، بل بمعني القصد له بعنوانه و بماله من الماهية الشرعية، معتمدا في نفي الأول علي ما سبق في الجملة بضميمة دعوي أن مقتضي الأصل في ذلك البراءة، و في إثبات الثاني علي أن المتبادر من الأمر بالغسل و الوضوء في جميع الموارد ليس إلا الطبيعة المعهودة المعروفة لدي المتشرعة علي سبيل الإجمال، لا مطلق غسل البدن أو الأعضاء المعهودة كيف اتفق، و لا يمكن الاطلاع علي تلك الماهية و لا قصدها إلا

ص: 79

علي حسب ما عرفت في الوضوء (1)

______________________________

بقصد عنوانها إجمالا. من دون فرق بين أن يتعلق الأمر بأن يغتسل أو يتوضأ بنفسه و أن يتعلق بأن يغسل غيره أو يوضئه، و ليس المفهوم من الثاني إلا سقوط اعتبار مباشرة المغتسل و المتوضئ، لا الاكتفاء بمطلق الغسل من دون قصد.

و يشكل بأن كون الغسل و الوضوء طبيعة معهودة مخترعة للشارع و إن كان مسلما إلا أنه لا يستلزم اعتبار قصد عنوانهما فيهما، بحيث لا يصحان بدونه، نظير التحية الشرعية، التي هي صيغة خاصة للسلام، و لا يعتبر في صحتها قصد عنوانها الشرعي. و حينئذ فإن كان مقتضي الإطلاق أو الأصل نفي اعتبار النية في الغسل لم يعتبر فيه كلا النحوين، و إلا اعتبر فيه كلاهما.

كما أن ما ذكره من أن مرجع الأمر بتغسيل الغير و توضئته إلي سقوط اعتبار مباشرة المغتسل و المتوضئ لو اطرد لا يكفي في المدعي مع ما تقدم في مبحث الوضوء من أنه مع عدم مباشرة المتوضئ للوضوء تكون النية به منه لا من الموضئ له.

و أشكل من ذلك ما قد يظهر منه من محاولة التوفيق بذلك بين القولين بحمل كلام من اعتبر النية علي إرادة المعني الأول، و كلام من نفاه علي إرادة الثاني.

إذ فيه: أن حمل كلام من اعتبرها علي المعني الأول لا يناسب استدلالهم بما يرجع إلي أصالة التعبدية في الأوامر، كقوله تعالي: وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ «1»، و قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم: «لا عمل إلا بنية» «2».

كما أن حمل كلام من لم يعتبرها علي المعني الثاني لا يناسب استدلالهم باحتمال كون تشريع الغسل لإزالة نجاسة بدن الميت، كما اعترف به في الجملة. بل يظهر من الجواهر الإجماع علي عدم الفصل بين الأمرين.

(1) من الاكتفاء بالاندفاع عن الداعي القربي و إن كان ارتكازيا إجماليا من دون حاجة إلي إخطاره و استحضار صورته في الذهن تفصيلا. كما لا حاجة إلي

______________________________

(1) البينة: 5.

(2) الوسائل ج 1 باب: 5 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1.

ص: 80

______________________________

نية الوجوب و الرفع و الاستباحة و غيرها. بل لا موضوع لنية الاستباحة بعد عدم تكليف الميت بما يتوقف علي الطهارة. إلا أن يراد به استباحة الصلاة عليه، و الظاهر خروجه عن محل كلامهم في نية الاستباحة في الطهارات.

بقي في المقام أمور:
الأول: ظاهر الدروس و عن الذكري الاكتفاء بنية واحدة للأغسال الثلاثة،

و هو الذي جزم به في المدارك و الجواهر و محكي مجمع البرهان و الكفاية، بل نسبه في الجواهر لصريح جماعة و ظاهر آخرين. لظهور الأدلة في كونه عملا واحدا، لإطلاق اسم غسل الميت عليه، و عدم ترتب الآثار إلا علي جميعه، و للتعبير عنه في نصوص التداخل مع بقية الأغسال الواحد «1» و غير ذلك.

خلافا لإشارة السبق و المسالك و الروض و الروضة و الرياض فأوجبوا تجديدها لكل غسل. قال في الروض: «لتعدد الأغسال اسما و صورة و معني»، و لما يأتي في كلام جامع المقاصد، و لعموم ما تضمن أنه لا عمل إلا بنية المقتضي لاعتبارها حتي في أجزاء العمل الواحد لو لا الإجماع علي عدم وجوبه، الذي لا مجال له في المقام بعد ما عرفت، و لا سيما مع عدم سقوط بعضها بتعذر الآخر، كما يأتي.

و خير بين الأمرين في جامع المقاصد و محكي فوائد الشرائع. قال في الأول:

«لأنه في المعني عبادة واحدة و غسل واحد مركب من مجموع غسلات يترتب علي فعله عدة أمور، فينوي له عند أول الغسلات، و في الصورة ثلاثة أغسال، لوجوب الترتيب في أعضاء كل مرة، و ثبوت التشبيه بين كل مرة و غسل الجنابة في النصوص و كلام الفقهاء، فلا يمتنع إفراد كل غسل بنية عند أوله. و لا يجوز إفراد أبعاض الغسلة بنية، كما في سائر الأغسال».

هذا، و الظاهر ابتناء النزاع المذكور علي أن النية المعتبرة هي الاخطارية التفصيلية عند الشروع في العمل ثم الاكتفاء بالنية الارتكازية الإجمالية حال الاستمرار فيه.

و حيث سبق عند الكلام في النية من مبحث الوضوء أنه لا دليل علي اعتبار النية بالنحو المذكور فلا يتسني لنا تحديد معيار وحدة العمل و أنه عبارة عن العمل الارتباطي أو

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 31 من أبواب غسل الميت.

ص: 81

______________________________

العمل الواحد عرفا أو غيرهما، لينظر في ترجيح أحد القولين علي تقدير البناء عليها.

نعم، الظاهر عدم تمامية ما ذكره في جامع المقاصد وجها لمختاره، لأنه أشبه بالجمع بين المتنافيين. بل الأولي الاستدلال له بأنه لا يحتمل مبطلية النية الإخطارية التفصيلية لو جددت في أثناء العمل الواحد. و ما تقدم من جامع المقاصد من منع تجديد النية لأجزاء الغسل الواحد غريب جدا. إلا أن يرجع لما يأتي. و عليه يكون الاكتفاء بالنية الإجمالية في الأثناء رخصة لا عزيمة، و لازم ذلك رجوع مراد من اكتفي بنية واحدة إلي التخيير الذي اختاره قدّس سرّه كما يناسبه ما تقدم عند الاستدلال لتعدد النية بعموم ما تضمن أنه لا عمل إلا بنية.

ثم إنه حيث أشرنا هنا إلي ما سبق في مباحث الوضوء من الاكتفاء بالنية الإجمالية الارتكازية، لكفايتها في تحقق الداعي القربي و في العبادية يظهر أنه لا موضوع لهذا النزاع، حيث لا تعتبر النية التفصيلية لا عند الشروع في الغسل و لا في أثنائه، إلا أن تتوقف عليها النية الإجمالية التي تكفي في تمامه.

نعم، قد يحرر النزاع المذكور بوجه آخر، فإنه حيث كان امتثال الأمر الضمني لا يصلح للمقربية إلا بلحاظ كونه امتثالا للأمر الاستقلالي بتمام المركب، فلا بد من قصده في طول قصد امتثال الأمر الضمني. و حينئذ فالأغسال المذكورة إن كانت مأمورا بها بأمر واحد ارتباطي لزم الاندفاع عن الأمر المذكور و لا يكون قصد أوامرها الضمنية إلا تبعيا، و إن كان كل منها مأمورا به بأمر استقلالي لزم الاندفاع عن أمره الخاص به المباين لأمر غيره، و لا مجال لقصد أمر واحد فيها جميعا، لعدم وجوده. و لعله إلي هذا نظر في جامع حيث منع من تجديد النية لأجزاء الغسل الواحد و إن لم يبعد مخالفته لظاهر كلامه.

و من هنا كان الظاهر الاقتصار علي نية واحدة للأغسال الثلاثة، بمعني الاندفاع فيها عن الأمر الواحد المتعلق بغسل الميت، لظهور الأدلة في كونه ارتباطيا بالإضافة للأغسال لا انحلاليا.

و لا ينافيه ما سبق من الروض من اختلافها اسما و صورة و معني- لو تم- كما هو ظاهر، و لا سيما مع وحدة الأثر المترتب عليها، و هو الطهارة الحدثية و الخبثية. و لا تشبيهه بغسل الجنابة، فإنه و إن لزم حمله علي تشبيه كل غسل به إلا أنه لا بد من حمله

ص: 82

______________________________

علي التشبيه به في الكيفية الخارجية، لا في وجوب النية- لما تقدم- فضلا عن كيفيتها.

كما لا ينافيه عدم سقوط بعض الأغسال بتعذر غيره، لابتناء جميع موارد قاعدة الميسور علي تبدل الأمر الضمني بالميسور إلي أمر استقلالي به.

و دعوي: أن لازم ذلك عدم صحة الغسل الأول لو أتي به المكلف بانيا علي الاقتصار عليه إما لتخيل العجز عن غيره، أو للتسامح و البناء علي الإخلال به عصيانا، فلا يكتفي بضم الباقي إليه لو انكشفت القدرة عليه، أو عدل عن عصيان أمره، أو أراد غيره إتمام الواجب.

مدفوعة: بأنه لا مانع من البناء علي ذلك لو رجع إلي قصد امتثال خصوص الأمر المتعلق بالغسل المأتي به وحده، أما لو رجع إلي قصد الشروع في امتثال الواقعي، لتخيل اختصاصه به بسبب تخيل العجز عن غيره، أو لتيسر الامتثال بالباقي لو أراد ذلك غيره مع عدم العجز عنه فلا مانع من البناء علي الصحة حينئذ. و هذا هو الحال في جميع موارد قاعدة الميسور، كما لو دخل في الصلاة بتخيل العجز عن الركوع أو السجود التامين، فانكشفت القدرة عليهما عند الوصول لمحلهما.

اللهم إلا أن يقال: ظاهر الأمر بغسل الميت و إن كان هو الارتباطية بالإضافة إلي الأغسال، إلا أن المناسبات الارتكازية قد تقتضي حمله علي الانحلال، بمعني كون الغسل الأول مطلوبا استقلاليا نفسيا، و غيريا بلحاظ شرطيته في الثاني، و كذا الثاني بالإضافة للثالث، لما هو المرتكز من استقلال كل غسل بأثره الحاصل بإصابة الماء للجسد، و هو مرتبة من الطهارة و إن لم يترتب عليه ما بعده، فإن تمت الأغسال حصلت الطهارة التامة المطلوبة، و إن اقتصر علي بعضها لم يحصل إلا بعض مراتبها.

لكن في بلوغ المناسبة المذكورة حدّ القرينية الصارفة لظاهر الأمر بغسل الميت إشكال، و لا سيما مع عدم وضوح الفرق بين الأغسال الثلاثة فيما بينها و أجزاء الغسل الواحد التي يبعد جدا البناء علي كون مطلوبيتها انحلالية لا ارتباطية. نعم لا بأس بالاحتياط بقصد التقرب و الامتثال للأمر الواقعي علي ما هو عليه من إجمال.

هذا، و أما ما في جامع المقاصد من التخيير- لو كان ناظرا في تحرير النزاع إلي ما ذكرنا- فهو أضعف الوجوه المذكورة في المقام، لضعف الوجه المذكور له في كلامه،

ص: 83

______________________________

بل هو كالجمع بين المتنافيين، لوضوح أن المعيار في وحدة النية علي الأمر الاستقلالي الذي يمتنع وقوعه بالوجهين. فلاحظ.

الثاني: صرح في جامع المقاصد و الروض و الروضة و المدارك و محكي الذكري بأن النية نية الصاب.

لكن عن الذكري الاجتزاء بنية المقلب أيضا، بدعوي: أن الصاب كالآلة.

و قد استبعده في المدارك، و رده في جامع المقاصد و الروض بأن الغاسل حقيقة هو الصاب، لتقوم الغسل بإجراء الماء، بل ذلك منه لا يناسب اجتزاءه بنية الصاب.

نعم عن حواشي الشهيد أن الشيخ حتمها علي الغاسل، و أوجبها علي الصاب لا لتوقف الأغسال عليها، بل لتحصيل الثواب، فلو فقدت نية الغاسل فهو باطل.

و الذي ينبغي أن يقال: إن النية إنما تجب علي الغاسل، و هو الذي يستند إليه وصول الماء لبدن الميت بحيث لا يتوسط في البين فعل اختياري من غيره، و هو يختلف، حيث يكون تارة: هو الصاب كما لو أبدي المقلب بدن الميت و اعتزله ثم صب الصاب الماء عليه، و أخري: هو المقلب، كما لو صب الصاب الماء و لم يتخلل ما لم يغسل من بدن الميت إلا بإمرار المقلب يده عليه و تحريكه، و ثالثة: كليهما بنحو الاشتراك بحيث لا يصل الماء إلا بفعلهما معا، و رابعة: كلا منهما بنحو الاستقلال، كما لو أوصل الصاب الماء لبدن الميت، و أرجعه الصاب عليه بإمرار يده.

و يلزم في الأولي نية الصاب، و في الثانية نية المقلب، و في الثالثة نيتهما معا، و في الرابعة نية أحدهما، و أيهما سبق كان الآخر لغوا. و لعل اشتباه بعض الصور ببعض هو الذي سبب الخلاف المتقدم، فلاحظ.

الثالث: صرح غير واحد بجواز تعدد الغاسل بنحو الاشتراك و بنحو التوزيع،

بل يظهر منهم المفروغية عن ذلك. و يقتضيه إطلاق جملة من الأدلة الشارحة لغسل الميت. و كذا إطلاق ما تضمن أنه يغسله أولي الناس به أو من يأمره «1». و مجرد خطاب شخص واحد به أو تعليمه له في بعض الأخبار لا يصلح لتقييد الإطلاق.

و لا سيما مع أمر جماعة به في جملة من الأخبار، مثل ما ورد في المحروق و المجدور من

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 26 من أبواب غسل الميت.

ص: 84

(مسألة 2): إذا كان المغسل غير الولي فلا بد من إذن الولي (1)،

______________________________

قوله عليه السّلام: «فأمرهم أن يصبوا عليه الماء صبا» «1» و قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم: «يمموه» «2»، و ما ورد فيمن مات مع غير المسلمين من قوله عليه السّلام: «يغتسل النصاري ثم يغسلونه» «3» و كذا ما ورد فيمن ليس له محرم و لا مماثل «4».

و أما ما ذكره شيخنا الاستاذ قدّس سرّه من منافاة التوزيع لوحدة العمل شرعا. فهو كما تري، لأن وحدة العمل شرعا تابعة لحدوده الشرعية، فلا تقتضي وحدة المباشر إلا بدليل.

مسألة 2: وجوب الرجوع إلي الولي في أحكام الميت
اشارة

(1) قد استفاضت كلمات الأصحاب في الجملة بلزوم الرجوع للولي في جميع أحكام الميت. و هي و إن اختلفت بين ما اشتمل علي ذلك في جميعها، و ما اشتمل عليه في بعضها، إلا أنه لا يبعد رجوع الثاني للأول، و أن عدم التعرض له في باقيها ليس للخلاف فيه، بل غفلة بسبب المفروغية عنه التي تظهر من جملة من كلماتهم.

و قد ادعي في الخلاف و المنتهي الإجماع علي ذلك في الصلاة علي الميت، كما ادعي في التذكرة الإجماع علي أن الولي أولي من الوالي بالصلاة، و علي أن للولي إفراد ميته بصلاة، و في المعتبر الإجماع علي عدم جواز تقدم غير الولي. و لعله لذا ذكر في الحدائق أن ذلك مما لا خلاف فيه نصا و فتوي، و هو و إن ذكره في الغسل إلا أن مساق كلامه يناسب إرادة العموم، و استظهر في جامع المقاصد الإجماع علي الكلية المذكورة، و في الجواهر: «و لعله كذلك و إن تركه بعضهم في بعض المقامات» ثم أطال في النقل عنهم ثم قال: «إلي غير ذلك من كلماتهم المتفرقة التي يحصل للفقيه القطع من ملاحظتها بالأولوية المتقدمة».

و كيف كان، فقد استدل عليه في جملة من كلماتهم بقوله تعالي: وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْليٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ «5». و فيه: أنه إنما يتضمن تعيين الأولي في الأرحام بعد الفراغ عن كون المورد مما يرجع فيه للأولي، كالميراث المفروغ عن انتقاله بعد

______________________________

(1) الوسائل باب: 16 من أبواب غسل الميت حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 16 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 19 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(4) راجع الوسائل باب: 22 من أبواب غسل الميت.

(5) الأنفال الآية: 75، الأحزاب الآية: 6.

ص: 85

______________________________

الميت لغيره، و لا تصلح لبيان المورد الذي يرجع فيه للأولي لو احتمل عدم الحاجة إليه، نظير التشييع.

و ربما لا يكون استدلالهم به لإثبات لزوم الرجوع للولي في أحكام الميت، بل لتعيين الولي و أنه الأولي بالميراث بعد المفروغية عن كون الأحكام المذكورة من موارد الرجوع للولي.

و أما دعوي: أن كون المقام من موارد الرجوع للولي مقتضي أصالة حرمة التصرف في بدن الميت، و فيما يحتاج إليه تجهيزه من مال محترم للورثة في الكفن و الحنوط و الدفن و غيره.

فهي مدفوعة: بعدم الدليل علي حرمة التصرف في بدن الميت، لاختصاص دليل السلطنة بحال الحياة، و كذا دليل حرمة دم المسلم و ماله «1» الذي قد يستفاد منه حرمة مطلق التصرف في بدنه، و لو بقرينة جعل الغاية له طيب النفس. بل مقتضي إطلاق أدلة أحكام الميت الظاهرة في الوجوب الكفائي- كما تقدم- جوازه لكل أحد من غير إذن.

و أما التصرف في الأموال المذكورة فهو محتاج إلي إذن مالكيه حتي في حق الولي الذي قد لا يكون مالكا لتمامها كالزوج، بل قد لا يكون مالكا لشي ء منها.

فلا بد أن يكون محل الكلام ما إذا لم يلزم التصرف فيها بغير إذنهم، و لو لعزل الميت مالا خاصا لتجهيزه، أو لبذل باذل لمال آخر.

فالعمدة في المقام النصوص الواردة في الموارد المتفرقة، ففي مرسلي ابن أبي عمير و البزنطي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: يصلي علي الجنازة أولي الناس بها أو يأمر من يحب» «2»، و في موثق السكوني عنه عليه السّلام عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام: «قال: قال أمير المؤمنين: إذا حضر سلطان من سلطان اللّه جنازة فهو أحق بالصلاة عليها إن قدمه ولي الميت، و إلا فهو غاصب» «3»، و نحوها النصوص الآتية في أولوية الزوج، و في صحيح زرارة: «أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن القبر كم يدخله؟ قال: ذاك إلي الولي، إن شاء

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب مكان المصلي حديث: 1 و باب: 1 من أبواب القصاص حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 23 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1، 2، 4.

(3) الوسائل باب: 23 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1، 2، 4.

ص: 86

______________________________

أدخل وترا، و إن شاء شفعا» «1»، و في مرسل الصدوق: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام: يغسل الميت أولي الناس به أو من يأمره الولي بذلك» «2».

و أما الاستدلال في كلام جماعة بموثق غياث بن ابراهيم أو صحيحه عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السّلام: «أنه قال: يغسل الميت أولي الناس به» «3». فلا مجال له، لأنه ظاهر في طلب المباشرة، و هو أعم من الولاية، و لا سيما مع ما هو المعلوم من حمله علي الاستحباب. و مثله في ذلك ما تضمن الأمر بنزوله في القبر و مباشرته التلقين فيه «4»، و بعد إكمال الدفن و انصراف المشيع «5». غاية الأمر أنه قد يشعر بالمفروغية عن الرجوع في أمور الميت لشخص خاص يكون هو الأولي به. فتأمل.

و في النصوص الأول كفاية، و هي و إن لم تنهض بإثبات عموم المدعي بنفسها، لاختصاصها بالزوج في جميع أحكام زوجته، و بغيره في الصلاة و الدفن، دون التغسيل، لعدم الدليل عليه إلا مرسلة الصدوق الضعيفة، و دون التكفين و التحنيط، إلا أن شيخنا الأعظم قدّس سرّه ادعي عدم الفصل في المقام.

بل لا يبعد فهم ذلك من النصوص بإلغاء خصوصية مواردها، و لو بضميمة السيرة العرفية الارتكازية، لمناسبة الحكم المذكور للجهات العاطفية و الأدبية، و لما هو المعلوم من توقع التشاح و التشاكس في القيام بالأحكام المذكورة و اختيار خصوصيات تطبيقها، الذي لا يدفعه إلا الرجوع لشخص خاص فيها. بل ثبوت الولاية في الصلاة مع عدم استلزامها تصرفا في الميت يناسب ثبوتها في باقي أحكامه مما يستلزم التصرف فيه بالأولوية العرفية.

و يؤيد ذلك ظهور مفروغية الأصحاب، حيث لا يبعد تسالمهم عليه طبقة بعد طبقة متصلا بعصور المعصومين عليهم السّلام و لو بضميمة الجهات الارتكازية المشار إليها.

بل الظاهر قضاء مرتكزات المتشرعة باستنكار الاستقلال عن الولي في تجهيز الميت، فضلا عن مسابقته أو مزاحمته، و عدّه من أفحش الظلم و العدوان.

______________________________

(1) الوسائل باب: 24 من أبواب الدفن حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 26 من أبواب غسل الميت حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 26 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 20 من أبواب الدفن حديث: 7، 5.

(5) راجع الوسائل باب: 35 من أبواب الدفن.

ص: 87

______________________________

و بملاحظة جميع ذلك لا ينبغي التوقف في عموم الولاية، فضلا عن أصل ثبوتها في الجملة. و منه يظهر ضعف ما عن الكافي من إنكار الأولوية مطلقا. و لعله يريد أمرا أخر، كالأولوية في المباشرة، و إن كانت هي ثابتة في الجملة أيضا. و كلامه ليس بأيدينا.

هذا،

و حيث ظهر ثبوت الولاية في الجملة فينبغي الكلام في أمور متعلقة بتحديدها و ما يتعلق بها:
الأول: أن ظاهر الأصحاب كون الأولوية المذكورة علي نحو الوجوب،

بل هو صريح جملة منهم. لكن في الغنية: «و المستحب أن يقدم للصلاة أولي الناس بالميت أو من يأمره»، و ظاهر ذيل كلامه دعوي الإجماع علي ذلك، و في المنتهي: «يستحب أن ينزل القبر الولي أو من يأمره الولي إن كان رجلا، و إن كان امرأة لا ينزل قبرها إلا زوجها أو ذو رحم لها». و هما و إن كانا ناظرين للمباشر إلا أن عطف من يأمره الولي عليه ظاهر في بنائهما علي كون الأولوية علي الاستحباب و به صرح في المستند.

و عن كشف اللثام: «و هو قوي، للأصل، و ضعف الخبر سندا و دلالة، و منع الإجماع علي أزيد من الأولوية». و فيه: أن الأصل يختلف باختلاف الأحكام، فهو و إن كان يقتضي البراءة في التكفين و التحنيط و الدفن، إلا أنه يقتضي الاحتياط في الغسل، لما تقدم عند الكلام في وجوب التثليث في الأغسال من رجوع الشك فيه للشك في المحصل. و أما الخبر فقد سبق وفاء جملة من النصوص المعتبرة بالدلالة علي الأولوية، و هي ظاهرة في الوجوب، و لا سيما موثق السكوني المتضمن أن من يتقدم بدون إذن الولي غاصب. و بها يستغني عن الإجماع الذي لو تم فظاهر بعض معاقده و صريح بعضها الوجوب.

و بما ذكرنا يظهر و هن الإجماع المتقدم من الغنية. و ربما يحمل ككلام المنتهي علي استحباب المباشرة، بقرينة بقية كلامهما و كلام الأصحاب، و إن لزم نحو إشكال في عبارتهما.

و أضعف من ذلك الاستدلال علي عدم الوجوب بقيام السيرة علي عدم تعطيل الفعل للاستئذان من الولي، و عسر التوقف عليه. لمنع السيرة المذكورة بعد غلبة

ص: 88

______________________________

حضور الولي و توليه شئون ميته، فإما أن يصرح بالإذن أو يظهر حاله فيه. و المتيقن من عدم استئذانه مع عدم حضوره صورة تعذر أو تعسر الاستئذان منه، و هو- مع قلته- خارج عن مفروض الكلام. و لعله هو المنشأ لدعوي عسر التوقف علي الإذن.

الثاني: قال في محكي مجمع البرهان: كون الأولوية بمعني عدم جواز اشتغال الأبعد بأحكام الميت إلا بإذن الأقرب،

«و لو مع عدم صلاحيته له، ما نري له دليلا قويا». و قريب منه في المدارك. و ظاهرهما قصور دليل الولاية في حق من ليس له المباشرة. و هو مبني علي استفادة الولاية مما تضمن الأمر بالمباشرة، كحديث غياث المتقدم، حيث لا مجال مع تقييده في مورد لاستفادة الولاية منه فيه.

و يظهر ضعفه مما تقدم من عدم نهوض ذلك بإثبات الولاية، و أن الدليل عليها ما تضمن إناطة الفعل بنظر الولي، و من الظاهر أن عدم رجحان مباشرته في مورد لا ينافي إناطة الفعل بأمره، ليستلزم سقوط ولايته.

الثالث: ظاهر كلام الأصحاب، بل صريح جماعة أن مقتضي الولاية لزوم صدور الفعل من الولي أو بنظره.

لكن ذهب بعض مشايخنا أن مقتضاها عدم جواز مزاحمته من دون أن يلزم استئذانه، لدعوي: عدم نهوض أدلتها بأكثر من ذلك.

و يشكل: بأن ذلك لا يناسب جميع نصوص المسألة المتقدمة، كصحيح زرارة المتضمن إيكال الأمر إليه، و مراسيل ابن أبي عمير و البزنطي و الصدوق المتضمنة للترديد في المباشر بين الولي و من يأمره، لظهوره في انحصار الأمر بهما، و موثق السكوني الظاهر في عدم خروج المباشر عن كونه غاصبا إلا بتقديم الولي، و نصوص أولوية الزوج المتضمنة أنه أحق، لوضوح أنه لا يراد به التفضيل، إذ لا معني له في الحق اللازم، بل المراد أنه صاحب الحق، و كما لا يجوز مزاحمة صاحب الحق لا يجوز تقدمه من دون إذنه، و لعله لذا صرح في الجواهر بضعف احتمال ذلك. فلا معدل عما هو ظاهر الأصحاب.

الرابع: أشرنا في ذيل الكلام في الوجوب الكفائي إلي ما يظهر من غير واحد من الأصحاب من منافاة ولاية شخص خاص له.

قال في جامع المقاصد في مبحث الصلاة علي الميت جماعة: «و لا يخفي أن إذن الولي إنما تعتبر في الجماعة، لا في أصل

ص: 89

______________________________

الصلاة، لوجوب ذلك علي الكفاية، فكيف يناط برأي أحد من المكلفين، فلو صلوا فرادي بغير إذن أجزأ»، و نحوه في الروض إلا أنه نسب ذلك لظاهر الأصحاب كما نسبه لهم في محكي الذخيرة.

و هو لو تم لا يختص بالصلاة، بل يجري في غيرها من الواجبات الكفائية المتعلقة بالميت. و من ثم يكون عدم تنبيههما عليه فيها مستدركا عليهما.

بل قال في المسالك في أول مبحث أحكام الأموات: «لا منافاة بين الأولوية و وجوبه علي الكفاية، فإن توقف فعل غير الولي علي إذنه لا ينافي أصل الوجوب عليه». و لعله لذا أنكر صاحب الحدائق و أخوه فيما سبق نقله عنهما كون وجوبها كفائيا مع الولاية، و خصاه بما إذا لم يكن هناك ولي أو كان و تعذر قيامه بوظيفته، حيث تسقط ولايته عند الأصحاب.

و عمدة الوجه في منافاة ولاية شخص خاص لكون الوجوب كفائيا أن إذن الولي لغيره إن كانت شرطا لوجوب الفعل علي الغير لزم اختصاص التكليف بالولي قبل الإذن و عدم تكليف غيره حتي يسقط اعتبار إذنه، لامتناعه أو فقده، فلا يكون التكليف كفائيا مطلقا، و هو خلاف ظاهرهم. و إن كانت شرطا للواجب لزم وجوب تحصيلها بإقناعه، كما هو شأن جميع مقدمات الواجب، كما يلزم التكليف بما هو خارج عن الاختيار، لعدم القدرة علي إذن الغير، بل هي تابعة لاختياره.

و منه يظهر ضعف ما في المدارك قال: «و قد يقال: إنه لا منافاة بين كون الوجوب كفاية و بين إناطته برأي بعض المكلفين، علي معني أنه إن قام به سقط الفرض عن غيره، و كذا إذا [إن] أذن لغيره، و قام به ذلك الغير، و إلا سقط اعتباره و انعقدت الصلاة جماعة و فرادي بغير إذنه». لوضوح أن سقوطه عن الغير فرع تكليف الغير به قبل فعله، فلا بد من بيان وجهه و دفع المنافاة بينه و بين اعتبار إذن الولي. كما أن سقوط اعتبار إذنه مع عدم قيامه بوظيفته و عموم التكليف حينئذ ليس موردا للكلام، و إنما الكلام في عموم التكليف قبل ذلك.

و مثله ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من أن العجز المذكور و إن كان يوجب سقوط التكليف عن العاجز إلا أنه لقصور فيه لا فعله، و إلا ففعله كفعل الولي

ص: 90

______________________________

مشتمل علي المصلحة، و ربما يكون ذلك العجز في الولي لنوم أو نحوه، و مثل ذلك لا يصحح دعوي اختصاص التكليف بالولي القادر، كالمنتبه.

لاندفاعه: بأن مجرد عدم القصور في فعل غير الولي بحيث يجزي لو أذن له فيه لا ينافي عدم تكليفه بسبب تعذر الفعل عليه، كما لا يكون عدم قصور فعل الصبي منافيا لعدم تكليفه بسبب رفع القلم عنه. و لا مجال لقياسه بطروء العجز علي الولي، لأنه إن كان عجزا غير مستوعب للوقت لم يوجب سقوط التكليف بناء علي إمكان الواجب المعلق، و إن كان مستوعبا فلا إشكال في كونه موجبا لسقوط التكليف، لكنه بسبب ندرته لا ينافي إطلاقهم تكليفه اعتمادا علي وضوح توقف التكليف علي القدرة، بخلاف غير الولي، فإن غلبة ابتلائه بالولي و عدم قدرته علي إذنه له قد يناسب عدم إطلاقهم تكليفه لو كان تكليفه مشروطا بالإذن عندهم.

و من هنا فالذي ينبغي أن يقال: إن كان المراد منافاة الولاية لإطلاق الوجوب الكفائي في حال ثبوتها، فهو في محله، لامتناع التكليف بالفعل المقيد بإذن الولي في فرض عجز المكلف عن الفعل المقارن لها من جميع الجهات، بل يتعين حينئذ الالتزام باختصاص التكليف بمن يقدر علي الفعل المذكور في الجملة، علي ما يأتي توضيحه.

و لا مانع من البناء علي ذلك جمعا بين الأدلة، كما لا مانع من تنزيل كلماتهم عليها جمعا بينها أيضا، حيث صرحوا بالأمرين.

و لا وجه لما تقدم من جامع المقاصد و الروض من رفع اليد عن الأولوية في أصل الصلاة لأجل كون التكليف كفائيا، كيف و لو أمكن ذلك في الصلاة بتنزيل الأولوية فيها علي خصوص الجماعة لم يمكن في غيرها من واجبات التجهيز. علي أنه فيها مخالف لإطلاق النصوص المتقدمة، لأن المصلي علي الجنازة و المأمور بها و المقدم لها قد يصلي وحده منفردا و قد يصلي إماما.

نعم، لا يبعد انصرافه عن صلاة المأموم، لأن صلاة الولي علي الجنازة لا تكون بها، كما أن أمره ليس بها و تقديمه ليس لها، و لم تتضمن نصوص الولاية إلا هذه العناوين. كما أن السيرة ليست علي الاستئذان فيها، إلا أن يكون منشؤها ظهور حال الولي في إذنه لكل أحد بها، لرغبته غالبا في تكثير المصلين علي ميته، من دون تعلق

ص: 91

______________________________

الغرض بخصوصيات الأشخاص، فتعريضه الميت لأن يصلي عليه مع تعارف عدم الاستئذان فيها يكون ظاهرا في إذنه لكل أحد.

لكن الاكتفاء بذلك في إثبات ولايته عليها لا يخلو عن إشكال، بل منع بعد ما سبق من قصور النصوص و السيرة عنها، و لا سيما مع عدم مساعدة ارتكازيات المتشرعة علي ذلك، لأنها بنظرهم احسان محض للميت- كالدعاء له و تشييعه- لا يترتب عليها شي ء من الاعتباريات المناسبة للإرجاع للولي. و من هنا يقوي عدم اعتبار إذنه تصريحا و لا ظاهرا، كما لا تخل كراهته، بل و لا منعه. فلاحظ.

و إن كان المراد منافاة الولاية لأصل الوجوب الكفائي، بحيث يستلزم اختصاص التكليف بالولي في فرض فعلية ولايته- كما سبق من صاحب الحدائق و أخيه- فهو ممنوع جدا، لأن الولاية و إن اقتضت سقوط التكليف عن العاجز عن الفعل بإذن الولي من جميع الجهات، إلا أنه لا تنافي تكليف القادر عليه، إما بقيامه بالمباشرة، لإذن الولي له فعلا أو أمره به، أو لقدرته علي إقناعه بالإذن، و إما بفعل بعض مقدماته، كإعلام الولي بموت ميته ليقوم بتجهيزه أو إعلام من يأذن الولي بمباشرته، أو إقناع أحدهما بالقيام بالفعل، أو إعانته علي تحقيقه بفعل بعض المقدمات الموصلة له و نحو ذلك، فلا تمنع الولاية من وجوب ذلك كفائيا مع عدم الانحصار و عينيا معه.

كما لا يمنع اعتبار المماثلة من وجوب الأمور المذكورة في حق غير المماثل خصوصا لو كان هو الولي. كيف و كثيرا ما يتعذر القيام ببعض واجبات الميت بتمام مقدماته غير الحاصلة علي شخص واحد، كما يتعذر عليه القيام بكثير من الواجبات الكفائية كالجهاد و حفظ المسلم و تطهير المسجد و غيرها، و هو راجع إلي توقف حصول الواجب من كل شخص علي اختيار غيره فلو كان ذلك مانعا من تكليفه به لامتنع التكليف بذلك الواجب كفائيا، و هو معلوم البطلان.

و من هنا لا معدل عن الجمع بين الولاية و الوجوب الكفائي بتنزيل الوجوب الكفائي علي ما يناسبها، من دون وجه لرفع اليد عنها رأسا كما يظهر من جامع المقاصد و الروض، و لا لرفع اليد عنه رأسا، كما يظهر من صاحب الحدائق و أخيه.

ص: 92

______________________________

ثم إن الثمرة بين كون التكليف كفائيا في حق الكل مع ولاية الولي و كونه عينيا مختصا بالولي تظهر في جواز استئجار الولي علي الفعل علي الثاني دون الأول بناء علي عموم عدم جواز أخذ الأجرة علي الواجب.

و في لزوم مباشرة المأذون من الولي للفعل عينيا مع الانحصار بشخص واحد و كفائيا مع عدمه، دون الثاني، لوضوح أن إذن المكلف لشخص في امتثال تكليفه لا يوجب لزومه عليه.

و في وجوب الاحتياط مع الشك في تحقق الفعل من الولي أو مأذونه علي الأول، لإحراز الفراغ عن التكليف المعلوم، دون الثاني، للعلم بعدم التكليف به مع بقاء ولاية الولي.

نعم، لا يبعد عدم وجوب الاحتياط علي الأول لو كان الميت تحت يد الولي أو مأذونه مع ظهور حاله في إرادة القيام بتجهيزه، لقيام السيرة علي عدم الاعتناء باحتمال تفريط من يكون الميت تحت يده أو عجزه إذا ظهر منه الاهتمام به و إن لم يكن وليا علي تجهيزه. بل لا يبعد عمومها لما إذا لم يظهر من حاله ذلك حملا له علي الصحة ما لم يظهر من حاله خلافه أو عجزه. فلاحظ.

الخامس: مقتضي ثبوت ولاية الولي علي خصوصيات التجهيز أنه لو أمر أو أذن بوجه خاص لم يجز التخلف عنه،

بل يجب إيقاعه عينا مع انحصار القدرة عليه بشخص خاص و كفاية مع عدم الانحصار.

لكن لا يبعد عدم وجوب ذلك مع لزوم نحو كلفة غير متعارفة، لعدم مناسبة الوجوب حينئذ لمرتكزات المتشرعة. و إن كان الأمر محتاجا للتأمل.

و كيف كان، فلو امتنع المأمور أو المأذون من إيقاعه علي الوجه المأذون فيه بنحو يعلم بعدم وقوع الفعل منه كان علي الولي اختيار غيره، لأن مقتضي ولايته المحافظة علي الواجب، باختيار الفرد الذي يتسني تحصيله، فإن اختار فردا آخر و حصل ذلك الفرد سقط التكليف الكفائي، و لا إثم حتي علي الممتنع من القيام بالفعل علي النهج الذي أمر أو أذن به الولي أول مرة.

و كذا إن امتنع الولي من اختيار فرد آخر، لأنه يخرج بذلك عن مقتضي ولايته،

ص: 93

______________________________

فتسقط ولايته، و يكون الفعل من دون إذنه أو بإذن غيره محققا لتمام المطلوب. نعم لو لم يعلم الولي بامتناع المأمور أو المأذون أشكل سقوط ولايته، و إن وجب تحقيق الفعل من دون إذنه حينئذ، لأنه الميسور محافظة علي أصل الواجب، فيكون الممتنع آثما لتفويته الواجب التام مع قدرته عليه إلي أن فات. فتأمل جيدا.

السادس: لا يبعد البناء علي عموم الولاية للخصوصيات الكمالية في واجبات التجهيز-

كغسل الرأس بالرغوة عند التغسيل- فلا يجوز إيقاعها إلا بإذنه المستفاد منه صريحا أو بشاهد الحال، إلا أنه لا يجب امتثال أمره بها بعد فرض عدم وجوبها، لأن متابعة الولي إنما تجب لتحقيق الواجب.

نعم، لو لم تكن زائدة علي الواجب، بل مقومة لفرده، لأنها من أفضل الأفراد- كالغسل بماء الفرات لو قيل باستحبابه- تعين متابعته فيها، كما يتابع في غيرها من الخصوصيات الفردية، علي ما تقدم في الأمر الخامس.

السابع: الظاهر أن الولاية لا تسقط بإسقاط الولي.

إذ لو كانت من سنخ الحق المملوك عرفا فلا دليل علي عموم سقوط الحق بالإسقاط. بل لعل المتيقن من ذلك بالنظر للمرتكزات العرفية ما إذا كان الحق «1» متعلقا بالغير- ليسقط عنه، و يكون في سعة منه- بحيث يكون هناك من عليه الحق كما يكون من له الحق، إما لكون الحق في ذمته أو نفسه، كالدين و حق القصاص، أو في عين مملوكة له، كحق الجناية في العبد و حق الرهانة في العين المرهونة، أو في معني متعلق به، كحق الخيار القائم بالعقد بين الطرفين المقتضي لنحو من النقص في متعلقه.

أما الحق في المقام فلا يكون ثابتا علي أحد، أما الميت فظاهر، و أما بقية المكلفين فلأنه و إن لم يسغ لهم القيام بواجبات الميت إلا بنظر صاحب الحق، إلا أن ذلك الحكم شرعي لا يرجع إلي ملكية شي ء عليهم، بل هو كعدم جواز تصرفهم في ملك الغير بغير إذنه. فالمقام نظير حق حضانة الأب الراجع إلي إيكال أمر ولده إليه و عدم جواز تصرف غيره فيه بدون إذنه من دون أن يكون حقا علي أحد، ليقبل الإسقاط بل لا يبعد ذلك في حق حضانة الأم. و تمام الكلام في محله.

______________________________

(1) هذا في الحق العرفي أما الحق الاصطلاحي فلسنا بصدد تحقيق حاله.

ص: 94

______________________________

علي أنه لم يتضح بعد كون الولاية في المقام من الحقوق، لأن نصوص ولاية الزوج و إن تضمنت أنه أحق بزوجته، إلا أن حمل الحق علي ما يساوق الملكية لا يخلو عن إشكال، بل قد يراد به مجرد أولوية التصرف. و كذا موثق السكوني المتضمن أن السلطان إذا تقدم من دون أن يقدمه الولي كان غاصبا، حيث لا يبعد إرادة مجرد كونه متعديا حيث قد قام بما لا سلطنة له عليه، و ادعي لنفسه أولوية لم يجعلها اللّه تعالي له. فتأمل.

و بالجملة: لا مخرج عن إطلاق نصوص الولاية الأحوالي المقتضي لبقائها بعد الإسقاط. و لا أقل من كونه مقتضي استصحاب الولاية، لأن الظاهر أنها في المقام نحو من الوضع و الاعتبار الذي له نحو من التقرر القابل للاستصحاب، لا منتزعة من مجرد عدم جواز قيام الغير بواجبات الميت من غير إذنه، ليجري فيه إشكال الاستصحاب في الأحكام التكليفية من احتمال تبدل الموضوع في حال الشك عن حال اليقين. فتأمل.

الثامن: قد يظهر منهم عدم صحة الصلاة و الغسل لو وقعا بدون إذن الولي،

لما أشرنا إليه آنفا من أن مقتضي الجمع بين إطلاق أدلة واجبات التجهيز و أدلة الولاية التقييد بالعمل الواقع بإذن الولي، فلا يجزي غيره.

لكن لازم ذلك إعادة التحنيط و التكفين و الدفن لو لم يقعا بإذن الولي، لعدم الفرق في لسان الأدلة بينها و بين الغسل و الصلاة، و حيث لا يظن الالتزام بذلك من أحد يتعين حمل جعل الولاية علي كون الاستقلال عن الولي محرما في نفسه بلحاظ كونه تعديا، من دون أن يرجع إلي تقييد الواجب بما يقع عن إذنه، كما قد يشعر التعبير بأنه غاصب في موثق السكوني، و بأن الزوج أحق في نصوصه. و حينئذ إذا وقع الواجب بدونه أجزأ وفات موضوع الولاية.

نعم، لا ينبغي التأمل في بطلان التغسيل و الصلاة مع تعمد عدم الرجوع للولي و الالتفات لحرمته، لامتناع التقرب بهما مع وقوعهما بوجه مخالف لمقتضي الولاية اللازم.

و منه يظهر الإشكال فيما في الجواهر، حيث قال: «نعم يحتمل قويا القول بوجوب مراعاة تلك الأولوية تعبدا من غير أن يكون لها مدخل في صحة الأفعال، كما عساه يشعر به لفظ «الغاصب» و غيره، إلا أني لم أعرف قائلا به، و إن أمكن حمل

ص: 95

و هو الزوج بالنسبة إلي الزوجة (1)،

______________________________

بعض كلمات الأصحاب عليه. فتأمل».

وجه الإشكال: أن لفظ «الغاصب» و إن ناسب عدم التقييد- كما سبق- إلا أنه يقتضي امتناع التقرب بالعمل الذي يكون به الغصب. و ما عن محكي النراقي في اللوامع من البناء علي الصحة، لأن المنهي عنه خارج عن العبادة. كما تري، لأنه لو تم عدم النهي عن نفس الغسل و الصلاة الواقعين من دون إذن الولي، بل عن معني ملازم لهما، فالغسل و الصلاة حيث كانا محققين للاستغلال المذكور و منافيين لمقتضي الولاية الإلزامي امتنع التقرب بهما. فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم العاصم.

ولاية الزوج
اشارة

(1) كما في المبسوط و النهاية و الاقتصاد و الوسيلة و الشرائع و المعتبر و التذكرة و المنتهي و الإرشاد و غيرها، بل استظهر في الحدائق عدم الخلاف فيه، و في الجواهر و عن الذكري نفي وجدانه، و في المعتبر و ظاهر التذكرة دعوي الاتفاق عليه، و في حاشية المدارك أنه متسالم عليه بينهم بلا تأمل. و يقتضيه حديث أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن المرأة تموت من أحق أن يصلي عليها؟ قال: الزوج. قلت:

الزوج أحق من الأب و الأخ و الولد؟ قال: نعم» «1»، و نحوه حديثه الآخر، لكن في ذيله: نعم و يغسلها» «2»، و خبر إسحاق بن عمار عنه عليه السّلام: «قال: الزوج أحق بامرأته حتي يضعها في قبرها» «3».

لكن في المدارك: «المستند في ذلك ما رواه الشيخ في الموثق عن إسحاق بن عمار … قال في المعتبر: و مضمون الرواية متفق عليه. قلت: إن كانت المسألة إجماعية فلا بحث، و إلا أمكن المناقشة فيها، لضعف المستند، و لأنه معارض بما رواه الشيخ في الصحيح عن حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: في المرأة تموت و معها أخوها و زوجها أيهما يصلي عليها؟ فقال: أخوها أحق بالصلاة عليها» «4». و أجاب الشيخ عن هذه الرواية بالحمل علي التقية، و هو إنما يتم مع التكافؤ في السند، كما لا يخفي».

و فيه: أنه لا مجال لرد جميع نصوص المشهور بضعف السند، إذ ليس في سند

______________________________

(1) الوسائل باب: 24 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 24 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 24 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 3.

(4) الوسائل باب: 24 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 4.

ص: 96

______________________________

حديث أبي بصير الأول إلا إسماعيل بن مراد الذي تقدم عند الكلام في اعتبار التوالي في أقل الحيض تقريب الاعتماد علي ما يرويه، خصوصا إذا كان عن يونس، كما في هذا الحديث، و لا في سند الثاني إلا علي بن أبي حمزة الذي تقدم عند الكلام في حضور الجنب و الحائض عند المحتضر الاعتماد علي رواياته.

و أما خبر إسحاق بن عمار فمقتضي تعبيره عنه بالموثق حجيته، إلا أنه لم يتضح الوجه في كونه موثقا مع اشتمال سنده علي علي بن ميسرة الذي لم يثبت توثيقه.

نعم لا يهم ضعفه مع ظهور كونه مستند الأصحاب في الكلية المذكورة، كما يناسبه الاقتصار عليه في مقام الاستدلال في جملة من كلماتهم، بل تقدم من المعتبر بالاتفاق علي مضمونه. لكفاية ذلك في انجباره، و وهن صحيح حفص و إن كان معتضدا بخبر عبد الرحمن عنه عليه السّلام «1»، بل لم يعرف من أحد التعويل عليهما.

و من هنا يقرب ما ذكره الشيخ قدّس سرّه من حملهما علي التقية، حيث حكي عن جماعة من العامة أو ممن تذكر أقواله في أقوالهم عدم ولاية الزوج، كسعيد بن المسيب و الزهري و أبي حنيفة و مالك و الشافعي و أحمد في إحدي الروايتين.

إذا عرفت هذا فيقع الكلام في أمور:
الأول: ذكر في الروض و الروضة و المسالك أنه لا فرق في الحكم المذكورة بين الدائمة و المتمتع بها،

و عليه جري شيخنا الأعظم قدّس سرّه و غير واحد ممن تأخر عنه.

و هو مقتضي إطلاق النص و الفتوي. لكن قال جمال الدين الخوانساري في حاشية الروضة: «الظاهر انصراف الأدلة إلي الدائم، كما في الميراث و نحوه». و هو كما تري، فإن عدم الميراث في المنقطعة ليس للانصراف، بل للأدلة الخاصة.

و أشكل منه ما في الرياض و المستند من أن إطلاق الزوج بالإضافة إلي المتمتع بها حقيقة لا يخلو عن مناقشة و كلام». فإنه غريب جدا.

نعم، في الجواهر: «علي إشكال في المنقطع، خصوصا إذا انقضي الأجل بعد موتها، لبينونتها حينئذ منه. بل لا يبعد ذلك بمجرد موتها و إن لم ينقض الأجل،

______________________________

(1) الوسائل باب: 24 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 5.

ص: 97

______________________________

لكونها كالعين المستأجرة إذا فاتت، كما لا يخفي علي من أحاط خبرا بأحكام المتعة في محلها». و كأنه يريد أن المستفاد من أدلة النكاح المنقطع أن المدار في اعتباره علي النفقة، بحيث تكون مقومة له، و لذا يتبعض المهر لو أخلت بالبذل في بعض المدة، فإذا ماتت فحيث يحرم عليه الاستمتاع بها فقد انتهي النكاح بالموت بنحو ينكشف عن عدم اعتباره من أول الأمر في تمام المدة، لتعذر المنفعة فيها، كما لو تلفت العين المستأجرة قبل انقضاء الأجل.

لكن ذلك لا يناسب ما حكي عنه- و هو التحقيق- من أن النكاح المنقطع متحد في الماهية مع النكاح الدائم. بل لازمه تبعض المهر بالموت أو تعذر التمكين من نفسها عليها أو تعذر استيفاء منفعة الاستمتاع علي الزوج، نظير ما يذكر في الإجارة، و لا يظن منه و لا من غيره الالتزام بذلك.

و من هنا لا بد من البناء علي عدم كون الموت كاشفا عن قصور النكاح من أول الأمر، بل يبطل كما يبطل النكاح الدائم علي ما يأتي. و أما تبعض المهر عليها في مدة امتناعها من التمكين فهو غير مبتن علي تقوم النكاح بالمنفعة، بل هو تعبد محض، أو من سنخ العقوبة لها، نظير عقوبة الدائمة إذا نشزت بعدم النفقة الذي لا مجال له في المنقطعة، لعدم استحقاقها لها ذاتا.

و أما ما ذكره من خصوصية ما إذا انقضي الأجل بعد موتها في سقوط الولاية، لبينونتها منه حينئذ، فيشكل بأن الظاهر بطلان النكاح بالموت حتي الدائم، لعدم قابلية الميت لعلقته و اعتبارها عرفا، كما يدل عليه ما في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«سئل عن الرجل يغسل امرأته؟ قال: نعم من وراء الثوب، و لا ينظر إلي شعرها و لا إلي شي ء منها، و المرأة تغسل زوجها، لأنه إذا مات كانت منه في عدة، و إذا ماتت هي فقد انقضت عدتها» «1»، و صحيح زرارة المتضمن سوق التعليل المذكورة لتغسيلها له دون العكس «2». و يناسبه عدم ترتب جميع آثاره، فيجوز للزوج أن يتزوج الخامسة و أختها و بنتها، كما لا تثبت للزوجة مع موت زوجها النفقة.

______________________________

(1) الوسائل ج 2 باب: 24 من أبواب غسل الميت حديث: 11.

(2) الوسائل ج 2 باب: 24 من أبواب غسل الميت حديث: 13.

ص: 98

______________________________

و ما ذكره شيخنا الأستاذ قدّس سرّه من إمكان الالتزام ببقاء النكاح و تخصيص أحكامه المذكورة بغير حال موت أحد الزوجين. إن أراد به الإمكان العقلي فهو مسلم و لا ينفع، و إن أراد به الإمكان العرفي فهو ممنوع، و لا يناسبه طريقتهم في الاستدلال علي هذه الاحكام. و ثبوت أحكام العدة علي الزوجة أو جواز النظر للزوجين أو نحو ذلك تعبدي لا يبتني علي بقاء الزوجية ارتكازا.

و من هنا يتعين البناء علي أن موضوع أدلة الولاية ليس هو الزوجية حين الولاية، كي تقصر عما لو انقضت المدة بعد الموت، بل الزوجية حين الموت المتحققة في الفرض المذكور، كما هي المعيار في جواز تغسيل أحد الزوجين الآخر الذي يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالي، و لذا صرح بعضهم بجواز تغسيل الزوجة زوجها بعد خروجها عن العدة، بل بعد تزويجها.

الثاني: ظاهر جامع المقاصد عدم الفرق بين الحرة و الأمة،

و به صرح في المسالك و الروض و الرياض و المستند و غيرها. و في طهارة شيخنا الأعظم قدّس سرّه و محكي الذخيرة أنه مقتضي إطلاق النص و الفتوي، و في مفتاح الكرامة أنه ظاهر إطلاقهم.

قال سيدنا المصنف قدّس سرّه: «و ظاهر ذلك و نحوه من كلماتهم أنه من المسلمات.

و لولاه لأمكن الإشكال في إطلاق النصوص، بدعوي: انصرافه إلي الحرة التي كانت مالكة نفسها في الحياة و بالموت تكون نسبتها إلي كل من عداها نسبة واحدة، لا مثل المملوك للغير في الحياة و الممات. مع أن تقييد النصوص المذكورة أولي من تقييد قاعدة السلطنة علي الأملاك».

لكن لا مجال لاستفادة التسالم الحجة مما تقدم بعد ابتنائه علي مجرد استفادة الحكم من الإطلاق الذي ادعي قدّس سرّه انصرافه. فالعمدة في المقام إطلاق النصوص المتقدمة التي لم يتضح انصرافها بوجه معتد به بعد كون ولاية الزوج تعبدية، إذ ليس تقديمه علي الولد و الأب ارتكازيا.

و لا مجال لمعارضته بقاعدة السلطنة و حرمة التصرف في مال المسلم إلا بطيبة نفسه، لتخصيص القاعدة المذكورة بأدلة الوجوب الكفائي المقتضية لجواز التصرف في الميت بالتجهيز و لو لم يرض مالكه، غاية الأمر أن مقتضي إطلاق أدلة الولاية لزوم كون

ص: 99

______________________________

التصرف المذكور بإذن الولي، و حيث لم يرد في المملوك بالخصوص إطلاق يقتضي ولاية مالكه، بل ليس إلا الأدلة العامة التي يقدم عليها إطلاق دليل ولاية الزوج لزم تحكيمه في المقام. و يأتي إن شاء اللّه تعالي عند الكلام في ولاية المالك ما ينفع هنا. فتأمل جيدا.

الثالث: صرح في المسالك بعدم الفرق بين المدخول بها و غيرها.

و هو كذلك، لإطلاق النص و الفتوي، و لعل عدم تعرضهم حتي من تأخر عنه لذلك لوضوحه.

الرابع: صرح في المسالك بعموم الحكم للمطلقة رجعيا.

و وجهه شيخنا الأعظم قدّس سرّه بالأخبار المتضمنة أنها زوجة. فإن مقتضي إطلاق التنزيل ترتب جميع أحكام الزوجة عليها، و منها الحكم المذكور. لكن قال بعد ذلك: «نعم يمكن أن يقال: إن عموم تنزيل الرجعية منزلة الزوجة لا يشمل مثل هذا الحكم. و لذا قال في المنتهي: لو طلق امرأته فإن كان رجعيا ففي جواز تغسيل الآخر له نظر». و لم يتضح وجه قصور العموم المذكور لو كان ثابتا عن مثل هذا الحكم.

فالعمدة عدم ثبوت العموم المذكور، لعدم عثورنا علي ما يتضمن اللسان المذكور أو نحوه من النصوص، و إنما تضمنت بعض الآيات و جملة من النصوص ثبوت كثير من أحكام الزوجة لها، كوجوب النفقة علي الزوج و عدم الخروج من بيته إلا بإذنه و جواز تزينها له و حرمة أختها عليه و التوارث بينهما.

و كأن الأصحاب رضي اللّه عنهم استفادوا من جميع ذلك عموم التنزيل. و هو لا يخلو عن إشكال. و لا سيما مع ثبوت بعض هذه الأحكام للبائن، كالميراث الذي يثبت في مطلقة المريض إلي سنة، و مع عدم ثبوت بعض أحكام الزوجة للمطلقة رجعيا كجواز الاستمتاع بالوطء و غيره، إذ لو لم يكن من مختصات الزوجة لم يتحقق به الرجوع.

فلاحظ.

و أشكل من ذلك ما عن بعض مشايخنا من البناء علي أنها زوجة حقيقة، مستدلا بما تضمن بينونتها من الزوج بانتهاء العدة، حيث يستفاد منه بقاؤها علي الزوجية قبله و إن كانت معلقة متزلزلة. مضافا إلي بعض القرائن التي لا يبعد أن يكون منها مشاركتها للزوجة في كثير من أحكامها.

لاندفاعه بقرب أن يراد ببينونتها الكناية عن انقطاع العصمة بينهما الراجع إلي

ص: 100

______________________________

عدم الحق له عليها في الرجعة و الطاعة و نحوهما، نظير انقطاع عصمة صاحب الخيار عن العين بانتهاء أمد الخيار مع خروجها عن ملكه بالعقد. و إلا فليس استفادة البقاء علي الزوجية من التعبير بالبينونة بأولي من استفادة الخروج عنها من التعبير بالرد و الرجوع في أثناء العدة المذكورة. بل الثاني هو المتعين بملاحظة المرتكزات العرفية، تبعا لما هو المعلوم من اتحاد الطلاق الرجعي و البائن مفهوما، و ما هو المرتكز من أن الخروج عن الزوجية في البائن مقتضي نفس الطلاق بمفهومه، لا من لوازمه الشرعية و أحكامه الخارجة عنه. فإن لازم ذلك الخروج عن الزوجية بالطلاق الرجعي أيضا بعد فرض صحته و نفوذه فعلا. بل الالتزام برجوع الزوجية بمجرد انقلاب طلاق الخلع من البائن للرجعي برجوع المرأة بالبذل بعيد جدا.

هذا، و لو تم كون المطلقة رجعيا زوجة حقيقة فهي من أفرادها الخفية التي لا تبعد دعوي انصراف إطلاقات الأحكام و منها الولاية في المقام عنها. فلاحظ.

الخامس: قال في المنتهي في فروع تعيين أولياء الميت: الحر أولي من العبد و إن كان الحر بعيدا و العبد أقرب،

«لأن العبد لا ولاية له في نفسه ففي غيره أولي. و لا نعلم فيه خلافا». و هو شامل بإطلاقه أو تعليله للزوج، و به صرح غيره. لكن في الرياض: «قيل: و لعل الزوج مستثني من الحكم المزبور، للنص. و فيه: أنه عام أيضا يمكن تخصيصه بالحر، لما ذكره في المنتهي. و بالجملة: التعارض بينهما تعارض العموم و الخصوص من وجه، يمكن تخصيص كل بالآخر. ففي الترجيح نظر».

لكن الظاهر لزوم تقديم عموم عدم ولاية العبد المستفاد من قوله تعالي: عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَليٰ شَيْ ءٍ «1»، فإنه و إن لم يكن ظاهرا إلا في المفروغية عن عدم قدرة العبد المضروب به المثل، لأخذه وصفا له من دون أن يتضمن الحكم علي العبد بعدم القدرة، ليكون له إطلاق يشمل جميع العبيد و يكون ظاهرا في إرادة القدرة و السلطنة الاعتبارية- التي منها الولاية في المقام- لأنها التي تقبل الجعل و النفي دون الخارجية التكوينية، إلا أنه يستفاد منه ذلك بضميمة النصوص المستدل فيها به علي نفي ولاية العبد علي الطلاق، كصحيح زرارة عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قالا: المملوك لا

______________________________

(1) النحل الآية: 75.

ص: 101

______________________________

يجوز طلاقه و لا نكاحه إلا بإذن سيده. قلت: فإن كان السيد زوجه بيد من الطلاق؟

قال: بيد السيد. ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَليٰ شَيْ ءٍ. أ فشي ء الطلاق؟» «1»، و قريب منه غيره «2».

فإن الاستدلال به موقوف علي سوقه لعموم نفي سلطنة العبد. و إنما يقدم هذا العموم علي عموم الولاية في المقام مع أن بينهما عموما من وجه لأن نسبته إلي جميع عمومات الولاية نسبة واحدة، و تقديمها عليه موجب للغويته و عدم بقاء مورد له، و الترجيح بينها بلا مرجح عرفي، فيتعين تقديمه علي جميعها، و حكومته عليها عرفا، لكونه بصدد بيان شرط الولاية في موضوعها. و منه يظهر أن عدم ولاية العبد علي الميت مستفاد من نفس العموم المستفاد منه نفي ولايته علي نفسه بلا حاجة إلي التشبث بالأولوية المتقدمة من المنتهي.

ثم إنه بعد البناء علي عدم ولاية الزوج العبد علي زوجته فالظاهر جريان ما يأتي من الكلام فيما لو سقطت الطبقة الأولي عن الولاية من الانتقال للمرتبة المتأخرة عنه أو عدم اعتبار إذن الولي. و لا مجال للبناء علي ولاية مولاه بدله، لعدم الدليل علي عموم قيامه فيما من شأنه الولاية عليه.

السادس: حكي في الروض عن بعض الأصحاب القول بولاية الزوجة علي زوجها،

لإطلاق الزوج عليها لغة. و رده بأن الأدلة لم تتضمن إطلاق ولاية الزوج، بل خصوص ولاية الزوج علي زوجته. و هو في محله. مضافا إلي قرب انصراف الزوج إلي ما يقابل الزوجة عرفا.

بل لا ينبغي التأمل في عدم ولاية الزوجة علي زوجها بالنظر للسيرة، و للنصوص المتضمنة لزوم تقديم الولي في صلاة غيره و الرجوع إلي أمره في الدفن، لظهورها في شيوع حضور الولي في تشييع الجنازة، المستلزم لشيوع حضور الزوجة فيه و مسئوليتها عنه لو كانت الولاية لها، لكثرة وفاة الرجال عن زوجاتهم، و من الظاهر عدم شيوع حضور النساء في التشييع، فضلا عن مسئوليتهن عنه.

______________________________

(1) الوسائل باب: 45 من أبواب مقدمات الصلاة و شرائطه حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 66 من أبواب نكاح العبيد و الاماء حديث: 4، 2.

ص: 102

ولاية الأرحام
اشارة

ثم المالك (1)، ثم الطبقة الأولي في الميراث (2)، و هم الأبوان

______________________________

(1) كما في الجواهر و عن البرهان القاطع القطع به، و الظاهر المفروغية عنه و إن لم ينص عليه الأكثر، لما يستفاد منهم من أن المعيار في الولاية الميراث.

و قد استدل عليه سيدنا المصنف قدّس سرّه بقاعدة السلطنة، نظير ما تقدم منه فيما لو كانت الزوجة أمة. و استشكل فيه شيخنا الاستاذ قدّس سرّه بأنه لا يتم فيما لا يقتضي تصرفا في بدن الميت كالصلاة.

و أما دفعه بعدم الفصل. فهو قد يتم لو لم يكن مقتضي إطلاق الأدلة في الصلاة ولاية غير المالك، و إلا كان مقتضي عدم الفصل المدعي أن الولي علي الصلاة ولي علي غيرها أيضا، فيتعارض الدليل في الصلاة مع الدليل في سبب عدم الفصل. إلا أن يدعي تقديم قاعدة السلطنة لأقوائيتها. فتأمل.

هذا، مضافا إلي ما سبق منا فيما لو كانت الزوجة أمة من أن قاعدة السلطنة مخصصة بأدلة الوجوب الكفائي.

فالعمدة أن ما يأتي في ولاية الأرحام ينفع في المقام. و هو كما يقتضي تأخر المالك عن الزوج- علي ما ذكرناه فيما سبق- يقتضي تقدمه عليهم، كما يتضح عند الكلام فيه إن شاء اللّه تعالي.

(2) المذكور في كلام جملة من الأصحاب أن الولي هو الأولي بالميراث، كما في المبسوط و الخلاف و إشارة السبق و الوسيلة و السرائر و الشرائع و النافع و المعتبر و التذكرة و المنتهي و المختلف و القواعد و الإرشاد و الدروس و اللمعة و محكي الجمل و العقود و المهذب و غيرها، و عن المفاتيح أنه الذي صرح به الأكثر.

و قد ينزل عليه ما ذكره غيرهم من أنه الأولي به، كما يناسبه جمع غير واحد بين الأمرين في موضعين، و تفسير بعضهم الأولي به بالأولي بميراثه، كما في الخلاف مدعيا عليه الإجماع، كالإجماع المدعي في المنتهي و محكي غيره علي ولاية الأولي بالميراث.

و لعله لذا نفي في الحدائق الخلاف في أولوية الأولي بالميراث نصا و فتوي، و استظهر في جامع المقاصد الإجماع عليه.

ص: 103

______________________________

و المتيقن منهم إرادة ولاية الولي بالميراث في الجملة في مقابل ولاية غيره، و لذا صرح جماعة منهم بترجيح بعضهم علي بعض، كالذكور علي الإناث و الأب علي الأولاد عند الاجتماع. و لعله عليه يحمل ما في المقنعة و الاقتصاد و المصباح و مختصره و الجامع من تقييده بالذكور، لا أن مرادهم نفي ولايتهن لو انحصر الوارث بهن.

و كيف كان، فقد يستدل عليه بأمور:
الأول: ما استفاض الاستدلال به في كلام جماعة

أولهم- فيما عثرنا عليه- الشيخ في الخلاف، و هو قوله تعالي: وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْليٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ «1»، قال شيخنا الأعظم قدّس سرّه: «بناء علي أن المراد الأولوية من كل جهة حتي الأمور المتعلقة بتجهيزه، لا خصوص إرثه. يشهد للتعميم المذكور حذف المتعلق، المعتضد باستدلال الفحول بها في المقام، كالفاضلين و الشهيدين و المحقق الثاني».

و قد يستشكل فيه بوجهين:

أحدهما: أن ذلك ورد في موضعين من الكتاب العزيز، قال تعالي في سورة الأنفال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هٰاجَرُوا وَ جٰاهَدُوا بِأَمْوٰالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَ الَّذِينَ آوَوْا وَ نَصَرُوا أُولٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ. وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يُهٰاجِرُوا مٰا لَكُمْ مِنْ وَلٰايَتِهِمْ مِنْ شَيْ ءٍ حَتّٰي يُهٰاجِرُوا. وَ إِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ … وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ … وَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَ هٰاجَرُوا وَ جٰاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولٰئِكَ مِنْكُمْ وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْليٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ «2»، و قال سبحانه في سورة الأحزاب: النَّبِيُّ أَوْليٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْوٰاجُهُ أُمَّهٰاتُهُمْ وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْليٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُهٰاجِرِينَ إِلّٰا أَنْ تَفْعَلُوا إِليٰ أَوْلِيٰائِكُمْ مَعْرُوفاً كٰانَ ذٰلِكَ فِي الْكِتٰابِ مَسْطُوراً «3».

و مقتضي السياق في الآية الأولي إرادة الأولوية في الحياة بالمناصرة و المؤازرة.

كما أن مقتضي سوق الثانية في سياق ولاية النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إرادة الأولوية في التصرف في الحياة أيضا، إلا أن العلم بعدم ثبوتها في حق الأرحام إلا نادرا- كما في حال الصبي

______________________________

(1) الأنفال الآية: 75، الأحزاب الآية: 6.

(2) الأنفال الآية: 72- 75.

(3) الأحزاب الآية: 6.

ص: 104

______________________________

- مانع من الحمل عليها، و ملزم بحملها علي الأولوية في الميراث، كما يناسبه- مضافا إلي الاستشهاد بها عليه في كثير من النصوص- الاستثناء الظاهر فيما يدفع من دون استحقاق، و يشهد به موثق حنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت له: أي شي ء للموالي؟

فقال: ليس لهم من الميراث إلا ما قال اللّه تعالي ذكره: إِلّٰا أَنْ تَفْعَلُوا إِليٰ أَوْلِيٰائِكُمْ مَعْرُوفاً» «1».

و لا مجال مع ذلك لجعل حذف المتعلق قرينة علي عموم الأولوية، ليتم الاستدلال به في المقام. كما لا يصلح استدلال الفحول لجبر ضعف الدلالة.

لكنه قد يدفع: بأن إرادة الأولية في خصوص النصرة و المؤازرة من الأولي و في خصوص الميراث من الثانية لا يناسب وحدة لسانهما و حذف المتعلق فيهما، كما لا يناسب جعل الثانية في سياق ولاية النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم. و لذا يقرب كون المراد بهما معا ما هو المرتكز خصوصا في عرف العرب الذين نزلت الآية خطابا لهم من تعيين الأرحام للولاية عن الإنسان في كل ما يحتاج فيه للولي مما له، كالتركة و المنصب، أو عليه، كقضاء الدين و نحوه و المؤازرة و النصرة، و منه المقام.

و يناسبه الاستشهاد بهذه الجملة الشريفة في جملة من النصوص لجريان الإمامة في ولد الحسين عليه السّلام من بعده دون ولد الحسن و غيرهم من الهاشميين و أنها في الأعقاب لا تعود في أخ و لا عم «2»، و لا سيما مع عدم التعرض في أكثرها لتعيين إحدي الآيتين، المناسب لوحدة المراد بها. نعم لا بد من الفراغ عن الحاجة للولي و لو استحبابا، كما ذكرناه في ردّ الاستدلال بها لوجوب الرجوع للولي في واجبات التجهيز.

ثانيهما: أنه لا يقتضي أولوية الرحم الأقرب من الأبعد، كما هو مبني الترجيح بالميراث، بل أولوية ذوي الأرحام من غيرهم. و يؤكد ذلك الاستشهاد به لذلك في النصوص، كصحيح محمد بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اختلف أمير المؤمنين عليه السّلام و عثمان بن عفان في الرجل يموت و ليس له عصبة يرثونه و له ذو

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب ميراث ولاء المعتق حديث: 4.

(2) الكافي باب ثبات الإمامة في الأعقاب و أنها لا تعود في أخ و لا عم و لا غيرهما من القرابات. حديث: 1.

و باب ما نص اللّه عز و جل و رسوله علي الأئمة عليهم السلام واحدا فواحدا حديث: 1، 2، 7. ص:

285- 291 الطبعة الحديثة.

ص: 105

______________________________

قرابة لا يرثون [و ليس لهم سهم مفروض «1»] فقال علي عليه السّلام: ميراثه لهم، يقول اللّه تعالي: وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْليٰ بِبَعْضٍ و كان عثمان يقول: يجعل في بيت مال المسلمين» «2»، و غيره «3».

و يندفع: بأن ذلك و إن كان مقتضي الجمود علي مدلوله اللفظي، إلا أن مناسبة الحكم و الموضوع كما تقتضي ترجيح الرحم علي غيره تقتضي ترجيح أقرب الأرحام علي بعيدهم، بنحو يستفاد من الآية عرفا تبعا، بحيث يكون مدلولها ترجيح القريب علي البعيد مطلقا، كما يناسبه النصوص المشار إليها آنفا المستدل فيها بالعموم المذكور لتعيين الإمامة في ولد الحسين عليه السّلام من بعده، و النصوص المستدل فيها به لحجب أقرب الأرحام لأبعدهم عن الميراث، كخبر الفضل بن يسار: «سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: و اللّه ما ورث رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله العباس و لا علي عليه السّلام، و لا ورثته إلا فاطمة عليها السّلام، و ما كان أخذ علي عليه السّلام السلاح و غيره إلا لأنه قضي دينه. ثم قال وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْليٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ» «4».

و من هنا لا يبعد نهوض العموم المذكور بتعيين من له الولاية علي تجهيز الميت.

و يؤيده استدلال جماعة من أعاظم الأصحاب رضي اللّه عنهم بها في المقام بنحو يظهر في وضوح دلالتها عليه عندهم، كوضوح دلالتها في الميراث، حيث يقرب كشف ذلك عما ذكرنا من كون ذلك هو المفهوم العرفي منها بلا حاجة إلي تكلف التأويل و التوجيه.

كما قد يناسبه استدلال عامة قريش علي أولويتهم بالإمامة بأنهم شجرة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و تعقيب أمير المؤمنين عليه السّلام علي ذلك بأنهم احتجوا بالشجرة و أضاعوا الثمرة، و استدلال بني العباس بذلك لأنفسهم، حيث لا يبعد اعتماد الكل علي الكبري المذكورة. بل استدل بعض شيعة بني العباس بالآية نفسها. فلاحظ.

______________________________

(1) هذه الزيادة مأخوذة من مرسلة العياشي [الوسائل باب: 8 من أبواب موجبات الإرث حديث: 9] و بها يتم المعني. (منه عفي عنه)

(2) الوسائل باب: 5 من أبواب ميراث الأعمام و الأخوال حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب ميراث الأعمام و الأخوال حديث: 3 و باب: 5 منها حديث: 6 و باب: 1 من أبواب ميراث ولاء العتق حديث: 3، 5.

(4) الوسائل باب: 4 من أبواب ميراث الأبوين و الأولاد حديث: 4.

ص: 106

______________________________

هذا، و يظهر من الفقيه الهمداني قدّس سرّه تقريب الاستدلال بالآية الشريفة بأن الولاية علي تجهيز الميت من سنخ الحقوق، فتكون بمنزلة الميراث. لكنه يشكل بأن الحقوق إنما تكون بمنزلة الميراث إذا كانت ثابتة للميت حال حياته، لتكون من تركته بعد وفاته، دون ما إذا كانت حادثة بعد وفاته، كما في المقام.

و أشكل من ذلك ما ذكره من كون هذا هو الوجه في استدلال الأصحاب بالآية الشريفة. لوضوح أن هذا الوجه لو تم محتاج إلي عناية و تنبيه بنحو لا يناسب مساق استدلالهم بها. فالعمدة ما سبق.

نعم، ليس مقتضاه دوران الولاية مدار الإرث- كما قد يظهر من جملة من عباراتهم- فضلا عن أخذه في موضوعها، بل جعلها للأقرب دون الأبعد. و ذلك هو المعيار النوعي في الميراث، و إن كان قد يخرج عنه تخصيصا، كما في ميراث الزوجين، أو لتطبيق الشارع الأقربية بعناية تخفي علي العرف، كما لعله في مثل تقديم ولد الولد علي الجد، و ابن الأخ و الأخت علي العم و الخال.

الثاني: ما أشار إليه شيخنا الأعظم قدّس سرّه

من أنه مقتضي ما ورد في قضاء الولي عن الميت ما فاته من صوم و صلاة من الجمع بين تكليف ولي الميت أو الأولي به بذلك، و تكليف الأولي بميراثه به، فمن الأول صحيح الصفار: «كتبت إلي الأخير عليه السّلام:

رجل مات و عليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيام و له وليان هل يجوز لهما أن يقضيا عنه جميعا خمسة أيام أحد الوليين و خمسة أيام الآخر؟ فوقع عليه السّلام: يقضي عنه أكبر ولييه عشرة أيام ولاء عشرة أيام إن شاء اللّه» «1» و صحيح حماد عمن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن الرجل يموت و عليه دين من شهر رمضان من يقضي عنه؟

قال: أولي الناس به. قلت: و إن كان أولي الناس به امرأة؟ قال: لا إلا الرجال» «2» و نحوهما غيرهما «3».

و من الثاني صحيح حفص بن البختري عنه عليه السّلام: «في الرجل يموت عليه صلاة أو صيام. قال: يقضي عنه أولي الناس بميراثه. قلت: فإن كان أولي الناس

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، مصباح المنهاج - كتاب الطهارة، 6 جلد، مؤسسة المنار، قم - ايران، ه ق مصباح المنهاج - كتاب الطهارة؛ ج 6، ص: 107

______________________________

(1) الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 6.

(3) الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 7، 13. و باب: 12 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 6، 18.

ص: 107

______________________________

به امرأة؟ قال: لا إلا الرجال» «1». فإن مقتضي الجمع بين الطائفتين أن أولي الناس بالإنسان هو أولي الناس بميراثه.

و أما ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه- و أشار إليه في الجواهر- من أن تفسير الأولي بالأولي بالميراث في القضاء لا يقتضي تفسير الأولي به هنا، لعدم التلازم بين المقامين. مضافا إلي أن المشهور، بل كان يكون مسلما بينهم تخصيص القضاء بالولد الذكر الأكبر، فكيف يمكن حمل المقام عليه؟!.

فيندفع بأن الذي فسر بالأولي بالميراث ليس هو الأولي بالقضاء عن الميت، كي لا يلزم من تفسيره به تفسير الأولي بتجهيزه به، بل هو الأولي بالميت الذي هو موضوع كل من الأولوية بالقضاء و الأولوية بالتجهيز في النصوص، فلا بد من العمل به في تحديد الموضوع الواحد لكلا الحكمين، و إن كان دليله واردا في الأول. كما أن اختصاص القضاء بالولد الأكبر لو تم ليس لاختصاص الولي أو الأولي به، لصراحة بعض النصوص المتقدمة في إمكان تعدد الولي و كونه امرأة، بل لدليل خارجي لا دخل له بتفسير الأولي و الولي الذي هو محل الكلام.

الثالث: أنه مقتضي نصوص المقام المتضمنة إيكال الأمر للأولي.

قال شيخنا الأعظم قدّس سرّه: «فإن المراد إن كان أولي الناس بإرثه ثبت المطلوب، و إن كان الأولي به من كل جهة- كما يدل عليه حذف المتعلق- فيستكشف من أولوية الوارث بالإرث كونه أولي بالميت في جميع الأمور، إذ لا يمكن فرض كون غيره كذلك، و إلا لكان ذلك الغير وارثا».

و يشكل: بأن أحكام الميت مختلفة من حيثية الولي، فالأولي بالإرث جميع أهل الطبقة الأولي من الأرحام و أحد الزوجين، و الأولي بالحبوة خصوص الولد الذكر الأكبر، و الأولي بالقضاء عنه هو أو مطلق الولي الأكبر الرجل، و الأولي بإنفاذ الوصية الوصي، و ليس هناك من هو أولي به في جميع شئونه كي يمكن حمل الكلام عليه بقرينة حذف المتعلق. و الحمل علي خصوص الأولي بالميراث ليس بأولي من الحمل علي الأولي بغيره. بل الظاهر منه إرادة الأولي بالميت نفسه، و يراد به عرفا عمن يتولي شئونه و يقوم مقامه في كل ما من شأنه أن يحتاج فيه إلي ولي، كما تقدم في الاستدلال

______________________________

(1) الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 5.

ص: 108

______________________________

بالآية الشريفة.

و أما ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه: من أنه لا يراد بالأولي بالميت في نصوص المقام الأولي به نفسه، بل الأولي بشأن من شئونه، فلم يتضح وجهه بعد أن كان يصح عرفا أن ينسب الأولي للشخص نفسه بلحاظ المعني الذي ذكرناه من غير حاجة للتقدير، و منه الآية الشريفة و قوله تعالي: النَّبِيُّ أَوْليٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ «1» و غيرهما.

و مثله ما ذكره بعد ذلك من احتمال أن يراد بالنصوص فعلية هذه الأفعال، و يكون المراد بالأولي بالميت من له ولاية ذلك شرعا، قال: «يعني: يغسل الميت مثلا من له ولاية ذلك شرعا، أو يأمر بالتغسيل من له ولاية هذه الأفعال. و حينئذ تكون النصوص مجملة، لإجمال من له ولاية هذه الأفعال.

نعم، قد يكون مقتضي الإطلاق المقامي تنزيله علي من له ولاية ذلك عرفا». إذ فيه: أن النصوص المذكورة لما كانت واردة لبيان من له الفعل فلا فائدة في اسناده للولي الشرعي، بل لا بد من حمله علي أمر آخر. كما لا مجال لرفع الإجمال- لو سلم- بالإطلاق المقامي، لأن مقتضي الإطلاق المذكور الرجوع للعرف في تشخيص الموضوع الذي يطلعون علي تشخيصه، و لا اطلاع للعرف علي تشخيص الولي الشرعي، و إنما يتجه الرجوع لهم لو كان الموضوع هو الأولي بماله من مفهوم عرفي، لا بقيد كونه شرعيا.

و كيف كان، فلا مخرج عما ذكرنا من أن المراد الأولي بالميت بنفسه، و حيث لم يشخص في النصوص يكون مقتضي إطلاقها المقامي الرجوع في تشخيصه للنصوص.

و الظاهر أن المدار فيه عندهم علي القرب و شدة العلاقة.

و لعله لذا قال في المدارك في مبحث الغسل ردا علي الأصحاب «و لا يبعد أن يراد بالأولي بالميت هنا أشد الناس به علاقة، لأنه المتبادر. و المسألة محل توقف». و في مبحث الصلاة بعد ردّ أخبار الرجوع للولي بضعف السند: «و مع ذلك فليس فيها تصريح بأن المراد بالأولوية في الميراث … و لو قيل: إن المراد بالأولي هنا أمس الناس بالميت رحما و أشدهم به علاقة، من غير اعتبار بجانب الميراث، لم يكن بعيدا».

و عن المفاتيح: «الأظهر أن المراد بالأولي أشدهم به علاقة، لأنه المتبادر». بأن

______________________________

(1) الأحزاب الآية: 6.

ص: 109

______________________________

لا يكون مرادهما تفسير الأولي بالأقرب علاقة، بل مفهومهما ما ذكرنا مع جعل المعيار في تحديد مصداقهما أقربية العلاقة، لأنها هي المعيار عند العرف الذين يرجع إليهم في تشخيص الموضوع عند عدم البيان الشرعي.

و لو تم ذلك فلا مجال لما أورده في الحدائق علي صاحب المدارك من ابتناء ما ذكره علي أن المراد بالأولي معني التفضيل الذي لا يصدق إلا بلحاظ شدة العلاقة، مع أن الظاهر سوق الأولي بالميت للكناية عن ملكية التصرف و السلطنة عليه، لأن ذلك هو معني الأولي لغة، و هو لا يقبل التفضيل، بل الإنسان إما أن يملك التصرف أو لا يملكه.

لاندفاعه حينئذ بأنه إنما يتجه لو كان مراد صاحب المدارك تفسير مفهوم الأولي لا تحديد مصداقه تبعا لما عليه العرف.

و أما ما في الجواهر من أن الأخبار صريحة في إرادة التفضيل و أن الأصحاب لم ينكروا ذلك، علي معني أن الأحق بالإرث مقدم علي غيره. فهو كما تري، لأن صيغة التفضيل كثيرا ما تجرد عن إفادته، و منه المقام و نظائره، لوضوح أنه لا ولاية علي الميت لغير الأولي به، و لا أرث لغير الأحق به. فالعمدة ما ذكرنا.

نعم، قد يشكل ما في المدارك و المفاتيح بأنه إن كان المراد بشدة العلاقة شدة العلاقة الاجتماعية المسببة عن العشرة و التعاون و التآلف و التوادد و نحوها فالظاهر عدم كونها معيارا عند العرف في الولاية و الأولوية.

و إن كان المراد بها شدة العلاقة النسبية و الرحمية لقربها و قوتها لم يبعد عما عليه الأصحاب، لما هو المعلوم من أن الأمس رحما هو الوارث غالبا و إن أمكن اختصاص الإرث ببعضهم و مشاركة غيرهم لهم كالزوجة أو منع الأقرب منهم ببعض الموانع مما لا يظن بصاحبي المدارك و المفاتيح البناء علي الولاية معها. و يأتي الكلام في حكم ذلك إن شاء اللّه تعالي.

و بالجملة: لا يبعد بناء العرف علي أن الأقرب رحما هو الأولي بالميت غالبا، فينصرف إليه الكلام بمقتضي الإطلاق المقامي. لكن لا مجال للرجوع للإطلاق المقامي بعد ما عرفت من نهوض الوجهين الأولين بتعيين الولي و الأولي إلا في المورد الذي يقصران عنه. فلا بد من تحديد مفادهما.

ص: 110

______________________________

و لا يخفي أن مقتضي الجمود علي الآية الشريفة أن الولي هو الأقرب رحما للميت و إن لم يكن وارثا لمانع من رق أو قتل أو كفر، أو لكون الميت عبدا ميراثه لمولاه، أو حجب بمن ليس أقرب عرفا، كحجب ابن الابن للجد و الأخ، كما لا ولاية لغيره و إن ورث معه، كالزوجة. كما أن مقتضي نصوص القضاء عن الميت أن الولي هو الوارث و إن لم يكن هو الأقرب رحما.

لكن لا مجال للبناء علي ولاية الرحم إذا كان رقا، لعموم عدم سلطنة العبد، نظير ما تقدم في الفرع الخامس من فروع ولاية الزوج. و كذا إذا كان الميت رقا، لانصراف الآية عنه، تبعا لاختصاص القضية التي تضمنتها بغيره، بل الأولي به عرفا في حياته و بعد وفاته هو مالكه. و لا سيما مع أن أظهر آثار أولوية أولي الأرحام هو الميراث، و عدم أولوية الرحم فيه مع رقية الميت من الوضوح بحدّ قد تصلح للقرينية المانعة من انعقاد ظهور الآية في العموم له.

و كذا ما تضمن مانعية القتل و الكفر من الميراث. بل المناسبات الارتكازية تقتضي استفادة مانعيتهما من ولاية التجهيز مما دل علي مانعيتهما من الميراث، لارتكاز أن مبني مانعية القتل من الميراث الحرمان و العقوبة، و مبني مانعية الكفر منه انقطاع العصمة، و هما بالمانعية من الولاية علي التجهيز أنسب.

و لا أقل من صلوح ما ذكرنا لترجيح عموم أولوية الأولي بالميراث المستفاد من نصوص قضاء الولي علي عموم أولوية أولي الأرحام المستفاد من الآية الشريفة، فيحكم الأول في هذه الموارد و يحمل الثاني علي بيان مقتضي الأولية و إن لم تكن فعلية في الموارد المذكورة.

بل لا يبعد بسبب ذلك تحكيمه في حجب الرحم بمن ليس أقرب منه عرفا، لكشف ذلك عن أقوائيته من عموم الآية، و لا سيما مع قرب ابتناء حجبه علي أقربية الحاجب بنظر الشارع، لأقوائية علاقته، و إن خفي ذلك علي العرف، فيخرج عن عموم الآية موضوعا. فلم يبق إلا الزوجة إذا لم تكن أقرب، حيث يكون مقتضي عموم الآية الشريفة عدم ولايتها، و مقتضي العموم الآخر ولايتها مع بقية الورثة، و لا يبعد تقديمه لما سبق من أقوائيتة بسبب كثرة التخصيص في الآية. و لا سيما مع

ص: 111

______________________________

اعتضاده أو تأييده بظهور تسالم الأصحاب علي أولوية الأولي بالميراث. فتأمل.

هذا، كله مع وجود الأرحام، و أما مع عدمهم و انتقال الميراث لغيرهم فينفرد في المقام عموم أولوية الأولي بالميراث، معتضدا بالإطلاق المقامي، الذي تقدم تقريبه في الوجه الثالث للاستدلال، حيث لا إشكال في اقتضائه أولوية المالك، ثم العتق، ثم ضامن الجريرة، لبناء العرف علي ذلك. بل لا يبعد اقتضاؤه أولوية الإمام عند انحصار الوارث به.

و قد ظهر من جميع ما تقدم أن ولاية المالك مع وجود الأرحام و عدمهم مستفادة من عموم أولوية الأولي بالميراث و من الإطلاقات المقامية، و لا تتوقف علي قاعدة السلطنة التي لا يخلو الاستدلال بها عن إشكال، علي ما تقدم عند الاستدلال عليها قبل الكلام في ولاية الأرحام. فراجع.

كما ظهر أنه لو سقطت الطبقة الأولي عن الولاية لأحد الموانع المتقدمة تعينت الطبقة التي بعدها للولاية، لأنها هي الوارثة فتدخل في عموم ما تضمن أن الأولي بالميت هو الأولي بميراثه. بل لا يبعد دخولها في عموم أولوية أولي الأرحام، لأنه و إن اقتضي أولوية الأقرب دون الأبعد، إلا أن اقتضاء ذلك لما لم يكن لاختصاص الملاك به، بل لترجيحه علي غيره بسبب أقوائية العلاقة فمع فرض سقوطه عن الولاية يستفاد عرفا ثبوتها للأقرب من بعده، لتحقق المقتضي فيه و هو الرحمية من دون مزاحم يقتضي ترجيح غيره عليه.

و لا يبعد بناء العرف علي ذلك أيضا، فيكون مقتضي الإطلاق المقامي لأدلة المقام. هذا ما تقتضيه الأدلة العامة المتقدمة. و ربما يظهر من النصوص و كلمات الأصحاب خلافه في بعض الموارد، و يأتي الكلام فيه عند الكلام في فروع ترتيب الطبقات إن شاء اللّه تعالي. و منه سبحانه نستمد العون و التوفيق.

بقي شي ء:

و هو أنه قال في الجواهر: «و قد يظهر من بعض متأخري علماء البحرين هنا أن المراد بالولي المحرم من الوارث، لا مطلقه، و مع تعدده فالترجيح لأشدهم علاقة به، بحيث يكون هو المرجع له في حياته و المعزي عليه بعد وفاته.

و كأنه لظهور أخبار الباب في كون الولي ممن له مباشرة التغسيل فعلا و لو عند عدم

ص: 112

______________________________

المماثل، كقوله عليه السّلام: يغسله أولي الناس به «1»، و في موثقة الساباطي: الصبية يغسلها أولي الناس بها من الرجال «2»، و في الحسن: تغسله أولاهن به «3». فلا يتم حينئذ إرادة مطلق الوارث.

و قد يستأنس له أيضا بإطلاق الولي علي خصوص المحرم في بعض أخبار حج المرأة من دون وليها. كما أنه علل ما ذكره من الترجيح المتقدم مع فرض التعدد بما ورد من أخبار تولي الباقر عليه السّلام أمر ابن ابنه «4»، و الصادق عليه السّلام أمر اسماعيل «5»، دون الصادق عليه السّلام في الأول، و أولاد اسماعيل في الثاني. و ما ذاك إلا لأنهما المرجع في ذلك، و دخول الجميع تحت عيلولتهما هناك».

و الكل كما تري! لأن النصوص الثلاثة الأول لم تتضمن اعتبار المحرمية في الولي، و مجرد أمر الولي بالتغسيل لا يدل علي شرطية قدرته علي المباشرة في ولايته، لإمكان تقييد الأمر بصورة مشروعية مباشرته.

و أصالة العموم إنما تنهض في إثباته بالإضافة إلي الحكم الذي يرد الكلام لبيانه، لا لما يستفاد تبعا منه خصوصا إذا كان علي خلاف أصالة العموم، كما في المقام، لأن اعتبار المحرمية في الولي خلاف عموم الأدلة المتقدمة، و ليس تخصيصها بأولي من تقييد هذه الأدلة بل تخصيص هذه اولي بلحاظ ما ذكرنا من عدم سوق هذه الأدلة لبيان شروط الولي.

علي أن الثاني قد يحمل علي الصبية التي لا تبلغ السن الذي يعتبر معه المماثلة في المغسل. كما قد يحمل هو و الثالث علي الضرورة التي قد يدعي عدم اعتبار المماثلة معها تبعا لبعض النصوص، علي ما يذكر في محله.

و أما ما ورد في الحج فلعل المراد به صحيح صفوان: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

قد عرفتني بعملي، تأتيني المرأة أعرفها بإسلامها و حبها إياكم و ولايتها لكم ليس لها

______________________________

(1) الوسائل باب: 26 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 20 من أبواب غسل الميت حديث: 11.

(3) الوسائل باب: 20 من أبواب غسل الميت حديث: 6.

(4) الوسائل باب: 85 من أبواب الدفن حديث: 6.

(5) الوسائل باب: 29 من أبواب التكفين حديث: 2، 1.

ص: 113

______________________________

محرم. قال: إذا جاءت المرأة المسلمة فاحملها، فإن المؤمن محرم المؤمنة. ثم تلا هذه الآية:

وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِنٰاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ» «1»، و من الظاهر أن المراد بكون المؤمن محرم المؤمنة التوسع و المجاز لبيان جواز حمله لها و رعايته إياها كما يرعاها محرمها، و هو المراد بالولي في الآية، لا أنه محرم حقيقي، و لا الولي الذي يملك التصرف الذي هو المراد في المقام.

و بالجملة: لا تنهض الأدلة المتقدمة بإثبات اعتبار إمكان المباشرة في الولي، بل لا يمكن البناء علي ذلك، لأن لازمه ترجيح النساء في بعض الفروض علي الرجال في الولاية، و لا يظن منهم البناء علي ذلك.

و أما ما أشير إليه من تولي الباقر عليه السّلام أمر ابن الصادق عليه السّلام و تولي الصادق عليه السّلام أمر اسماعيل فهو قضية خارجية لا إطلاق لها ينفع في المقام، لإمكان ابتنائهما علي معلومية رضا باقي الأولياء بتصرف كبير العائلة، أو علي إعمال ولايتهما العامة في عائلتهما.

فلا مخرج عما ذكرناه آنفا من أن شدة العلاقة غير النسبية ليست معيارا عند العرف.

علي أن عدم الإشارة في كلام جمهور الأصحاب لمثل هذه التفاصيل كاف في عدم البناء عليها بعد ظهور كثرة الابتلاء بالمسألة المانع عادة من خفاء حكمها عليهم. فلاحظ.

تذنيبان:
الأول: قال في كشف اللثام: و عن أبي علي يعني ابن الجنيد أن الأولي بالصلاة علي الميت إمام المسلمين، ثم خلفاؤه، ثم إمام القبيلة.

و في الكافي: أولي الناس بإمامة الصلاة إمام الملة، فإن تعذر حضوره و إذنه فولي الميت أو من يؤهل للإمامة. و يجوز أن لا يخالفا المشهور. لكن يسمع الآن تقديم أبي علي الجد علي الابن. و هو ظاهر في أنه لا يري أولوية الأولي بالميراث مطلقا. و في الجواهر: أنه حكي عن ابن الجنيد تقديم الجد علي الأب أيضا. و كأن حمل كلامهما علي ما لا يخالف المشهور بتنزيله علي الأولوية في المباشرة، لا في الولاية التي هي محل الكلام. لكنه لا يناسب ما حكاه عن الكافي من تفريع أولوية الولي علي تعذر حضور الإمام و إذنه معا.

______________________________

(1) الوسائل باب: 58 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 1.

ص: 114

______________________________

و كيف كان، فقد يستدل علي تقدم إمام الأصل الحق رتبة في الولاية بأنه أولي بالمؤمنين من أنفسهم، و يتفرع عليه تقدم ولاية ولاته و نوابه الخاصين، بل العامين- لو قيل بسعة نيابتهم لذلك- لأن الوكيل يقوم مقام الأصيل.

لكن عموم ولايته و إن كان مسلما، كما أنه مقدم علي جميع أدلة السلطنة و الولاية من دون خصوصية للولاية علي الميت، إلا أن ولايته المذكورة ليست بنحو تقتضي وجوب الرجوع إليه و لزوم استئذانه، بل عدم جواز مخالفته، كما هو المعلوم من السيرة و غيرها مما تضمن استقلال الكامل في التصرف في نفسه و ماله و ما وليّ عليه. فهو مساوق لما دل علي وجوب طاعته، و لقوله تعالي: وَ مٰا كٰانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لٰا مُؤْمِنَةٍ إِذٰا قَضَي اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ «1»، و ذلك خارج عن محل الكلام.

كما أن الظاهر أن نصبه لولاته و نوابه الخاصين فضلا عن العامين- لو ثبت نيابتهم عنه- ليس بنحو يقتضي قيامهم مقامه في المولوية المذكورة، كيف و لم يكن مبناه علي التصدي لها في تصرفاته إلا نادرا كما يناسبه موثق السكوني المتقدم عند الكلام في لزوم الرجوع للولي في أحكام الميت.

و أما تقديم الجد علي الأب فقد يستدل له بما تضمن تولي الإمام الباقر عليه السّلام أمر ابن الصادق عليه السّلام الذي تقدمت الإشارة إليه في ذيل الكلام في ولاية الأرحام عند التعرض لما حكاه في الجواهر عن بعض علماء البحرين. و يظهر ضعفه مما تقدم.

كما قد يستدل له بما تضمن من النصوص أن الجد أولي من الأب في تزويج البكر مستدلا في بعضها بقوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم: «أنت و مالك لأبيك»، و معللا في آخر بأنها و أباها للجد «2». و مقتضاهما تقدمه علي الولد أيضا، خصوصا بناء علي ما يأتي الكلام فيه من تقدم الأب عليه.

و يشكل: بأنه لا مجال للتعدي عن مورد النصوص للمقام. و أما النبوي

______________________________

(1) الأحزاب الآية: 36.

(2) الوسائل باب: 11 من أبواب عقد النكاح و أولياء العقد حديث: 8، 5. و بقية النصوص المذكورة في الباب المذكور.

ص: 115

______________________________

و التعليل فهما- مع قرب انصرافهما للشئون المتعلقة بالحياة، دون ما بعد الموت، الذي هو محل الكلام- مستلزمان لولاية الأب و الجد علي البالغ الرشيد، بل ملكهما لماله، و حيث يتعذر البناء علي ذلك يتعين الخروج عن ظاهرهما و حملهما علي الحكم الأدبي، كما يناسبه ما في صحيح الحسين بن أبي العلاء: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما يحل للرجل من مال ولده؟ قال: قوته [قوت] بغير سرف إذا اضطر إليه. قال: فقلت له: فقول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله للرجل الذي أتاه فقدم أباه، فقال له: أنت و مالك لأبيك.

فقال: إنما جاء بأبيه إلي النبي صلّي اللّه عليه و آله فقال: يا رسول اللّه هذا أبي و قد ظلمني ميراثي عن أمي فأخبره الأب أنه قد أنفقه عليه و علي نفسه، و قال: أنت و مالك لأبيك، و لم يكن عند الرجل شي ء. أو كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يحبس الأب للابن؟!» «1».

و لا بد أن يكون الاستشهاد بالنبوي و التعليل بما تقدم لإسكات الخصم أو الإقناع بالحكم ببيان الحكمة دون العلة التي يدور الحكم مدارها وجودا و عدما، أو نحو ذلك، و إن كان مخالفا لظاهره.

و بالجملة: لا مجال للاستدلال بعمومهما في المقام، فضلا عن الخروج بهما عما تقدم مما يقتضي تأخر الجد عن الأب و الولد في الولاية، لأنهما أقرب منه رحما للميت و أولي بميراثه. و أما أولوية إمام القبيلة- لو أريد بها أولويته في الولاية لا في المباشرة- فهي خالية عن الدليل و مخالفة لما تقدم.

الثاني: فهل المدار علي استئذان جميع أهل الطبقة حتي لو كان المتولي بعضهم، أو يكتفي بإذن أحدهم مطلقا، أو أنه ما لم يمنع غيره

قال في الجواهر: ثم إنه حيث ظهر أن المتجه ما ذكره الأصحاب …

فهل المدار علي استئذان جميع أهل الطبقة حتي لو كان المتولي بعضهم، أو يكتفي بإذن أحدهم مطلقا، أو أنه ما لم يمنع غيره. وجوه أحوطها الأول إن لم يكن أقواها. و إن كان يمكن أن يؤيد ما بعده بصدق اسم الولي علي كل واحد منهم، فيكتفي بإذنه، لاندراجه تحت الأدلة حينئذ، سيما الثالث، أي مع عدم منع غيره. فتأمل».

و لعله إنما أمر بالتأمل لأن نصوص المقام لا تتضمن تعيين الولي إلا بلحاظ الإطلاقات المقامية أو بضميمة الأدلة الشارحة للولي بالأولي بالميت و الأولي بميراثه، و من الظاهر أن مقتضي ذلك عدم صدق الولي علي كل واحد من أهل الطبقة بانفراده،

______________________________

(1) الوسائل باب: 78 من أبواب ما يكتسب به حديث: 8.

ص: 116

و الأولاد (1)، ثم الثانية (2)، و هم الأجداد (3) و الإخوة (4)، ثم الثالثة (5)،

______________________________

بل علي المجموع بما هو مجموع، لبناء العرف علي ذلك، فيكون مقتضي الإطلاقات المقامية، و لعدم صدق الأولي بالميت و بميراثه عليهم إلا كذلك. و أظهر من ذلك ما تضمن من نصوص المقام عنوان الأولي بالميت.

و منه يظهر تعين الوجه الأول. و أما الثالث فهو و إن كان أحوط من الثاني إلا أنه أضعف منه، لأنه إن فرض صدق الولي علي أحدهم تعين الاكتفاء بإذنه و إن منع غيره، لأن النصوص لم تتضمن المنع عن مخالفة الولي، بل لزوم وقوع الواجبات بإذنه، و المفروض صدقه بإذن أحدهم.

نعم، لا إشكال في الاكتفاء بإذن المتولي لأمر الميت منهم أو من غيرهم إذا علم أن توليه بإذنهم، لقيامه حينئذ مقامهم. بل و كذا لو احتمل ذلك، حملا له علي الصحة، كسائر من يتصرف فيما تحت يده لو احتمل ثبوت السلطنة له عليه و لو لإذن صاحب السلطنة له.

(1) و إن نزلوا، لقيام أولاد الأولاد مقام آبائهم في الميراث، فيشملهم ما دل علي أولوية الأولي بالميراث. و به يخرج عن عموم أولوية الأقرب رحما و عن الإطلاقات المقامية المقتضية لأولوية الأب في المقام و كونهم في مرتبة الجدّ و الاخوة.

نعم، لا بد في ولايتهم من فقد من يترقبون به له، لاختصاص ميراثهم منه بذلك. معتضدا بحديث الكناسي الآتي. كما أنه بناء علي ما يأتي الكلام فيه في المسألة اللاحقة من ترجيح الأب علي الأولاد يلزم تقدمه عليهم، فيكونون بينه و بين الطبقة الثانية في الميراث.

(2) كما هو مقتضي عموم أولوية الأولي بميراثه. و يقتضيه في الجملة أيضا عموم ما تضمن أولوية الأقرب رحما للميت المطابق للإطلاقات المقامية. و إن كانت بعض التفاصيل لا تناسبهما، كما يأتي.

(3) و إن علوا علي نحو ما تقدم في أولاد الأولاد.

(4) و يقوم أولادهم مقامهم، علي نحو ما تقدم في أولاد الأولاد.

(5) لما تقدم في الطبقة الثانية.

ص: 117

و هم الأعمام و الأخوال (1)، ثم المولي المعتق (2) و ضامن الجريرة (3)، ثم الحاكم الشرعي (4).

(مسألة: 3) البالغون في كل طبقة مقدمون علي غيرهم (5). و الذكور

______________________________

(1) و يقوم أولادهم مقامهم علي نحو قيامهم مقامهم في الميراث.

(2) يعني: الذي له الولاء. لما تقدم من عموم أولوية الأولي بالميراث و الإطلاقات المقامية.

(3) لما تقدم في الولي المعتق.

(4) حيث سبق أن مقتضي عموم أولوية الوارث هو ولاية الامام، فحيث يتعذر الرجوع إليه لغيبة امام العصر عليه السّلام إن تم عموم نيابة الحاكم الشرعي عن الامام يتعين استئذانه، و إن لم يتم- كما تقدم في المسألة الرابعة و العشرين من مباحث الاجتهاد و التقليد- جري في المقام ما يأتي في المسألة الرابعة من هذه المباحث.

مسألة: 3 فروع تعيين الأولياء

(5) لما هو المعلوم المتسالم عليه بينهم ظاهرا من عدم ولايته بنفسه لأن المستفاد من النصوص الواردة في الموارد المتفرقة عموم عدم أهليته للاستقلال بالتصرف إلغاء لخصوصية مواردها عرفا. بل ثبوت عدم سلطنته علي التصرف في نفسه بمثل النكاح و الطلاق و في ماله قد يقتضي عدم ولايته علي غيره بالأولوية العرفية. و منه يظهر أن تقديم البالغ في المقام ليس لترجيحه مع تمامية مقتضي الولاية في الصبي، بل لقصور الصبي عن مقام الولاية. و لذا لا يتولي أمر الميت لو انحصر الميراث به.

هذا، و قد احتمل في جامع المقاصد و الروض و كشف اللثام قيام وليه مقامه، و إن لم يظهر منهم التعويل علي الاحتمال المذكور. و يشكل باختصاص ولاية الولي بالحقوق المتعلقة بالمولي عليه، سواء كانت له أم عليه، و لم يتضح كون الولاية علي الميت في المقام حقا للولي علي المكلفين، و لا حقا عليه للميت. بل غاية ما يستفاد من الأدلة أخذ نظره قيدا في واجبات التجهيز، و المفروض قصورها عن الصبي، فراجع ما تقدم في الأمر السابع من ملحقات مسألة لزوم استئذان الولي. و تأمل.

مضافا إلي أن الولاية لو كانت من الحقوق فحيث كان مرجعها إلي اعتبار نظر

ص: 118

______________________________

الولي كان موضوع الحق نفس نظره، و هو مما يتعذر قيام الولي به، لأن الولي إنما يقوم بنظر نفسه، لا بنظر المولي عليه.

و بعبارة أخري: دليل ولاية الولي علي القاصر إنما يقتضي قيامه مقامه في السلطنة علي الحق الذي له و عليه، فيبيع ماله و يستوفي دينه و يؤدي الحق عنه و نحو ذلك مما لا يلزم منه تبدل موضوع الحق و لا تقتضي قيامه مقامه في نفس الحق الذي له و عليه بنحو يقتضي تبدل الموضوع، فلو استحق السكني في دار أو استحق عليه القصاص بضرب لم يقم الولي مقامه في السكني و الضرب.

و في المقام لو كانت الولاية من الحقوق فحيث كان موضوع الحق نظر الولي فمع قصوره لا مجال للبناء علي قيام نظر وليه مقام نظره، لاستلزامه تبدل موضوع الحق، لا تبدل موضوع السلطنة مع انحفاظ موضوع الحق.

و هذا يجري في سائر موارد قصور من له الولاية بالأصل، فلا مجال لقيام وليه مقامه في الولاية، بنحو تكون ولايته علي ما يولي عليه بالأصل مقتضي ولايته عليه كما يكون مقتضاها ولايته علي ملكه.

نعم، يمكن أن يكون وليا علي ما يولي عليه بدله في عرض ولايته عليه نفسه، لواجديته لموضوع الولاية علي ذلك الشي ء، كما لو جنّ الأب و قيل بولاية الحاكم الشرعي علي من لا ولي له، فإن ذلك كما يقتضي ولايته عليه يقتضي ولايته علي أولاده، من دون أن تكون ولايته عليهم مقتضي ولايته عليه. و لا مجال لذلك في المقام، لفرض أن موضوع الولاية علي الميت- كالرحمية أو الميراث- مختص بالقاصر، و غير حاصل في وليه. بل يتعين حينئذ اختصاص من في طبقته من الورثة بالولاية.

أما لو انحصر الإرث به فلا يبعد البناء علي ولاية الأقرب من بعده و إن لم يكن وارثا، لأن عموم أولوية الأولي بالميراث و إن كان قاصرا عن المورد، إلا أن عموم أولوية الأقرب رحما يقتضي أولوية الشخص المذكور، بناء علي ما تقدم في آخر الكلام في مقتضي الأدلة العامة من أن العموم المذكور و إن اقتضي أولوية الأقرب- و هو القاصر في المقام دون الشخص المذكور، و المفروض عدم البناء علي مقتضاه- إلا أن اقتضاءه ذلك ليس لاختصاص الملاك بالأقرب، بل لترجيحه علي غيره، بسبب

ص: 119

مقدمون علي الإناث (1).

______________________________

أقوائية العلاقة، فمع فرض سقوطه عن الولاية يستفاد منه عرفا ثبوتها للأقرب من بعده، لعدم المزاحم. بل سبق قرب بناء العرف علي ذلك في تعيين الأولي بالميت، فيكون مقتضي الإطلاق المقامي لأدلة المقام. و بلحاظه يتجه الانتقال للأبعد من طبقات الورثة و إن لم يكن رحما، كالمولي المعتق و ضامن الجريرة و الإمام كما قواه في العروة الوثقي، و إن تردد في جامع المقاصد و الروض و محكي الذكري.

و بما ذكرنا يظهر اندفاع ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه في تقريب عدم ولاية الطبقة المتأخرة من أنه لا ريب في أن القاصر أولي و أمس رحما بالميت ممن بعده، فإذا لم يشمله دليل الولاية لا يشمل من بعده بعد عدم واجديته لموضوع الولاية، لعدم كونه وارثا.

وجه الاندفاع: أن دليل ولاية الوارث لما كان قاصرا عن المقام لم يمنع من ولاية الطبقة المتأخرة إذا كانت مستفادة من الآية بالتقريب المتقدم، و لعل السيرة الارتكازية علي ما ذكرنا. ثم إن الظاهر أن الكلام المتقدم كما يجري في الصبي يجري في غيره من القاصرين، كالمجنون و المغمي عليه و غيرهما ممن ليس بأهل للولاية.

(1) الظاهر عدم الإشكال بينهم في أهلية المرأة للولاية، و ثبوتها لها في الجملة، و لذا تكون الولاية لها عند عدم الذكر في طبقتها جزما، كما في جامع المقاصد. و يقتضيه- مضافا إلي العمومات المتقدمة- صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «قلت: المرأة تؤم النساء؟ قال: لا، إلا علي الميت إذا لم يكن أحد أولي منها … » «1».

و إنما الكلام في ترجح الذكر عليها مع اتحاد الطبقة، حيث صرح بذلك جماعة من الأصحاب إما في جميع الأحكام- كما في القواعد و الروض و الروضة- أو في بعضها، كالغسل- كما في الدروس و محكي التحرير- أو الصلاة- كما في المنتهي و الإرشاد، نافيا الخلاف فيه في الأول- أو فيهما- كما في الشرائع- بنحو لا يبعد أن يكون مراد الجميع العموم. و قد اعترف غير واحد بعدم الدليل عليه بنحو يقتضي الخروج عن مقتضي الأدلة المتقدمة، و إطلاق جماعة من الأصحاب أن الأولي بالميت هو الأولي بميراثه.

______________________________

(1) الوسائل باب: 25 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

ص: 120

______________________________

قال في الجواهر: «نعم قد يشهد له الاعتبار، لكون الرجال غالبا أعقل و أقوي علي الأمور و أبصر بها. إلا أنه لا يصلح لأن يكون مستندا شرعيا». و قال سيدنا المصنف قدّس سرّه: «و تقديم الابن علي الأم في خبر الكناسي «1» - علي ما قيل- لم أجده فيما يحضرني من نسخ الوسائل و الحدائق و الجواهر و مرآة العقول و غيرها».

كما لا مجال للاستدلال عليه بالسيرة، لأنه و إن كان الغالب تولي الرجال أمر الميت، إلا أنه قد لا يكون للبناء علي اختصاص الولاية بهم. بل لإيكال الأمور إليهم من الباقين، لتعلق الغرض لهم بالخصوصيات دون غيرهم، أو لأنهم أبصر، أو لغير ذلك، نظير الإيكال في كثير من الموارد لبعض الرجال، كالأكبر و الأوجه و نحوهما.

بل قد يوكل الأمر لبعض أفراد الطبقة المتأخرة لذلك.

و من ثم يشكل البناء علي الترجيح المذكور. و لا سيما مع قرب كون ذكر جماعة له لبيان الأولوية في المباشرة، نظير تقديم الأقرأ و الأفقه في الإمامة، كما قد يظهر من المبسوط و السرائر، أو الأولوية عند التشاح و الاختلاف، كما احتمله في الجواهر. و مع اضطراب كلام الأصحاب في ذلك و عدم وضوح الدليل عليه لا مجال للخروج عن مقتضي العمومات المتقدمة.

هذا، و قد خص في جامع المقاصد الترجيح المذكور بما إذا كان الميت رجلا، و ظاهره حمل كلام بعض من أطلق- كالعلامة في القواعد- عليه. كما قد ينسب له أن الأولي النساء.

فإن كان مراده الاختصاص المذكور في خصوص التغسيل، أشكل بأن الولاية لا تبتني علي المباشرة، بل علي اعتبار إذن الولي و إن تعذرت مباشرته- كما ذكره في الروض- و لذا نسب لغير واحد من متأخري الأصحاب التصريح بالإطلاق. و لو كان مراده عموم الاختصاص المذكور لجميع أحكام الميت- كما هو مورد كلام القواعد- فهو أشكل.

لكن في المدارك: «و قد يقال: إن الرواية المتقدمة التي هي الأصل في هذا الحكم [يعني: الولاية] إنما تتناول من يمكن وقوع الغسل منه، و متي انتفت دلالتها علي العموم وجب الرجوع في غير ما تضمنته إلي الأصل و العمومات». و مراده بالرواية

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب موجبات الإرث حديث: 2.

ص: 121

و في تقديم الأب في الطبقة الأولي علي الأولاد (1)،

______________________________

موثق غياث: «يغسل الميت أولي الناس به» «1». و يندفع بما تقدم في الاستدلال علي لزوم الرجوع للولي من أن الموثق ليس من أدلة الولاية، فلا يهم اختصاصه بمن له المباشرة.

و بالجملة: لو تم دليل ترجيح الذكور لزم البناء علي مقتضاه عموما أو خصوصا، و تعذر المباشرة لا ينافي العموم.

(1) كما صرح به في الصلاة علي الميت في المبسوط و الخلاف و الوسيلة و السرائر و الشرائع و المنتهي و التذكرة و القواعد و غيرها. و في جامع المقاصد و محكي شرحي الجعفرية أنه المشهور، بل في الخلاف و ظاهر التذكرة الإجماع عليه، و في المدارك: «هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا».

و قد استدل عليه: تارة: بانصراف إطلاق أنه يصلي علي الجنازة أولي الناس بها إليه. و أخري: بأنه أشفق و أرق، فيكون أقرب إلي إجابة الدعاء. و ثالثة: بولايته علي الولد. و رابعة: بما تضمن تولي الصادق عليه السّلام أمر اسماعيل دون أولاده «2».

و الكل كما تري. لاندفاع الأول: بمنع الانصراف المذكور. و الثاني: بأنه لا ينهض بإثبات حكم شرعي. و الثالث: باختصاص ولايته علي الولد بحال صباه، و المفروض خروجه عنه، و إلا دخل فيما تقدم من ترجيح البالغين علي غيرهم.

و الرابع: بأنه وارد في قضية خاصة لا إطلاق لها، و قد تبتني علي عدم وجود ولد لإسماعيل صالح للولاية، أو علي تفويضهم الأمر له عليه السّلام أو علي إعمال ولايته العامة في أهل بيته. و قد تقدم نظيره.

و من هنا قال سيدنا المصنف قدّس سرّه: «فإطلاق أولاهم بميراثه و آية أولوا الأرحام محكم»، و جعل في الجواهر الإجماع المذكور هو المستند.

لكن لم يتضح الإجماع المذكور بعد عدم التعرض لذلك من قبل الشيخ، و عدم خلوّ كلامهم عن الاضطراب. قال في المبسوط: «فإن حضر جماعة الأولياء كان الأب أولي، ثم الولد، ثم ولد الولد، ثم الجد من قبل الأب و الأم … و جملته أن من كان

______________________________

(1) الوسائل باب: 26 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 29 من أبواب التكفين حديث: 1، 2.

ص: 122

و الجد علي الأخ (1)،

______________________________

أولي بميراثه كان أولي بالصلاة عليه»، و قريب منه في السرائر، و مقتضي فرض حضور جماعة من الأولياء في صدره الفراغ عن ولاية الجميع و أن الترجيح في المباشرة، لا في الولاية، كما أن جعل معيار الأولوية أولوية الميراث في ذيله لا يناسب الترجيح المذكور في الولاية، و نحوه في الثاني ما في الخلاف، حيث قال: «أحق القرابة الأب، ثم الولد.

و جملته من كان أولي بميراثه كان أولي بالصلاة عليه … دليلنا: إجماع الفرقة، و قوله تعالي: وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ … ». و ربما يظهر نحو ذلك من غير واحد من كلماتهم.

و من هنا لا يبعد أن يكون الاستدلال بالآية لتعيين طبقات الولاية القابلة لتعدد الأولياء، و الترجيح بلحاظ المباشرة لإمامة الصلاة التي لا تقبل التعدد، كما يناسبه التعليل المتقدم بأنه أشفق و أقرب إلي إجابة الدعاء، و اقتصارهم في بيان الترجيح المذكور علي الصلاة دون غيرها من واجبات التجهيز، عدا الروضة فقد ذكره في جميع الأحكام و لا مجال مع ذلك للخروج عن الأدلة العامة المقتضية للاشتراك في الولاية.

نعم، لا يبعد نهوض بعض الوجوه المتقدمة و نحوها بالترجيح في المباشرة، بمعني أولوية جري الأولياء عليه. و مع تشاحهم حيث لا يمكن العمل بقول الكل فقد يلزم الترجيح المذكور، لاحتمال ثبوته شرعا المستلزم لليقين ببراءة الذمة بموافقة محتمل الرجحان، حيث يدور الأمر بين سقوط نظرهما معا بسبب تعذر الجمع و سقوط نظر خصوص المرجوح. فتأمل.

هذا، و قد ذكر في العروة الوثقي أن الأم أولي من الأولاد الذكور. و كأنه لبعض ما تقدم، مثل كونها أشفق و أرق، فتكون أقرب إلي إجابة الدعاء. و يظهر ضعفه مما تقدم. بل لعله مخالف لمقتضي السيرة. كما هو مخالف لما ذكروه من تقديم الذكور علي الإناث. و كأنه لذا لم يعرف موافق له، كما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه.

نعم، لو تم تقديم الأب علي الأولاد، فقد يتجه تقديمها علي البنات و الزوجة، و إن لم يخل عن إشكال.

(1) فقد قدمه الشيخ في مساق كلامه المتقدم في تقديم الأب علي الولد، و كذا الحلي، مع تصريحهما بعمومه للجد من الأم، و وافقهما في التذكرة و المنتهي و جامع

ص: 123

و الأخ من الأبوين علي الأخ من أحدهما (1)،

______________________________

المقاصد و الروض مع تخصيصهم له بالجد للأب، بل قد يظهر من جامع المقاصد عدم الولاية للجد للأم مطلقا لعدم عدّه له في مراتب الأولياء حتي مع الأخ للأم، و كلهم ذكر ذلك في الصلاة.

و كيف كان، فقد حاول توجيهه في التذكرة بأن الأب أشفق، و في المنتهي بأن الجد أقرب إلي إجابة الدعاء، و في جامع المقاصد و الروض باختصاص الجد بالتولد، و في الجواهر بأنه له الولاية علي الميت و أبيه في بعض أحوالهما.

و الجميع كما تري لا ينهض بالخروج عن عموم أولوية الأولي بالميراث و الأقرب رحما. و أما ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من أن الإنصاف أنه لا يبعد كون الجد أقرب عرفا الي الميت، فيشمله عموم و أولوا الأرحام. فهو في غاية المنع، إذا المعيار في القرب النسبي قلة الوسائط، و هو غير حاصل في المقام.

و غاية ما يدعي أن مقام الأبوة يقتضي التقدم عرفا، فيلزم الجري عليه بمقتضي الإطلاق المقامي. لكن لا مجال للإطلاق المقامي مع البيان الشرعي. و من هنا لا مجال للخروج عما سبق، و لا سيما مع ما سبق من اضطراب كلام الشيخ و الحلي و غيرهما.

و ربما يأتي ما ينفع في المقام.

(1) كما في المبسوط و السرائر في المساق المتقدم، و وافقهما في الشرائع و المنتهي و القواعد و الإرشاد و جامع المقاصد و المسالك و الروض و غيرها. و في الروض و محكي شرح الجعفرية أنه المشهور، بل قد يظهر من محكي الذكري الإجماع عليه، كما نفي في الجواهر وجدان الخلاف فيه. و كأنه بلحاظ عدم التصريح بالخلاف و إلا فهو مقتضي إطلاق جماعة.

و قد يستدل عليه بصحيح هشام بن سالم عن الكناسي عن أبي جعفر عليه السّلام:

«قال: ابنك أولي بك من ابن ابنك، و ابن ابنك أولي بك من أخيك. قال: و أخوك لأبيك و أمك أولي بك من أخيك لأبيك، و أخوك لأبيك أولي بك من أخيك لأمك.

قال: و ابن أخيك لأبيك و أمك أولي بك من ابن أخيك لأبيك. قال: و ابن أخيك من

ص: 124

______________________________

أبيك أولي بك من عمك. قال: و عمك أخو أبيك من أبيه و أمه أولي بك من عمك أخي أبيك من أبيه. و عمك أخو أبيك من أبيه أولي بك من عمك أخي أبيك لأمه.

قال: و ابن عمك أخي أبيك من أبيه و أمه أولي بك من ابن عمك أخي أبيك لأبيه.

قال: و ابن عمك أخي أبيك من أبيه أولي بك من ابن عمك أخي أبيك لأمه» «1».

و دعوي: إجمال موضوع الأولوية فيه و احتمال اختصاصها بالميراث بلحاظ الحجب- كتقديم الأخ للأبوين علي الأخ للأب- أو كثرة النصيب- كتقديم الأخ للأب علي الأخ للأم- فلا تنفع في المقام.

مدفوعة: بأن حذف متعلق الأولوية موجب لظهور إطلاقها في الشمول لما نحن فيه، نظير ما تقدم في آية أولي الأرحام.

و مثلها دعوي: منافاة الحديث للآية المذكورة، لأن مقتضاها كون المعيار في الأولوية القرب النسبي المستلزم للتساوي بين كثير مما تضمن الحديث الترتيب فيه.

لاندفاعها: بأن الآية لم تتضمن كون القرب النسبي معيارا في الأولوية، لما سبق من أن مدلولها المطابقي أولوية الرحم من غيره، غاية الأمر أن المناسبات الارتكازية تقضي بأن علقة الرحمية إذا كانت معيارا في الأولوية كانت الأقربية الناشئة من قلة الوسائط معيارا فيها، و من الظاهر أن كون الأقربية معيارا إنما هو بلحاظ قوة علاقة الرحمية بها، و القوة لا تختص بالأقربية، بل تحصل بتأكد العلقة لتوسط كلا الأبوين فيها.

بل لا يبعد كون الاتصال بالأب أقوي عرفا من الاتصال بالأم و إن لم يستلزم الأقربية.

و دعوي: أن ذلك لا يناسب الاستشهاد بالآية الكريمة في النصوص المشار إليها آنفا- عند التعرض لمفاد الآية- لتعيين الأقرب لميراث المال و الإمامة، لظهورها في أن المعيار في الأولوية هي الأقربية لا غير.

مدفوعة: بأن النصوص المذكورة مسوقة لتعيين الأقرب في مقابل ترجيح الأبعد عليه، لا لبيان كون الأقربية هي العلة المنحصرة للتقديم بنحو يستلزم اشتراك المتساوين في القرب، و إنما يبني علي اشتراك المتساوين في القرب للإطلاق و عدم

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب موجبات الإرث حديث: 2.

ص: 125

______________________________

المرجح، فمع ما سبق من ظهور الآية في مرجحة قوة العلاقة لا تنهض بالنصوص المذكورة برفع اليد عن ذلك.

و بهذا يتضح حال ما تضمن أن الأولي بالميت هو الأولي بميراثه، فإنه إنما يقتضي عدم الترجيح بينهم بإطلاقه، و لا يمنع منه بدليل خارج، كالحديث المتقدم.

فالعمدة في الإشكال في الحديث المتقدم عدم ثبوت وثاقة الكناسي، سواء كان هو يزيد، كما في الكافي و التهذيب و الوسائل، أم بريد، كما في الجواهر.

اللهم إلا أن يقال: مقتضي ذكر الشيخ يزيد في أصحاب الباقر عليه السّلام، و بريد في أصحاب الصادق عليه السّلام، كون المراد به في الحديث الأول، و هو أبو خالد يزيد الكناسي، و وقوع التصحيف في الجواهر.

و ما عن الشيخ من عدّ يزيد من أصحاب الصادق أيضا لم نجده في كتابه، كما صرح به بعضهم أيضا. و حينئذ فقد حكي عن المجلسي الأول تقريب اتحاده مع يزيد أبي خالد القماط الذي نص النجاشي علي وثاقته. و قرب بعض مشايخنا الاتحاد بعدم تعرض الشيخ للقماط مع أنه صاحب كتاب، فلولا اتحاده مع الكناسي لم يكن وجه لإهماله، و لا سيما مع كون القماط كوفيا و الكناسة محلة بالكوفة. لكنه لم يجزم بالاتحاد بلحاظ ذكر البرقي كلا الرجلين الظاهر في التعدد. و يعضده عدم اشتراكهما في الرواة عنهما حسبما ذكروه في ترجمتهما، و عدّ الكناسي في أصحاب الباقر و الكناسي في أصحاب الصادق عليه السّلام.

نعم، قد يستفاد وثاقة الكناسي من رواية هشام بن سالم و الحسن بن محبوب و غيرهما من الثقات عنه. و من هنا قد يتجه التعويل علي الرواية، و لا سيما مع ظهور حال الكليني و الشيخ و غيرهما في التعويل عليها في الميراث. و إن كان الأمر غير خال عن الإشكال.

هذا، و لو غض النظر عن الحديث المذكور فلا ينبغي التأمل في ترجيح الأخ للأبوين علي الأخ للأب، لأنه أولي منه بالميراث- كما نبه له في بعض كلماتهم- و لما ذكرناه في آية أولي الأرحام. و أما ترجيحه علي الأخ للأم و ترجيح الأخ للأب- عند عدم الأخ للأبوين- عليه فهو مقتضي ما ذكرناه في آية أولي الأرحام.

ص: 126

و الأخ من الأب علي الأخ من الأم (1)، و العم علي الخال (2) إشكال.

______________________________

لكن يعارضها إطلاق ما تضمن أولوية الأولي بالميراث المقتضي لاشتراكهما في الولاية. و إن لم يبعد تقديم الآية، لقضاء المناسبات الارتكازية بأن دخل الميراث في الولاية و الأولوية إنما هو بلحاظ كشفه عن قوة العلاقة، و هو غير كاشف عنها في المقام، إذ لازمه اختلاف علاقة الأخ للأب في حال وجود الأخ للأبوين عنه في حال فقده، فتكون في الأول أضعف من علاقة الأخ للأم، و في الثاني مساوية لها، و هو خلاف المقطوع به، فلا بد من كون ترتب أقسام الأخوة في الميراث لا يبتني علي قوة علاقتهم بالميت. و الأمر محتاج للتأمل.

هذا، و قد استدل علي تقديم الأخ للأبوين علي الأخ للأم في كلام بعضهم بأن الثاني يتقرب بمن لا ولاية لها مع الأب، فكذا فرعها مع فرعه. و بأنه أكثر نصيبا.

و يشكل الأول- مع ابتنائه علي ترجيح الذكور علي الإناث الذي سبق الإشكال فيه- بأن قصور الأم عن مقام الولاية مع الأب قد يكون لأنها أضعف رأيا منه، و حينئذ لا يستلزم ذلك قصور من يتقرب بها مع من يتقرب به إذا كان مساويا له في الرأي، لاتحادهما في الجنس. و الثاني بأن كثرة النصيب لا ترجع للأولوية في الميراث.

(1) كما في المبسوط و السرائر في المساق المتقدم و المنتهي و جامع المقاصد و الروض و المسالك و غيرها، و في الروض أنه المشهور، و نفي في الجواهر وجدان الخلاف فيه. و كأن مراده التصريح بالخلاف، و إلا فهو مقتضي إطلاق جماعة، و لا سيما من اقتصر علي بعض المرجحات المتقدمة.

و كيف كان، فيقتضيه حديث الكناسي المتقدم، و آية أولي الأرحام بالتقريب المتقدم، و ما تقدم من بعضهم من أن الأخ للأب أكثر نصيبا، و أن من يتقرب به متقدم علي من يتقرب به الأخ للأم. و يظهر حال الجميع مما مر.

(2) كما في المبسوط و السرائر في المساق المتقدم و جامع المقاصد و المسالك و الروض مدعيا فيه أنه المشهور. و يظهر الحال فيه مما تقدم. نعم لا يتضمنه حديث الكناسي. و إن لم يبعد استفادته منه تبعا، لظهوره في تقديم جانب الأب علي جانب الأم. و كذا الحال في الأخوال، و في أولادهم و أولاد الأعمام، كما ذكر ذلك في الروض

ص: 127

و الأحوط وجوبا الاستئذان من الطرفين (1).

(مسألة 4): إذا تعذر استئذان الولي- لعدم حضوره مثلا- أو امتنع عن الإذن (2)

______________________________

و المسالك مدعيا في الأول أنه المشهور.

و قد يستفاد مما تقدم تقديم الجد للأب علي الجد للأم. بل قد يستفاد من حديث الكناسي تقديم الأب علي الأم، لأن تقديم من يتصل به يناسب تقديمه عليها. بل من الآية أيضا إذا تم التقريب المتقدم، لأنه إذا كانت علاقة من يتصل بالأب أقوي فلا بد من كون علاقة الأب أقوي. إلا أن يقال: لما كان المعيار في قوة العلاقة نظر العرف، فلا تلازم بين الأمرين عندهم، و مجرد مناسبته لحديث الكناسي لا تكفي.

(1) و مع التشاح يتعين الاحتياط بموافقة من تقدم احتمال ترجيحه، للعلم بعدم ولاية الآخر حينئذ.

هذا، و في الحدائق أنه لو تعدد الأولياء فمقتضي قوله عليه السّلام في صحيح الصفار المتقدم عند الاستدلال علي أن الولي هو الوارث: «يقضي عنه أكبر ولييه» «1» هو ترجيح الأكبر.

و فيه: أنه ظاهر في نفسه في تعدد الأولياء، المستلزم لابتناء اختصاص القضاء بالأكبر علي تقييد إطلاق وجوب القضاء علي الولي بالأكبر، لا علي اختصاص الولاية به. و مجرد ثبوت هذا التقييد في دليل القضاء لا يستلزم ثبوته في دليل التجهيز. فلاحظ.

(مسألة 4): إذا تعذر استئذان الولي

(2) قال في محكي الذكري: «أن في إجباره نظرا ينشأ من الشك في أن الولاية هل هي نظر له أو للميت». فإنها إن كانت من حقوق الميت كان للحاكم إجباره، و إن كانت من حقوقه لم يكن له إجباره، لأن الإنسان إنما يجبر علي أداء ما عليه، و لا يجبر علي استيفاء ماله، إلا بلحاظ تبعة بقائه له من وجوب أدائه بعد ذلك كما في الدين، الذي لا مجال له في المقام.

هذا، و قد سبق في ذيل الكلام في وجوب الرجوع للولي عدم وضوح كون الولاية من الحقوق المملوكة.

______________________________

(1) الوسائل ج 10 باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 3.

ص: 128

و عن مباشرة التغسيل. وجب تغسيله (1) و لو بلا إذن (2).

______________________________

نعم، لا يبعد ظهور أدلتها في كون ثبوتها للولي إرفاقا به و مراعاة لجانبه، لا تكليفا عليه ليلزم بالقيام به و لو من باب الأمر بالمعروف، كما قد يناسبه قوله عليه السّلام:

«أو يأمر من يحب» الظاهر في كون المعيار حبه و رغبته، و قوله: «ذاك إلي الولي» الظاهر في كونه له لا عليه، و ما تضمن أن الزوج أحق بزوجته الظاهر في كون الولاية حقا له، لا عليه. و لا أقل من عدم الإطلاق لدليل الولاية يشمل حال امتناعه، فضلا عن أن يستفاد سلطنة الحاكم علي إجباره. و كأنه لذلك يرجع ما في الجواهر، حيث قال: «و لا ريب في قوة العدم. للأصل، مع ما يستفاد من فحاوي الأدلة».

و أما ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من أنه لو سلم ظهور الأدلة في ابتناء الولاية علي الإرفاق بالولي إلا أن ظاهرها كون ثبوتها علي نحو ثبوتها لسائر الأولياء إرفاقا بالمولي عليه أيضا. فهو غير ظاهر، لإمكان اختلاف الولاية باختلاف الموارد.

نعم، لا يبعد ابتناء الولاية في جميع الموارد علي عدم الاضرار بالمولي عليه، و هو أمر آخر. و لعله لذا اعترف قدّس سرّه في آخر كلامه بأن وفاء الأدلة بما ذكره لا يخلو عن إشكال.

(1) و كذا غيره من واجبات التجهيز. بلا إشكال ظاهر، حيث لا يحتمل سقوط تجهيز الميت بتعذر استئذان الولي. و يقتضيه في صورة غيبة الولي ما ورد في العراة الذين يجدون ميتا قذفه البحر «1»، و فيمن يموت و ليس معه قرابة مسلم «2» و غيرهما.

(2) قد يدعي وجوب الاستئذان من الحاكم بدلا عن الولي، لأنه يقوم مقامه في القيام بماله و أداء ما عليه.

لكنه موقوف.. أولا: علي عموم ولاية الولي لحال تعذر الاستئذان منه. و أدلة الولاية لا تنهض بذلك. بل المتيقن منها صورة إمكان الاستئذان منه و صدور الفعل عن نظره، كما تقدم في الممتنع.

و ثانيا: علي قابلية ولاية الشخص لأن يقوم وليه بها بدلا عنه. و قد سبق المنع من ذلك عند الكلام في حكم غير البالغ. فراجع.

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 36 من أبواب صلاة الجنازة.

(2) راجع الوسائل باب: 19 من أبواب غسل الميت.

ص: 129

______________________________

كما قد يدعي وجوب الاستئذان من الحاكم ابتداء، لأنه ولي من لا ولي له، أو من باب ولاية الحسبة، من دون أن يكون في طول الولي و قائما مقامه.

و يشكل: بأن ذلك إنما يتم فيما ثبت احتياجه للولي، و لو للأصل، حيث لا يعلم حينئذ جواز العمل أو صحته بدون الرجوع إليه، لا في مثل المقام، حيث كان مقتضي إطلاق أدلة واجبات التجهيز صحة العمل بدون إذن أحد، و كذا مقتضي أصل البراءة، إذ يلزم الاقتصار في الخروج عن ذلك علي المتيقن من دليل وجوب الرجوع للولي، و هو إمكان الرجوع للأولياء التي تضمنتهم الأدلة المتقدمة.

إن قلت: مقتضي إطلاق ما تقدم مما تضمن لزوم الرجوع للولي، كصحيح زرارة الوارد في الدفن «1» و موثق السكوني، و المرسلين الواردة في الصلاة «2» و غيرها اعتبار إذن الولي و إن لم يكن في طبقات الميراث، و قصور دليل ولاية طبقات الميراث عن حال تعذر الاستئذان منهم لا يوجب رفع اليد عن الإطلاق المذكور، بل يتعين ولاية غيرهم الذي هو الحاكم المتعين للولاية في مثل ذلك، إما لأنه ولي من لا ولي له أو من باب ولاية الحسبة.

قلت: النصوص المذكورة لا إطلاق لها يقتضي أن كل ميت له ولي يلزم صدور تجهيزه عن إذنه، لعدم ورودها لبيان لزوم وجود الولي، بل لبيان وجوب استئذانه و الرجوع إليه، فهي ظاهرة في المفروغية عن وجوده في الجملة، فلا تدل إلا علي لزوم صدور التجهيز عن إذنه في فرض وجوده، كما هو الغالب، من دون أن تدل علي نفي احتمال عدم وجوده في بعض الموارد.

علي أنه لو فرض إطلاقها بالنحو المذكور فما تضمن تعيين الولي بطبقات الميراث وارد عليها، حيث يكون مقتضي الجمع بينه و بينها لزوم استئذان طبقات الميراث، فمع فرض عدم ولاية الوراث يتعين قصور الإطلاقات المذكورة، فلا مخرج عن مقتضي إطلاقات الواجب و أصل البراءة من صحة العمل بدون إذن أحد.

نعم، لو كان مفاد دليل ولاية طبقات الميراث مجرد إثبات ولايتهم من دون

______________________________

(1) الوسائل باب: 24 من أبواب الدفن حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 23 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 2، 1، 4.

ص: 130

(مسألة 5): إذا أوصي أن يغسله (1) شخص معين لم يجب عليه القبول (2)،

______________________________

تعيين للولي فيهم و حصره بهم اتجه الرجوع لإطلاق النصوص المذكورة- لو تم- في إثبات لزوم الرجوع للولي في التجهيز المستلزم لولاية الحاكم، لما تقدم. لكن لا مجال لإنكار ظهورها في الحصر. فتأمل.

هذا، و قد ذكرنا عند الكلام في حكم غير البالغ أن سقوط الطبقة الأولي عن الولاية موجب لولاية الطبقة التي بعدها و إن لم تكن وارثة و لا أمس رحما بالميت. فلو تم ذلك بالإضافة للإمام عليه السّلام لتعذر الرجوع للطبقات السابقة عليه في الميراث لزم الرجوع للحاكم الشرعي، بناء علي عموم نيابته عنه عليه السّلام. إلا أن عموم النيابة غير ثابت، كما أشرنا إليه آنفا. و حينئذ يتعين عدم اعتبار إذن أحد في المقام، كما لعله المطابق لسيرة المتشرعة و ارتكازياتهم.

مسألة 5: إذا أوصي أن يغسله شخص معين لم يجب عليه القبول
اشارة

(1) لا فرق بين التغسيل و غيره من واجبات التجهيز.

(2) قال قدّس سرّه: «لعدم الدليل علي الوجوب». و يشكل: بأنه بعد فرض نفوذ الوصية و تقدم الموصي علي الولي- كما يأتي منه قدّس سرّه- ينحصر الواجب بما أوصي به، فيجب القيام به بمقتضي فرض كون الوجوب كفائيا علي الموصي، كما يجب علي غيره التسبيب له و الإعانة عليه، كما لو أمره الولي بذلك، كما تقدم في الأمر الخامس من فروع وجوب الرجوع للولي.

و بذلك يفترق عن الوصية بسائر الأفعال، كما لو أوصي بأن يقرأ زيد القرآن عنه، و أن يحج عمرو عنه، و أن يزور بكر عنه و نحوها، لعدم وجوبها في أنفسها لا علي الموصي بفعلها، و لا علي غيره. و وجوبه من جهة الوصية لا دليل عليه بعد اختصاص ما دل علي أنه لا يجوز للوصي رد الوصية بعد الموت، بل قبله إذا لم يبلغ الخبر بالوصية بالولاية- التي هي الوصية العهدية- لا بالفعل.

و منه يظهر أنه لا فرق في نفوذ الوصية في المقام و لزوم العمل بها علي الموصي بالفعل بين قبوله بها و رده لها في حياة الموصي و بعد وفاته، لاختصاص ما دل علي

ص: 131

لكن إذا قبل (1) لم يحتج إلي إذن الولي (2).

______________________________

جواز ردّ الوصية في حياة الموصي إذا وصله الخبر بما يكون وجوبه من جهة الوصية، و هي الوصية بالولاية، دون ما يجب مع قطع النظر عنها. و عليه يكون القبول الواجب هو العمل بمقتضي الوصية، لا الالتزام الإنشائي بمضمونها.

كما ظهر عدم الفرق في عدم لزوم الوصية بالفعل غير الواجب بين الصور المذكورة، لاختصاص ما دل علي عدم جواز ردّ الوصية إذا لم يبلغ الموصي خبر الرد بالوصية بالولاية، دون الوصية بالفعل، بل تبقي الوصية بغير الواجب من الأفعال طلبا محضا يستحب القيام به بعنوان إجابة المؤمن، و لو قبلها لا يكون قبولها إلا وعدا محضا يستحب القيام به، كسائر الوعود.

(1) الظاهر أن مراده بالقبول ليس هو الالتزام الانشائي- نظير القبول العقدي- لأن نفوذ الوصية لا يتوقف علي ذلك، بل هي تنفذ مطلقا، غايته أن الوصي له الرد في حياة الموصي، فينفذ رده إذا بلغ الموصي الخبر. و هو مختص بمن يوصي إليه بالولاية، دون الفعل. بل مراده بالقبول مجرد الرضا بالعمل الذي أوصي به الميت و عدم الامتناع عن القيام به.

فيكون مرجع كلامه قدّس سرّه إلي نفوذ الوصية المذكورة مطلقا، غايته أنها لا تقتضي وجوب العمل علي من يطلب منه، بل جوازه، فيرد عليه ما سبق.

(2) قال في المختلف: «قال ابن الجنيد: الموصي إليه أولي بالصلاة من القرابات.

و لم يعتبر علماؤنا ذلك» و بعدم النفوذ صرح في المنتهي و التذكرة و المسالك و محكي الموجز و شرحه و الذكري، و قد يظهر من الروض، بل هو الظاهر من كل من لم يذكره في عداد الأولياء و أطلق ولاية غيره. و لعله لذا نسبه في المختلف لعلماؤنا- كما سبق- و في المسالك للمشهور. لكن مال في جامع المقاصد للنفوذ، و نفي البأس عنه في المدارك.

و كيف كان، فقد استدل لابن الجنيد بعموم نفوذ الوصية.

و يشكل.. تارة: بما أشار إليه في المختلف من اختصاص العموم المذكور بالوصية بالمال، لاختصاص عموم نفوذ الوصية بالآية الشريفة، و موضوعها الخير. قال تعالي:

ص: 132

______________________________

لاختصاص عموم نفوذ الوصية بالآية الشريفة، و موضوعها الخير. قال تعالي: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذٰا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوٰالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَي الْمُتَّقِينَ فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مٰا سَمِعَهُ فَإِنَّمٰا إِثْمُهُ عَلَي الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّٰهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ فَمَنْ خٰافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلٰا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّٰهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «1».

غاية الأمر أنه قد ثبت نفوذ الوصية ببعض الأمور الأخري، كالولاية علي الأطفال، فيقتصر فيها علي مورده.

و أخري: بما ذكره غير واحد من لزوم رفع اليد عن العموم المذكور بعموم ولاية الأرحام و طبقات الميراث، لوروده عليه و رفعه لموضوعه، لما هو المعلوم من اختصاص عموم نفوذ الوصية بالوصية بالمعروف التي لا تتضمن حيفا و إثما- كما تضمنته الآية و النصوص «2» - و مقتضي عمومات الولاية كون الوصية المذكورة متضمنة للحيف و التعدي علي الأولياء، فلا تنفذ.

هذا، و قد يدعي قصور عموم الولاية عن مزاحمة وصية الميت.. تارة: لما أشار إليه شيخنا الأعظم قدّس سرّه من أن الذي يستظهر من الأخبار أن هذه الولاية مراعاة لحق الميت، بل هي الحكمة الأصلية لتشريعها، فلا يناسب إهمال حال الميت و طرح قوله و مخالفة ما أمر به. و قد يرجع إليه ما في جامع المقاصد من أن الميت ربما آثر شخصا لعلمه بصلاحه فطمع في إجابة دعائه، فمنعه من ذلك و حرمانه ما أمله بعيد، بل في المدارك أنه غير موافق للحكمة.

و أخري: لما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من أن ولاية الوصي بحسب ارتكاز العقلاء من باب ولاية الميت مآلا، و أدلة الولاية إنما تقتضي أولوية الأقرب من الأبعد، لا أولويته من الميت نفسه، فتقصر عن صورة تصدي الميت للأمر بجعل الوصي، بل عموم نفوذ الوصية هو المحكم.

و لو تم أحد الوجهين فقد لا يحتاج إلي عموم نفوذ الوصية- ليستشكل بعدم ثبوته، كما سبق- لأنه إذا فرض قصور أدلة تعيين الولي بمن سبق فلا يبعد كون مقتضي

______________________________

(1) البقرة الآية: 180- 182.

(2) راجع الوسائل باب: 8، 11 من أبواب الوصايا.

ص: 133

______________________________

الإطلاقات المقامية لأدلة وجوب الرجوع لولي الميت و الأولي به هو ولاية الوصي، إذ الظاهر بناء العرف علي أولوية الوصي من غيره، لأن الميت أولي عرفا من غيره في تعيين شئون التجهيز، فيتعين الوصي بتعيينه.

لكن الإشكال في تمامية الوجهين المذكورين. فقد تنظر شيخنا الأعظم قدّس سرّه في الوجه الأول. و كأنه لأن كون الولاية مراعاة لحق الميت لا يلازم نفوذ وصيته، لإمكان تشخيص مقتضي حقه و مصلحته لنظر الولي دونه، علي أنه لم يتضح كون جعل الولاية مراعاة لحق الميت فقط، بل لا يبعد كونه مراعاة لحقه و حق الولي أو لحق الولي فقط بمقتضي رحميته منه و علاقته به، كما أشرنا إليه عند الكلام في امتناع الولي عن القيام بمقتضي الولاية.

كما يشكل الثاني بأن ولاية الميت علي نفسه قبل الموت و بعده ليست أقوي عرفا من ولايته علي ماله، و حيث كان دليل ولاية الولي علي التجهيز مسانخا لدليل الميراث، بل بعضه بلسانه، و لم يكن مبني الوصية علي التقدم علي الميراث فلا وجه لتقدمها علي الولاية. خصوصا في ولاية الزوج علي زوجته التي لا يبعد مساوقتها لولايته عليها في حياتها في بعض شئونها و ابتناؤها علي كونه أولي بها من نفسها. كما لا إشكال في ذلك عرفا في ولاية المالك.

فالعمدة في نفوذ الوصية قرب مطابقته لمرتكزات المتشرعة، كما يناسبه معروفية الوصية بشؤون التجهيز عندهم، فقد شاع إعداد الإنسان كفنه و قبره، بل تضمنته النصوص في الجملة، كما تواترت بوصايا المعصومين عليهم السّلام بشؤون تجهيزهم من كيفية الواجبات و من يتولاها و نحو ذلك، كما تضمن بعضها وصية البراء بن معرور «1».

و قال في التذكرة في بيان حجة العامة علي نفوذ الوصية: «و لأن أبا بكر أوصي أن يصلي عليه عمر، و عمر أوصي أن يصلي عليه صهيب، و أوصت عائشة أن يصلي عليها أبو هريرة، و ابن مسعود أن يصلي عليه الزبير، و يونس بن جبير أن يصلي عليه أنس بن مالك، و أبو سريحة أوصي أن يصلي عليه زيد بن أرقم، فجاءه عمرو بن حريث و هو أمير الكوفة ليتقدم فيصلي عليه فقال ابنه: أيها الأمير إن أبي أوصي أن يصلي عليه زيد

______________________________

(1) الوسائل باب: 61 من أبواب الدفن حديث: 1.

ص: 134

______________________________

ابن أرقم، فقدم زيدا. و هذا منتشر».

و مبناهم علي الالتزام بالوصية، كما يناسبه ما في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: كتب أبي في وصيته أن أكفنه في ثلاثة أثواب أحدها رداء له حبرة كان يصلي فيه يوم الجمعة و ثوب آخر و قميص، فقلت لأبي: لم تكتب هذا؟ فقال:

أخاف أن يغلبك الناس، و إن قالوا: كفنه في أربعة فلا تفعل … » «1»، و نحوه غيره.

بل هو المقطوع به بملاحظة سيرتهم و ارتكازياتهم حتي شاع الاحتجاج بالوصية في مخالفة رغبات الحكام و التذرع بها لإعلان السخط عليهم و استنكار أعمالهم، بل هي آخر حجر يرميه المعارض في وجوههم، فقد أوصي عبد اللّه بن مسعود و عبد الرحمن بن عوف أن لا يصلي عليهما عثمان «2».

و قد سبقت إلي ذلك الصديقة الطاهرة عليها السّلام فكان لوصيتها من الظهور و الانتشار و الأثر البالغ الباقي ما ليس لغيرها. و كل ذلك لبناء المسلمين علي تنفيذ الوصايا بالتجهيز و عدم التوقف علي إذن الولي، و إلا كان هو المسؤول أمام الحاكم.

و لعله إلي ذلك يرجع الاستدلال بسيرة السلف في كلام بعض أصحابنا. و يؤيده الاعتبار الذي أشير إليه فيما تقدم من جامع المقاصد و المدارك.

اللهم إلا أن يقال: الوجه الأخير لا يخرج عن الاستحسان الذي لا ينهض بالاستدلال، و السيرة قد تبتني علي تنفيذ الوصية برضا الولي احتراما لرغبة الميت و تنفيذا لإرادته، لأنه في حال أحوج ما يكون لذلك و أدعي للشفقة و الرحمة و تحرك العواطف، و علي ذلك جري عرف الناس و إن لم يجب شرعا، و بذلك يكون عذرا أمام الغير من حاكم أو غيره.

و لذا كثيرا ما يهتم أهل الميت و نحوهم بتنفيذ وصاياه الخارجة عن تجهيزه المعلوم عدم وجوب تنفيذها عليهم شرعا مما يتعلق به كذكره بأعمال الخير و نحوها، أو بغيره مما يهتم به، كشئون أولاده بعد بلوغهم و نحوها. و قد يكون الاهتمام بتنفيذ بعضها لخصوصية في الموصي، كما في وصايا المعصومين عليهم السّلام، و قد أوصي الكاظم عليه السّلام

______________________________

(1) الكافي ج 3: 144 الطبعة الجديدة. باب تحنيط الميت و تكفينه حديث: 7.

(2) كتاب الغدير ج 9: 5، 87.

ص: 135

______________________________

للرضا عليه السّلام و جعل أمر زواج أخواته بيده «1»، كما اشتهرت وصية الصديقة الزهراء عليها السّلام أمير المؤمنين عليه السّلام أن يتزوج بنت أختها أمامة، و أرسل عنه عليه السّلام أنه قال: «أربع ليس لي الي فراقه [فراقها. ظ] سبيل: بنت [أبي العاص. ظ] أمامة أوصتني بها فاطمة بنت محمد صلّي اللّه عليه و آله … » «2» إلي غير ذلك مما لا يتسني سبره و استقصاؤه.

و لا مجال مع ذلك للقطع من السيرة المذكورة بنفوذ الوصية بالتجهيز شرعا، بنحو لا يجوز للولي نقضها. و لا سيما مع ظهور حال الأصحاب في عدم البناء علي ذلك في فتاواهم، و لو كانت السيرة بنحو تنهض بإثبات ذلك لكان من الوضوح بنحو لا يناسب خفاءه عليهم. و من هنا أشكل الحال كثيرا. و قد يلزم لأجله مراعاة الاحتياط بمحافظة الولي علي تنفيذ الوصية. و اللّه سبحانه و تعالي العالم العاصم و منه نستمد العون و التوفيق.

بقي في المقام أمران:

الأول: قال في المسالك: «و الولاية منحصرة فيمن ذكر، فلا ولاية للموصي إليه بها، علي المشهور، مع وجود الوارث. نعم لو فقد كان أولي من الحاكم». و علي ذلك جري شيخنا الأعظم قدّس سرّه. هذا و عدم ولاية الوصي مع الوارث يبتني علي ما سبق.

أما ولايته مع عدمه بحيث يكون مقدما علي الحاكم فهو يبتني.. أولا: علي عموم نفوذ الوصية للوصية بالتجهيز و إن كان محكوما لعموم ولاية الوارث.

و ثانيا: علي كون المورد من موارد لزوم الرجوع للولي، فيلزم الرجوع للحاكم لأنه ولي من لا ولي له، أو من باب ولاية الحسبة. إذ حينئذ يكون مقتضي عموم نفوذ الوصية ولاية الوصي، فيرتفع معه موضوع وجوب الرجوع للحاكم. أما لو لم يثبت عموم نفوذ الوصية للمقام فولاية الوصي محتملة كولاية الحاكم لو كانت ولاية الحاكم من باب ولاية الحسبة، فيلزم الاحتياط باستئذان كل منهما و لو بني علي أنه ولي من لا ولي له كان هو المقدم، لأصالة عدم ولاية الوصي.

كما أنه بناء علي عدم كون المورد من موارد لزوم الرجوع للولي فلا موجب

______________________________

(1) الكافي باب الاشارة و النص علي أبي الحسن الرضا (ع) حديث: 15 ج 1: 316 الطبعة الجديدة و عيون أخبار الرضا (ع) باب: 5 ص: 27 طبعة النجف الأشرف.

(2) البحار ج 43: 192 الطبعة الجديدة.

ص: 136

______________________________

للرجوع للحاكم مطلقا حتي مع عدم الوصي، كما تقدم. إلا أن يثبت عموم نيابته عن الإمام، فتكون ولايته في طول ولايته بما أنه من طبقات الميراث، فيجري فيه مع الوصي ما سبق فيهم.

الثاني: قال في العروة الوثقي: «إذا أوصي الميت في تجهيزه إلي غير الولي ذكر بعضهم عدم نفوذها إلا بإجازة الولي. لكن الأقوي صحتها … » و ظاهره أن من يقول بعدم نفوذ الوصية مع وجود الولي يقول بنفوذها مع إجازته. و لم أعثر علي مصرح به.

بل قال شيخنا الأعظم قدّس سرّه بعد تقريب عدم نفوذ الوصية: «و مما ذكرنا يظهر أنه لا أثر لإجازة الولي في حياة الميت أو بعد مماته».

و كيف كان، فإن كان المراد بنفوذها بإجازة الولي صحة العمل مع رضاه به حين وقوعه، فلا إشكال فيه. لكنه مقتضي ولايته حين العمل، لا مقتضي إجازته الوصية.

و إن كان المراد به لزوم العمل بالوصية لو أجازها بنحو ليس له العدول عن مقتضي إجازته، فهو- مع ابتنائه علي أن عدم نفوذ الوصية لمزاحمتها لحق الولي، لا لاختصاص عموم النفوذ بالوصية بالمال- محتاج للدليل.

و كأن الوجه فيه إطلاق بعض أدلة الإجازة، كصحيحي محمد بن مسلم و منصور بن حازم و موثق أبي أيوب جميعا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: في رجل أوصي بوصية و ورثته شهود، فأجازوا ذلك، فلما مات الرجل نقضوا الوصية، هل لهم أن يردوا ما أقروا به؟ فقال: ليس لهم ذلك، و الوصية جائزة عليهم إذا أقروا بها في حياته» «1».

لكن الوصية فيه و إن لم يصرح بكونها بالمال إلا أنها منصرفة لها بسبب فرض الوارث، حيث ينسبق منها كونها مزاحمة لإرثه، لا لحق آخر له، و لا سيما مع ما هو المعلوم من أن الولي قد يكون بعض الورثة، بل قد لا يكون وارثا فعلا، لقصور الوارث عن مقام الولاية.

نعم، قد يستفاد نفوذ الإجازة في المقام مما تضمن نفوذها في الوصية بالمال بإلغاء خصوصية المال أو بتنقيح المناط. لكنه لا يخلو عن إشكال، خصوصا، بلحاظ ما سبق من عدم وضوح كون الولاية من الحقوق، لتكون من سنخ المال.

______________________________

(1) الوسائل باب: 13 من أبواب أحكام الوصايا حديث: 1.

ص: 137

و إذا أوصي أن يتولي تجهيزه شخص معين (1) جاز له الرد (2) في حياة الموصي (3)، و ليس له الرد بعد ذلك (4).

______________________________

هذا، و أما الإشكال فيه بأن الإجازة في حياة الوصي إجازة علي الحق قبل ثبوته، الذي هو كإسقاط ما لم يجب، لأن الولاية إنما تثبت بعد الموت. فهو لو تمّ منع من الإجازة في الوصية بالمال أيضا، لأن الوارث لا يملكه إلا بعد الموت، و لا مجال للتعويل عليه في المنع من صحة الإجازة بعد دلالة النصوص عليها في الجملة.

فالعمدة ما ذكرنا من قصور النصوص عن المقام.

(1) بأن يصدر عن نظره و إن لم يباشره، نظير الولي الشرعي.

(2) ينبغي أن لا يكون موردا للإشكال، لأن عموم الآية- لو شمل المقام- إنما يقتضي حرمة تبديل الوصية، لا لزوم القيام بها، بل مقتضي قاعدة السلطنة جواز الرد.

و ما دل علي عدم جواز ردّ الوصي الوصية مختص بالرد بعد وفاة الموصي أو في حياته إذا لم يبلغه الخبر. و لا موجب للزوم الولاية من غير جهة الوصية، بخلاف الوصية بنفس أفعال التجهيز، حيث تقدم أن وجوب القبول بها مقتضي فرض كون وجوبها كفائيا.

(3) الظاهر أنه يجري هنا ما يجري في الوصية العهدية من لزوم وصول الخبر بالرد للموصي في نفوذه، لعدم ورود دليل خاص في المقام.

(4) قال قدّس سرّه: «فمقتضي عموم ما دل علي عدم جواز رد الوصية وجوب القبول إذا لم يرد حال حياة الموصي، إذ لم يتضح للمورد خصوصية بالنسبة إلي غيره من الموارد في جواز الرد حال الحياة و عدمه بعد الوفاة، لإطلاق النصوص المتضمنة للحكمين الشاملة للمورد.

اللهم إلا أن يدعي انصرافه إلي خصوص صورة لزوم ضياع الوصية لو لم يقبل الوصي، بل ذلك ظاهر بعض النصوص، فلا يشمل ما كان واجبا علي عامة المكلفين و قد جعل الشارع له وليا. فتأمل».

و لعل الأمر منه قدّس سرّه بالتأمل للإشارة إلي أنه لا ضابط لاستلزام رد الوصية ضياعها، بل هو يختلف باختلاف حال الوصية في السهولة و الصعوبة، و باختلاف

ص: 138

و وجب الاستئذان منه دون الولي (1).

______________________________

حال الورثة في الأمانة و المعرفة و القوة، بحيث لا يسيطر عليهم من يلزمهم بتنفيذها من حاكم أو غيره. و ذلك جار في المقام أيضا، فقد لا يقوم الولي بأداء الواجب و ما عينه الميت علي وجهه قصورا أو تقصيرا.

و إناطة عدم جواز الرد في الجميع باستلزام الضياع مما لا يظن بأحد البناء عليه، كما لا دليل عليه في النصوص الواردة في الرد، لعدم ظهور شي ء منها في ذلك، بل في أن الرد إنما لا يجوز إذا تعذر علي الموصي تعيين وصي آخر، لصدوره بعد وفاته أو عدم بلوغ الخبر له به في حياته، و هو جار في المقام، لعدم المخرج فيه عن الإطلاق الذي أشار إليه قدّس سرّه. فلاحظ.

(1) بناء علي ما سبق منه من نفوذ الوصية بالتجهيز، و ما سبق من الإشكال جار هنا سواء كان المراد به الوصية بالأفعال الصادرة عن إذنه التي ترجع إلي تقييد الأفعال المذكورة بما يصدر عن إذنه، و التي هي من سنخ الوصية بالفعل، أم الوصية بالولاية، نظير جعله وليا علي أطفاله. بل يظهر من شيخنا الأعظم قدّس سرّه أن الثاني أولي بالإشكال. و إن كان هو غير ظاهر، فإنه إن فرض عموم نفوذ الوصية للوصية بغير المال و تقديمه علي عموم الولاية لزم نفوذ الوجهين، و إلا لزم عدم نفوذهما معا.

تنبيه:

بناء علي نفوذ الوصية في المقام فهي لا تختص بتعيين المباشر للتجهيز و الولي عليه الذي يقع بنظره، بل تعم الوصية بتعيين الخصوصيات الفردية الأخري للواجب، كمكان الغسل و الدفن و ماء الغسل و كيفيته، لعين الوجه المتقدم.

و أما الآداب الخارجة عن الواجب- كتثليث الغسل في كل غسل و الأدعية المأثورة و التلقين و نحوها- فلا إشكال في عدم وجوب قبول الوصية بها علي من يوصي بمباشرتها، لما سبق من أن دليل الوصية لا يقتضي نفوذ الوصية بالفعل، و إنما يجب القيام بها في المقام لفرض وجوب أصل الماهية كفاية و نفوذ الوصية في تعيين الفرد الواجب، فمع فرض عدم وجوب الماهية الموصي بها ذاتا لا مجال للبناء علي

ص: 139

(مسألة 6): يجب في التغسيل طهارة الماء (1) و إباحته (2)، و إباحة السدر و الكافور (3)، بل الفضاء الذي يشغله الغسل (4)، و مجري الغسالة (5) علي الأحوط وجوبا. و منه السدة التي يغسل عليها (6) إذا كان ماء الغسل يجري عليها (7)، أما إذا كان لا يجري عليها فمع عدم الانحصار (8) يصح الغسل عليها (9).

______________________________

وجوبها بالوصية.

و أما الوصية بالولاية فهي لو نفذت لا تقتضي مباشرة الوصي بالعمل و لا تصحح إلزامه الغير به، بل سعيه في تحقيق الموصي به بالوجه المتعارف و إن استلزم صرف المال ما لم يتجاوز الثلث، علي ما هو الحال في سائر الوصية بالولاية.

مسألة 6: بقية شروط التغسيل من طهارة الماء و إباحته و إباحة متعلقات الغسل

(1) بلا إشكال ظاهر. و يظهر الكلام فيه مما تقدم في الوضوء.

(2) كي يمكن التقرب بالغسل به، بناء علي كونه تعبديا يعتبر فيه النية، علي ما تقدم في أول هذا الفصل. كما تقدم في الوضوء جملة من الفروع المتعلقة بذلك الجارية في المقام.

(3) الكلام فيه هو الكلام في سابقه.

(4) علي ما تقدم الكلام فيه في الوضوء.

(5) علي ما تقدم في الوضوء.

(6) لأن ما يقتضي اعتبار إباحة مجري الماء يقتضي إباحة كل ما يمر به، لا خصوص ما يستقر فيه، كالبالوعة.

(7) بل و أن لم يجر عليها إذا كان الغسل تصرفا فيها من وجه آخر، كما لو استلزم تقليب الميت عليها.

(8) يعني: بإمكان الغسل علي سدة أخري أو من غير سدة.

(9) يعني: و يجب. أما الوجوب فلإطلاق أدلته بعد فرض القدرة علي إيقاعه من دون أن يستلزم التصرف المحرم، لفرض عدم الانحصار.

و أما الصحة فلأن مجرد ملازمة الفعل الحرام لا تمنع من التقرب به إذا لم يكن

ص: 140

أما معه فيسقط الغسل (1)، لكن إذا غسل حينئذ صح الغسل (2). و كذلك التفصيل في ظرف الماء إذا كان مغصوبا (3).

(مسألة 7): يجزي تغسيل الميت قبل برده (4).

______________________________

سببا توليديا للحرام.

(1) لمزاحمته بحرمة التصرف في المغصوب، فيسقط و يكتفي بالتيمم علي ما يذكر في مبحث التيمم من الاكتفاء في مشروعيته بمزاحمة وجوب الطهارة المائية بكل تكليف آخر. و يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالي في المسوغ الثاني من مسوغات التيمم.

(2) لأن سقوطه بالمزاحمة لا ينافي مشروعيته و إمكان التقرب به بلحاظ ملاكه.

نعم تقدم في الوضوء من الإناء المغصوب الإشكال في التقرب بالعمل العبادي التدريجي إذا كان مبني الاستمرار فيه علي نية الاستمرار في الحرام الذي هو مقدمة له، و ذلك جار في المقام. فراجع.

(3) تقدم تفصيل الكلام فيه في مبحث الوضوء.

مسألة 7: يجزي تغسيل الميت قبل برده

(4) كما هو مقتضي إطلاق الأصحاب في المقام. و يقتضيه إطلاق بعض النصوص، كصحيح ذريح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: فإذا مات الميت فخذ في جهازه و عجله» «1» و نحوه مرسل العيص «2»، لوضوح أن التغسيل أول أفعال التجهيز.

بل قد يستفاد من النصوص المتضمنة وجوب غسل الميت، لأنها و إن وردت في مقام تشريعه، إلا أن عدم التعرض فيها لوقته موجب لظهورها و لو بإطلاقاتها المقامية في عدم اعتبار أمر فيه زائد علي الموت. و لا سيما مع التعليل في جملة منها بأنه يجنب بالموت، لوضوح أنه لا يعتبر في وقت غسل الجنابة أمر زائد عليها.

بل في الروض في تعقيب كلامه الآتي المتضمن عدم توقف العلم بالموت علي البرد:

«و عن عبد اللّه بن سنان عنه عليه السّلام: يغتسل الذي غسل الميت. و إن غسّل الميت إنسان بعد موته و هو حار فليس عليه غسل، و لكن إذا مسه و قبله و قد برد فعليه الغسل … و هذا

______________________________

(1) الوسائل باب: 35 من أبواب الاحتضار حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 47 من أبواب الاحتضار حديث: 6.

ص: 141

______________________________

الحديث كما يدل علي صدق الموت قبل البرد، كذلك يدل علي جواز تغسيله قبله … ».

لكن الحديث المذكور و إن كان معتبرا سندا، إلا أن الموجود في الكافي و التهذيبين و الوسائل «1» و عن الوافي و غيره روايته هكذا: «و إن قبّل الميت إنسان بعد موته و هو حار فليس عليه غسل»، و يناسبه سياق الذيل. و من هنا يطمأن بوقوع التصحيف في نقله، أو في النسخة التي نقل منها. و من هنا لا مجال للتعويل علي روايته له. و ينحصر الدليل بالإطلاقات.

هذا، و قد يستفاد عدم مشروعية التغسيل قبل البرد مما تضمن عدم وجوب الغسل بالمس قبله بناء علي اشتراكهما في علة واحدة، كما يناسبه ما في حديث محمد بن سنان عن الرضا عليه السّلام: «قال: و علة اغتسال من غسل الميت أو مسه لما أصابه من نضج الميت، لأن الميت إذا خرج منه الروح بقي أكثر آفته، فلذلك يتطهر منه و يطهر» «2».

لكن ظاهر هذا الحديث أن العلة فيهما معا خروج الروح، فيكون الغسلان معا تابعان لها لا للبرد، و ثبوت اعتبار البرد في وجوب غسل المس لا يقتضي ذلك في التغسيل.

و مثله الاستدلال بما تضمن من النصوص الكثيرة وجوب الغسل علي من غسل الميت، بضميمة معلومية كون الغسل المذكور من صغريات غسل المس الذي يعتبر فيه البرد، حيث يدل علي المفروغية عن وقوع الغسل بعد البرد و عدم وقوعه قبله.

لاندفاعه: بأن النصوص المذكورة حيث لم ترد لبيان عدم مشروعية التغسيل قبل البرد فلا إطلاق لها من هذه الجهة، بل قد تبتني علي غلبة حصول البرد و لو في آخره كغلبة حصول المس حال التغسيل. فالظاهر أنه لا مخرج عن إطلاقات التغسيل التي ذكرناها.

نعم، ذهب جماعة إلي عدم نجاسته حينئذ، و قد استدل عليه في محكي الذكري بعدم القطع بالموت، و في المدارك بعدم تحقق انتقال الروح منه. و ربما يحمل عليه الاستدلال في كلامهم بالاستصحاب، و إن لم يبعد ظهور كلام جامع المقاصد في إرادة استصحاب الطهارة، لعدم ثبوت عموم نجاسة الميت.

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب غسل الميت حديث: 15.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب غسل الميت حديث: 12.

ص: 142

(مسألة 8): إذا تعذر السدر و الكافور فالأقوي وجوب تغسيله ثلاث مرات بالماء القراح (1).

______________________________

و مقتضي ذلك عدم ترتيب جميع أحكام الموت، و منها وجوب التغسيل، و إن لم يصرحوا هم بذلك، بل يظهر مما يأتي من الروض عدم ظهور قائل بذلك، و إن كان هو ظاهر أو صريح كاشف الغطاء.

لكن لا مجال لمنع القطع بالموت قبل البرد، فإن القطع و إن لم يكن له ضابط إلا أن الظاهر أنه كثيرا ما يتضح الموت قبل البرد. قال في الروض في توضيح ذلك: «و إلا لما جاز دفنه قبل البرد، و لم يقل به أحد، خصوصا صاحب الطاعون، و قد أطلقوا القول باستحباب التعجيل مع ظهور علامات الموت، و هي لا تتوقف علي البرد، مع أن الموت لو توقف القطع به علي البرد لما كان لقيد البرد فائدة بعد ذكر الموت … و كل حديث دل علي التفصيل بالبرد و عدمه دل علي صدق الموت قبل البرد … ».

و أما ما في الحدائق من الجواب علي ذلك، حيث قال: «لا نمنع الموت حال الحرارة، و إنما نمنع انفصال الروح بكليتها في تلك الحال، و ذلك فإن الروح بعد خروجها من البدن يبقي لها اتصال به كاتصال شعاع الشمس بعد غروبها بما أشرقت عليه و آثار ذلك الاتصال باقية ما دامت الحرارة موجودة، و بعد البرد ينقطع ذلك و يقطع بخروجها بجميع متعلقاتها و آثارها، فلا منافاة حينئذ».

فهو كما تري فإن بقاء بعض آثار الحياة لا ينافي انفصال الروح بكليتها، بل كيف يمكن منع انفصالها كذلك مع الاعتراف بصدق الموت. علي أنه مع صدقه يلزم ترتب جميع أحكامه التي تضمنتها النصوص و منها النجاسة و مشروعية التغسيل، و لا وجه للتوقف فيها مع إطلاق أدلتها. فكلامه لا يخلو عن اضطراب و تدافع.

مسألة 8: إذا تعذر السدر و الكافور فالأقوي وجوب تغسيله ثلاث مرات بالماء القراح
اشارة

(1) أما عدم سقوط التغسيل رأسا و الانتقال للتيمم فالظاهر عدم الإشكال فيه بينهم، و في الحدائق أن الظاهر اتفاق الأصحاب عليه، و في الجواهر: «بلا إشكال و لا خلاف أجده بين كل من تعرض لذلك من الأصحاب، كالشيخ و الحلي و الفاضلين و الشهيدين و المحقق الثاني و غيرهم من متأخري المتأخرين».

ص: 143

______________________________

بل يظهر منهم المفروغية عنه، حيث لم يتعرضوا للكلام فيه، بل في وحدة الغسل و تعدده. و أما ما في النهاية و السرائر من أنه لا بأس بتغسيله بالماء القراح، فالظاهر أن المراد به الوجوب، لأنه إذا شرع وجب، كما في الجواهر.

و كأنه لقاعدة الميسور المستفاد جريانها في الطهارات من ملاحظة الموارد الكثيرة كالأقطع و الجبائر و غيرها، و في خصوص المقام مما ورد في المحرم من أنه يصنع به ما يصنع بالمحل إلا أنه لا يمسّ طيبا «1»، حيث كان مقتضي إطلاق بعضه عدم استعمال الكافور حتي في غسله، لا في خصوص التحنيط.

بل لا يبعد ارتكازيتها عند المتشرعة، خصوصا بملاحظة ما تضمن تعليل التغسيل بأن الميت يجنب، لما هو المعلوم من أن المطهر من الجنابة هو الماء، و أن الخليط مطلوب لخصوصية في الميت، فتعذره لا يوجب سقوط التغسيل بالماء من جهة الجنابة.

و كأن ذلك هو الوجه في عدم ورود السؤال عن تعذر الخليطين و الفروع المناسبة له في النصوص- و منها ما ورد في المورد، كما سيأتي- علي كثرة الابتلاء بذلك، حيث لا يحتمل كون منشأ عدم السؤال وضوح سقوط الغسل مع ما هو المعلوم من ابتناء الطهارات علي الميسور في كثير من الموارد، و لا سيما مع كون المتعذر غير مقوم للغسل ارتكازا، بل قوامه الماء.

و بالجملة: الظاهر وضوح عدم سقوط الغسل في الفرض بعد النظر في مجموع النصوص و كلمات الأصحاب و المرتكزات المتشرعية. و إن كان هو خلاف مقتضي الأصل في الواجب الارتباطي بعد عدم نهوض الاستصحاب بإثبات وجوب الميسور، و عدم ثبوت عموم يشهد لقاعدة الميسور، علي ما ذكرناه في الأصول مفصلا بما لا مجال لإطالة الكلام فيه هنا. و ربما يأتي عند الكلام في وحدة الغسل و تعدده ما ينفع في المقام.

هذا، و قد قرب في الحدائق سقوط الغسل و وجوب التيمم. مستدلا عليه- مضافا في سقوط الغسل إلي الأصل المتقدم- بأنه ربما يلوح من موثق عمار: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما تقول في قوم كانوا في سفر لهم يمشون علي ساحل البحر فإذا هم برجل ميت قد لفظه البحر و هم عراة، و ليس عليهم إلا إزار، كيف يصلون عليه

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 13 من أبواب غسل الميت.

ص: 144

______________________________

و هو عريان، و ليس معهم فضل ثوب يكفنونه [به]؟ قال: يحفر له … » «1»، و نحوه مرسل محمد بن أسلم عن الرضا عليه السّلام «2» حيث لم يتعرض الإمامان عليهما السّلام لذكر الغسل.

قال: «و الظاهر أنه لا وجه لسقوطه إلا فقد الخليطين فإن ظاهر تلك الحال يشهد بتعذر وجوده … لا يقال: أن الواجب مع تعذر الغسل التيمم، و هذان الخبران خاليان من التعرض له أيضا. لأنا نقول: غايتهما في ذلك أن يكونا مطلقين في هذا الحكم فيجب تقييدهما بما دل علي الحكم المذكور من الأخبار- كما سيأتي في المسألة- بخلاف الغسل، فإنه ليس هنا ما يوجب تقييد إطلاقها، إذ لا رواية في المسألة كما عرفت».

أقول: أما الأصل فقد عرفت حاله. و أما الحديثان فعدم تعرض الإمامين عليهما السّلام لذكر الغسل فيهما لا يكشف عن عدم وجوبه، لأنهما عليهما السّلام بصدد بيان كيفية الصلاة المسؤول عنها، لا بصدد بيان تمام الوظيفة المتعلقة بالميت المذكور. بل إهمال السؤال عن حكم الغسل مع عدم الخليطين قد يظهر في المفروغية عن وجوبه بسبب ما ذكرناه آنفا، إذ لا يحتمل كون عدم السؤال للمفروغية عن سقوطه، كما سبق.

و أما استفادة وجوب التيمم في المقام من النصوص فتشكل بأن نصوص التيمم الواردة في تيمم الميت مختصة بما إذا تعذر الغسل لعدم وجود المماثل الرحم أو لتعذر استعمال الماء لفقده أو لمحذور في استعماله كخوف تناثر جلد الميت، علي ما يأتي في محله، و لا تشمل ما لو تعذر الخليطان مع إمكان استعمال الماء.

و هو الحال أيضا في عمومات تشريع التيمم من الكتاب و السنة، فإنها إنما تقتضي بدليته عن الماء لا عن غيره مما له دخل في التطهير مع إمكان استعمال الماء. فلو بني علي الجمود علي مقتضي النصوص ثم الرجوع للأصل- و غض النظر عما ذكرنا- لزم البناء علي سقوط الغسل و التيمم معا، و لو بني علي الاحتياط لزم الجمع بينهما معا، و إن بني علي متابعة الأصحاب فقد سبق ظهور كلامهم في المفروغية عن وجوب الغسل، كما سبق تقريب القرائن الأخري الشاهدة له، حيث يبعد معها التعويل علي الأصل المذكور. أما وجوب التيمم وحده فلا شاهد عليه أصلا.

إذا عرفت هذا فقد اختلف الأصحاب في عدد الغسل حينئذ فقد أطلق في

______________________________

(1) الوسائل باب: 36 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 36 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 2.

ص: 145

______________________________

المقنعة و المبسوط و النهاية أنه يغسل بالماء القراح، و إن لم يبعد ظهور عبارة النهاية في الاكتفاء بالواحد، حيث قال: «فلا بأس أن يغسل بالماء القراح و يقتصر عليه»، لمناسبته لإمكان عدم الاقتصار، و هو لا يكون إلا بالإضافة للتثليث، أما بالإضافة للخليط فالمفروض تعذره.

و هو الظاهر أيضا من الشرائع و صريح المعتبر و النافع و المدارك و محكي التلخيص و مجمع البرهان، و عن الذكري أنه أفقه، و ظاهر المختلف التردد، و في المنتهي أن في عدد الغسل إشكالا، بل عن التحرير أن في كفاية الواحد إشكالا.

و قرب في التذكرة وجوب الثلاث. و به جزم في القواعد و الإرشاد و الدروس و جامع المقاصد و المسالك و الروض و محكي نهاية الأحكام و التحرير و التنقيح و كشف الالتباس و فوائد الشرائع و شرحي الجعفرية و غيرها، و في السرائر أنه لا بأس بتغسيله ثلاثا بالماء القراح.

و كيف كان، فعدم سقوط كل غسل بتعذر خليطه مقتضي قاعدة الاشتغال، بناء علي ما سبق منا عند الكلام في وجوب تثليث الأغسال من أن وجوب التغسيل ليس لنفسه، بل بلحاظ أثره و هو الطهارة، فلا بد من إحرازها فحيث فرض في المقام عدم سقوط التغسيل يتعين الاقتصار علي ما يعلم بترتب الطهارة الاضطرارية عليه، و هو لا يكون إلا بالتثليث.

و قد يستدل عليه أيضا بما ورد في المحرم من أنه يصنع به كما يصنع بالمحل إلا أنه لا يقربه طيبا «1»، بدعوي: أن مقتضاه تثليث الغسلات من دون كافور، كما ذكره في الجواهر. لكنه لا يخلو عن إجمال، لإمكان أن يراد منه سقوط الغسلة الثانية المشتملة علي الكافور، لا فعلها مجردة عنه الذي هو مبني الاستدلال. و لعله المناسب لارتكاز كون الاهتمام بالغسلة ذات الخليط لأجل خليطها، فمع سقوطه تسقط.

و إن كان الإنصاف أن ذلك أبعد عن عبارة النصوص المشتملة علي استثناء نفس الطيب من تمام تجهيز المحلّ- و هو في المقام الكافور- لا غسلته، و سقوط غسلته تبعا له لا يناسب الاستثناء باللسان المذكور، كما لا يناسب مبني الأصحاب في المقام.

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 13 من أبواب غسل الميت.

ص: 146

______________________________

نعم، استشكل شيخنا الأعظم قدّس سرّه في الاستدلال المذكور بأن المتعذر شرعا كالمتعذر عقلا، دون العكس. مع أن الحكم الثابت في مورد خاص لتعذر شرعي لا يسري إلي التعذر العقلي. انتهي.

لكنه كما تري، فإن عدم تقريب الكافور من المحرم ليس لمزاحمة وجوبه من جهة الموت بحرمته من جهة الإحرام، ليرجع للتعذر الشرعي، بل للتخصيص، و لذا لا يكون مشروعا واجدا للملاك حتي لو وقع جهلا أو غفلة. فالاستدلال به في المقام ينبغي أن لا يبتني علي قياس أحد التعذرين بالآخر- كما يظهر من الجواهر- بل علي الاستئناس بما ورد فيه لمعرفة مبني اعتبار الخليطين من قبل الشارع، إلغاء لخصوصية مورد النص عرفا. و عليه يبتني ما سبق منا من الاستشهاد به لعدم سقوط الغسل من أصله. و من هنا يقرب كونه عاضدا أو مؤيدا لمقتضي الأصل المتقدم.

هذا، و قد استدل في جامع المقاصد و غيره بأن بعض النصوص قد تضمن تغسيله في الأوليين بماء و سدر، و بماء و كافور، فالمأمور به شيئان، فإذا تعذر الخليطان أو أحدهما بقي الأمر بتغسيله كما كان.

و قد يظهر من جامع المقاصد أن الاستدلال المذكور يبتني علي عدم الارتباطية بين الواجبين المذكورين، الذي لا إشكال معه في عدم سقوط أحدهما بتعذر الآخر، لأنه تعرض بعد ذلك للاستدلال علي عدم السقوط بأن وجوب المركب يقتضي وجوب أجزائه فلا وجه لسقوط بعضها بتعذر الآخر.

و استشكل فيه بأن وجوب المركب إنما يقتضي وجوب أجزائه حيث هي أجزاء، لا مطلقا، و الماء عند تعذر السدر ليس جزءا لماء السدر، فإن مقتضي ذلك ابتناء الاستدلال المتقدم منه علي عدم الارتباطية.

و حينئذ يشكل بأن مقتضي الجمع بين ما تضمن وجوب غسل الميت و ما تضمن شرحه بالأغسال الثلاثة هو ثبوت الارتباطية بين الأغسال الثلاثة- و أنها بمجموعها تجب بوجوب واحد وارد علي غسل الميت المركب منها- فضلا عن الارتباطية بين أجزاء و شروط كل غسل منها. و لا سيما مع ما هو المعلوم من أن المراد بالغسل بالماء و الخليط غسل واحد بهما، لا الغسل بكل منهما علي انفراده، حيث لا يكون الخليط

ص: 147

______________________________

جزءا من الواجب، بل قيدا فيه، و من الظاهر أن الانحلالية في القيد و المقيد أصعب منها في الأجزاء.

و مما ذكرنا يظهر عدم الفرق من هذه الجهة بين التعبير بماء و سدر و ماء و كافور و التعبير بماء السدر و ماء الكافور، كما ورد التعبيران معا في النصوص. و ما يظهر منه و من غيره من الفرق بين التعبيرين في غير محله. علي أن لو تم الفرق بينهما لزمهم بيان الوجه في تحكيم الثاني علي الأول دون العكس.

و أما لو ابتني كلامهم علي الارتباطية بين الواجبين فعدم سقوط أحدهما بتعذر الآخر يبتني علي قاعدة الميسور أو الاستصحاب المشار إليهما آنفا. و من ثم قال سيدنا المصنف قدّس سرّه في مبني الكلام في تعدد الغسل و وحدته: «و ينبغي ابتناء الخلاف المذكور علي اعتبار إطلاق الماء في الغسلين الأولين و اعتبار إضافته، فعلي الأول يتعين الأول لقاعدة الميسور و الاستصحاب في وجه، و علي الثاني يتعين الثاني، لعدم صدق الميسور عرفا، و لتعدد الموضوع كذلك، فلا مجال للقاعدة و الاستصحاب».

و ما ذكره قدّس سرّه من التفصيل في جريان القاعدة و الاستصحاب في محله، بناء علي جريانهما في الواجبات الارتباطية. و مجرد كون الخليط شرطا عرفا لا جزءا من الغاسل بناء علي اعتبار إطلاق الماء لا يقدح في جريانهما بعد عدم كونه مقوما له عرفا.

نعم، ذكرنا آنفا عدم تماميتهما في الارتباطيات. و مجرد البناء علي الميسور بالإضافة لأصل التغسيل، لما سبق من تسالم الأصحاب الذي لا يبعد مطابقته لمرتكزات المتشرعة و غيره من القرائن كما سبق، لا يستلزم ثبوتها في المقام بعد وضوح الخلاف بينهم، و خفاء الحال بالإضافة للارتكازيات، إذ كما يمكن أن يكون الخليط مكملا للغسلة مع تقوم الغرض منها بالماء كذلك يمكن أن يكون مقوما لها- و إن لم يخرج الماء به عن الإطلاق- تبعا لتقوم الغرض منها به، فلا غرض منها مع فقده، كما يظهر مما يأتي من المعتبر.

ثم أنه قد استدل لسقوط الغسلة بتعذر خليطها.. تارة: بأصل البراءة من وجوب الغسلة بعد عدم جريان قاعدة الميسور و الاستصحاب في الارتباطية.

و أخري: بما في المعتبر من أن المراد بالسدر الاستعانة علي إزالة الدرن و بالكافور

ص: 148

و ينوي بالأولين البدلية عن الغسل بالسدر و الكافور (1).

______________________________

تطييبه و حفظه من إسراع التغير و تعرض الهوام، و مع عدمهما لا فائدة في تكرار الماء مع حصول النقاء.

و يظهر حال الأول مما تقدم منا من أن الجاري في المقام قاعدة الاشتغال، لا البراءة.

و أما الثاني فيشكل بأنه لو سلم كون ذلك هو الغرض من السدر و الكافور إلا أنه لم يتضح كونه تمام الغرض من الغسلتين، بل قد يكون هناك غرض زائد علي ذلك يتأتي من الماء وحده. و عدم الفائدة في تكرار الماء مع حصول النقاء ممنوع، بل قد يكون التطهير من حدث الموت أو نجاسته موقوفا علي تعدد الغسل، كما اعتبر في بعض موارد التطهير من الخبث. و من هنا لا مجال للخروج عما تقدم.

(1) قال في جامع المقاصد: «لا بد من تمييز الغسلات بعضها عن البعض الآخر، لوجوب الترتيب بينها، و ذلك بالنية، بأن يقصد تغسيله بالقراح في موضع ماء السدر، و كذا في ماء الكافور» و نحوه في الروض و المسالك.

و فيه: أن لزوم الترتيب بين الغسلات لا يستلزم لزوم قصده، بل مقتضي إطلاق أدلة شرح غسل الميت عدمه و الاكتفاء بالترتيب بينها و إن لم يقصد. و غايته ما ثبت هو لزوم قصد التقرب بغسل الميت. و به يخرج عن مقتضي أصالة الاشتغال التي عرفت أنها المرجع في الطهارات، و علي هذا لو عكس الترتيب بينها جهلا أو خطأ صح ما لا ينافي الترتيب منها و اقتصر في التدارك علي ما يطابقه، فلو غسل بالماء القراح أولا ثم بالكافور ثم بالسدر صح التغسيل بالسدر و وجبت إعادة غسلة الكافور ثم غسلة الماء القراح لا غير. و حينئذ لو فقد الخليط لا يبقي موضوع للترتيب، بل يكون وقوع كل غسلة في موقعها قهريا بلا حاجة للنية.

و أشكل من ذلك ما قد يظهر منه و هو صريح المتن و العروة الوثقي من لزوم قصد بديلة الغسلة بالقراح عن الغسلة ذات الخليط. لوضوح أن عنوان البدلية إنما يتنزع بين المتباينين كالعين و القيمة لا بين التام و الناقص الذي يبتني وجوبه علي عدم سقوط الميسور بالمعسور، كما هو الحال في المقام ارتكازا، لأن قاعدة الميسور و إن لم تثبت إلا أنه إذا ثبت عدم سقوط الغسلة بتعذر خليطها فهو مبتن عليها، لا علي بدلية

ص: 149

______________________________

الغسلة بالقراح عن الغسلة بالخليط.

نعم، لو ثبتت البدلية فاحتمال اعتبار قصدها مطابق لقاعدة الاشتغال، التي لا مخرج عنها في المقام، لأن الإطلاقات إنما تضمنت شرح الغسل الاختياري لا الاضطراري فالعمدة ما ذكرنا من عدم ابتناء المقام علي البدلية.

و نظير ما سبق في الإشكال ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من أن عدم تمييز الغسلات بالنية إنما يتم لو فرض كون الأغسال الثلاثة من قبيل أفراد طبيعة واحدة، لا تمايز بينها. و لكنه غير ظاهر. و مجرد الاتفاق في الصورة لا يستلزم الاتفاق في الحقيقة، و مقتضي قاعدة الاشتغال لزوم التعيين بالقصد.

إذ فيه: أن احتمال لزوم التعيين بالقصد في المقام إن كان لوجوب تعيين الغسلات التامة به فهو مدفوع بإطلاق أدلة شرح غسل الميت، و إن كان لخصوصية في الغسلات الناقصة من الخليط، فهو لا يناسب ما ذكرناه من ارتكاز ابتناء وجوب الغسلات المذكورة علي أنها الميسور من الواجب، حيث لا يناسب ذلك وجوب أمر زائد فيها لا يعتبر في الواجب التام.

مضافا إلي أن ذلك لو تم لا يقتضي قصد عنوان البدلية. إلا أن يكون مرادهم به ما يساوق تمييز الغسلات بالنية، و ذكر البدلية لضيق التعبير. و لعله لبعض ما ذكرنا أو نحوه قال في الجواهر بعد ما ذكر ما تقدم من جامع المقاصد: «و فيه تأمل، بل منع».

اللهم إلا أن يقال: ما ذكروا أن كان مطابقا للمرتكزات المشار إليها إلا أن في بلوغ ذلك مرتبة القطع المانع من قاعدة الاشتغال إشكال، بل منع، حيث قد يحتمل اعتبار التعيين تحقيقا لموضوع الترتيب بعد ارتفاعه بتعذر الخليط، خصوصا بناء علي اعتبار خروج الماء بالخليط عن الإطلاق، حيث لا يكون الغسل بالماء القراح عند تعذره ميسورا منه، بل بدلا عنه عرفا، فيتجه احتمال لزوم التمييز بين الغسلات بالنية و إن لم يجب التمييز بها بين الغسلات ذات الخليط. و إن كان الانصاف بعد الاحتمال المذكور.

بقي في المقام أمور:
الأول: قال في التذكرة: «لو لم يجد السدر ففي تغسيله بما يقوم مقامه من الخطمي و نحوه إشكال»

و نحوه ما عن نهاية الأحكام و شرح الجعفرية. و حيث لا

ص: 150

______________________________

نصّ علي البدلية المذكورة فلا مجال للبناء علي مشروعية الغسل بالخطمي و إن تأدي به التنظيف. بل لا مجال لاحتمال مشروعيته مع ذلك- ليجب بمقتضي قاعدة الاشتغال، لأن كونه موردا للابتلاء و محتاجا للبيان لا يناسب إهماله في النصوص و الفتاوي.

و أما قوله عليه السّلام في موثق عمار: «ثم تبدأ فتغسل الرأس و اللحية بسدر حتي ينقيه …

و إن غسلت رأسه و لحيته بالخطمي فلا بأس» «1». فهو أجنبي عما نحن فيه، لظهوره في غسل خصوص الرأس و اللحية الذي هو من آداب الغسل، لا ما يكون جزءا منه، و في كون الخطمي في عرض السدر لا في طوله مشروطا بتعذره. نعم لا إشكال في جواز ذلك لا علي أن يكون غسلا شرعيا. و كأنه إليه قوله في الجواهر: «و عندي لا إشكال في الجواز و عدم الوجوب».

و منه يظهر أنه لا مجال لاحتمال بدلية غير الخطمي، لأن عدم الإشارة لذلك في النصوص و الفتاوي مع كونه موردا لابتلاء و محتاجا للبيان لو كان ثابتا شاهد بعدمه.

و أما قوله في المقنعة: «و إذا لم يوجد للميت سدر و كافور و أشنان غسل بالماء القراح». فالظاهر أن ذكر الأشنان فيه ليس لكونه بدلا اختياريا أو اضطراريا عن أحد الخليطين في الغسل الواجب، بل لما ذكره قبل ذلك من استحباب تنجية الميت به مقدمة له. و نحوه قوله في المبسوط: «و يستعد شي ء من السدر لغسل رأسه، فإن لم يوجد فالخطمي أو ما يقوم مقامه في تنظيف الرأس» فليس مراده بدلية الخطمي في الغسل الواجب- كما قد يظهر من جامع المقاصد حمله عليه- بل في غسل خصوص الرأس المستحب، نظير ما تقدم في موثق عمار، و إن خالفه في ظهوره في كون البدلية اضطرارية و ظهور الموثق في كونها اختيارية.

الثاني: ما تقدم جار فيما لو تعذر أحد الخليطين، فيجب الميسور من الغسل أيضا،

كما صرح به بعضهم. و يجري فيه ما تقدم من سقوط غسل المتعذر و عدمه، و لزوم الترتيب بالنية لو تعذر الكافور و عدمه. و أما لو تعذر السدر فيمكن الترتيب الخارجي بتوسط غسلة الكافور بين غسلتي قراح. و وجوبه أظهر.

الثالث: أنه لو وجد الخليطان بعد الغسل بالماء القراح و قبل الدفن وجبت الإعادة

ذكر في جامع المقاصد و الروض و حاشية المدارك و محكي الذكري

______________________________

(1) الوسائل ج 2 باب: 3 من أبواب غسل الميت حديث: 12.

ص: 151

______________________________

و غيرها أنه لو وجد الخليطان بعد الغسل بالماء القراح و قبل الدفن وجبت الإعادة، لأن تشريعه للضرورة. و اقتصر في الرياض علي أنه أحوط، و زاد في المدارك أن الأظهر العدم. قال: «لتحقق الامتثال المقتضي للإجزاء».

و يشكل بأن الاجتزاء بالناقص لما كان للضرورة كان إطلاق دليل تشريعه بالتعذر منصرفا لصورة التعذر المستمر، دون الموقت، فضلا عن مثل المقام مما لم يكن لدليل تشريعه إطلاق يقتضي مشروعيته بالتعذر، و إنما استفيد من الأدلة اللبية المتيقن منها التعذر المستمر. و لا سيما مع كون الناقص عرفا من سنخ الميسور من التام، لا من سنخ البدل عنه، حيث يكون الامتثال به ارتكازا للأمر الضمني بالناقص، لا لأصل الأمر بالتام، فلا وجه لإجزاءه عنه مع تجدد القدرة عليه، إذ الامتثال إنما يقتضي الإجزاء عن الأمر الممتثل، لا عن غيره. فلا مخرج عن إطلاق وجوب الغسل التام في المقام.

هذا، و ظاهر من تقدم المفروغية عن عدم وجوب الإعادة مع تجدد القدرة بعد الدفن. بل في حاشية المدارك: «و أما بعد الدفن فلعل عدم الاعادة حينئذ فيه إجماعي. و مع ذلك موجب للنبش الحرام. و مع ذلك لم يثبت من العموم الشمول له، لأنه واجب قبل الدفن، لا مطلقا» و قريب منه في الرياض. و كأنه لأجل ذلك أو بعضه اقتصر في العروة الوثقي علي الاحتياط بالتغسيل لو اتفق خروج الميت، لا بنحو يقتضي وجوب إخراجه.

لكنه يشكل: بأن مرجع ما تضمن وجوب التغسيل قبل الدفن إلي وجوب إيقاع التغسيل قبله، بحيث لا يشرع الدفن بدونه، لا إلي شرطية وجوب التغسيل بعدم الدفن، ليسقط وجوب التغسيل معه، فإن ذلك خلاف إطلاق ما تضمن وجوب تغسيل الميت.

و مقتضي ذلك انكشاف عدم مشروعية الدفن بظهور القدرة علي التغسيل التام. و حينئذ لا دليل علي حرمة النبش في الفرض، لعدم إطلاق دليلها بنحو يشمل النبش المتعقب للدفن غير المشروع. كي يصلح لمزاحمة وجوب التغسيل الذي هو مقتضي الإطلاق. و لذا يأتي في المسألة الثامنة و الستين جواز النبش إذا دفن الميت بلا تغسيل. فلم يبق إلا الإجماع الذي أشار إليه، و لم يتضح انعقاده في المقام بالنحو الكافي في الحجية و المخرج عن إطلاق دليل وجوب التغسيل التام.

ص: 152

______________________________

و لعل المتيقن منه بعد التأمل في المرتكزات ما لو تعرض به الميت للهتك، حيث لا يبعد كون إجزاء الغسل الناقص هو المتيقن من السيرة الارتكازية علي مشروعية الناقص، لبنائهم علي وجوب المسارعة له حذرا من ذلك. و لولاه لم تشرع الأبدال الاضطرارية بالتعذر، بل ينتظر القدرة علي التام مهما طال الزمان. فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

الرابع: لو تعذر التغسيل ثلاثا اقتصر علي ما يمكن مرة أو مرتين.

كما يظهر الوجه فيه مما تقدم في تعذر الخليطين. و به صرح في الشرائع و جملة ممن تأخر عنه، بنحو يظهر من جملة منهم أنه مفروغ عنه، حيث لم يحرروا الخلاف فيه، بل في تعيين التغسيل الواجب.

فقد ذهب في جامع المقاصد و الروض و المسالك إلي وجوب تقديم الأسبق.

قال في الجواهر: «لوجوب البدأة به المستفاد من الأدلة، مع ظهور عدم تقييد ذلك بالتمكن مما بعده، كظهورها في اشتراط الترتيب القاضي بعدم صحة القراح حتي يسبق بالغسلين، فالأصل يقضي بسقوطه عند تعذر شرطه. من غير فرق بين الاختيار و الاضطرار. و للاستصحاب في بعض الوجوه، بل قاعدة الميسور عند التأمل، لأنه هو الميسور من المكلف به».

و كأن المراد بالاستصحاب استصحاب وجوب الترتيب مع قطع النظر عن إطلاق أدلته، كما ذكره في الروض. كما أن اختصاص الغسل الأول بكونه ميسورا بلحاظ عدم اشتراطه بما بعده و اشتراط ما بعده به، المستلزم لتيسره و تعسر ما بعده.

لكن لا يخفي أن وجوب البدء بالأسبق لم يستفد إلا مما دل علي وجوب الترتيب، فهو راجع إليه لا وجه آخر في قباله.

و حينئذ فوجوب الترتيب في الواجبات الاستقلالية- كالظهرين- و إن كان يستفاد منه عرفا شرطية المتقدم في المتأخر، دون العكس، و لذا يصح المتقدم لو انفرد، و لا يصح المتأخر إلا مع سبقه به. إلا أنه لا يستفاد منه في الواجبات الارتباطية ذلك، بل مقتضي الارتباطية شرطية كل منهما في الآخر، كبقية ما يعتبر في المركب. و الاكتفاء ببعضها عند تعذر الباقي يبتني علي رفع اليد عن الارتباطية، و كما يمكن رفع اليد عن

ص: 153

______________________________

المتأخر يمكن رفعها عن المتقدم، و المعيار إنما هو الأهمية بنظر الشارع الأقدس، و لو لإدراكه استقلال بعضها بأثره عند تعذر غيره، دون العكس.

و مثله في الإشكال ما أشار إليه في الروض من وجوب امتثال الأمر بحسب الممكن، و الخليط مأمور به مع إمكان الجمع بينه و بين الماء. لاندفاعه بما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من أن في صرف الماء في الغسل بالخليط تفويت جهة زائدة أيضا، و هي الخلوص من الخليط المعتبر في الغسل الثالث.

و لعله لذا قال في الدروس: «و لو وجد ماء غسلة قدم السدر. و يقوي القراح».

بل عن الذكري: «و لو وجد ماء لغسلة واحدة فالأولي القراح، لأنه أقوي في التطهير، و لعدم احتياجه إلي جزء آخر». و كأن أقوائية القراح لما هو المرتكز من استناد التطهير إليه- كما في بقية الطهارات- المناسب لكون الغسل بالخليط بلحاظ جهة زائدة لا تنهض بمزاحمة التطهير المطلوب في الميت، و لا سيما بملاحظة ما تضمن أنه جنب يغسل للجنابة، لما هو المعلوم من أهمية رفع الجنابة، و كذا ما تقدم من مشروعية الغسل مع تعذر الخليطين، الكاشف عن استقلال القراح بأثره في الجملة.

و لعل الأولي أن يقال: إن كان الخليط المعتبر في الغسلة بنحو يخرج الماء عن الإطلاق فلا يبعد ترجيح القراح. و كذا إن كان بنحو لا يخرجه عن الإطلاق و كان المعتبر في القراح عدم صدق الخلط. لأن القراح لو لم يكن معلوم الأهمية لما سبق فلا أقل من كونه محتملا لها، فيقطع معه ببراءة الذمة. و إن كان بنحو لا يخرجه عن الإطلاق و كان المراد بالقراح ما يساق الإطلاق يلزم الجمع بين الخليطين في الغسلة الواحدة إن لم يخرج الماء به عن الإطلاق، لما فيه من الجمع بين المحتملات و المحافظة علي خصوصية الخليطين بالمقدار الممكن الذي هو مقتضي قاعدة الاشتغال التي تكرر أنها المرجع في المقام. و هو الذي احتمله في حاشية المدارك.

و منه يظهر الحال فيما لو كان المقدور غسلين، حيث يتعين علي الأولين الغسل أولا بأحد الخليطين- مخيرا بينهما أو مع ترجيح السدر- ثم الغسل بالقراح، و علي الأخير يكفي الغسل أولا بالسدر ثم بالكافور و الاجتزاء به عن الغسل بالقراح.

قال في محكي الذكري: «و لو وجد لغسلين فالسدر مقدم، لوجوب البدأة به. و يمكن

ص: 154

______________________________

الكافور، لكثرة نفعه». و يظهر الحال فيه مما ذكرنا.

اللهم إلا أن يقال: في بلوغ الوجه المذكور للترجيح حدّ القطع إشكال، بل منع. فإن أمكن الجمع بين المحتملات بنحو يقطع بمشروعية الغسل المأتي به- كما هو الحال علي بعض المباني المشار إليها- فهو، و إلا فإن علم بالتساوي بين الأغسال بنظر الشارع علم بتشريع كل منها تخييرا، و إن دار الأمر بين التساوي و رجحان أحدها المعين عند المكلف علم بمشروعية ذلك المعين فيجب الاقتصار عليه. و إن علم أو احتمل رجحان أحدها غير المعين عند المكلف لزم التخيير مع عدم إحراز مشروعية المأتي به، لأن المتيقن من التشريع في تزاحم الواجبات الارتباطية المحتمل اختلافها بالأهمية إنما هو للأهم واقعا، فمع احتمال كون الأهم الطرف غير المأتي به لا يحرز مشروعية المأتي به، بخلاف تزاحم الواجبات الاستقلالية، للعلم بمشروعية كل منها حتي غير الأهم. غايته أنه يجب تقديم الأهم لفعلية التكليف به، فمع عدم تعيين الأهم يتعين التخيير عقلا، لعدم تنجز الأهمية حينئذ.

و إنما يجب التخيير في الواجبات الارتباطية مع عدم إحراز مشروعية المأتي به من باب وجوب الإطاعة الاحتمالية للتكليف المعلوم، نظير التخيير عند الاضطرار إلي بعض غير معين من أطراف العلم الإجمالي. و حينئذ يتعين الاحتياط بضم التيمم للغسل في المقام. إلا أن يدعي العلم بعدم وجوب الاحتياط المستلزم لمشروعية المأتي به و إن لم يكن أهم. و عهدة ذلك علي مدعيه.

بقي شي ء:

و هو أنه ذكر في جامع المقاصد و الروض و المسالك و محكي البيان وجوب التيمم بدل الغسل الفائت، و اقتصر في الدروس علي كونه مقتضي الاحتياط.

و جزم في الذكري بعدم وجوب التيمم، لحصول مسمي الغسل. و لا ينبغي التأمل في وجوبه بناء علي أن الواجب مع تعذر التغسيل رأسا ثلاثة تيممات، لرجوعه إلي بدلية التيمم عن كل واحد من الأغسال، لا عن جميعها، و حيث كان الاكتفاء ببعضها مع تعذر الباقي لأنه الميسور منها، لا لبدليته عن الكل تعين وجوب التيمم بدل المتعذر.

و أما بناء علي وجوب تيمم واحد يتعذر أصل التغسيل فيشكل مشروعية التيمم، لعدم ثبوت بدليته عن بعض الطهارة المائية، بنحو يجمع بينه و بين استعمال

ص: 155

(مسألة 9): يعتبر في كل من السدر و الكافور (1) أن لا يكون كثيرا

______________________________

الماء. و لا سيما بناء علي أن الترجيح للغسل بالماء القراح، حيث لا يعهد بدلية التيمم عن الغسل بغيره. نعم حيث لا إطلاق لدليل الاكتفاء بالغسل الناقص في المقام فلا محرز للاجتزاء به عن التيمم. بل مقتضي قاعدة الاشتغال- التي تكرر أنها المرجع في المقام- لزوم ضمه بدلا عما ينقص من الأغسال.

اللهم إلا أن يقال: بعد فرض ظهور دليل تشريع التيمم عند تعذر الغسل في بدلية تيمم واحد عن الغسل فالمعهود في تشريع الطهارة المائية الناقصة الاكتفاء بها عن التيمم، بنحو يحتاج تشريعه في المقام إلي عناية خاصة مغفول عنها، فمرجع الإجماع و ارتكازيات المتشرعة علي تشريع الطهارة الناقصة إلي عدم مشروعيته معها، و ليس احتمال مشروعيته إلا مساوقا لاحتمال عدم مشروعيتها.

و لعل من سبق منه وجوب ضم التيمم إنما بني علي ذلك لبنائه علي وجوب تعدد التيمم مع تعذر التغسيل رأسا، كما أن ما سبق من الذكري من عدم وجوبه قد يبتني علي ما حكي عنه من الاكتفاء بتيمم واحد عند تعذر التغسيل. و منه يظهر أن الاحتياط- لو كان له موضوع و لو بنحو الرجحان دون الإلزام- إنما يكون علي هذا المبني بالجمع بين الغسل الميسور و تيمم واحد لاحتمال عدم مشروعية كل واحد منهما، و إنما يتجه تعدد التيمم مع تعدد الغسل المتعذر علي المبني الأول لا غير.

مسألة 9: يعتبر في كل من السدر و الكافور أن لا يكون كثيرا
اشارة

(1) عبارات الأصحاب في المقام ليست علي نهج واحد فقد صرح بالاكتفاء بمسمي السدر و الكافور في الشرائع و المنتهي و القواعد و جامع المقاصد و الروض و الروضة و المسالك، كما صرح به في الكافور في المختلف، و في السدر في محكي نهاية الأحكام و التحرير و البيان و فوائد الشرائع و شرحي الجعفرية و تخليص التلخيص و التنقيح و مجمع الفائدة، و عنه و عن الكفاية و في المدارك أنه المشهور.

و كأنه بملاحظة إطلاق جماعة من قدماء الأصحاب و متأخريهم، ففي الاقتصاد:

«و يحصّل أيضا شي ء من السدر للغسلة الأولي، و قليل من الكافور للغسلة الثانية»، و نحوه في السرائر، و هو الظاهر من المبسوط، و في النهاية: «و يستعد أيضا شي ء من السدر لغسل رأسه و جسده و شي ء من الكافور للغسلة الثانية»، و عن الجامع: قليل

ص: 156

______________________________

سدر، كما أطلق جماعة كثيرة الغسل بماء السدر و بماء الكافور، بل في الفقيه: «و شي ء من جلال الكافور» و نحوه في الهداية حاكيا له عن رسالة والده.

لكن ارتكاز كون الغرض من السدر التنظيف و من الكافور التطيب قد يصلح للقرينية علي إرادة خصوص المقدار لهما من الإطلاقات المذكورة، لا الاكتفاء بوضع المسمي، كما هو مقتضي كلام الأولين. و لا سيما مع تفريق بعضهم بين السدر و الكافور بالتنبيه علي القلة في الثاني دون الأول، كما عرفت ممن تقدم.

و عليه جري في المراسم حيث أطلق السدر و قدر الكافور بنصف مثقال أو ما أمكن، و عن الجامع تقديره بنصف مثقال أيضا مع اقتصاره- كما تقدم- في السدر علي القلة التي يبعد إرادة المقدار المذكور منها، بل في المقنعة: «فيؤخذ من السدر المسحوق رطل و نحو ذلك … و من الكافور الجلال وزن نصف مثقال إن تيسر، و إلا فما تيسر منه و إن قلّ». و عن المهذب تقدير السدر برطل و نصف، لوضوح تأدي الأثر المطلوب من الكافور بالقليل منه بخلاف السدر.

بل إطلاق الجماعة الكثيرة ماء السدر و ماء الكافور لا يناسب الاكتفاء بالمسمي في الخليطين، بحيث يكفي ما يصدق عليه الاسم قبل الخلط بالماء، بل ظاهره- كما يأتي- الاعتداد بوجودهما بعد الخلط، و هو الذي احتمله بعضهم في كلام بعض من أطلق الاكتفاء بالمسمي ممن تقدم، و إن كان هو خلاف ظاهر كلامهم، بل خلاف صريح من اكتفي بسبع ورقات. و بالجملة لا يبعد كون مراد المشهور ما ذكرنا.

و هو الذي يقتضيه النظر في مجموع النصوص، لأنه و إن أطلق في بعضها، ففي صحيح يعقوب بن يقطين: «و يجعل في الماء شي ء من السدر و شي ء من كافور» «1»، إلا أن الجهة المتقدمة في كلام الأصحاب تجري فيه أيضا. مضافا إلي أن بقية النصوص لا تناسب ذلك، لأنها علي طوائف ثلاث:

الأولي: ما تضمن الغسل بالسدر و الكافور، ففي موثق عمار: «ثم تبدأ فتغسل الرأس و اللحية بسدر حتي ينقيه، ثم تبدأ بشقه الأيمن، ثم بشقه الأيسر … و تمرّ يدك

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 7.

ص: 157

______________________________

علي ظهره و بطنه بجرة من ماء حتي تفرغ منهما، ثم بجرة من كافور … » «1»، و في صحيح الحلبي: «ثم تبدأ بكفيه و رأسه ثلاث مرات بالسدر، ثم سائر جسده … فإذا فرغت من غسله بالسدر فاغسله مرة أخري بماء و كافور و بشي ء من حنوط … » «2»،

و في معتبره: «مرة بالسدر، و مرة بالماء يطرح فيه الكافور» «3» و غيرها.

الثانية: ما تضمن الغسل بالماء و الخليط، ففي صحيح ابن مسكان: «اغسله بماء و سدر، ثم اغسله علي أثر ذلك غسلة أخري بماء و كافور و ذريرة إن كانت» «4»، و نحوه صحيح سليمان بن خالد «5» و غيره.

و ثالثة: ما تضمن الغسل بماء السدر و ماء الكافور، ففي صحيح الكاهلي:

«ثم ابدأ بفرجه فاغسله بماء السدر و الحرض فاغسله ثلاث غسلات و أكثر من الماء، فامسح بطنه مسحا رفيقا ثم تحول إلي رأسه … ثم أضجعه علي شقه الأيسر ليبدو لك الأيمن ثم اغسله من قرنه إلي قدميه … و امسح يدك علي ظهره و بطنه ثلاث غسلات بماء الكافور و الحرض … » «6».

و من الظاهر أن الطائفة الأولي و إن وجب التصرف فيها، لامتناع الغسل بكل من السدر و الكافور وحده، كما لا يراد به ما يخلط بقليل من الماء حتي يكون كالوحل، لعدم صدق الغسل به و عدم مناسبته لبقية النصوص الصريحة في الغسل بالماء المخلوط بهما و بإفاضته، إلا أن نسبة الغسل لهما لا بد أن يكون للاعتداد بوجودهما في الماء و لو بلحاظ الأثر المطلوب منهما.

و هو المناسب أيضا لنسبة الغسل لهما مع الماء بنحو التشريك في الطائفة الثانية، بل لإضافة الماء إليهما في الثالثة، إذ لو لم يرد بها خروجه عن الإطلاق، فلا أقل من الاعتداد بوجودهما في الماء بعد وضعهما فيه، و لو بلحاظ التميز بالأثر، و لا يكفي الاعتداد بهما قبل وضعهما فيه، بحيث يصدق مسماهما علي ما يوضع منهما فيه قبل وضعه، كما عرفت أنه مقتضي إطلاق من اكتفي بالمسمي، لأن ذلك و إن كان مصححا للإضافة، إذ يكفي فيها أدني ملابسة إلا أن ما ذكرناه أظهر في نفسه و أنسب ببقية النصوص.

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 10.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 4.

(4) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(5) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 6.

(6) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 5.

ص: 158

______________________________

و يؤيد ذلك ما في مرسل يونس «1» من الأمر بغسل الآنية بين الغسلات الثلاث الظاهر في إرادة تنظيفها من بقاء خليط الغسلة السابقة للاعتداد بوجوده في مائها.

بل لا يبعد ظهور بعض النصوص في غسل الميت بالماء القراح بين غسلتي السدر و الكافور لتنظيفه أيضا من بقايا السدر فلاحظ موثق عمار المتقدم و خبر معاوية الآتي.

و إن كانا غير خاليين عن إجمال.

كما يؤيده أيضا اختلاف التعبير في السدر و الكافور، بحيث يظهر في القلة في الكافور دون السدر، علي ما تقدم في حديثي الحلبي، و في موثق عمار: «الجرة الأولي التي يغسل بها الميت بماء السدر و الجرة الثانية بماء الكافور نقيت [يفت] فيها فتا قدر نصف حبة» «2»، و في مرسل يونس: «و اعمد إلي السدر فصيره في طشت وصب عليه الماء … ثم صب الماء في الآنية و ألق فيها حبات كافور» «3»، فإن الاختلاف المذكور مناسب لما ذكرنا من اختلاف قدر ما يترتب عليه الأثر المطلوب من كل منهما.

و يناسبه ما تقدم من المقنعة من تقدير السدر بنحو رطل و عن المهذب من تقديره برطل و نصف، حيث لا وجه له إلا الرجوع للجهة الارتكازية التي أشرنا إليها. بل عدم التعرض في النصوص علي كثرتها و اختلاف السنتها لبيان مقدار السدر مناسب لوضوح الجهة المذكورة، و إلا فالاكتفاء بأدني المسمي لا يناسبه الذوق و يكون مثارا للسؤال و لا تعيين لغيره إلا ما ذكرنا. و من هنا لا ينبغي التأمل في اعتباره. بل لا يبعد حمل كلام جماعة كثيرة عليه، كما سبق.

نعم، حكي في الشرائع و المنتهي قولا بوجوب مقدار سبع ورقات من السدر.

و في الجواهر: «و لم نعرف قائله، و لا من نسب إليه ذلك». لكن في التذكرة: «السدر و الكافور لا يبلغ بهما إلي سلب الإطلاق، لصيرورة الماء مضافا، فلا يفيد التطهير. بل ينبغي أن يكون في الماء قدر سبع ورقات من سدر» و نحوه عن نهاية الأحكام. و صرح باستحبابه في جامع المقاصد و الروض، و في الدروس باستحباب أن لا يقل عن ذلك.

و كأنه لصحيح معاوية بن عمار: «أمرني أبو عبد اللّه عليه السّلام أن أعصر بطنه ثم أوضيه بالأشنان ثم أغسل رأسه بالسدر و لحييه ثم أفيض علي جسده منه، ثم أدلك

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 10.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

ص: 159

بمقدار يوجب خروج الماء عن الإطلاق إلي الإضافة (1)، و لا قليلا بحيث

______________________________

به جسده، ثم أفيض عليه ثلاثا، ثم أغسله بالماء القراح و أطرح فيه سبع ورقات سدر» «1»، و خبر ابن عبيد: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن غسل الميت، قال: تطرح عليه خرقة … ثم يغسل رأسه بالسدر و الأشنان ثم بالماء و الكافور ثم بالماء القراح يطرح فيه سبع ورقات صحاح من ورق السدر في الماء» «2».

لكنهما- مع ضعف سند الثاني منهما- كالصريحين في وضع ذلك في ماء الغسل الأخير، كما ان ظاهر الأول و صريح الثاني كون الأوراق صحاحا غير ممروسة في الماء، فيخرجان عن محل الكلام و يتعين حملهما علي الاستحباب.

(1) كما صرح به في الغسل الأول في إشارة السبق و في الغسلين معا في التذكرة و القواعد و جامع المقاصد و الروض و الروضة و المسالك و محكي نهاية الأحكام و البيان و فوائد الشرائع و شرح الجعفرية و كشف الالتباس و ظاهر الجامع، و استظهر في الحدائق أنه المشهور.

و قد استدل عليه بوجوه:

الأول: الأصل، الذي تكرر أن مقتضاه في المقام الاشتغال و لزوم الاحتياط.

و هو موقوف علي عدم احتمال اعتبار الكثرة المخرجة عن الإطلاق، و علي قصور إطلاقات المقام عن نفي اعتبار الشرط المذكور، و يظهر الحال فيهما مما يأتي.

الثاني: إطلاق التشبيه بغسل الجنابة، المستفاد من صحيح محمد بن مسلم «3» المتقدم عند الكلام في وجوب تثليث الأغسال.

و فيه: أن المستفاد من أدلة مطهرية الماء من الجنابة أمر واحد عرفا، و هو استقلال الماء المطلق بالمطهرية، و مبني اعتبار الخليط في غسل الميت علي رفع اليد عن ذلك في غسل الميت و مخالفته لغسل الجنابة فيه، و معه يشكل الاستدلال بإطلاق التشبيه لاعتبار إطلاق الماء في غسل الميت.

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 8.

(2) الوسائل باب: 6 من أبواب غسل الميت حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 3 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

ص: 160

______________________________

نعم، لو كان مفاد أدلة مطهرية الماء من الجنابة أمران بنحو الانحلال: توقف مطهريته علي إطلاقه، و عدم اعتبار أمر آخر في مطهريته، لم يكن رفع اليد عن إطلاق التشبيه في الثاني بأدلة اعتبار الخليط منافيا للاستدلال بإطلاق التشبيه علي الأول.

لكن لا يتضح ذلك من الأدلة.

علي أن الاستدلال بالإطلاق المذكور موقوف علي قصور إطلاقات الخليطين عن نفي اعتبار الشرط المذكور، و إلا كانت تلك الإطلاقات مقدمة عليه، لأنها أخص، و لزم صرفه إلي جهات أخر من التشبيه.

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، مصباح المنهاج - كتاب الطهارة، 6 جلد، مؤسسة المنار، قم - ايران، ه ق مصباح المنهاج - كتاب الطهارة؛ ج 6، ص: 161

هذا، و أما الاستدلال علي إطلاق التشبيه المذكور في المقام بما تضمن أن الميت يجنب و أنه يغسل غسل الجنابة «1» فيظهر ضعفه مما تقدم عند الكلام في سقوط الترتيب برمس الميت في الماء. فراجع.

الثالث: ما تقدم من التذكرة من اعتبار إطلاق الماء في مطهريته. و يظهر اندفاعه مما تقدم في سابقه، فإن إطلاق الماء إنما يعتبر في استقلاله بالمطهرية الذي لا مجال له في المقام بعد فرض اعتبار الخليط، و غاية ما يثبت له حينئذ الدخل في المطهرية من دون استقلال، و لا دليل علي اعتبار الإطلاق في ذلك.

بل قد يدعي أن المطهرية لا تستند للغسل بالخليط، بل هو شرط في فعلية مطهرية الغسل بالقراح نظير التطهير من الخبث الذي قيل أنه شرط في التطهير من الحدث، حتي ادعي أن الغرض منه التنظيف و التطييب لدفع الهوام، علي ما ذكر في المعتبر- فيما تقدم منه في مسألة تعذر الخليطين- و غيره.

و دعوي: أن مقتضي الجمع بين ما تضمن أن الغرض من غسل الميت تطهيره، و ما تضمن شرح الغسل بالأغسال الثلاثة استناد التطهير للأغسال المذكورة و مطهريتها بتمامها.

مدفوعة: بأنه يكفي في كون التطهير غرضا من الأغسال الثلاثة كون بعضها شرطا في فعلية تأثير الباقي للطهارة من دون ان تستند الطهارة إليه.

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 3 من أبواب غسل الميت.

ص: 161

______________________________

الرابع: الطائفة الثانية من النصوص المتقدمة المتضمنة نسبة التغسيل للماء و الخليط بنحو العطف، فقد استدل بذلك في جامع المقاصد و غيره. و كأنه لدعوي:

أن مقتضي ذلك صدق الماء علي ما يغسل به، و هو لا يكون إلا مع إطلاقه.

و فيه: أنه لما لم يكن العطف في المقام لبيان تعدد الغسل، بل لتعدد ما يغسل به مع وحدة الغسل، و كان المعلوم ابتناؤه علي الجمع بينهما بالمزج و الخلط، لا بتميز الخليط عن الماء مع كونه فيه، كان ظاهرا في اعتبار اتحاد الماء و الخليط صورة بالمزج، و لازم ذلك في بدو النظر أن لا يصدق كل منهما وحده علي ما يغسل به، كما هو الحال في نظائره، كقولنا: أكلت من الإناء سمنا و عسلا، و شربت في الكأس ماء و لبنا، و لبست ثوبا كتانا و قطنا، و غير ذلك، و مرجعه إلي خروج الماء عن الإطلاق.

نعم، يصعب البناء علي ذلك في الكافور، للتصريح في موثق عمار بكفاية نصف حبة منه في الجرة كما تقدم، و يبعد جدا خروج مائها به عن الإطلاق، بل لو خرج به عنه عرفا لقوة رائحته، فغاية ما يصدق عليه به أنه ماء كافور، لا أنه ماء و كافور، لعدم الاعتداد بوجوده المذكور في الخليط بالنحو الذي يصح إطلاق العنوانين عليه بنحو الانضمام.

و من هنا قد يتعين حمل التشريك في الغسل بينه و بين الماء الذي هو مفاد العطف علي كونه بلحاظ ترتب الغرض العرفي عليه غير غرض الماء وحده، و هو التطييب، و إن لم يصدق الماء و الكافور بنحو الانضمام علي الخليط. و حينئذ يقرب كون ذلك هو المصحح للعطف و التشريك في السدر أيضا، لوحدة السياق، و لذا سبق حمل الطائفتين الأخريين عليه، و أنه المنصرف من الإطلاق.

و عليه أيضا لا مجال للاستدلال بهذه الطائفة من النصوص علي اعتبار الإطلاق في الماء، لأن ذلك إنما يتم لو نسب الغسل فيها للماء وحده، أما مع النسبة إليه مع الخليط بنحو الانضمام فالمعيار تحقق المصحح للنسبة للأمرين، و لا إشكال في شموله لصورة الإضافة.

و من الغريب أن سيدنا المصنف قدّس سرّه مع استدلاله بالنصوص المذكورة علي اعتبار الإطلاق في الماء استدل بها أيضا علي أنه لا بد من كون السدر بمقدار يصدق معه الغسل به، مع ظهور أنه ليس المراد بها إلا غسل واحد لو نسب للماء وحده لم

ص: 162

______________________________

ينسب للسدر وحده و لا لهما بنحو التشريك. فلاحظ.

الخامس: صحيح يعقوب بن يقطين: «سألت العبد الصالح عن غسل الميت أ فيه وضوء الصلاة أم لا؟ فقال: غسل الميت تبدأ بمرافقه فيغسل بالحرض ثم يغسل وجهه و رأسه بالسدر ثم يفاض عليه الماء ثلاث مرات … و يجعل في الماء شي ء من السدر و شي ء من كافور … » «1».

فقد استدل به سيدنا المصنف قدّس سرّه بنحو يظهر منه قوة ظهوره في اعتبار إطلاق الماء. و كأنه لقوله عليه السّلام: «يفاض عليه الماء» لعدم شمول إطلاق الماء المضاف منه.

و يشكل بأن الذيل حيث اشتمل علي جعل السدر و الكافور في الماء فلا بد من تحكيم مفاده علي الإطلاق المذكور، و حيث صرح قدّس سرّه بلزوم كون السدر بحيث يصدق معه الغسل به و لزوم حمل إطلاق الصحيح عليه- كما تقدم منا أيضا- عملا بطوائف النصوص الثلاث فلا فرق بين الصحيح و تلك النصوص.

و لا سيما مع ما سبق منا من قرب انصراف إطلاق الصحيح لذلك من جهة القرينة الارتكازية العرفية، و مع ما أشار قدّس سرّه إليه من اشتمال صدر الصحيح علي غسل الرأس بالسدر الظاهر في الاعتداد بوجود السدر في الماء، حيث يقرب جدا كون الماء الذي يفاض علي البدن من الماء الذي يغسل به الرأس، لا ماء آخر يخلط به السدر بنحو آخر.

و قد ظهر بما ذكرنا: أن الحكم في المقام طوائف النصوص الثلاث فلا بد من النظر فيها.

و الظاهر أن الطائفتين الأوليين ظاهرتان بدوا في اعتبار كثرة الخليط بنحو يزيد علي خروج الماء علي الإطلاق، بحيث يصح نسبة الغسل له وحده- كما في الأولي- أو مع الماء- كما في الثانية- علي ما تقدم في الجملة، كما لا يبعد ظهور الثالثة في اعتبار الإضافة، لأن ذلك أقرب من حملها علي أدني ملابسة مع الخليط. إلا أنه حيث يصعب الالتزام بأحد الأمرين في الكافور- كما تقدم- فلا يبعد تنزيل النصوص المذكورة علي ما ذكرناه آنفا من اعتبار الاعتداد بالخليط في الماء، بحيث يظهر الأثر المطلوب عرفا من

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 7.

ص: 163

______________________________

الغسل به. بل لعل ذلك هو المنصرف من إطلاق صحيح يعقوب أيضا، كما تقدم.

و من الظاهر أن ذلك إن لم يستلزم في السدر خروج الماء عن الإطلاق فلا إشكال في كونه من أظهر أفراده، فيكون مقتضي إطلاق النصوص المذكورة عدم اعتبار بقاء الماء علي الإطلاق، و لم يتضح ما يوجب الخروج عن ذلك.

و لعله لذا حكي عن ظاهر الذكري و الحبل المتين التوقف في ذلك، بل في المدارك: «و إطلاق الأخبار و اتفاق الأصحاب علي ترغية السدر- كما نقله في الذكري- يقتضيان الجواز»، و إلي الجواز جنح في الحدائق و الجواهر في صدر كلامه.

نعم، ما ذكره في المدارك- تبعا للذكري- من الاستدلال علي عدم اعتبار إطلاق الماء بالاتفاق علي الترغية إن كان بلحاظ ظهور كلامهم في غسل الرأس بالرغوة التي لا إشكال في عدم صدق الماء عليها و لو بنحو الإضافة.

فمن الظاهر أن الغسل بها إنما يراد به كونها من مقدمات الغسل مع اتباعها بصب الماء المزيل لها، و إلا فتضميخ الرأس بها و طليه لا يصدق معه الغسل عرفا و لا تساعد نصوص المقام علي الاكتفاء به في غير الرأس.

مع أن الاستدلال بها موقوف علي كون الغسل بها جزءا من الغسل الواجب، و هو غير ظاهر، بل عبارات بعضهم كمرسل يونس المنفرد بالتعرض للرغوة «1»، و الذي تضمن غسل الرأس مع البدن بعد ذلك، و لذا تقدم منا الاستدلال به علي عدم وجوب الترتيب بين الرأس و البدن في غسل الميت. و إن كان بلحاظ أن ظهور رغوة السدر في الماء بنحو معتد به حتي تعزل لغسل الرأس مستلزم لخروج مائها به عن الإطلاق. فهو لو سلم موقوف علي كون ماء الرغوة هو تمام ماء الغسلة، و لا يظهر من مرسل يونس ذلك، حيث قال عليه السّلام فيه: «و اعمد إلي السدر فصيره في طشت و صب عليه الماء و اضربه بيدك حتي ترتفع رغوته، و اعزل الرغوة في شي ء وصب الآخر في الاجانة التي فيها الماء».

إذ غاية ما يلزم حينئذ إضافة ماء الطشت، لا إضافة ماء الاجانة الذي يغسل به الميت بعد صب ماء الطشت فيه، لإمكان كونه كثيرا لا يغلبه ماء الطشت. بل يظهر

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الجنابة حديث: 3.

ص: 164

______________________________

من الرياض أن ذلك موجب لكون المرسل دليلا علي اعتبار الإطلاق في ماء الغسل.

و إن كان هو غير ظاهر أيضا، لأن كون الغسل بماء الاجانة بعد وضع ماء الطشت فيه، لا بماء الطشت وحده، لا يستلزم إطلاق ماء الغسل، لإمكان قلة ماء الاجانة أو كثرة نسبة الخليط في ماء الطشت بنحو يغلب ماء الاجانة و يخرجه عن الإطلاق فغايته عدم دلالة المرسل علي كلا القولين. فالعمدة في الدلالة علي عدم اعتبار الإطلاق في الماء هو الإطلاق بالتقريب الذي تقدم.

و يؤيده أن مقدار الخليط الذي تقدم ظهور النصوص فيه و مساعدة المرتكزات العرفية عليه لما كان من أفراده الظاهرة في السدر صورة إضافة الماء- كما تقدم- بل المحافظة علي إطلاق الماء معه في النصوص علي كثرتها و الفتاوي ممن عدا الحلبي و العلامة و من بعده مع شيوع الابتلاء به موجب لقوة ظهور إطلاقها في عدم اعتباره.

و إلا كان موردا للبيانات الكثيرة و احتاج مقدار الخليط للتحديد الشرعي الرافع للتحير في مقام العمل.

و لا سيما مع أن بين ما يتيقن معه بإطلاق الماء و ما يتيقن معه بإضافته جملة من المراتب مورد للاشتباه و التردد عند العرف. و ربما يأتي عند الكلام في بيان المراد من القراح ما ينفع في المقام.

و منه يظهر أنه لا مجال لدعوي الشهرة علي اعتبار إطلاق الماء، بل ظاهر من لم ينبه علي ذلك عدمه. و لا سيما مع تحديد المفيد له برطل، و ابن البراج برطل و نصف، و لم يظهر من غيرهما التنبيه إلي لزوم المحافظة علي الإطلاق مع ذلك بتكثير الماء أو نحوه.

هذا، و أما الكافور فقد سبق التصريح في موثق عمار بكفاية نصف حبة منه، و في مرسل يونس: «و ألق فيه حبات كافور» «1». و في خبر مغيرة مؤذن بني عدي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: غسل علي بن أبي طالب عليه السّلام رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بدأه بالسدر و الثانية بثلاث مثاقيل من كافور و مثقال من مسك» «2».

و حيث لا يظهر من الأصحاب التحديد بشي ء من المقادير المذكورة فلا مجال للخروج عن مقتضي الإطلاق المشار إليه. و لا سيما مع ضعف الأخير و إجمال

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 11.

ص: 165

لا يصدق أنه مخلوط بالسدر و الكافور (1). و يعتبر في الماء القراح أن يصدق خلوصه منهما، فلا بأس أن يكون فيه شي ء منهما إذا لم يصدق الخلط (2).

______________________________

الحبة، و إن كان قد يحتمل إنها المثقال، كما يناسبه ما في المقنعة و المراسم من تحديده بنصف مثقال أو ما أمكن و عن ابن سعيد من تحديده بنصف مثقال و إن قيل أنه لا ظهور لكلامهم في الوجوب، إذ لم يتضح وجه تفسيرها بذلك.

نعم، لا بأس بالعمل عليها بتنزيلها علي اختلاف مراتب الفضل. فلاحظ.

و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

(1) عنوان الخلط لم يؤخذ في الأدلة، كما اعترف به قدّس سرّه، بل لعل صدقه يلازم خروج الماء عن الإطلاق. فالظاهر ما سبق آنفا من أن المعيار ظهور الأثر المطلوب عرفا من السدر و الكافور في الغسل بهما، و هو التنظيف و التطييب. و لعله يرجع ما ذكره قدّس سرّه من أن مقتضي الجمع بين الأدلة أن يكون مقدار السدر بحيث يصدق معه الغسل به. و إن سبق أنه بظاهره ينافي ما ذكره من اعتبار إطلاق الماء.

(2) عبارات الأصحاب رضي اللّه عنهم و معاقد إجماعاتهم قد تضمنت وصف ماء الغسلة الثالثة بالقراح. و قد يظهر منهم اعتبار خلوصه من الخليطين بحيث لا يصدق عليه انه ماء سدر و ماء كافور، كما هو مقتضي المقابلة بينه و بين ماء الغسلتين الأوليين.

بل قوي في الجواهر اعتبار خلوه منهما بنحو يقدح القليل منهما أيضا و إن لم يصدق به أنه ماء السدر و ماء الكافور. إلا أن يكون قليلا جدا، بنحو لا ينافي الخلوص عرفا. بل في جامع المقاصد: «و في الصحاح: القراح الذي لا يشوبه شي ء. و ربما توهم بعضهم من هذا التفسير أن الماء المشوب بشي ء- كماء السيل مثلا المشوب بالطين- لا يجوز تغسيل الميت به، لعدم كونه قراحا». و قريب منه كلام غيره.

و ما أبعد ما بين ما حكي عن البعض المذكور و ما في الروضة، حيث قال:

«و هو المطلق الخالص من الخليط، بمعني كونه غير معتبر فيه، لا أن سلبه عنه معتبر، و إنما المعتبر كونه ماء مطلقا».

و لا يخفي أن النصوص بين ما تضمن غسله بماء قراح أو بحت، و هو الأكثر،

ص: 166

______________________________

و ما تضمن غسله بماء، و هو صحيح سليمان بن خالد: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن غسل الميت كيف يغسل؟ قال: بماء و سدر، و اغسل جسده كله، و اغسله أخري بماء و كافور، ثم اغسله أخري بماء … » «1»، و صحيح يعقوب بن يقطين المتقدم «2»، بعد ما هو المعلوم من اختصاص السدر و الكافور فيه بالغسلتين الأوليين. و قد يدعي أن الأول أخص، لأن القراح هو الماء الخالص علي ما صرح به اللغويون، كما تقدم عن الجوهري و يأتي عن غيره، كما صرحوا أيضا بأن البحت هو الخالص من كل شي ء.

لكن لم يتضح كون أخذ الخلوص في تفسير القراح في كلمات اللغويين، للتقييد تأسيسا، بل قد يكون للتوضيح تأكيدا لمقتضي الإطلاق، لبيان إرادة المطلق، بأن يراد الخلوص بمرتبة تصحح إطلاق الماء عليه، كما قد يناسبه تفسيره في أساس البلاغة بما لا يشوبه شي ء من سويق و لا غيره، و قريب منه في لسان العرب و القاموس، و في نهاية ابن الأثير أنه الذي لم يخالطه شي ء يطيب به، كالعسل و التمر و الزبيب.

كما لعل ذلك هو المعيار في صدق عنوان البحت أيضا. و لا أقل من تنزيلهما علي ذلك في النصوص، جمعا مع ما تضمن إطلاق الماء- كالصحيحين- المعتضد بارتكاز عموم مطهرية الماء. و لا سيما مع ما هو المعلوم من كثرة الابتلاء بماء الطين و نحوه من مياه السيول و الأنهر و نحوها، و صعوبة البناء علي عدم جواز تغسيل الميت بها جدا.

و لازم ذلك الاكتفاء بعدم خروج الماء عن الإطلاق و لو مع اختلاطه بالسدر أو الكافور.

و دعوي: أن ذلك لا يناسب مقابلته بماء السدر و الكافور في الغسلتين الأوليين.

مدفوعة- مضافا إلي توقف ذلك علي اعتبار الإطلاق في ماء الغسلتين الأوليين، و قد عرفت ضعفه-: بقرب كون المقابلة لبيان شرطية الخليط في الأوليين، دون الثالثة، فإن ذلك إن كان خلاف ظاهر التركيب بدوا فلا أقل من قرب الحمل عليه بقرينة ارتكاز عموم مطهرية الماء المناسب لإطلاق الماء في الصحيحين. و إلا فالبناء علي مانعية الخليط حتي لو لم يخرج الماء به عن الإطلاق مستلزم لعدم جواز التغسيل بماء الطين و نحوه، و هو بعيد جدا لا يناسب مرتكزات المتشرعة و لا سيرتهم

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 7.

ص: 167

______________________________

و لا كلمات الأصحاب رضي اللّه عنهم و إن حكي عن بعضهم و يظهر من جمال الدين في حاشيته علي الروضة التوقف فيه و أولوية الاقتصار علي المتيقن.

و أما اعتبار الخلوص من خصوص السدر و الكافور، بقرينة المقابلة المذكورة.

فهو لا يناسب معني القراح و البحت، لأن الظاهر من إطلاق العرف و اللغة عدم كونهما من العناوين الإضافية التي تصدق بلحاظ شي ء دون آخر، كي يسهل حملهما علي الخلوص من خصوص السدر و الكافور بقرينة المقابلة المذكورة، بل هما عنوانان حقيقيان يراد بهما الخلوص عن كل شي ء، و لذا لا يصدق علي الماء المشوب بالعسل أنه قراح بلحاظ عدم اختلاطه بالملح. فلو حمل دليلهما علي الخلوص حتي مما لا يوجب الإضافة لم يكن وجه للتخصيص بالسدر و الكافور.

و أما الاستدلال علي اعتبار الخلوص من الخليط حتي بالمقدار الذي لا يوجب سلب إطلاق الماء.. تارة: بالأصل. و أخري: بأنه مقتضي العدول عن التعبير بالإطلاق و الماء المطلق إلي التقييد بالبحت و القراح في الفتاوي و أكثر الأخبار. و ثالثة: بالأمر في مرسل يونس بغسل الآنية بين الغسلات من أثر ماء الخليط بعد صبه.

فمدفوع: بأن الأصل مورود لاطلاقات مطهرية الماء، و لإطلاق الماء فيما تقدم من صحيحي سليمان بن خالد و يعقوب بن يقطين «1» بعد ما تقدم من تحكيمه علي بقية النصوص. و العدول عن عنوان الإطلاق و المطلق للقراح و البحت في كلام الأصحاب لعله لمتابعة النصوص، لا لبنائهم علي اعتبار أمر زائد علي الإطلاق.

كما قد يكون التعبير بهما في النصوص للمقابلة مع ماء الغسلتين المعتبر فيهما الخليط مع عدم كون عنوان الإطلاق و المطلق لغويين و لا عرفيين، بل اصطلاحيين مستحدثين في عرف أهل الاستدلال، و لذا لم تتضمنهما نصوص مطهرية الماء و غيرها من الاستعمالات الشرعية و العرفية، و إنما تضمنت إطلاق الماء مجردا عن التقييد بهما، كما تضمن ذلك من نصوص المقام صحيحا سليمان و يعقوب.

و أما ما تضمنه مرسل يونس من الأمر بغسل الآنية فمما لا مجال للبناء علي

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 6، 7.

ص: 168

______________________________

وجوبه بعد النظر في النصوص الأخر و كلمات الأصحاب، لعدم التعرض له إلا في كلام نادر منهم. بل أثر ماء الخليط في الإناء بعد صبه من القلة بالنحو الذي لا ينافي خلوص الماء الذي يصب فيه للغسلة اللاحقة عرفا، و لا سيما في الكافور، فمن البعيد جدا مانعيته في المقام خصوصا من ترتب الأثر علي ماء الكافور و لو اختلط بأثر ماء السدر.

و منه يظهر ضعف ما في الجواهر من عدم استبعاد حمل المرسل علي الوجوب، لخصوصية في غسل الأموات، كما اعتبر فيه ماء السدر و ماء الكافور زائدا علي الغسل بالماء.

وجه الضعف: أنه لا يناسب ما صرح هو به من جواز خلط القليل جدا الذي لا ينافي في الخلوص عرفا. مضافا إلي وضوح الفرق بين اعتبار أمر زائد علي الغسل بالماء المطلق في المطهرية لخصوصية الموت- و هو الغسل بالخليط- و عدم مطهرية بعض أفراد المطلق، لمألوفية الأول و عدم منافاته للارتكاز، نظير اعتبار التراب في التطهير من الولوغ، و عدم مألوفية الثاني و منافاته للمرتكزات.

و لذا استبعد قدّس سرّه احتمال مانعية غير الخليطين- مما يتعارف اختلاط الماء به كالطين و نحوه- تعبدا تخصيصا لعموم مطهرية الماء.

و بالجملة: من القريب جدا عدم مانعية اختلاط الماء بما لا يخرجه عن الإطلاق من الخليطين و غيرهما، كما سبق من الروضة و يظهر من المدارك، بل قد يحمل عليه كلام المشهور. غاية الأمر أن ذلك يؤيد ما سبق منا من عدم اعتبار الإطلاق في ماء الغسلتين الأوليين. فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

بقي في المقام فروع تتعلق بالخليطين
اشارة

ينبغي التعرض لها في ذيل هذه المسألة لمناسبتها لها، دون غيرها من المسائل الآتية:

الأول: قال في جامع المقاصد عند الكلام في السدر: و يعتبر كونه مطحونا

لأن المراد به التنظيف، و لا يتحقق بدون طحنه. نعم لو مرس الورق الأخضر بالماء حتي استهلك أجزاؤه كفي ذلك. و قريب منه في المسالك. لكن في الروض: «و في وجوب ذلك نظر».

و كأنه لإطلاق قوله عليه السّلام في صحيح يعقوب بن يقطين: «و يجعل في الماء شي ء

ص: 169

______________________________

من السدر و شي ء من كافور» «1». و عدم وضوح كون التنظيف علة يناط بها الحكم، لعدم الإشارة إليه في النصوص، غاية الأمر أن يكون حكمة لا يضر تخلفها.

و يشكل: بأن انحصار فائدة السدر عرفا في التنظيف إن لم يصلح للقرينية علي تقييد الإطلاق فلا أقل من مانعيته من ظهوره في نفي اعتبار المزج، المستلزم للرجوع للأصل المقتضي للاحتياط، كما تكرر غير مرة مضافا إلي أن ذلك لا يناسب بقية طوائف النصوص المتضمنة للتغسيل بالسدر و بالماء و السدر و بماء السدر، لوضوح عدم صدق العناوين المذكورة مع عدم مزج السدر بالماء. و يؤيده ما في مرسل يونس «2» من غسل الإناء بين الغسلات.

بل قد يظهر من حديثي معاوية و عمار «3» غسل الميت نفسه بين الغسلتين الأوليين بالماء القراح، كما تقدم الكلام فيه، حيث لا يبعد كون الغرض من ذلك رفع أثر السدر الذي لا يعلق بالإناء و جسد الميت إلا مع مزجه بالماء.

و أما ما يظهر من صحيح معاوية «4» و صرح به في خبر ابن عبيد «5» من وضع سبع ورقات صحاح في الماء فقد تقدم عند الكلام في مقدار السدر أنه أجنبي عن محل الكلام لظهورهما في وضعه في ماء الغسلة الثالثة القراح. و لأجل ذلك قد يشكل الاكتفاء بما سبق من جامع المقاصد من الاكتفاء بمرس الورق الأخضر في الماء، لعدم وضوح كفاية ذلك في ترتب الأثر المطلوب من السدر. و منه يظهر الحال في الكافور، لجريان جميع ما تقدم فيه أو أكثره، بل صرح في موثق عمار «6» بأنه يفت فتا في جرة الماء.

الثاني: قد وقع التعبير بجلال الكافور في جملة من كلمات قدماء الأصحاب رضي اللّه عنهم

كما في المقنع و الفقيه و الهداية- حاكيا له فيها عن رسالة والده- و المقنعة و الخلاف و الغنية و المراسم و الوسيلة و السرائر.

قال في مفتاح الكرامة: «و نقل مثل ذلك عن ابن سعيد … و الجلال الخالص و قال الوحيد في حاشية المدارك: «قال جدي رحمه اللّه: ذهب أكثر القدماء إلي أن الكافور

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 7.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 8.

(4) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 10.

(5) الوسائل باب: 6 من أبواب غسل الميت حديث: 2

(6) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 10.

ص: 170

______________________________

يجب أن يكون من جلاله يعني: الخام الذي لم يطبخ. و نقل عن الشيخ أبي علي في شرح نهاية والده حيث أوجب أن يكون الغسل و الحنوط من الجلال: أن الكافور صمغ يقع من شجر. فكلما كان جلالا و هو الكبار من قطعه لا حاجة له إلي النار. و يقال له:

الخام. و ما يقع من صغاره في التراب فيؤخذ و يطرح في قدر ماء و يغلي حتي يتميز من التراب. فذلك لا يجزي في الحنوط. انتهي. و لعل منشأ حكمهم ما يقال: أن مطبوخه يطبخ بلبن خنزير ليشتد بياضه، أو بالطبخ ربما يحصل [العلم] العادي بالنجاسة من حيث أن الطابخ من الكفار. لكن ظاهر الأخبار إجزاء المطبوخ أيضا. و وجهه عدم حصول اليقين بالنجاسة، و الأصل في الأشياء الطهارة حتي يحصل عدمها. و لهذا ما فصل المتأخرون. و ربما حكم باستحباب [الخام]. و لعل وجهه الخروج عن الخلاف، و الخلوص عن شبهة النجاسة. فتأمل».

و عن الوافي حكاية ما تقدم عن أبي علي عن بعض فقهائنا. و لما تقدم قد يرجع ما في المبسوط و النهاية من اعتبار كون كافور الحنوط مما لم تمسه النار إلي كونه من جلاله.

لكن في السرائر عند الكلام في التحنيط: «و تحصيل الكافور. و الأعلي في الاستحباب وزن ثلاثة عشر درهما و ثلث الذي لم تمسه النار الخالص [الخام. خ] الجلال. و معني الجلال الجليل، و هو الجيد. يقال: جليل و جلال و طويل فهو من أوزان المبالغة في أوصاف الجودة».

و كيف كان، فلا إشكال في أن مقتضي إطلاق النصوص عدم اعتبار الجودة و عدم مانعية الطبخ من حيث هو، بل و لا من حيثية استلزامه النجاسة أيضا لو لا مفروغية الأصحاب عن مانعيتها، كما تقدم في شروط ماء الغسل. و حينئذ لا بد من إحراز طهارته و لو بالأصل، لعدم اليقين بالنجاسة مما تقدم نقله.

نعم، لو فرض اعتصام ماء الغسل حين وضع الكافور فيه إلي أن يستهلك فيه فلا تمنع نجاسة الكافور لو كان بالقدر المطلوب في الغسل.

ثم إنه قال في مجمع البحرين: «و في حديث غسل الميت: و تغسله مرة أخري بماء و شي ء من جلال الكافور. أي بقليل و يسير منه». و لم أعثر علي الحديث المذكور عاجلا. كما لم يتضح وجه التفسير بالقليل إن كان للجلال، لأن مادة: «جلل» و إن

ص: 171

______________________________

كانت من الأضداد، حيث تستعمل في الخطير و الحقير، إلا أن القلة هنا مستفاد من تنكير «شي ء» و «من» التبعيضية.

هذا، و قد عبر في إشارة السبق بماء الكافور الخالص. و لم يتضح وجه اعتبار الخلوص في الكافور بعد إطلاق النصوص. إلا أن يكون خلطه بغيره بنحو لا يصدق معه وضع الكافور في الماء، بل يكون الموضوع فيه عرفا حقيقة ثالثة مباينة للكافور و خليطه، لا أمر مركب منهما. فلاحظ.

الثالث: قال في المقنع: «و يلقي في الماء شي ء من جلال الكافور و شي ء من ذريرة».

و لم أعثر عاجلا علي ذكر الذريرة في غيره. نعم قال في المقنعة: «ثم ليستعد لغسله فيؤخذ من السدر المسحوق رطل … و من الكافور الجلال وزن نصف مثقال …

و من الذريرة الخالصة من الطيب المعروفة بالقمحة مقدار رطل إلي أكثر من ذلك … ».

لكن لم يذكر بعد ذلك وضعها في ماء الغسل كالكافور، بل ذكر استعمالها عند التكفين.

و كيف كان، فلم أعثر علي ما يتضمنها في الغسل عدا قوله عليه السّلام في صحيح ابن مسكان: «ثم اغسله علي أثر ذلك بماء و كافور و ذريرة إن كانت» «1». و هو إن لم يكن ظاهرا في نفسه في الاستحباب، بقرينة الشرط، فلا أقل من لزوم حمله عليه، بقرينة خلوّ بقية النصوص عن الذريرة علي كثرتها و قوة ظهور جملة منها في بيان تمام الواجب، و كذا بقية كلمات الأصحاب رضي اللّه عنهم و من هنا صرح في المنتهي بالاستحباب، و قد يحمل عليه ما تقدم من المقنع.

و مثله في ذلك قوله عليه السّلام في خبر مغيرة مؤذن بني عدي الوارد في تغسيل النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم: «و الثانية بثلاث مثاقيل من كافور و مثقال من مسك» «2». و لا سيما مع ضعف سنده و كونه حكاية حال لا ظهور لها في الوجوب قطعا.

نعم، قد ينافي الاستحباب أيضا ما في معتبرة محمد بن مسلم و أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: لا تجمروا الأكفان و لا تمسحوا موتاكم بالطيب إلا الكافور، فإن الميت بمنزلة المحرم» «3».

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 11.

(3) الوسائل باب: 6 من أبواب التكفين حديث: 5.

ص: 172

______________________________

اللهم إلا أن يقال: التعبير بالطيب ظاهر في إرادة التحنيط دون التغسيل الذي هو مورد الحديثين المتقدمين. و أما عموم التعليل المذكور فيه فكما أمكن الخروج عنه في الكافور الذي تضمنه الحديث و بقية أدلة التحنيط يمكن الخروج عنه في التغسيل للحديثين المتقدمين الدالين علي رجحان إضافة الذريرة و المسك لماء الغسلة الثانية.

هذا، و في صحيح الحلبي: «فاغسله مرة أخري بماء و كافور و بشي ء من حنوط» «1». و قد يحمل علي كون عطف الحنوط تفسيريا. و لعل الأولي حمله علي طيب آخر جريا علي ما يظهر من بعض النصوص «2» من تعارف التحنيط بغير الكافور عند العامة. نعم قد يحمل علي التقية، لا إشعاره بأن التغسيل به متفرع علي التحنيط به. فتأمل.

و أما ما في معتبر الكاهلي من ضم الحرض للكافور، فهو لا يخلو عن اضطراب، لقوله عليه السّلام فيه حسب رواية التهذيب: «ثم رده علي قفاه فابدأ بفرجه بماء الكافور فاصنع كما صنعت أول مرة اغسله بثلاث غسلات بماء الكافور و الحرض، و امسح يدك علي بطنه مسحا رفيقا، ثم تحول إلي رأسه فاصنع كما صنعت أولا بلحيته من جانبيه كليهما و رأسه و وجهه بماء الكافور ثلاث غسلات» «3»، فإن إفراد الكافور في أول هذا الكلام و آخره لا يناسب ضم الحرض إليه فيما بينهما.

و قد رواه في الوسائل بحذف الصدر «4». مضافا إلي عدم مناسبة الحرض المقصود به الغسل و التنظيف للكافور المقصود به التطييب، و إنما يناسب السدر، و لذا تضمن صدر الحديث غسل الفرج بالسدر و الحرض. علي أن في الحديث اضطرابا من جهات أخري تظهر بملاحظته.

الرابع: في صحيح الفضل بن عبد الملك و ما تضمنه من كون الغسلة الأولي بالحرض- الذي هو الأشنان- مخالف لبقية النصوص و فتاوي الأصحاب.

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن [غسل] الميت. فقال: أقعده و اغمز بطنه … ثم تغسله تبدأ بميامنه و تغسله بالماء و الحرض ثم بماء و كافور … » «5». و ما تضمنه من كون الغسلة الأولي بالحرض- الذي هو الأشنان- مخالف لبقية النصوص و فتاوي الأصحاب. و حمله علي بدليته عن السدر

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 2.

(2) راجع الوسائل باب: 6 من أبواب التكفين.

(3) التهذيب ج 1: 99 طبع النجف الأشرف.

(4) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 5.

(5) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 9.

ص: 173

(مسألة 10): إذا تعذر الماء أو خيف تناثر لحم الميت بالتغسيل يمم (1)،

______________________________

اختيارا أو عند تعذره بلا شاهد. فلا مجال للتعويل عليه. و أبعد منهما حمله علي ضمه للسدر، بأن تكون الغسلة بهما معا، فإنه حمل يأباه العرف.

نعم، قد يحمل عليه بعض النصوص المتضمنة للجمع بينهما، ففي معتبر الكاهلي: «ابدأ بفرجه بماء السدر و الحرض فاغسله ثلاث غسلات و أكثر من الماء فامسح بطنه مسحا رفيقا ثم تحول إلي رأسه و ابدأ بشقه الأيمن … » «1»، و في خبر ابن عبيد: «ثم يغسل رأسه بالسدر و الأشنان ثم بالماء و الكافور … » «2».

لأن عدم التعرض فيهما لماء السدر في الغسلة الأولي قد يناسب إرادة إيقاعها بالماء المذكور فيهما أولا لغسل الفرج و الرأس. لكن في بلوغ ذلك حدا لظهور الحجة إشكال، بل منع، بل يقرب وقوع سقط في الروايتين، كما يناسبه ما في بعض النصوص من غسل البدن بالسدر بعد غسل الفرج أو الرأس بغيره. فلا مخرج عما هو المعروف نصا و فتوي.

مسألة 10: إذا تعذر الماء أو خيف تناثر لحم الميت بالتغسيل يمم
اشارة

(1) إجماعا، كما في الخلاف و التذكرة و محكي التهذيب- و إن لم أجده فيه- و نهاية الأحكام، و في المنتهي في فرض تعذر الماء: «و لا نعرف في ذلك خلافا بين علمائنا»، و في المدارك أنه مذهب الأصحاب، بل صرح غير واحد أنه إجماعي بين المسلمين عدا الأوزاعي، و في الحدائق أنه مما لا خلاف فيه بين الأصحاب، و في الجواهر: «بلا خلاف أجده بين رؤساء الأصحاب»، و عن الكفاية و المفاتيح أنه المشهور، و في مفتاح الكرامة: «إلا انه استثني في الأخير الأوزاعي. و كأنه أراد بالمشهور الإجماع».

و جملة من معاقد الإجماعات و إن كانت هي المحترق الذي يخاف تناثر جلده بالتغسيل، إلا انه يظهر من كثير من كلماتهم المفروغية عن عدم الفرق بينه و بين سائر صور تعذر التغسيل.

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 6 من أبواب غسل الميت حديث: 2.

ص: 174

______________________________

و كيف كان، فالكلام في مقامين:

المقام الأول: في أن سقوط التغسيل يقتضي الانتقال للتيمم،

و لا يدفن الميت بدون تطهير.

و يقتضيه- مضافا إلي ظهور الإجماع عليه مما تقدم، و إلي عموم بدلية التيمم و الأصل بالتقريب الآتي لهما، و إلي خبر زيد الآتي في المقام الثاني- صحيح عبد الرحمن بن أبي نجران: «أنه سأل أبا الحسن موسي بن جعفر عليه السّلام عن ثلاثة نفر كانوا في سفر، أحدهم جنب، و الثاني ميت، و الثالث علي غير وضوء، و حضرت الصلاة و معهم من الماء قدر ما يكفي أحدهم، من يأخذ الماء و كيف يصنعون؟ قال: يغتسل الجنب، و يدفن الميت بتيمم، و يتيمم الذي هو علي غير وضوء، لأن غسل الجنابة فريضة، و غسل الميت سنة، و التيمم للآخر جائز» «1».

لكن في المدارك بعد أن ناقش خبر زيد الآتي بضعف السند قال: «فإن كانت المسألة إجماعية علي وجه لا يجوز مخالفته فلا بحث، و إلا أمكن التوقف في ذلك، لأن إيجاب التيمم زيادة تكليف، و الأصل عدمه، خصوصا إذا قلنا إن الغسل إزالة نجاسة، كما يقوله المرتضي رضي اللّه عنه.

و ربما ظهر من بعض الروايات عدم الوجوب أيضا، كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن عليه السّلام في الجنب و المحدث و الميت إذا حضرت الصلاة و لم يكن معهم من الماء إلا بقدر ما يكفي أحدهم. قال: يغتسل الجنب، و يدفن الميت، و يتمم الذي هو علي غير وضوء، لأن الغسل من الجنابة فريضة، و غسل الميت سنة، و التيمم للآخر جائز».

و يشكل بعدم وضوح كون مقتضي الأصل البراءة، لأن الشك في المقام ليس في وجوب التيمم لنفسه، بل مقدمة للطهارة التي لا يحتمل عدم وجوبها لعدم الموضوع، بل لتعذرها بسبب تعذر الغسل و عدم مشروعية التيمم، و مرجع ذلك إلي الشك في القدرة علي الواجب الذي يلزم معه الاحتياط.

و دعوي: أن الطهارة المائية معلومة السقوط بالتعذر، و الترابية يشك في حدوث

______________________________

(1) الوسائل باب: 18 من أبواب التيمم حديث: 1.

ص: 175

______________________________

التكليف بها.

مدفوعة: بأن الظاهر وحدة سنخ أثر الطهارتين و إن اختلف بالكمال و النقص، و أن الاختلاف إنما هو في سببهما فوجوب الطهارة الترابية بعد تعذر المائية لا يبتني علي تبدل التكليف تبعا لتبدل المكلف به، لتجري البراءة من حدوث الثاني، لاحتمال عدم الموضوع له، بل علي تبدل سبب المكلف به مع وحدته و وحدة التكليف به، المستلزم لكون الشك في المقام في سقوطه بالتعذر الذي عرفت لزوم الاحتياط معه. فتأمل.

و أما صحيح ابن الحجاج فقد ذكر غير واحد أنه لا وجود له في كتب الحديث.

و كأن مراده به حديث عبد الرحمن بن أبي نجران المتقدم، حيث روي في التهذيبين بإسقاط لفظ: «بتيمم».

لكنه أسند فيها إلي ابن أبي نجران عن رجل عن أبي الحسن عليه السّلام، و إرساله مانع من حجيته في نفسه، فضلا عن رفع اليد به عن صحيحه المتقدم برواية الفقيه. و لا سيما و أن الذي يظهر من الوسائل رواية المرسل عن الشيخ مشتملا علي لفظ: «بتيمم» مطابقا لما في الفقيه.

و أما ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من أن سوق التعبير يناسب جدا سقوط لفظ «بتيمم» فكأنه بلحاظ أنه لو وجب تيمم الميت لكان الأنسب بسياق الحكم باغتسال الجنب و تيمم غير المتوضئ أن يقال: (و ييمم الميت)، و لا يذكر الدفن الذي هو كالصلاة من الجنب بعد الاغتسال و من غير المتوضئ بعد التيمم لا يحتاج إلي بيان، و لا سيما مع خلوّ خبر الأرمني الوارد في التزاحم بين الميت و الجنب عن ذكر التيمم، حيث قال عليه السّلام: «يغتسل الجنب و يدفن الميت، لأن هذا فريضة و هذا سنة» «1». لكن في بلوغ ذلك حدا يوجب سقوط الحديث عن الحجية إشكال، بل منع.

نعم، حكي سيدنا المصنف قدّس سرّه عن نسخة معتبرة من الفقيه سقوط لفظ:

«بتيمم» من الصحيح، كما رواه عنه كذلك في مبحث التيمم من المدارك، و هو ظاهر محكي الوافي. بل التأمل قاض بأنه لا يحتمل عادة رواية ابن أبي نجران للحديث عن أبي الحسن عليه السّلام تارة: بلا واسطة، كما في الفقيه. و أخري: بواسطة رجل، كما في التهذيبين،

______________________________

(1) الوسائل باب: 18 من أبواب التيمم حديث: 4.

ص: 176

______________________________

بل كالمقطوع به روايته له بأحد الوجهين لا غير و أن الآخر تصحيف، و لازم ذلك البناء علي وحدة الحديث و اضطرابه سندا و متنا، و لا وجه معه للتعويل علي ما تقدم من الفقيه.

و أما الاستدلال عليه بحديث زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه السّلام: «قال: أتي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله نفر فقالوا: إن امرأة توفيت معنا و ليس معها ذو محرم فقال: كيف صنعتم بها؟ فقالوا: صببنا عليها الماء صبا. فقال: أما وجدتم امرأة من أهل الكتاب تغسلها؟ فقالوا: لا. فقال: أ فلا يمموها؟!» «1»، بناء علي اعتبار سنده، كما يظهر مما تقدم في نظيره في مسألة وجوب الاستقبال بالمحتضر.

فهو موقوف علي العمل به في مورده، و يأتي الكلام فيه في محله إن شاء اللّه تعالي. نعم قد يصلح للتأييد لو لم يعمل به في مورده، لأن عدم العمل به لا ينافي مشروعية التيمم عند تعذر التغسيل، لإمكان ابتناء عدم العمل علي كون المماثلة شرطا في التيمم، كما هي شرط في التغسيل، فسقوطه للتعذر بعد الفراغ عن مشروعيته لو لم يكن متعذرا، كما هو مقتضي الخبر المتقدم. فلاحظ.

هذا، و قد يستدل علي وجوب التيمم في المقام بعموم بدليته عن الطهارة المائية المستفاد مما تضمن أن التراب أحد الطهورين، و أن رب الماء هو رب التراب «2» و نحوهما.

و قد استشكل فيه في الجواهر بقصوره عن غسل الميت.. أولا: لظهوره في رفع الأحداث خاصة، و غسل الميت رافع للحدث و الخبث معا.

و ثانيا: لظهوره في قيام التراب مقام الماء عند استقلاله بالمطهرية، فلا يشمل غسل الميت الذي لا بد في مطهرية الماء فيه من ضم الخليطين له.

و يندفع الأول: بأن ذلك إنما يمنع من رفع التيمم للخبث في المقام لا من رفعه للحدث، و وجوبه لذلك، بل لو كان رفع الخبث في المقام أثرا لرفع الحدث لا في عرضه تعين ارتفاعه بالتيمم تبعا له، و إن لم يكن التيمم مشروعا لرفعه مباشرة.

و أما الثاني: فقد دفعه شيخنا الأعظم قدّس سرّه بقوله: «لما هو المركوز في أذهان

______________________________

(1) الوسائل باب: 22 من أبواب غسل الميت حديث: 4.

(2) راجع الوسائل باب: 14، 21، 23، 24، 25 من أبواب التيمم.

ص: 177

______________________________

المتشرعة من استقلال الماء في الطهورية، و لما دل علي انحصار الطهور في الماء و التراب مثل قولهم عليهم السّلام: هو أحد الطهورين. و قولهم عليهم السّلام في بيان الطهور: إنما هو الماء و التراب، و نحو ذلك. و حينئذ فيجب استعمال التراب بدل ماء السدر و الكافور، كما يجب بدل القراح».

و كأنه راجع إلي دعوي: أن الطهورية لا تستند للخليطين، كي لا يقوم التيمم مقامهما في ذلك، بل هما شرط في فعلية تأثير الماء فيها، كما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه.

فإن قيل باعتبار إطلاق ماء الخليطين فلا مانع من استناد الطهارة للأغسال الثلاثة، و عليه يبتني ما سبق من شيخنا الأعظم قدّس سرّه من قيام التراب مقام ماء السدر و الكافور. و إن قيل بعدم اعتباره فهي لا تستند للغسلين الأولين، بل يكونان بتمامهما شرطا في مطهرية الغسل الثالث و لا يقوم التيمم إلا مقامه.

و فيه: أنه لا إطلاق لدليل الانحصار ينافي دخل الخليط في المطهرية من حدث الموت، لو ورد مثل قولهم عليهم السّلام: هو أحد الطهورين، في مقام بيان مطهرية التراب كالماء، فلا ينافي قصور الماء عن الاستقلال بالمطهرية في بعض الموارد. كما أن مثل قولهم عليهم السّلام: «إنما هو الماء و الصعيد» «1»، قد ورد لبيان عدم جواز الوضوء باللبن، فلا ظهور له في استقلال الماء بالمطهرية في جميع موارد الحاجة إليه. كما أن الارتكاز المدعي في كلام شيخنا الأعظم قدّس سرّه غير ظاهر بنحو يعتد به في شرح أدلة تغسيل الميت و حملها علي استقلال الماء بالمطهرية بالوجه المدعي. و لا سيما مع ما تضمنته النصوص الكثيرة من أن النورة طهور «2».

علي أنه لم يتضح من أدلة البدلية إطلاق مطهرية التراب حتي في مورد تقييد مطهرية الماء، لينفع في المقام. و لذا لا يظن بأحد دعوي: أن مقتضاها إطلاق مطهرية التيمم حتي لو فرض تقييد مطهرية الوضوء بالاستنجاء، كما قد توهمه بعض النصوص و الفتاوي، علي ما تقدم في أول الفصل الثاني من أحكام الخلوة. فلا تنفع الدعوي المذكورة- لو تمت- في دفع الإشكال المذكور.

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 1، 2 من أبواب الماء المضاف.

(2) راجع الوسائل باب: 28، 30، 32 من أبواب آداب الحمام.

ص: 178

______________________________

و العمدة في دفعه: أنه حيث تقدم وجوب الغسل بالماء عند تعذر الخليطين فهو راجع إلي استقلال الماء بالمطهرية- و لو ببعض مراتبها- في فرض تعذر الغسل التام، و ذلك كاف في مشروعية التيمم و الدخول تحت عموم بدليته عن الغسل، فهو كما ذكره شيخنا الأعظم قدّس سرّه بدل عن الغسل الاضطراري إن لم يكن بدلا عن الغسل التام.

ثم إنه قد يستشكل في استفادة مشروعية التيمم في المقام من العموم المذكور..

تارة: بأنه يعتبر في التيمم طهارة أعضائه من الخبث، و لا مجال لها في المقام حتي لو فرض طهارة بدن الميت بعد إكمال التيمم الصحيح.

و أخري: بأن المتيقن من العموم قيام التيمم مقام الغسل الذي هو فعل التيمم، لا مقام التغسيل الذي هو فعل غيره.

و يندفع الأول: بأن دليل اعتبار طهارة أعضاء التيمم- لو تم- مختص بحال الاختيار، دون صورة تعذر التطهير، كما في المقام.

و الثاني: بعد الفرق بين الغسل و التغسيل ارتكازا من حيثية سنخ الطهارة، و لا سيما بلحاظ ما تضمن أن الميت يغسل غسل الجنابة و ما تضمن تقديم الغسل علي الموت في بعض الموارد، غاية الأمر عدم اعتبار المباشرة في الثاني للتعذر، و هو قد يكون في غير غسل الميت من الأغسال.

المقام الثاني: في تحديد موارد سقوط التغسيل الموجب للانتقال للتيمم.

تحقق في محله أن المعيار العام في مشروعية التيمم هو التعذر الخارجي لنفس الطهارة المائية- كما لو فقد الماء- أو لشرطها- كما لو فقد في المقام المماثل، بناء علي شرطيته في المائية دون الترابية علي ما يأتي الكلام فيه- أو لزوم محذور منها من حرج أو ضرر أو مزاحمة بتكليف آخر.

و اختصاص نصوص المقام ببعض الفروض لا يمنع من البناء علي عموم مشروعية التيمم، لإلغاء خصوصيتها عرفا، بعد كون المنسبق منها ابتناء تشريعه فيها علي نحو مشروعيته في سائر الموارد، خصوصا بناء علي الاستدلال علي مشروعية التيمم بعموم بدليته عن الطهارة المائية، كما تقدم، حيث يجري فيه ما يجري في سائر موارد مشروعيته. و من ثم كان ظاهر الأصحاب، بل صريح بعضهم التعميم المذكور،

ص: 179

______________________________

بنحو يظهر في المفروغية عنه.

و مما نصوا عليه من ذلك ما لو خيف تناثر جلد الميت، و هو معقد الإجماع في كلام بعضهم. لكن في الهداية: «و المجدور و المحترق إن لم يمكن غسلهما صب عليهما الماء صبا، و يجمع ما سقط منهما في أكفانهما»، و نحوه في المقنع إلا أنه اكتفي بالخوف من سقوط شي ء من الجلد بمسه، و كذا في الفقيه و إن لم يتعرض فيه لجمع ما سقط منه في الكفن.

و قد استظهر منه في الحدائق الخلاف في الاجتزاء بالتيمم في محل الكلام، كالرضوي: «و إن كان الميت مجدورا أو محترقا فخشيت إن مسسته سقط من جلوده جلده شي ء فلا تمسه، و لكن صب عليه الماء صبا، فإن سقط منه شي ء فاجعله في أكفانه» «1»، بدعوي: أن مقتضي الأمر بجمع ما يسقط منه في أكفانه وجوب التغسيل بالصب و إن لزم منه تناثر جلده.

لكنه كما تري فإن ترتب تناثر الجلد من الصب لا يستلزم توقع ذلك قبل التغسيل، ليدل الأمر بالصب علي عدم مشروعية التيمم معه، بل حيث كان الأمر بالصب للفرار من تناثر الجلد بالمس كان ظاهره عدم توقع تناثر الجلد بالصب، و إن كان قد يتحقق علي خلاف ما يتوقعه المغسل، فلا ينافي وجوب التيمم لو خيف تناثر الجلد بالصب أيضا، فضلا عما إذا علم به.

غاية الأمر أنه يدل علي أن تناثر الجلد من الصب من دون توقع سابق لا يكشف عن عدم مشروعية التغسيل بالصب ذاتا، بحيث لا يجزي و يجب التيمم، بل يصح و يجزي.

و لا بأس بالبناء علي ذلك، لأن عدم فعلية الأمر بالتغسيل واقعا بسبب المزاحمة لا ينافي فعلية ملاكه، فيجزي مع تحقق التقرب به، للغفلة عن لزوم المحذور المذكور منه، كما هو الحال في نظائر المقام، كانكشاف ترتب الضرر علي المغسل بعد الفراغ منه.

و كيف كان، فحيث لا إشكال ظاهرا في عدم جواز تقطيع جلد الميت فلا ينبغي التأمل في أنه لو لزم ذلك من مسه دون صب الماء عليه حرم المس و الدلك، و إن

______________________________

(1) كتاب فقه الرضا عليه السلام: 18. و مستدرك الوسائل باب: 16 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

ص: 180

______________________________

كان راجحا في نفسه- كما يظهر من بعض نصوص تغسيل الميت «1» - و وجب التغسيل بالصب و نحوه، كما هو ظاهر ما تقدم من الهداية و به صرح في المقنعة، لعدم مزاحمة الاستحباب للحرمة. بل يكفي الخوف من ذلك، كما تقدم من الفقيه و المقنع، و به صرح في المبسوط و النهاية و المعتبر و المنتهي و التذكرة.

و يقتضيه صحيح ضريس- بناء علي ما هو الظاهر من وثاقة محمد بن سنان، علي ما تقدم في مبحث تحديد مساحة الكر- عن علي بن الحسين أو عن أبي جعفر عليهما السّلام: «قال: المجدور و الكسير و الذي به القروح يصب عليه الماء صبا» «2»، و معتبر زيد بن علي ما تقدم في نظيره في وجوب الاستقبال بالمحتضر- عن آبائه عليهم السّلام عن علي عليه السّلام: «أنه سئل عن رجل يحترق بالنار، فأمرهم أن يصبوا عليه الماء صبا، و أن يصلي عليه» «3».

فإنه بعد عدم احتمال خصوصية العناوين المذكورة فيهما من حيث هي بوجوب الصب، و عدم التصريح فيهما بالعلم بسقوط جلد الميت بمسه حين الغسل، ينصرف إطلاق الأمر المذكور فيهما إلي صورة الخوف من ذلك.

بل لعله مقتضي القاعدة، لأن مقتضي جعل الولاية علي تجهيز الميت لزوم ملاحظة الولي مصلحته و الاحتياط لها بترك ما يحتمل منافاته لها، كالمس في المقام، كما قد يظهر أيضا من سبر النصوص المتضمنة الأمر بالرفق في مسح جسده و غمزه عند التغسيل «4». و يعضده الرضوي المتقدم. بل لا ينبغي التأمل بعد الرجوع لمرتكزات المتشرعة في أن للميت حرمة تمنع من التصرف فيه تصرفا يحتمل تعريضه في الضرر و المحذور المذكور.

كما لا إشكال في الانتقال للتيمم لو لزم المحذور المذكور من الصب أيضا، و هو المتيقن من كلماتهم و معقد إجماعاتهم المتقدمة، لما أشرنا إليه آنفا من أنه يكفي في مشروعية التيمم لزوم محذور من الطهارة المائية. مضافا إلي خبر زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه السّلام: «قال: إن قوما أتوا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فقالوا: يا رسول اللّه مات صاحب

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت.

(2) الوسائل باب: 16 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 16 من أبواب غسل الميت حديث: 2.

(4) راجع الوسائل باب: 2، 9 من أبواب غسل الميت.

ص: 181

______________________________

لنا و هو مجدور، فإن غسلناه انسلخ. فقال: يمموه» «1».

بل قد يدعي أن مقتضاه وجوب التيمم بتعذر الدلك و عدم الانتقال للصب لو لم يلزم منه المحذور المذكور، لانصراف التغسيل فيه للمتعارف المشتمل علي الدلك، و لأن ظاهر حال المجدور عدم تناثر جلده بمجرد صب الماء.

لكنه غير ظاهر، لعدم وضوح الانصراف بنحو معتد به، و اختلاف حال المجدور، و لا سيما و أن استيعاب الجسد للماء عند الصب يحتاج إلي تقليب الميت، و قد يستند تناثر الجلد له.

فلا مجال للخروج به عما تقتضيه القاعدة من عدم الانتقال للتيمم مع إمكان الغسل بالصب و نحوه مما لا يستلزم المحذور المذكور و يتحقق به الغسل الاختياري التام. و لا أقل من كون ذلك مقتضي الجمع بينه و بين حديثي ضريس و زيد المتقدمين، فيحملان علي تجنب المحذور المذكور بالصب، و يحمل هو علي لزومه منه. علي أن ضعف سنده مانع من التعويل عليه في ذلك لو تم ظهوره فيه.

و دعوي: انجباره بالعمل. ممنوعة بعد مطابقة فتوي الأصحاب للقاعدة، علي ما سبق، حيث لا يبعد اعتمادهم في الحكم عليها لا عليه، كما هو ظاهر المعتبر أو صريحه. و لا سيما مع أن وجوب التيمم مع عدم لزوم المحذور من الصب مخالف لتصريح جماعة منهم. نعم لا يبعد كون تسالمهم علي وجوب التيمم و دعواهم الإجماع عليه كاشفا إما عن ارتكازية القاعدة التي أشرنا إليها بنحو يوجب وضوح مؤداها عندهم أو عن تعويلهم علي الخبر المذكور بنحو يصلح لجبره. فلو فرض عدم وضوح أحد الأمرين بخصوصه كان ذلك منهم كافيا في إحراز أحدهما إجمالا و إثبات مشروعية التيمم في محل الكلام.

بل الانصاف أن التسالم المذكور بنفسه صالح لإثبات وجوب التيمم بسبب كثرة الابتلاء بالمسألة المانع عادة من خفاء الحكم فيها علي الأصحاب.

و بذلك يقرب الاكتفاء في مشروعية التيمم بخوف لزوم المحذور المذكور من الصب و عدم لزوم العلم بذلك، لأن أغلب كلماتهم و بعض معاقد إجماعاتهم

______________________________

(1) الوسائل باب: 16 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

ص: 182

علي الأحوط وجوبا، ثلاث مرات (1)،

______________________________

قد تضمنت الاكتفاء بالخوف، بل لم يعتبر العلم فيما عثرت عليه منها، و إنما عبر بعضهم- كالشيخ في الخلاف- بعدم إمكان الغسل، و لا يبعد أن يراد به عدم الإمكان بلحاظ المفروغية عن منجزية الخوف، كما يساعده النظر في بقية كلماتهم.

و لا سيما بملاحظة ما سبق في صورة خوف المحذور المذكور من المس دون الصب من تقريب دلالة النصوص علي منجزية الخوف و اقتضاء القاعدة له، لعدم الفرق في اقتضاء القاعدة له بين الموردين، و قرب ارتكازيتها بنحو تصلح للقرينية علي شرح مراد من عبر بعدم الإمكان.

بل سبر كلماتهم يشهد بمفروغيتهم عن منجزية الخوف، حيث اكتفوا به و لم يتعرضوا لوجه منجزيته، و لا للاختلاف المشار إليه في عبارات الأصحاب، مع وضوح عدم نهوض خبر زيد الذي استدلوا به في المقام به، لظهور فرض انسلاخ الجلد فيه في العلم به. و من هنا لا يبعد البناء عليه تبعا لهم، و لما عرفت من القاعدة.

فتأمل جيدا. و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

(1) ففي القواعد: «يممه مرة علي إشكال». و قرب التثليث في التذكرة و جامع المقاصد و الروض و محكي نهاية الأحكام و الموجز و فوائد الشرائع و كشف الالتباس و حاشية الشهيد الثاني علي القواعد، و جزم به في المسالك.

و اكتفي بالمرة في الذكري و كشف اللثام و محكي مجمع البرهان و غيرها و نسبه شيخنا الأعظم قدّس سرّه لجماعة من متأخري المتأخرين، و في المدارك أنه ينبغي القطع به، و هو ظاهر من أطلق من الأصحاب، و لذا نسبه لظاهرهم في الذكري و لاطلاقهم في كشف اللثام و لظاهر إطلاق النص و الفتاوي في الرياض.

و يقتضيه إطلاق النصوص المتضمنة للتيمم في المقام، كصحيح عبد الرحمن بن أبي نجران و خبري زبد بن علي، بناء علي نهوضها بالاستدلال عليه. بل إطلاق أدلة بدلية التيمم عن الماء أيضا- بناء علي ما تقدم من الاستدلال به في المقام- لظهوره في قيام التيمم مقام الماء في الطهارة المطلوبة منه، و حيث كان ظاهر أدلة غسل الميت وحدة الطهارة المطلوبة منه، تبعا لوحدة ماهيته شرعا، و إن كان مركبا من أغسال

ص: 183

______________________________

ثلاثة، تعين الاجتزاء بدله بتيمم واحد.

و إليه يرجع قوله في الذكري: «لإطلاق الأمر، و لأن الغسل واحد، و إنما تعدد باعتبار كيفيته».

هذا، و إن قيل بأن المطهر هو الغسل الأخير فالأمر أظهر كما نبه له في الذكري أيضا.

و مما ذكرنا يظهر ضعف ما في التذكرة من الاستدلال لتثليث التيمم بأنه بدل عن ثلاثة أغسال.

و أما ما في جامع المقاصد و غيره من أن كونها في قوة غسل واحد لا يخرجها عن التعدد، و إذا وجب التعدد في المبدل منه مع قوته ففي البدل الضعيف بطريق أولي. فهو كما تري! لوضوح أن بدلية التيمم ليست عرفية ارتكازية، لتدرك كيفية تأثيره، بل تعبدية، كما أنها مبنية علي نقص الطهارة الحاصلة به عن الطهارة المائية، فلا مانع من نقصه في بعض الجهات عنها، كما ثبت ذلك في بعض الفروق. فلا مجال للخروج بما ذكره عما سبق.

تتميم: حيث يتعين الصب من دون دلك فهل يجب تثليث الغسل أولا؟

قال في الذكري: «يلوح من الاقتصار علي الصب الاجتزاء بالقراح، لأن الماء من الأخيرين لا يتم فائدتهما [فائدته. ظ] بدون الدلك غالبا. و حينئذ الظاهر الاجتزاء بالمرة، لأن الأمر لا يدل علي التكرار».

و لا يخفي أن مقتضي استدلال الأصحاب علي وجوب الصب بما تقدم من أن الدلك مستحب، و الاستحباب لا يزاحم التحريم، المفروغية عن كون الصب من أفراد الغسل التام الواجب، و أن التنازل إنما يكون عن خصوصية الدلك المستحبة من دون نقص في الغسل.

و هو المناسب لما ذكروه في كيفية الغسل من استحباب الدلك، لما يظهر من نصوص تعليم الغسل «1»، أو لأنه أبلغ في وصول الماء، من دون أن ينبهوا للفرق بين الغسلات، و أنه يجب الدلك في بعضها، لعدم تحقق الفائدة منه بدونه. كما لم ينبه لذلك في النصوص. بل ظاهر قوله عليه السّلام في صحيح يعقوب بن يقطين: «ثم يفاض الماء عليه

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت.

ص: 184

______________________________

ثلاث مرات … و يجعل في الماء شي ء من السدر و شي ء من كافور» «1» الاجتزاء بالإفاضة في الجميع. كما هو مقتضي إطلاق تشبيهه بغسل الجنابة «2» المصرح فيه بعدم وجوب الدلك. بل لعله مقتضي إطلاق جملة من النصوص المتضمنة للغسل، لما هو المعهود في سائر الأغسال بالاكتفاء بالصب.

و ما أشار إليه من عدم تمامية فائدة الخليطين بدون الدلك، غير ظاهر بنحو يصلح للخروج عما سبق. و لا سيما مع ما هو المعلوم من عدم كون المراد بالغسل بهما الاستعانة بهما في الغسل، نظير الغسل بالصابون في عصورنا، بل خلط ماء الغسل بهما بنحو يصدق الغسل به عرفا، إما لإطلاقه- كما سبق من جملة منهم- أو لقلة الخليط بنحو لا يخرج به الماء عن صورته و إن كان مضافا. بل لا مجال لاحتمال توقف فائدة الكافور العرفية- و هي التطييب- علي الدلك.

و أما ما تقدم في حديثي ضريس و زيد و الرضوي من صب الماء، فإطلاقه و إن كان يقتضي الاكتفاء بالصب مرة واحدة بالماء المطلق، إلا أنه ليس واردا لبيان الواجب من تمام الجهات، و لذا لم يتضمن وجوب استيعاب الماء لجسد الميت، بل لبيان الاجتزاء بالصب و عدم جواز الدلك، فلا ينهض بالخروج عن مقتضي إطلاق أدلة تغسيل الميت من وجوب الأغسال الثلاثة بالخليطين و القراح. بل عدم التنبيه فيها لسقوط الخليطين قد يوجب ظهورها- و لو بمقتضي الإطلاق المقامي- في وجوبهما، حيث لا يبعد ظهورها في بيان ما يمتاز به الميت في موردها عن غيره في كيفية التغسيل، فاقتصارها علي بيان الصب يوجب ظهورها في المشاركة في غيره لسائر أفراد الميت.

هذا، و لو تم ما ذكره من سقوط الخليطين تبعا للدلك فوجوب تثليث الغسل بالقراح و عدمه يبتني علي ما تقدم في المسألة الثامنة من فرض تعذر الخليطين، لعدم الفرق بين تعذر الغسل بهما لفقدهما و تعذره لتعذر شرطه- و هو الدلك- في جريان ما سبق من الأصل و غيره.

و أما ما ذكره قدّس سرّه من أن الأمر لا يدل علي التكرار. فهو و إن تم، بل هو بإطلاقه يقتضي الاجتزاء بالمرة، إلا أن المراد بالأمر إن كان هو ما تضمنته النصوص

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 7.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

ص: 185

ينوي بواحد منها ما في الذمة (1).

(مسألة 11): يجب أن يكون التيمم بيد الحي (2).

______________________________

المتقدمة فقد سبق أنه ليس لها إطلاق ينفع في المقام. و لو كان لها إطلاق كفي في نفي وجوب الخليطين، و لا يحتاج معه للاستدلال علي سقوطهما بما ذكره أولا من عدم تمامية فائدتهما بدون الدلك. و إن كان المراد بالأمر غير ذلك فلم نعثر علي ما يقتضيه لينظر في مفاده.

(1) إما كونه بدلا عن تمام غسل الميت، أو عن أحد الأغسال المناسب للترتيب، لأن في ذلك جمعا بين احتمالي وجوب التيمم مرة واحدة و وجوبه ثلاث مرات. ثم إن هذا مبني علي لزوم تعيين المبدل عنه في التيمم، و الكلام فيه موكول لمبحث التيمم.

مسألة 11: يجب أن يكون التيمم بيد الحي
اشارة

(2) كما في الروض و المسالك و الجواهر و غيرها، و ذكر شيخنا الأعظم قدّس سرّه أنه المعروف في كيفيته، و قال سيدنا المصنف قدّس سرّه: «نسب التصريح به إلي كل من تعرض للكيفية».

لكن في المقنعة: أنه ييمم كما ييمم الحي العاجز بالزمانة، و في الخلاف: «يتيمم بالتراب مثل الحي»، و في الشرائع: «كما يتيمم الحي العاجز»، و في كشف اللثام:

«كتيمم الحي».

و ظاهر هذه الكلمات أن الضرب بيد الميت، لأن ذلك هو الواجب في تيمم الحي العاجز عن المباشر، كما صرحوا به، لظهور النصوص في أن الضرب من أجزاء التيمم، لا من مقدماته، علي ما يأتي في محله إن شاء اللّه تعالي.

و من هنا كان ذلك ظاهر كل من أطلق التيمم، لظهوره في قيام المباشر بتمام التيمم لا ببعضه، كما هو الحال في سائر موارد سقوط المباشرة. و لذا ذكر في الروض أن إطلاقاتهم تحتاج إلي تقييد.

و كيف كان، فقد أيد في الجواهر الأول بالاعتبار، لكون التيمم بدل الغسل المكلف به الحي، فلا مدخلية لضرب الأرض بيد الميت. و يظهر ضعفه مما تقدم، لأن الحي لما كان مكلفا بأن ييمم الميت كان اللازم قيامه بالحركة المؤدية لتمام أجزاء تيممه،

ص: 186

______________________________

و منه الضرب و المسح بيد الميت، كما لو تيمم الميت بنفسه.

نعم، يتجه ذلك لو تقوم التيمم بمسح الجبهة و ظهر الكفين بأثر الأرض، نظير تقوم الغسل بغسل الجسد بالماء، و كان الضرب خارجا عن حقيقته، كتناول الماء في الغسل، و لم يعتبر في المسح أن يكون بيد المتيمم، كما لا يعتبر كون الغسل بيد المغتسل، بل له أن يغتسل بالارتماس و بالاستعانة بخرقة تبتل بالماء و نحوهما. لكن لا مجال للبناء علي كلا الأمرين، خصوصا الثاني، علي ما يتضح في محله. فالاستدلال المذكور ضعيف جدا.

قال سيدنا المصنف قدّس سرّه: «نعم يمكن أن تكون غلبة تعذر الضرب بيد الميت موجبة لانصراف النص الآمر بالتيمم إلي الضرب بيد الحي. لكن لا مجال لدعوي ذلك بالنسبة إلي عمومات البدلية».

و الوجه فيه: أن الغلبة المذكورة لا توجب الغلبة في مورد العمومات بعد شمولها للحي الذي يغلب فيه القدرة علي الضرب و المسح بيده، فلا تنهض بالقرينة عليها، كي تخرجها عن ظهورها فيما سبق.

نعم، لو تمت الغلبة في نصوص تيمم الميت و نهوض تلك النصوص بالاستدلال كانت صالحة لتقييد مقتضي العمومات و الخروج عنها في الميت.

لكن سبق الإشكال في الاستدلال بتلك النصوص لاضطرابها أو ضعف سندها أو عدم العمل بها في موردها. مع أن الغلبة قد تختص بمثل المجدور، حيث يحتاج الضرب بيديه و المسح بهما إلي الضغط عليهما بنحو قد يغلب تسلخ جلده. و كذا بعض أفراد المحترق، دون سائر من يتعذر تغسيله من أفراد الميت، حيث لا يتضح تعذر ذلك فيه إلا أن يتيبس جلده و ليس هو غالبيا.

و من هنا لا مخرج عما هو ظاهر النص و الفتوي من لزوم الضرب و المسح بيد الميت مع الإمكان. و أما مع تعذره فالاكتفاء بالضرب و المسح بيد الحي مبني علي ما يأتي في العاجز عن الاستقلال بالتيمم إن شاء اللّه تعالي. بل قد يكون هنا أظهر، بلحاظ النصوص الواردة في تيمم الميت الذي يكثر فيه تعذر ذلك. فلاحظ.

ص: 187

و الأحوط استحبابا (1) مع الإمكان أن يكون بيد الميت أيضا.

(مسألة 12): يشترط في الانتقال إلي التيمم الانتظار إذا احتمل تجدد القدرة علي التغسيل (2).

فإذا حصل اليأس جاز التيمم (3). لكن إذا اتفق تجدد القدرة قبل الدفن وجب التغسيل (4)، و إذا تجددت بعد الدفن و خيف علي الميت من الضرر

______________________________

(1) مما تقدم يظهر أن ذلك هو الواجب. و لا أقل من كون ضمه مقتضي الاحتياط الوجوبي، كما ذكره بعض مشايخنا دامت بركاته.

تنبيه:

حيث يجب الضرب بيد الحي فقد قال في المسالك: «و ليغسل الماسح يده بعد كل مسح علي بدن الميت»، و قال في الروض: «و الأولي تطهير يد اللامس بعد كل لمس حيث يمكن».

و كأنه يبتني علي ما يظهر من الروض من انفعال ملاقي الميتة- من الانسان أو مطلقا- و لو مع الجفاف. لكن اعتبار طهارة الماسح مطلقا في التيمم يحتاج إلي دليل، بل يدفعه إطلاق أدلة شرح التيمم. غاية الأمر أنه ادعي الإجماع علي اعتبار طهارة أعضاء التيمم، و المتيقن منه أعضاء المتيمم نفسه، لا أعضاء من ييممه. و لعله لذا كان ظاهر ما تقدم من الروض الاستحباب.

مسألة 12: يشترط في الانتقال إلي التيمم الانتظار إذا احتمل تجدد القدرة علي التغسيل

(2) لأن موضوع التيمم ليس مجرد عدم القدرة علي التغسيل و لو آنا ما، بل عدم القدرة في تمام الوقت، لأن ذلك هو المناسب لظهور الأدلة في كون بدليته اضطرارية. و لذا لا يجوز المبادرة مع العلم بتجدد القدرة في الوقت. غاية ما قد يدعي الاكتفاء ظاهرا باحتمال عدم القدرة في تمام الوقت و عدم وجوب إحرازه بالانتظار و نحوه، و تمام الكلام في ذلك موكول لمبحث التيمم.

(3) بلا إشكال ظاهر، لأن غلبة عدم تيسر العلم صالح للقرينية علي الاكتفاء في ترتيب أثر عدم الوجدان باليأس.

(4) لانكشاف عدم مشروعية التيمم، لعدم تحقق موضوعه و هو التعذر

ص: 188

أو الهتك لم يجب التغسيل، و إلا ففي وجوب نبشه و استيناف الغسل إشكال.

و كذا الحكم فيما إذا تعذر السدر و الكافور (1).

(مسألة 13): إذا تنجس بدن الميت بعد الغسل أو في أثنائه بنجاسة خارجية أو منه وجب تطهيره (2).

______________________________

المستوعب للوقت. بل لو فرض مشروعيته بعدم الوجدان في وقته فحيث دلت الأدلة علي بطلان التيمم بوجدان الماء لزم في المقام بطلانه، فيجب الغسل تحصيلا للطهارة المستمرة، حيث لا يبعد كون المستفاد من الأدلة أن تغسيل الميت لذلك، لا لتحصيل الطهارة له آنا ما كي يكتفي بحصولها حين التيمم قبل بطلانه.

و منه يظهر أنه لا مجال لقياس المقام بالصلاة التي لا يبعد البناء علي إجزائها و عدم وجوب إعادتها بوجدان الماء في أثناء الوقت، للفرق بالاكتفاء في صحة الصلاة بالطهارة حينها. علي أنه لا تعويل علي القياس بعد مخالفة إجزاء الصلاة للقاعدة.

(1) تقدم الكلام في ذلك في الفرع الثالث من الفروع الملحقة بالمسألة الثامنة في تعذر الخليطين، و ما ذكرناه هناك يجري في محل الكلام من تعذر أصل التغسيل و الانتقال للتيمم.

مسألة 13: إذا تنجس بدن الميت بعد الغسل أو في أثنائه بنجاسة خارجية أو منه وجب تطهيره

(2) كما صرح به جماعة من الأصحاب بنحو يظهر منهم المفروغية عنه، بل قد يدخل في معقد إجماع الخلاف، و في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه، بل ظاهر الأصحاب الإجماع عليه، كما اعترف به في كشف اللثام و غيره».

و يقتضيه صحيح الكاهلي و الحسين بن المختار- بناء علي وثاقة محمد بن سنان علي ما تقدم في تحديد مساحة الكر- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألناه عن الميت يخرج منه الشي ء بعد ما يفرغ من غسله. قال: يغسل ذلك و لا يعاد عليه الغسل» «1»، و حديث روح بن عبد الرحيم- الذي لا يبعد كونه موثقا- عنه عليه السّلام: «قال: إن بدا من الميت شي ء بعد غسله فاغسل الذي بدا منه و لا تعد الغسل» «2»، و مرفوع سهل:

«قال: إذا غسل الميت ثم أحدث بعد الغسل فإنه يغسل الحدث و لا يعاد الغسل» «3».

______________________________

(1) الوسائل باب: 32 من أبواب غسل الميت حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 32 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 32 من أبواب غسل الميت حديث: 5.

ص: 189

و لو بعد وضعه في القبر (1).

______________________________

و قد يؤيد بما تضمن قرض الكفن إذا تنجس «1» مما يأتي، لأن البدن أولي بإزالة النجاسة من الكفن، و بما تضمن الأمر بشد الفخذين في التكفين «2»، حيث لا يبعد كون الغرض منه منع خروج النجاسة. و بتعليل وجوب التغسيل «3» بأنه ليطهر من أدناس أمراضه، حيث لا يبعد كون المراد به النجاسة الخبثية.

هذا، و النصوص المتقدمة و إن اختصت بما يخرج من الميت بعد الغسل، إلا أن الظاهر إلغاء خصوصيته عرفا و تعميم الحكم للنجاسة الخارجية، و لما يصيبه في أثناء الغسل في الموضع المغسل. و أما ما يصيب الموضع غير المغسل منه فشرطية إزالته في اتمام الغسل تبتني علي ما تقدم في أول هذا الفصل من الكلام في وجوب تطهير الميت قبل الغسل.

و أما وجوب غسل النجاسة تعبدا لو تعذر تغسيله فلا يبعد استفادته من النصوص المتقدمة و من التعليل المتقدم لوجوب التغسيل بأنه يطهر من أدناس أمراضه. اللهم إلا أن يستشكل في ذلك بأن غسل النجاسة مع عدم تغسيل الميت لا يوجب التطهير، لنجاسة بدن الميت عينا، إلا أن نقول بمطهرية التيمم من الحدث و الخبث معا كالغسل. فتأمل جيدا.

(1) قال في الجواهر في شرح عبارة ماتنه: «لكن ظاهره كغيره، بل كاد يكون صريح الذكري، أنه لا فرق في ذلك بين طرحه في القبر و عدمه، بل و لو توقف إزالتها علي خروجه منه … و ربما يظهر من المحكي عن الأردبيلي الإجماع علي وجوب إزالة النجاسة عن البدن قبل الدفن مطلقا». لكن في جامع المقاصد: «نعم يجب غسل النجاسة علي كل حال و إن وضع في القبر إلا مع التعذر، و لا يجوز حينئذ إخراجه بحال، لما فيه من هتك الميت. مع أن القبر محل النجاسة».

و يشكل بعدم وضوح لزوم الهتك من إخراج الميت من القبر، و إنما يلزم

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 32 من أبواب غسل الميت، و باب: 24 من أبواب التكفين.

(2) راجع الوسائل باب: 1 من أبواب غسل الميت.

(3) الوسائل ج 2 باب: 1 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

ص: 190

______________________________

من المثلة به التي هي غير مفروضة في المقام. كما أن كون القبر محل النجاسة لا ينافي وجوب تطهيرها، عملا بإطلاق النصوص السابقة، و إنما المتيقن العفو عن ذلك بعد تحقق الدفن، و لذا التزم قدّس سرّه بوجوب التطهير في القبر لو أمكن من دون إخراج.

و مثله ما في الجواهر و عن الحدائق من ظهور سياق النصوص فيما قبل الوضع في القبر. للإشكال فيه بعدم المنشأ لذلك بعد إطلاق النصوص. بل هو لا يناسب ما في الجواهر في آخر كلامه، حيث استجاد ما تقدم من كلام جامع المقاصد مع التصريح فيه بوجوب التطهير حتي بعد الوضع في القبر إذا لم يتوقف علي الإخراج.

هذا، و في صحيح ابن أبي عمير و أحمد بن محمد عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: إذا خرج من الميت شي ء بعد ما يكفن فأصاب الكفن قرض منه [من الكفن]» «1»، و في صحيح الكاهلي عنه عليه السّلام: «قال: إذا خرج من منخر الميت الدم أو الشي ء بعد الغسل و أصاب العمامة أو الكفن قرض [قرضه] بالمقراض» «2».

و الظاهر أن الأمر بقرض الكفن فيهما للتسهيل تجنبا لبلله و نزعه الذي كثيرا ما يتوقف عليه تطهيره، و مقتضي ذلك عدم وجوب تطهير جسد الميت لتوقفه كثيرا علي نزع الكفن منه، و لو أمكن بدونه استلزم غالبا بلل الكفن، فيكون اقتصارهما علي قرض الكفن موجبا لظهورهما في عدم وجوب تطهير البدن إذا كان خروج النجاسة بعد التكفين مطلقا و لو لم يوضع في القبر. و لأجلها يحمل إطلاق نصوص الغسل علي صورة خروج النجاسة قبل التكفين، و هو جمع سهل لا كلفة فيه.

و أما ما ذكره شيخنا الأعظم قدّس سرّه من كون الاقتصار علي قرض الكفن فيهما قرينة علي إرادة صورة تعذر الغسل منهما. فهو كما تري لا يناسب إطلاقهما جدا، بل الأقرب ما ذكرنا، كما لعله ظاهر.

نعم، بناء علي اختصاص مشروعية القرض بما إذا كان الميت قد وضع في القبر يتجه اختصاص عدم وجوب تطهير الجسد به. لكن يأتي في المسألة الواحدة و الثلاثين عند الكلام في الكفن المنع من ذلك إن شاء اللّه تعالي.

فالبناء علي عدم وجوب تطهير الجسد بعد التكفين في مورد عدم نزع الكفن

______________________________

(1) الوسائل باب: 32 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 32 من أبواب غسل الميت حديث: 4.

ص: 191

نعم لا يجب ذلك بعد الدفن (1).

(مسألة 14): إذا خرج من الميت بول أو مني لا تجب إعادة غسله (2).

______________________________

قريب جدا. لو لا عدم استثناء الأصحاب ذلك من عموم وجوب التطهير عدا السيد في الرياض مستدلا عليه بالحرج و الإجماع، و هو غير ظاهر، بل سبق من الجواهر ظهور كلماتهم في العموم.

و لعله لذا سبق من شيخنا الأعظم قدّس سرّه التكلف بحمل الصحيحين علي صورة تعذر الغسل. اللهم إلا أن يكون اقتصار بعض من تعرض للقرض عليه قرينة علي إرادتهم الاستثناء المذكور، و لا سيما مع ذكرهم للحكمين في سياق واحد، و تنصيص من نص علي عموم وجوب التطهير غفلة عن مفاد الصحيحين. بل في المنتهي: «لو خرجت النجاسة منه بعد وضعه في أكفانه لم يجب إعادة الغسل عليه في قول أهل العلم كافة، لأن ذلك حرج عظيم و يحتاج إخراجه من أكفانه إلي مشقة عظيمة».

و تعليله كالصريح في الإجماع علي عدم وجوب إخراجه من أكفانه. و تطهيره و هو فيها مما لا يظن من أحد دعوي وجوبه، بل كثيرا ما يمتنع. و الإجماع المذكور و إن لم يتضح إلا أنه يكفي في عدم استيضاح الإجماع علي عموم وجوب التطهير بنحو يمنع من الخروج عما يقتضيه الجمع بين الأدلة. فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

(1) بلا إشكال ظاهر، لما هو المعلوم من تعرض الميت حينئذ للنجاسة من دون أن يشار إلي وجوب إزالتها حينئذ في النصوص و الفتاوي، كما أن السيرة علي عدمه.

مسألة 14: إذا خرج من الميت بول أو مني لا تجب إعادة غسله

(2) كما صرح به جماعة من الأصحاب، و نسب للأكثر في المختلف و المدارك، و للأشهر في محكي الكفاية، و للمشهور في كشف اللثام، و في حاشية المدارك أن بناء فتوي الأصحاب عليه، بل في الخلاف الإجماع علي عدم وجوب الإعادة لو خرج شي ء بعد الغسل الثالث، و في المعتبر و التذكرة أنه ظاهر من عدا ابن أبي عقيل، و لم يعرف الخلاف فيه إلا منه، حيث يظهر من جماعة نسبة القول بوجوب إعادة الغسل لو خرج أحد النواقض بعد إكماله، و ادعي الوحيد إشعار كلامه بوجوب استئناف الغسل لو خرج شي ء في أثنائه، لا في إعادته لو خرج بعد إكماله.

ص: 192

______________________________

و كيف كان، فقد يبني وجوب استئناف الغسل لو خرج أحد النواقض في أثنائه علي ثبوت ذلك في غسل الجنابة، لعموم التشبيه في صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: غسل الميت مثل غسل الجنب، و إن كان كثير الشعر فرد عليه [الماء] ثلاث مرات» «1».

و فيه- مع عدم ثبوت ذلك في غسل الجنابة، و لو ثبت فهو مختص بالحدث الأصغر، و أما الأكبر فوجوب استئنافه مقتضي القاعدة الجارية في الحدث حتي بعد إكمال الغسل، و التي يأتي الكلام فيها هنا-: أن قوله عليه السّلام: «و إن كان كثير الشعر … »

قد يوجب انصراف التشبيه للكيفية الخارجية، دون غيرها من أحكام غسل الجنابة التي منها وجوب الاستئناف بتخلل الحدث.

و مثله الاستدلال بمفهوم الشرطية السابقة المتضمنة عدم وجوب إعادة الغسل إذا خرج الشي ء بعد إكماله. إذ فيه: أن الشرطية مسوقة لتحقيق الموضوع، فلا ينهض مفهومها بإثبات وجوب استئناف الغسل بما يخرج قبل إكماله.

كما قد يستدل لوجوب إعادة الغسل لو خرج أحد النواقض بعد إكماله بأن الحدث ناقض للغسل فوجب إعادته ليخرج من الدنيا طاهرا.

و ما في جامع المقاصد من أنه لا يراد بغسل الميت و وضوءه رفع الحدث. غير ظاهر بعد ملاحظة النصوص المتضمنة تعليل وجوبه بأن الميت يجنب «2» و غيرها مما تقدم التعرض له في تحقيق مقتضي الأصل عند الكلام في وجوب تثليث الأغسال.

و مثله ما يظهر من غير واحد من عدم وجوب استمرار الطهارة له، بل يكفي حصولها آنا ما بإكمال الغسل و إن انتقضت بعد ذلك. لاندفاعه بأن ارتكازية تعليل وجوب الغسل بأنه يجنب تقتضي مطلوبية بقائه علي الطهارة في عالم الآخرة بعد أن لم يكن المراد حصولها حالة حدوث الموت كالوضوء للنوم، و لا لفعل خاص كطهارة الحي للصلاة. و لا سيما مع ظهور حديث ابن سنان في أن ذلك مطلوب في الطهارة من الخبث، لقوله عليه السّلام: «علة غسل الميت أنه يغسل لأنه يطهر و ينظف من أدناس أمراضه

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(2) راجع الوسائل باب: 1، 3 من أبواب غسل الميت.

ص: 193

______________________________

و ما أصابه من صنوف علله، لأنه يلقي الملائكة و يباشر أهل الآخرة، فيستحب إذا ورد علي اللّه عز و جل و لقي أهل الطهارة و يماسونه و يماسهم أن يكون طاهرا نظيفا متوجها به إلي اللّه عز و جل ليطلب وجهه و ليشفع له. و علة أخري أنه يخرج منه المني الذي منه خلق، فيجنب فيكون غسله له» «1» و قريب منه حديث الفضل بن شاذان «2».

نعم، المتيقن من النصوص المتقدمة اهتمام الشارع برفع حدث الجنابة أو مطلق الحدث الأكبر، دون الحدث الأصغر، فلا وجه لوجوب الطهارة بحصول سببه. كما لا دليل علي مشروعية الغسل لإزالته وحده، بل في ضمن الأكبر، و كذا لا دليل علي تشريع الوضوء وحده حينئذ للميت، و إن حكي عن بعض العامة. بل لما كان الرافع للحدث الأكبر هو الغسل الواحد بالماء المطلق فلا وجه لإعادة غسل الميت بتمامه- كما هو ظاهر ما عن ابن أبي عقيل- بعد وضوح عدم مبطلية الخارج له من أصله، بل غاية الأمر أن يوجب له الحدث الذي يحصل به في الحي.

مضافا إلي ما نبه له في المختلف و غيره من عدم الدليل علي حدث الميت بخروج النواقض المعهودة في الحي منه. و دعوي: أن ذلك لا يناسب ما تضمن تعليل جنابة الميت بخروج المني الذي خلق منه بموته من فيه أو غيره «3».

مدفوعة: بأن جنابته بخروج المني منه بحدوث الموت لا يستلزم جنابته بخروجه منه بعده، حيث يكون بنظر العرف كسائر الجمادات. و لا سيما و أن جنابته بخروج المني المذكور تعبدية لا تناسب سببية خروج المني من الحي لجنابته، لاختصاصها بخروج مني الإنسان نفسه بالوجه المعهود، دون مني غيره و لذا لا تجنب المرأة بخروج مني الرجل منها.

نعم، سبق عند الكلام في سببية الجماع للجنابة قوة احتمال جنابة الميت به، و هو و إن كان مناسبا لجنابته بخروج المني منه إلا أن ذلك وحده لا يكفي بعد انصراف إطلاقات سببية أسباب الجنابة عن الميت. و الاستناد في جنابته بالجماع لجهات خاصة مانعة من الانصراف لا يتضح التعدي بها عنه لخروج المني. فلاحظ.

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب غسل الميت حديث: 4.

(3) راجع الوسائل باب: 1، 3 من أبواب غسل الميت.

ص: 194

______________________________

هذا، كله بحسب القواعد، و أما بلحاظ النصوص الخاصة فيه علي عدم ناقضية خروج الغائط منه للغسل الأول قوله عليه السّلام في مرسل يونس: «ثم صب الماء في الآنية و ألق فيه حبات كافور، و افعل به كما فعلت في المرة الأولي، ابدأ بيديه ثم بفرجه و امسح بطنه مسحا رفيقا، فإن خرج منه شي ء فانقه، ثم اغسل رأسه … » «1»،

و علي عدم ناقضيته للغسلين الأوليين معا قوله عليه السّلام في موثق عمار: «ثم تمر يدك علي بطنه فتعصره شيئا حتي يخرج من مخرجه ما خرج، و يكون علي يديك خرقة تنقي بها دبره، ثم ميل برأسه شيئا، فتنفضه حتي يخرج من منخره ما خرج ثم تغسله بجرة [بجرد] من ماء القراح … » «2». بل ظاهر الأول عدم انتقاض غسل اليدين و الفرج الذي هو من آداب الغسل بذلك.

كما يدل علي عدم إعادة الغسل بخروج أحد النواقض بعد إكماله النصوص المتقدمة في أول المسألة السابقة المصرح فيها بغسل ما خرج و عدم إعادة الغسل لأجله و مرسل ابن أبي عمير و أحمد بن محمد المقتصر فيه علي قرض الكفن.

و هذه النصوص تناسب ما ذكرناه أخيرا من عدم ناقضية ما يخرج من الميت لطهارته، حيث يبعد جدا ناقضيته و عدم وجوب الطهارة منه، بل عدم رجحانها، حيث لا يظهر منها و لا من غيرها استحباب التطهير.

و دعوي: أن ذلك لا يناسب التعبير بالحدث في مرفوع سهل المتقدم. مدفوعة- مضافا إلي ضعفه- بقرب كون المراد بالحدث السبب المعهود بذاته، لا بما أنه سبب للحدث و ناقض للطهارة، كما يناسبه قوله: «فإنه يغسل الحدث» لوضوح أن الغسل للذات بنفسها لا بلحاظ مسببها.

نعم، قد يدعي انصراف إطلاقات تلك النصوص لأسباب الحدث الأصغر، لندرة خروج المني من الميت. لكنه ممنوع، لأن مجرد الندرة لا تقتضي الانصراف المعتد به. علي أنه لا ندرة في غير المني من أسباب الحدث الأكبر، كدم الحيض و النفاس، حيث قد تموت المرأة عند قوة اندفاعهما، فيخرجان بعده. بل في مرفوع الحسن بن محبوب و أحمد بن محمد: «قال: المرأة إذا ماتت نفساء و كثر دمها أدخل إلي السرة في

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 10.

ص: 195

و لو قبل الوضع في القبر (1).

(مسألة 15): لا يجوز أخذ الأجرة علي تغسيل الميت (2)،

______________________________

الأديم أو مثل الأديم نظيف ثم يكفن بعد ذلك». و زاد الحسن في سند آخر: «و يحشي القبل و الدبر بالقطن». و كذا رواه الصدوق مرسلا عن الصادق عليه السّلام إلا أنه قال:

«و تنظف ثم يحشي … » «1».

و هو ظاهر في الاهتمام بتجنب النجاسة الخبثية و دفعها عن الكفن، دون الحدث، لظهوره في توقع خروج الدم من دون أن ينبه فيه لتأخير غسلها مهما أمكن و تعصيرها ليخرج ما يمكن خروجه قبله، و يضعف دفع الدم. فلاحظ.

(1) فإنه المتيقن من الخلاف المتقدم، بل تقدم في آخر المسألة السابقة من المنتهي دعوي الإجماع علي عدم وجوب إعادة الغسل بعد وضع الميت في أكفانه، المستلزم لأولوية حال ما بعد الوضع بالإجماع.

مسألة 15: لا يجوز أخذ الأجرة علي تغسيل الميت

(2) قال في المقنعة: «و التكسب بتغسيل الأموات و حملهم و دفنهم حرام، لأن ذلك فرض الكفاية أوجبه اللّه تعالي علي أهل الإسلام»، و نحوه أو قريب منه في النهاية و المراسم و السرائر و الشرائع و المنتهي و التذكرة و القواعد و غيرها، و في المسالك: «هذا هو المشهور بين الأصحاب و عليه الفتوي، و ذهب المرتضي إلي جواز أخذ الأجرة علي ذلك لغير الولي، بناء علي اختصاص الوجوب به» و ظاهره أن الشهرة في مقابل المرتضي الذي يبتني خلافه علي اختصاص الوجوب بالولي، و أنه لو بني علي عموم التكليف بأفعال التجهيز- كما تقدم- فلا خلاف في التحريم.

بل حكي عن المحقق الثاني دعوي الإجماع علي عموم حرمة أخذ الأجرة علي الواجبات، كما ادعي هو و غيره الإجماع في كثير من الواجبات الكفائية- كالقضاء و تعليم صيغة النكاح- فضلا عن العينية. و لعله لذا قال في الرياض في تقريب عدم جواز أخذ الأجرة علي الواجبات: «بلا خلاف، بل عليه الإجماع في كلام جماعة. و هو الحجة»، و في الجواهر: «بلا خلاف معتد به أجده فيه» و عن كاشف الغطاء في شرح

______________________________

(1) الوسائل باب: 25 من أبواب التكفين حديث: 1.

ص: 196

______________________________

القواعد أن دعوي الإجماع المحصل غير بعيد عند المحصل»، و عن مجمع البرهان:

«كأن دليله الإجماع».

لكن أطال شيخنا الأعظم قدّس سرّه في مكاسبه في توهين دعوي الإجماع المذكورة بنقل جملة من كلماتهم تشهد بخلافها، كما أطال في كتاب التجارة من الجواهر في تقريب استنادها إلي ظهور الإجماع في جملة من الموارد لخصوصيات فيها، لا لعموم حرمة أخذ الأجرة علي الواجبات، و مع ذلك لا مجال للتعويل علي الإجماع المذكور لا في عموم الدعوي المذكورة، و لا في خصوص واجبات التجهيز. و احتمال خصوصيتها بإجماع تعبدي. مما لا تناسبه كلماتهم السابقة جدا.

و أما ما ذكره غير واحد من مانعية الوجوب من حيث هو لأخذ العوض. فلم يثبت لعدم وضوح الوجوه المذكورة له في كلماتهم علي كثرتها، كما أطلنا الكلام فيه في تعقيب كلمات شيخنا الأعظم قدّس سرّه في مكاسبه بما لا مجال له في المقام.

كما أنه لم يثبت عموم منافاة قصد أخذ الأجرة للعبادية في الغسل و الصلاة من واجبات التجهيز، لما تقدم في مباحث النية من شرائط الوضوء من أن انضمام الداعي غير القربي المباح للداعي القربي لا يمنع من صحة العبادة إذا كان الداعي القربي بحيث يصلح لأن يستقل بالداعوية، حيث يجري ذلك في المقام.

نعم، لو لم يصلح الداعي القربي للاستقلال بالداعوية لم تصح العبادة، سواء كان قصد أخذ الأجرة صالحا للداعوية الاستقلالية أم لم يكن، بل كان الداعي الفعلي مجموع الداعيين بنحو الانضمام.

و أما دعوي: أن جعل الأجرة لما كان بإزاء العمل العبادي، فلا بد في استحقاقها من قصد التقرب، و لو مع قصد الأجرة بنحو داعي الداعي. فهي مندفعة: بأن داعي الداعي هو الداعي الحقيقي، فإن لم يكن قربيا لم يكف الداعي المباشر في المقربية. و قد تقدم في مبحث النية في الوضوء ما ينفع في المقام.

هذا، و قد يمنع من أخذ الأجرة في خصوص واجبات التجهيز لدعوي: أن المستفاد من أدلة تشريعها عدم وجوبها ابتداء، بل لأنها من حقوق الميت المملوكة له علي المكلفين، فيجب عليهم أداؤها، و العمل المملوك علي الإنسان ليس له أن يأخذ

ص: 197

و يجوز أخذ العوض علي بذل الماء و نحوه مما لا يجب بذله مجانا (1).

(مسألة 16): يجوز أن يكون المغسل صبيا (2)

______________________________

عليه أجرا. و هو غير ظاهر، بل غاية ما يستفاد من الأدلة كون تشريعها بلحاظ احترام الميت و ثبوت الحرمة له، و هو أعم من استحقاقه و ملكيته لها.

نعم، في جامع المقاصد عن ابن البراج المنع من أخذ الأجرة علي مستحبات التجهيز، لإطلاق النهي، و نحوه في المسالك و محكي الإيضاح، ناسبا ذلك في الأول لبعض الأصحاب. و ظاهره إطلاق النهي شرعا عن أخذ الأجرة علي أفعال التجهيز، فيكون دليلا مختصا بالمقام. لكن لم أعثر علي ما يقتضي ذلك، بل في مفتاح الكرامة:

«و لم نقف علي نهي في الباب، و لا ذكره أحد غيرهم من الأصحاب».

ثم إنه قد يدعي أن جواز أخذ الأجرة علي الواجبات لا يلازم صحة الإجارة عليها، بل تبطل الإجارة عليها مطلقا أو علي خصوص العبادية منها، و ينحصر استحقاق الأجرة بمثل الجعالة. و تفصيل الكلام في وجه ذلك موكول إلي محله من المكاسب المحرمة عند الكلام في أخذ الأجرة علي الواجبات، لمسانخته لذلك و كونه من شئونه و لواحقه.

(1) حيث يتضح مما يأتي إن شاء اللّه تعالي في شرح المسألة التاسعة و الثلاثين أن الواجب كفاية هو أفعال التجهيز بنفسها، لا بنحو يجب بذل المؤن مقدمة لها، و مع عدم وجوب البذل لا منشأ لاحتمال حرمة أخذ العوض.

مسألة 16: يجوز أن يكون المغسل صبيا

(2) كما في المعتبر و المنتهي و كاشف الغطاء و جعله الوجه في التذكرة و هو المناسب لما في المبسوط و السرائر من أن الذكر أولي من الأنثي بالصلاة علي الميت إذا كان ممن يعقل الصلاة.

و يقتضيه إطلاق بعض الأدلة الشارحة للتغسيل و الصلاة. و توجيه الخطاب في بعضها لشخص خاص بنحو يظهر بدوا في مباشرته لا يصلح للتقييد بعد معلومية عدم إرادة تقييد الواجب الكفائي بمباشرته. كما لا يقتضيه اختصاص التكليف بالبالغين، إذ كما يمكن تكليف كل بالغ بالأعم من فعله و فعل غيره من البالغين

ص: 198

______________________________

كذلك يمكن تكليفة بالأعم من فعلهم و فعل الصبي.

و أما ما ذكره بعض مشايخنا من أن مقتضي الإطلاق وجوب الأفعال علي المكلفين، سواء قام بها الصبي أم لا، الراجع لعدم الاجتزاء بفعله.

فيشكل بأنه حيث لا يراد من توجيه الخطاب للمكلفين لزوم قيام كل شخص بالعمل، لفرض كون التكليف كفائيا يجزي فيه فعل أحدهم فلا بد من رجوعه لتكليف كل شخص بالماهية و إن صدرت من غيره، كما هو الحال في سائر التكاليف الكفائية علي ما تحقق في محله. و تقييد الماهية المكلف بها بفعل البالغ يحتاج إلي دليل، بل حيث سبق أن مقتضي إطلاق بعض الأدلة الشارحة عدمه لزم البناء عليه.

و بعبارة أخري: ظاهر توجيه الأمر للمكلفين بالعمل هو تكليف كل منهم بالعمل الصادر منه بالمباشرة، و حيث لا مجال لذلك في مثل المقام من الواجبات الكفائية، فالأمر دائر في مصحح توجيه الآمر لهم بين إرادة تكليف كل منهم من دون نظر للمباشر و إرادة التكليف بفعل أحدهم من دون نظر للمكلف، و لا إشكال في أن الأول أظهر.

و أما حمله علي تكليف كل منهم بفعل أحدهم فلا مجال للحمل عليه، لابتنائه علي تعدد مصحح النسبة للكل. و لا أقل من إجمال هذه الأدلة من هذه الجهة فلا يخرج عما سبق من الإطلاق. و حينئذ يتعين الإجزاء، و لا مجال لما ادعاه من الإطلاق، لأن إطلاق التكليف لا يقتضي بقاءه بعد حصول فرد من أفراد الماهية المكلف بها.

و لو فرض عدم تمامية ما ذكرناه من الاطلاق و إجمال المكلف به من هذه الجهة كان مقتضي اصالة البراءة عدم التقييد بذلك، بناء علي ما هو المشهور المنصور من جريان البراءة عند الشك في تقييد الواجب.

و أما ما عن بعض الأعاظم قدّس سرّه من أن ما يحتمل اشتراط عدمه في التكليف إنما تجري البراءة من التكليف مع وجوده حين تحقق موضوع التكليف، بحيث يحتمل عدم حدوث التكليف رأسا، كما لو احتمل اشتراط التكليف بصلاة الزلزلة بعدم المطر، فحدثت الزلزلة حال المطر، دون ما لو وجد بعد تحقق موضوع التكليف المستتبع لفعليته، كما في المقام، حيث لا يجهز الصبي الميت إلا بعد موته و انشغال ذمة المكلفين بتجهيزه، بل مقتضي قاعدة الانشغال بالتكليف، بل إطلاق دليله عدم

ص: 199

______________________________

سقوطه بغير امتثال المكلف.

فهو إنما يتم لو لم يحتمل شمول الماهية المأمور بها لفعل الصبي، بأن علم بقصور فعل الصبي و احتمل كونه مسقطا للتكليف من دون أن يكون وافيا بملاكه، و لازمه وجوب منعه محافظة علي ملاك التكليف الفعلي، و لا ملزم بالبناء علي ذلك بعد ما عرفت من إمكان عموم الماهية لفعل الصبي.

و منه يظهر ضعف ما في الدروس و الجواهر من عدم الاجتزاء بفعل الصبي مستدلا في الثاني باستصحاب الشغل، و معلومية عدم إجزاء الندب عن الواجب.

لاندفاعه بأن المرجع مع الشك في تقييد المأمور به البراءة، لا الاشتغال. و أن كون المورد من إجزاء الندب عن الواجب موقوف علي قصور ماهية الواجب عن المكلفين، و قد سبق منعه، و أن مقتضي الإطلاق أو الأصل كون فعل الصبي من أفراد الماهية الواجبة علي المكلفين و إن كان مستحبا في حق الصبي نفسه.

و أما ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من أن لا مجال للتوقف في إجزاء الندب عن الواجب مع العلم بفرديته له و إن لم يكن واجبا، كما في المقام، لأن موضوع المشروعية في الصبي هو موضوعها في البالغ، و الاختلاف بينهما في اللزوم و عدمه لا غير. فهو موقوف علي المفروغية عن فردية فعل الصبي للماهية الواجبة، و لا مجال له بالنظر لما تقدم من كلماتهم.

و مجرد مشروعية عبادة الصبي أعم، لإمكان نقصها عن فعل البالغ، نظير الفرد الاضطراري المشروع من المضطر غير المجزي لغيره مع تيسر التام. اللهم إلا أن يستفاد ذلك من إطلاقات أدلة الخطاب بالواجب العيني و الكفائي، لظهورها بدوا في الشمول حتي للصبيان و الاجتزاء بفعلهم كغيرهم، و دليل رفع القلم ظاهر في رفع الإلزام دون المشروعية بالنحو المقتضي للإجزاء. و هذا يكون عاضدا لما سبق في وجه الإجزاء.

و منه يظهر أنه لا مجال لما ذكره شيخنا الأستاذ قدّس سرّه من أن فعل الصبي إنما يجري في حق نفسه، كما لو صلي في الوقت ثم بلغ قبل خروجه، لا في حق غيره، كما في المقام.

لاندفاعه: بأنه إن تم الوجه المذكور فهو كما يقتضي الإجزاء في حق نفسه بعد بلوغه يقتضي الإجزاء في حق غيره، و إن لم يتم فلا مجال لاستفادة الإجزاء في حق نفسه

ص: 200

إذا كان تغسيله علي الوجه الصحيح (1).

______________________________

في الواجبات العينية، لأن الخطاب يقصر عن الفعل السابق علي توجهه علي المكلف، و حينئذ يمكن استفادة الإجزاء في الواجبات الكفائية، لأن فعله متأخر عن توجه الخطاب للمكلفين، فلا مانع من شموله له إذا اقتضاه الإطلاق أو الأصل، كما تقدم، فإجزاء فعل الصبي عن نفسه و غيره في التكاليف الكفائية أيسر إثباتا من إجزائه عن نفسه في التكاليف العينية.

علي أن مقتضي ما ذكره أن الصبي إذا صلي ثم بلغ قبل الدفن أجزأ فعله في حق نفسه دون غيره من المكلفين، و لا يظن من أحد البناء علي ذلك.

(1) بأن كان واجدا لتمام ما يعتبر في التغسيل، و منه قصد القربة بناء علي ما هو الظاهر من الاعتداد بقصده.

هذا، كله في مقام الثبوت، و أما في مقام الإثبات عند الشك في صحة عمله فظاهر من أطلق إجزاء عمل الصبي من دون تنبيه علي عدم الاعتداد به ظاهرا هو كونه علي نحو عمل البالغ ثبوتا و إثباتا، فلا يتوقف الاجتزاء به علي العلم بصحته.

و كأنه لقاعة الصحة المعول عليها في سائر موارد الشك في فعل الغير.

لكن في كشف الغطاء: «و لا يصح من غير المكلف، إلا أن يكون مميزا علي الأصح فيصح. و لا يرفع الوجوب علي [عن خ ل] الناس، لعدم إمكان الاطلاع الباطني، و أصل الصحة هنا غير جار». و هو الذي صرح به بعض مشايخنا دامت بركاته، بدعوي: أن الدليل علي قاعدة الصحة لما كان هو السيرة فهي و إن ثبتت في بعض أفعال الصبي، كالتطهير و نحوه مما يتعارف قيامه به، إلا أنها لم تثبت في المقام، لعدم تعارف قيام الصبي بأفعال التجهيز.

و لعله لذا توقف السيد الطباطبائي قدّس سرّه في العروة الوثقي في الاجتزاء بفعل الصبي إذا لم يعلم بواجدتيه للشرائط. و كأن تخصيصه لذلك بما يتوقف علي قصد القربة لعدم تيسر العلم بتحقق قصد القربة، بخلاف غيره مما يعتبر في صحة الأفعال، و إلا فمن البعيد جدا تفريقه بين ما يتوقف علي قصد القربة و غيره في الاجتزاء به ظاهرا مع الشك في صحته، لعدم ظهور وجه الفرق بينهما في جريان قاعدة الصحة مع الشك.

ص: 201

(مسألة 17): يجب في المغسل أن يكون مماثلا للميت في الذكورة و الأنوثة (1)،

______________________________

و كيف كان، فيشكل ذلك بأن الدليل علي قاعدة الصحة ليس هو سيرة المتشرعة التعبدية- نظير سيرتهم علي مطهرية الغيبة- ليدعي قصورها عن فعل الصبي في المقام لما سبق، بل سيرة العقلاء المبتنية علي ارتكازياتهم، و من الظاهر عدم خصوصية البلوغ بنظر العقلاء، بل المعيار عندهم علي التمييز، و حيث كانت السيرة في المقام تابعة للارتكازيات العقلائية، لا لأمور خارجية- من أمر سلطان أو تباني جماعة خاصة أو نحوهما- كفي في جواز التعويل عليها عدم ثبوت الردع عنها، و لا يعتبر ثبوت إمضائها، علي ما ذكرناه في مبحث حجية خبر الواحد من الأصول.

علي أنه قد يستفاد إمضاؤها من سيرة المتشرعة المعلوم عدم استنادها لجهات تعبدية، بل لسيرة العقلاء تبعا للمرتكزات التي لا يفرق فيها بين البالغ و غيره.

و لو لا ذلك لأشكل التعويل علي قاعدة الصحة و نحوها مما كان مستنده السيرة في كثير من الموارد التي لا تحرز فيها سيرة المتشرعة المتصلة بعصور المعصومين عليهم السّلام بسبب عدم شيوع الابتلاء بها في عصورهم، كتغسيل الميت بالارتماس و بيع الصبي في المعاملات الضخمة، و عمل المستعجل، و غيرها، و لا يظن من أحد الالتزام بذلك.

فلاحظ.

مسألة 17: يجب في المغسل أن يكون مماثلا للميت في الذكورة و الأنوثة
اشارة

(1) قال في التذكرة: «و الأصل أن يغسل الرجال الرجال، و النساء النساء».

و الظاهر عدم الخلاف في اعتبار المماثلة اختيارا في غير موارد الاستثناء المذكورة في كلمات الأصحاب، بل صرح بالاتفاق علي ذلك في الروض و محكي الذكري، و في المعتبر: «و لا يغسل الرجل أجنبية و لا المرأة أجنبيا، و هو إجماع».

و نسب في التذكرة عدم تغسيل الأجانب المرأة إلي علمائنا، و عدم تغسيل الأجنبيات الرجل إلي العلماء كافة عدا رواية عن أحمد، و في المدارك: أن الأصحاب قاطعون بأنه ليس للرجل أن يغسل من ليست له بمحرم.

و يقتضيه النصوص الآتية في المسألة العشرين المصرحة بدفنه بلا غسل مع

ص: 202

______________________________

فقد المماثل «1»، و غيرها مما تضمن لزوم تغسيل الذمي المماثل عند فقد المسلم المماثل «2»، و غسل الوجه و اليدين و التيمم «3» و غير ذلك مما يأتي بعضه.

بل النظر في النصوص الواردة في المستثنيات و غيرها شاهد بالمفروغية عن اعتبار المماثلة في الجملة، الذي يكون المتيقن منه صورة القدرة علي تغسيل المماثل، إذ لولاه لا موجب للسؤال عن فروع ذلك، كما لعله ظاهر. فتأمل. و أما لو تعذر تغسيل المماثل فسيأتي الكلام فيه في المسألة العشرين إن شاء اللّه تعالي.

هذا، و قد أنكر شيخنا الأستاذ قدّس سرّه اعتبار المماثلة في صحة الغسل، و نزل الأخبار المانعة عن تغسيل غير المماثل علي الحرمة التكليفية العرضية بلحاظ حرمة النظر و اللمس اللازمين للتغسيل غالبا، لعدم الخلاف ظاهرا في عموم حرمة النظر لحال الموت، و لأن الأحكام المتعلقة بالحي بما هو جسم موضوعها الجسم عرفا، و الحياة من أحواله غير المقومة له، فإطلاق أدلتها يشمل حال الموت. و قد اعترف قدّس سرّه بمخالفة ما ذكره لظاهر كلمات الأصحاب، و أن ظاهرهم شرطية المماثلة للتغسيل، عدا صاحب المدارك، فإن ظاهره الجري علي ما ذكره هو قدّس سرّه.

لكن لم أعثر عاجلا في المدارك علي ما يشعر بما ذكره قدّس سرّه عدا ما ذكره في الصبي و الصبية من تبعية جواز التغسيل لجواز النظر و اللمس، و ليس ذلك مختصا به، بل أشار إليه في المعتبر، و ذكر في غيره.

و الظاهر أن تعرضهم له يبتني علي دعوي أن حرمة النظر و اللمس من لوازم المانعية الوضعية بنحو يستدل بعدمها علي عدمها، لا علي كون المانع هو الحرمة بنفسها للمزاحمة من دون مانعية وضعية، فإنه مخالف لما ذكروه تبعا للنصوص من الكلام و النزاع في الصبي و الصبية و المحارم مع وضوح عدم حرمة النظر لهم، فإن ذلك كالصريح في أن محل الكلام اشتراط المماثلة في نفسها مع قطع النظر عن المزاحمة بالحرمة التكليفية.

و قد يصلح فهمهم لذلك من النصوص للكشف عن اطلاعهم علي ما يقتضي

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 21 من أبواب غسل الميت.

(2) راجع الوسائل باب: 19 من أبواب غسل الميت.

(3) راجع الوسائل باب: 22 من أبواب غسل الميت.

ص: 203

فلا يجوز تغسيل الذكر للأنثي و لا العكس. و يستثني من ذلك صور:

(الأولي): أن يكون الميت طفلا لم يتجاوز ثلاث سنين (1) فيجوز

______________________________

صرفها إليه، دون ما ذكره قدّس سرّه. بل هو مقتضي إطلاق أدلة المنع من تغسيل غير المماثل، خصوصا لو استلزم عدم التغسيل أصلا، إذ لو لم يكن مبنيا علي اشتراط المماثلة، بل علي المزاحمة بالحرمة التكليفية، لكان اللازم تقييده بما إذا لزم منه المحذور المذكور و لم يمكن التخلص منه. بل لا ينبغي التأمل في ذلك بعد النظر فيما ورد في الصبيان و المحارم الذين لا إشكال في جواز النظر إليهم لغير المماثل.

و أما ما ذكره قدّس سرّه من حمل تلك الأخبار علي الأحكام الأدبية، نظير النهي عن إقعاد الرجل الصبية في حجره إذا بلغت ست سنين. فإن أراد به حمل تلك الأخبار علي كراهة التغسيل فهو خلاف ظاهرها، الذي عول عليه الأصحاب في الجملة، و إن أراد به حملها علي الإلزام و يكون منشؤه تلك الجهة الأدبية، فهو من الغرابة بمكان، إذ لا معني لكون الحكم الأدبي غير الإلزامي منشأ للحرمة. و لا سيما إذا استلزم ترك التغسيل، لأن رفع اليد عن الحكم الإلزامي- و هو في المقام وجوب التغسيل- لمزاحمته بالحكم الأدبي مما يمنع منه العقل و لم يعهد من الشرع.

إلا أن يرجع إلي كون الجهة الأدبية من سنخ الحكمة لتشريع المانعية الوضعية، فيرجع لما ذكرنا. و لو تم ما ذكره كان المناسب التنبيه في الأخبار علي ستر ما يحرم أو يكره النظر إليه مع الحكم بجواز التغسيل.

و بالجملة: لا مجال للخروج عن ظاهر النص و الفتوي من شرطية المماثلة في التغسيل في الجملة كما نبه له في الجواهر. و ما قد يوجد في الأخبار و كلمات الأصحاب من ذكر حرمة اللمس و النظر لا بد من حمله علي إرادة التلازم بينها و بين الشرطية موردا، أو علي كونها حكمة في تشريعها. فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم العاصم.

و يستثني من ذلك صور:
الأولي: أن يكون الميت طفلا لم يتجاوز ثلاث سنين
اشارة

(1) أما الصبي فالظاهر عدم الإشكال في جواز تغسيل النساء له. قال في التذكرة: «أجمع العلماء علي أن للنساء غسل الطفل مجردا من ثيابه و إن كان أجنبيا، اختيارا و اضطرارا … لكن اختلفوا في تقديره»، و نحوه عن نهاية الأحكام و في المنتهي:

ص: 204

______________________________

«لا بأس بأن يغسل النساء الصبي. و هو قول العلماء كافة، و اختلفوا في حده»، ثم ذكر الحدود المختلف فيها و أقلها عند علمائنا ثلاث سنين، و في الروض: «فجواز تغسيل النساء لابن ثلاث إجماعي» و في الجواهر: «الاجماع عليه محصل فضلا عن المنقول».

و يقتضيه- مضافا إلي إطلاق أدلة شرح غسل الميت بعد قصور أدلة اعتبار المماثلة عنه لأن موضوعها الرجل- موثق عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنه سئل عن الصبي تغسله امرأة؟ فقال: إنما تغسل الصبيان النساء. و عن الصبية تموت و لا تصاب امرأة تغسلها. قال: يغسلها رجل أولي الناس بها» «1»، و حديث أبي النمير مولي الحرث بن المغيرة النضري: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: حدثني عن الصبي إلي كم تغسله النساء؟

فقال: إلي ثلاث سنين» «2». و من الثاني يعلم وجه التحديد بثلاث سنين. و به يخرج عن إطلاق الأول و إطلاقات التغسيل.

قيل: و ضعف سنده منجبر بعمل المشهور، ففي مفتاح الكرامة: «فإني وجدت أكثر كتب الأصحاب ناطقة به». و يؤيده إيداع المشايخ الثلاثة له في الكافي و الفقيه و التهذيب بنحو يظهر منهم التعويل عليه، و لا سيما مع ظهور حال الأولين في بنائهما علي الاقتصار علي النصوص المعتبرة.

علي أنه لا وجه لضعف سنده بعد روايته بعدة طرق معتبرة عن أبي النمير الذي تستفاد وثاقته من كونه من رواة كامل الزيارة، لأنه و إن اقتصر فيه علي عنوان: «أبي النمير» من دون توصيفه بما تقدم، إلا أن الأصحاب لم يذكروا شخصا آخر يسمي أبا النمير غير من تقدم. و قد يؤيد وثاقته أن للصدوق إليه طريقا.

و أما الصبية فجواز تغسيل الرجل لها هو المعروف بين الأصحاب، و ادعي الإجماع عليه في التذكرة و الروض و محكي نهاية الأحكام.

و يقتضيه إطلاقات أدلة شرح غسل الميت بعد قصور أدلة اعتبار المماثلة، لأن موضوعها المرأة، نظير ما تقدم في الصبي. و لا ينافيه ما تقدم في موثق عمار من الأمر بكون المغسل لها أولي الرجال بها، لأن أولي الرجال أعم من المحرم من وجه، فلا بد من حمل الأمر به علي الاستحباب، لعدم القائل بتعيينه لزوما.

______________________________

(1) الوسائل باب: 23 من أبواب غسل الميت حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 23 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

ص: 205

______________________________

كما أن فرض عدم وجدان امرأة تغسلها فيه لا يصلح دليلا علي عدم جواز تغسيل الرجال لها اختيارا، لعدم ورود التقييد به في كلام الإمام عليه السّلام، و إنما ذكر في كلام السائل، و قد يكون بلحاظ تعارف تغسيل النساء لها أو استحبابه شرعا. أو وجوبه في الجملة و لو بعد الثلاث.

لكن في المعتبر: «و عندي في ذلك توقف … » ثم ذكر رواية أحمد بن محمد الآتية وردها بالارسال و الإضمار و اضطراب المتن، ثم قال: «فالأولي المنع. و الفرق بين الصبي و الصبية أن الشرع أذن في اطلاع النساء علي الصبي، لافتقاره إليهن في التربية، و ليس كذلك الصبية. و الأصل حرمة النظر».

و يشكل بأن جواز النظر مقتضي أصل البراءة، بل الاستصحاب في وجه.

و عموم حرمة النظر غير ثابت، إذ لا منشأ له إلا إطلاق الأمر بغض النظر في الآية الشريفة «1» بلحاظ حذف المتعلق فيه، لكن حيث يعلم بعدم إرادة حرمة النظر لكل شي ء لزم الاقتصار علي المتيقن، و هو المرأة الكبيرة التي أمرت بالحجاب في سياق الآية، و يكون النظر إليها مثيرا للشهوة و مظنة للمفسدة، دون الصغيرة، خصوصا الميتة، كما لا يشمل وجوب الغض علي النساء الصبي بلا إشكال.

و لا سيما مع قرب ملازمة عدم وجوب التحجب لجواز النظر عرفا، فيدل علي الجواز حينئذ ما تضمن من النصوص عدم وجوب التحجب علي الصبية «2»، و أظهر منها ما تضمن جواز حمل من لم تبلغ الخمس أو الست سنين و تقبيلها «3». بل هو في الجملة مقتضي السيرة القطعية، خصوصا في الصغيرة جدا، كبنت ثلاث سنين.

علي أن حرمة النظر و اللمس لا تستلزم عدم مشروعية التغسيل، غاية الأمر أن تكون مزاحمة لوجوبه، فمع إمكان الجمع بينهما في مقام الامتثال بالتغسيل بنحو لا يستلزمها يتعين اختياره، و مع تعذره يتوقف تقديم حرمة النظر و اللمس علي إحراز أهميتها، و هو في غاية الإشكال.

______________________________

(1) النور الآية: 30.

(2) راجع الوسائل باب: 126 من أبواب مقدمات النكاح و آدابه.

(3) راجع الوسائل باب: 127 من أبواب مقدمات النكاح و آدابه.

ص: 206

______________________________

و الحاصل: أنه لا مخرج في الصبية عن الإطلاقات، عدا حديث أبي النمير المتقدم المتضمن التحديد في الصبي بثلاث سنين، لأن التحديد بها في الصبي يقتضي التحديد بها في الصبية بالأولوية العرفية. و مما ذكرنا يظهر ضعف ما يظهر من المدارك من إناطة جواز التغسيل لغير المماثل فيهما معا بجواز النظر.

ثم إنه قد تضمنت جملة من كلماتهم ما ينافي التحديد المذكور ففي المقنع: «و إذا ماتت جارية في السفر مع الرجال فلا تغسل و تدفن كما هي بثيابها إن كانت بنت خمس سنين، و إن كانت بنت أقل من خمس سنين فلتغسل»، و في الفقيه بعد أن ذكر حديث أبي نمير المتقدم قال: «و ذكر شيخنا محمد بن الحسن رضي اللّه عنه في جامعه في الجارية تموت مع الرجال في السفر. قال: إذا كانت بنت أكثر من خمس سنين أو ست دفنت و لم تغسل، و إذا كانت ابنة أقل من خمس سنين غسلت. و ذكر عن الحلبي حديثا في معناه عن الصادق عليه السّلام».

و في المقنعة: «فإن مات صبي مسلم بين نسوة مسلمات لا رحم بين واحدة منهم و بينه و ليس معهن رجل و كان الصبي ابن خمس سنين غسله بعض النساء مجردا من ثيابه، و إن كان ابن أكثر من خمس سنين غسلنه من فوق ثيابه و صببن عليه الماء صبا و لم يكشفن له عورة و دفنه بثيابه بعد تحنيطه بما وصفناه، فإن ماتت صبية بين رجال مسلمين ليس لها فيهم محرم و كانت بنت أقل من ثلاث جردوها و غسلوها و إن كانت لأكثر من ثلاث سنين غسلوها في ثيابها و صبوا عليها الماء صبا و حنطوها بعد الغسل و دفنوها في ثيابها».

و في المراسم: «أنه يجوز للنساء اختيارا تغسيل ابن خمس سنين مجردا، و يغسلن ابن أكثر من ذلك بثيابه. أما الرجال فلا يغسلون الصبية إلا من كان لها ثلاث سنين، فإنهم يغسلونها بثيابها، فإن كانت لأقل من ثلاث سنين غسلوها مجردة».

و في الوسيلة: «أن الصبي إن مات بين نساء مسلمات فإن كان ابن ثلاث سنين غسلنه النساء مجردا، و إن كان لأكثر من ذلك غسلنه من فوق الثياب، و إن كان مراهقا لم يغسلنه و دفن من غير غسل. و الصبية إن ماتت بين رجال مسلمين فإن كان لها ثلاث سنين غسلها الأجنبي من فوق ثيابها، و إن كانت لأكثر من ذلك دفنت من غير غسل.

ص: 207

______________________________

هذا، و لم نعثر علي ما يناسب هذه التحديدات من النصوص عدا حديث الحلبي المشار إليه فيما تقدم من الفقيه الذي حكي عن الذكري أن الصدوق رواه في كتاب مدينة العلم مسندا عنه و مرسل محمد بن أحمد بن يحيي المذكور في التهذيب: «روي في الجارية تموت مع الرجل فقال: إذا كانت بنت أقل من خمس سنين أو ست دفنت و لم تغسل» «1»، بناء علي ما عن ابن طاوس- و يناسبه الاعتبار و حديث الحلبي- من أن لفظ «أقل» و هم و أن الصحيح «أكثر».

لكن الجهل بسند حديث الحلبي و إرسال حديث أحمد مانع من التعويل عليهما في الخروج عما تقدم، و لم يتضح انجبارها بالعمل المتقدم بعد ظهور الاضطراب في كلماتهم، كما سيأتي. علي أن مقتضي حمل الشيخ حديث أحمد علي عدم تغسيلها مجردة- ليطابق ما تقدم من المقنعة من تغسيل بنت أكثر من ثلاث سنين بثيابها- أن لفظ أقل ليس وهما، و أنه محمول علي الأقل من الخمس قليلا بحيث لا تنقص عن الثلاث، فلا يطابق حديث الحلبي.

ثم إنه لو فرض حجيتها في التحديد بالخمس فهما و إن اختصا بالصبية إلا أنه حيث تقدم أن التحديد فيها بالثلاث يستفاد من التحديد بها في الصبي- الذي تضمنه حديث أبي النمير- بالأولوية العرفية يتعين رفع اليد بهما عن إطلاق حديث أبي النمير و حمله علي حال الاختيار، فإنهما أخص منه. لظهورهما في فرض عدم تيسر تغسيل المرأة للصبية.

و منه يظهر الإشكال فيما تقدم من المقنعة و المراسم و الوسيلة من التحديد في الصبية بالثلاث و في الصبي بالخمس. فإنه إن بني علي الاقتصار في العمل بالنصوص علي موردها لزم العكس، و إن بني علي التعدي عنها بلحاظ الأولوية المشار إليها لزم عدم الفرق في الحد بين الصبي و الصبية.

و أشكل من ذلك ما تقدم من الوسيلة من التفصيل في الصبي الذي يزيد علي خمس سنين بين المراهق فلا يغسل و غيره فيغسل من فوق الثياب. لأن التغسيل من وراء الثياب لم يتضمنه شي ء من النصوص الواردة في الصبي و الصبية، كي يتوهم كونه شاهد جمع بين إطلاق موثق عمار المتضمن تغسيل غير المماثل لهما و إطلاق

______________________________

(1) الوسائل باب: 23 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

ص: 208

______________________________

عدم تغسيلهما بعد الثلاث أو بعد الخمس في بقية النصوص، و إنما ورد في الرجل و المرأة- كما يأتي إن شاء اللّه تعالي في المسألة العشرين- فإن بني علي العمل به لزم عدم الفرق بين المراهق و غيره في التغسيل من وراء الثياب- كما قد يحمل عليه ما تقدم من المقنعة، علي ما يأتي إن شاء اللّه- و إن بني علي عدم العمل به لزم المنع من التغسيل فيهما معا. و قد يرد نحو ذلك علي المراسم، كما يظهر بالتأمل في تمام كلامه و فيما تقدم.

و الذي تحصل من جميع ما تقدم: أنه لا مخرج عما يقتضيه حديث أبي النمير من التحديد بثلاث سنين في الصبي و الصبية معا، كما هو المشهور.

اللهم إلا أن يقال: لما كان مقتضي إطلاق موثق عمار جواز تغسيل الرجل للصبية مع الاضطرار و لو تجاوزت الثلاث سنين كان بينه و بين حديث أبي النمير عموم من وجه بضميمة ما سبق من أن التحديد بالأقل في الصبي يقتضي التحديد به في الصبية بالأولوية العرفية، فيتنافيان فيمن يتجاوز الثلاث سنين مع تعذر المماثل، فمقتضي الموثق تغسيل غير المماثل له، و مقتضي حديث أبي النمير عدم تغسيله له، و بعد تساقطهما يكون المرجع إطلاقات أدلة شرح غسل الميت القاضية بوجوب تغسيله له.

و مرجع ذلك إلي اختصاص التحديد بالثلاث في الصبي و الصبية بصورة تيسر المماثل، و مع عدمه يسقط اعتبار المماثلة فيهما فيغسله غير المماثل و إن لم نقل بذلك في الكبيرين.

و لا بأس بالبناء علي ذلك إذا اقتضاه الجمع بين النصوص و إن لم أعثر علي قائل به، لأن كلماتهم في غاية الاضطراب، مع عدم شيوع الابتلاء بالمسألة، كي يمتنع عادة خفاء حكمها عليهم. فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم العاصم.

بقي في المقام أمران:
الأول: ظاهر نصوص التحديد أن المعيار في الحد حال الموت، لا حال التغسيل،

لظهور أن المعيار في السن عرفا علي مدة الحياة المنتهية بالموت، لا علي زمن الولادة و لو بلحاظ ما بعده. و بذلك صرح غير واحد أولهم- فيما عثرت عليه- الشهيد الثاني في الروض و الروضة و المسالك، خلافا للمحقق الثاني في ظاهر جامع المقاصد، حيث

ص: 209

للذكر و للأنثي تغسيله، سواء كان ذكر أم أنثي، مجردا عن الثياب أم لا (1)،

______________________________

قال: «و لا يخفي أن الثلاث سنين هي نهاية الجواز، فلا بد من كون الغسل واقعا قبل تمامها … » و يظهر ضعفه مما ذكرنا.

الثاني: ظاهر التحديد بالثلاث في حديث أبي النمير إكمالها،

كما هو ظاهر جماعة من الأصحاب و صريح بعضهم، لأن الظاهر من التحديد بالغاية الآنية التي لا استمرار لها دخولها في حكم المغيي. و لا أقل من كون ذلك مقتضي إطلاق أدلة شرح تغسيل الميت بعد إجمال الغاية من هذه الجهة.

لكن صرح في المبسوط و الشرائع و ما تقدم من المراسم و محكي الإصباح باعتبار النقص عن الثلاث سنين، و يحتمله ما تقدم من المقنعة و كأنه يبتني علي خروج الغاية عن حكم المغيي الذي تقدم ضعفه في المقام. نعم بناء علي أن المعيار في التحديد علي حال التغسيل، دون حال الموت، يتعين عدم الشروع فيه قبل الثلاث، بحيث ينتهي قبل تجاوزها، كما تقدم من جامع المقاصد، و تقدم ضعفه أيضا.

(1) كما هو مقتضي إطلاق جماعة و صريح آخرين، بل في الجواهر نفي وجدان الخلاف فيه في الصبي، و تقدم من التذكرة و محكي نهاية الأحكام دعوي الإجماع عليه فيه. و يقتضيه فيهما معا إطلاق النصوص و عدم التنبيه فيها لإبقاء الثياب، لأن المتعارف هو التجريد منها حال التغسيل. و منه يظهر جواز التجريد فيمن يزيد علي الثلاث سنين إن قيل بجواز تغسيل غير المماثل له مطلقا أو عند فقد المماثل، لإطلاق نصوصه أيضا.

و منه يظهر ضعف ما تقدم من المقنعة و المراسم و الوسيلة من عدم التجريد في الصبي و الصبية، علي اختلاف الحدود المذكورة في كلماتهم. نعم تقدم احتمال ابتناء بعض كلماتهم علي إلحاقه بالرجل الذي تضمنت بعض النصوص تغسيل غير المماثل له من وراء الثياب عند فقد المماثل، و يأتي الكلام فيها في المسألة العشرين إن شاء اللّه تعالي، و إن كان مقتضي ما تقدم منا خروج الصبي و الصبية في ذلك عن حكم الرجل، لإطلاق موثق عمار. فلاحظ.

ص: 210

وجد المماثل له أم لا (1).

(الثانية): الزوج و الزوجة، فإنه يجوز لكل منهما تغسيل الآخر (2)،

______________________________

هذا، و في جامع المقاصد: «و الظاهر من إطلاق النص و الأصحاب كون كل منهما مجردا عدم وجوب ستر العورة»، و به صرح بعضهم. لكن من الظاهر أن نصوص الصبي و الصبية لم تتضمن جواز التجريد ليكون مقتضي إطلاقه عدم وجوب ستر العورة، و إنما استفيد جوازه تبعا من إطلاقها التغسيل، لتعارفه حينه، كما تقدم، و لا مجال لذلك في كشف العورة، لعدم تعارفه حين الغسل.

فالعمدة في جوازه الأصل ما لم يثبت حرمة النظر للعورة.

نعم لو أريد الاستدلال بالإطلاق لعدم شرطية ستر العورة للغسل، لا لعدم وجوبه تكليفا، كان متجها.

(1) كما هو مقتضي إطلاق جملة من الأصحاب و صريح بعضهم، بل تقدم من التذكرة و محكي نهاية الأحكام دعوي الإجماع عليه في الصبي. و يقتضيه فيه ظاهر صدر موثق عمار، بل هو كالصريح في جواز تغسيل النساء له اختيارا، معتضدا بإطلاق أدلة شرح غسل الميت، الذي هو الدليل علي جواز تغسيل الرجل للصبية اختيارا أيضا.

و قد تقدم عند الكلام فيها أن فرض عدم وجدان امرأة لتغسيلها في ذيل موثق عمار لا يمنع من ذلك، لأن التقييد به في كلام السائل. و منه يظهر الإشكال فيما تقدم من المقنعة و الوسيلة، حيث يظهر من التقييد فيهما بعدم المماثل كونه قيدا في جواز التغسيل فيهما معا، و نحوه ما يظهر من النهاية و السرائر، و في الصبية من المبسوط.

الثانية: الزوج و الزوجة
اشارة

(2) الظاهر عدم الإشكال فيه بينهم في الجملة و لو مع فقد المماثل، كما يظهر بملاحظة كلماتهم. و قد ادعي في الخلاف الإجماع علي جواز تغسيل كل من الزوجين الآخر، كما نفي في المنتهي الخلاف فيه بين علمائنا مع فقد المماثل و ما قد يوهمه ما في الوسيلة من الخلاف في ذلك- حيث أطلق لزوم تغسيل المماثل مع وجوده و اقتصر علي تغسيل الرحم مع فقد المماثل- يبعد منه البناء عليه بعد ما ذكرنا.

و كيف كان، فيدل علي جواز تغسيل كل من الزوجين صاحبه- بعد الإجماع-

ص: 211

______________________________

النصوص الكثيرة التي يأتي التعرض لبعضها.

نعم، في صحيح زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الرجل يموت و ليس معه إلا النساء.

قال: تغسله امرأته، لأنها منه في عدة، و إذا ماتت لم يغسلها، لأنه ليس منها في عدة» «1».

و قد حمله الشيخ علي عدم تغسيلها مجردة، بقرينة النصوص المتضمنة تغسيله لها من وراء الثياب.

و دعوي: أنه لا يناسب التعليل، لظهوره في صيرورتها بالموت أجنبية كسائر الأجنبيات، بناء علي عدم جواز تغسيل الرجل الأجنبية حتي عند الضرورة.

مدفوعة: بإمكان صرف التعليل لخصوصية مرجوحية نظره إليها و مسه لها، كما يناسبه ما في صحيح الحلبي عنه عليه السّلام: «سئل عن الرجل يغسل امرأته؟ قال: نعم من وراء الثوب لا ينظر إلي شعرها و لا إلي شي ء منها. و المرأة تغسل زوجها، لأنه إذا مات كانت في عدة منه، و إذا ماتت هي فقد انقضت عدتها» «2».

و لا سيما مع عدم كون التعليل ارتكازيا، ليأبي الحمل المذكور، لوضوح أن عدة الوفاة بائنة لا تبتني علي بقاء علقة الزوجية و ترتب أحكامها. علي أنه قدّس سرّه لم يمنع من تغسيل الرجل الأجنبية من وراء الثياب.

فالعمدة في الإشكال في الحمل المذكور أنه ليس حملا عرفيا، بل لا يبعد استهجان إطلاق النهي عن التغسيل بلحاظ التجريد عن الثياب حاله.

فلعل الأولي حمله علي التقية، لموافقته للمحكي في ظاهر الخلاف و غيره عن الثوري و أبي حنيفة و أبي يوسف و محمد. لكن الذي حكاه في التذكرة عنهم النهي عن تغسيله لها مع وجود امرأة تغسلها و جوازه مع عدمها من وراء الثياب.

و كيف كان، فلا مجال للتعويل علي الصحيح مع هجره عند الأصحاب و معارضته للنصوص الكثيرة المعول عليها عندهم.

______________________________

(1) الوسائل باب: 24 من أبواب غسل الميت حديث: 13.

(2) الوسائل باب: 24 من أبواب غسل الميت حديث: 11.

ص: 212

سواء أ كان مجرد أم من وراء الثياب (1)،

______________________________

(1) كما في التهذيب «1» و المعتبر و التذكرة في تغسيل الزوجة زوجها، بل هو ظاهرهم في تغسيل الزوج زوجته أيضا، كما هو صريح المدارك فيهما معا حاكيا له عن الكاتب و الجعفي و المرتضي في شرح الرسالة، كما حكاه غيره عن نهاية الأحكام و كشف الالتباس و مجمع البرهان و الكفاية.

و هو الظاهر ممن أطلق جواز التغسيل، كما في الخلاف و اللمعة و لا سيما مع التنبيه للغسل من وراء الثياب في غير الزوجين كما في إشارة السبق و الغنية و المراسم و القواعد، و في المقنع و ظاهر الفقيه أنه لا بأس أن ينظر كل منهما للآخر بعد الموت، و نحوه عن الجامع مستثنيا فيه العورة. و لعله لذا جعله الأشهر في الرياض.

و يدل عليه في تغسيل الزوجة زوجها- مضافا إلي إطلاق نصوص التغسيل بالتقريب المتقدم في الصبي و الصبية، و منها ما ورد في تغسيل الزوجة زوجها، خصوصا صحيح زرارة المتقدم، لأن التعليل فيه يناسب جواز التجريد و النظر حال التغسيل- صحيح الحلبي المتقدم، لأن التنبيه فيه علي كون تغسيل الزوج لزوجته من وراء الثياب مع نهيه عن النظر موجب لظهور السكوت فيه عن ذلك في تغسيل الزوجة له في عدم وجوبه فيه، بل هو كالصريح منه بملاحظة التنبيه علي الفرق بينهما في التعليل الذي تضمنه.

و قريب منه في ذلك صحيح الكناني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و فيه: «فإن كان زوجها معها غسلها من فوق الدرع و يسكب الماء عليها سكبا، و لا ينظر إلي عورتها، و تغسله امرأته إذا مات. و المرأة إذا ماتت ليست بمنزلة الرجل، المرأة أسوأ منظرا إذا

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، مصباح المنهاج - كتاب الطهارة، 6 جلد، مؤسسة المنار، قم - ايران، ه ق مصباح المنهاج - كتاب الطهارة؛ ج 6، ص: 213

______________________________

(1) قال في التهذيب بعد ذكر أخبار تغسيل الزوج زوجته من وراء الثياب: (هذه الأخبار كلها دالة علي أنه ينبغي له أن يغسلها من فوق الثياب. و أما المرأة فإن الأولي أيضا أن تغسل الرجل من فوق الثياب … ) فإن التعبير في تغسيل المرأة للرجل بالأولي كالصريح في الاستحباب، و بلحاظ السياق يقرب حمل:

(ينبغي) في تغسيل الرجل للمرأة علي الاستحباب أيضا. لكن قد يوهن ذلك بأنه عبر بنظير العبارة المذكورة في الاستبصار ثم صرح في ذيل كلامه بالفرق بين الرجل و المرأة بوجوب كون تغسيله المرأة من فوق الثياب و استحباب تغسيلها له من فوقها. (منه عفي عنه)

ص: 213

______________________________

ماتت» «1»، و نحوه معتبر داود بن سرحان «2». لاشتمالهما علي التفصيل و التعليل بالنحو المشابه لصحيح الحلبي.

بل قد يدل عليه صحيح عبد اللّه بن سنان: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل أ يصلح له ان ينظر إلي امرأته حين تموت أو يغسلها إن لم يكن عندها من يغسلها و عن المرأة هل تنظر إلي مثل ذلك من زوجها حين يموت؟ فقال: لا بأس بذلك، إنما يفعل ذلك أهل المرأة كراهية أن ينظر زوجها إلي شي ء يكرهونه منها» «3»، فإن السؤال فيه و إن كان عن نظر الزوجة لزوجها، إلا أنه لا يبعد كون المراد به ما يعم تغسيلها له بقرينة سياقه في مساق السؤال عن نظر الزوج لزوجته و تغسيله لها، و حيث كان ظاهر الجواب جواز نظره لها حتي حال التغسيل المناسب لجواز التجريد- و إن منع منه أهلها لغرض لا يتعلق بالشارع- يجري ذلك في نظر الزوجة لزوجها.

بل لا يبعد استفادة جواز تغسيلها مجردا من جواز تغسيله لها مجردة بالأولوية و لو بلحاظ النصوص المتضمنة للتعليل بما تقدم، أو لعدم الفصل، لأن كل من قال بجواز تغسيله لها مجردة قال بجواز تغسيلها له مجردا، و لا عكس.

و أما في تغسيل الزوج زوجته فيدل علي جواز تجريدها- مضافا إلي إطلاق نصوص التغسيل بالتقريب المتقدم، و إلي صحيح عبد اللّه بن سنان المتقدم، كما سبق تقريبه- صحيح منصور بن حازم: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يخرج في السفر و معه [يسافر مع. فقيه] امرأته أ يغسلها؟ قال: نعم و أمه و أخته و نحو هذا [و نحوهما.

فقيه] يلقي علي عورتها خرقة» «4»، فإن الاقتصار علي وضع الخرقة كالصريح في جواز التجريد من الثياب.

هذا، و أوجب كون غسل كل من الزوجين صاحبه من وراء الثياب في ظاهر أو صريح المبسوط و النهاية و السرائر و المنتهي و المختلف و الارشاد و الدروس و جامع المقاصد و الروض و محكي التلخيص و البيان و حواشي الشهيد الثاني، و عن الذكري أنه المشهور في الأخبار، و في السرائر أنه الأظهر عند أصحابنا، و في المختلف و محكي

______________________________

(1) الوسائل باب: 24 من أبواب غسل الميت حديث: 12.

(2) الوسائل باب: 24 من أبواب غسل الميت حديث: 7.

(3) الوسائل باب: 24 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 20 من أبواب غسل الميت حديث: 1، 2.

ص: 214

______________________________

تخليص التلخيص أنه مذهب الأكثر، و في المسالك و الروضة أنه المشهور، و في الروض أنه المشهور في الأخبار و الفتوي.

و صرح في الاستبصار بالوجوب في تغسيل الزوج زوجته و بالاستحباب في تغسيل الزوجة زوجها، و إليه مال في كشف اللثام في الجملة.

و كيف كان، فيقتضيه في تغسيل الزوج زوجته ما تقدم من صحيحي الحلبي و الكناني و معتبر داود بن سرحان و صحيح محمد بن مسلم: «سألته عن الرجل يغسل امرأته؟ قال: نعم من وراء الثوب» «1»، و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنه سئل عن الرجل يموت و ليس عنده من يغسله إلا النساء. قال: تغسله امرأته أو ذو قرابته إن كان له و تصب النساء عليه الماء صبا. و في المرأة إذا ماتت يدخل زوجها يده تحت قميصها فيغسلها» «2»، و معتبره عنه عليه السّلام: «في المرأة إذا ماتت و ليس معها امرأة تغسلها. قال:

يدخل زوجها يده تحت قميصها فيغسلها إلي المرافق» «3»، و قريب منه موثق سماعة «4».

و أما في تغسيل الزوجة زوجها فيقتضيه موثق الحسن بن محمد الكندي عن غير واحد عن أبان بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يموت و ليس عنده من يغسله إلا النساء. فقال تغسله امرأته أو ذات محرمه، و تصب عليه النساء الماء صبا من فوق الثياب» «5»، و خبر زيد الشحام: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة ماتت و هي في موضع ليس معهم امرأة غيرها. قال: إن لم يكن فيهم لها زوج و لا ذو رحم دفنوها بثيابها و لا يغسلونها، و إن كان فيهم زوجها أو ذو رحم لها فليغسلها من غير أن ينظر إلي عورتها. قال: و سألته عن رجل مات في السفر مع نساء ليس معهن رجل. فقال: إن لم يكن له فيهن امرأة فليدفن في ثيابه و لا يغسل، و إن كان له فيهن امرأة فليغسل في قميص من غير أن تنظر إلي عورته» «6».

لكن نصوص تغسيل الزوج زوجته و إن كانت معتبرة في نفسها كثيرة العدد إلا أنها محمولة علي الاستحباب، أو علي الإرشاد بلحاظ سوء منظر المرأة، أو بلحاظ تعارف عدم اطلاع الرجل عليها بعد الموت و لو لكراهة أهلها ذلك، كما تشير إلي

______________________________

(1) الوسائل باب: 24 من أبواب غسل الميت حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 24 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 24 من أبواب غسل الميت حديث: 8.

(4) الوسائل باب: 24 من أبواب غسل الميت حديث: 5.

(5) الوسائل باب: 20 من أبواب غسل الميت حديث: 4.

(6) الوسائل باب: 20 من أبواب غسل الميت حديث: 7.

ص: 215

______________________________

ذلك النصوص المتقدمة و غيرها، كل ذلك بقرينة صحيحي عبد اللّه بن سنان و منصور بن حازم المتقدمين الظاهرين في جواز التجريد من الثياب.

إذ مع إمكان الجمع العرفي بذلك لا وجه للترجيح بالشهرة، كما قد يشعر به ما تقدم عن الذكري و من الروض. و ما في الروض و غيره من لزوم حمل المطلق علي المقيد إنما يتجه لو لم يكن المطلق أقوي ظهورا في الإطلاق من المقيد في الإلزام، لا في مثل المقام، حيث لا إشكال في أن حمل هذه النصوص علي ما ذكرنا أهون من حمل الصحيحين علي لزوم التغسيل من وراء الثياب، بل لعل حملهما علي ذلك متعذر عرفا.

و إنما يتجه ذلك بالإضافة إلي الإطلاقات الأخر التي أشرنا آنفا إلي الاستدلال بها، و هو غير مهم بعد كفاية الصحيحين في الاستدلال علي جواز التجريد من الثياب.

و منه يظهر الحال في خبري عبد الرحمن و زيد الشحام المستدل بهما لوجوب تغسيل الزوجة زوجها من وراء الثياب، حيث لا بد من حملهما علي الاستحباب أو نحوه، إذ لا مجال لرفع اليد بهما عن النصوص الكثيرة المتضمنة جواز تجريده من ثيابه.

و لا سيما مع قوة احتمال كون الأمر بصب الماء من فوق الثياب في خبر عبد الرحمن لتجنب نظر النساء له المفروض فيه قيامهن بصب الماء مقدمة للتغسيل الذي تقوم به المرأة أو ذات المحرم. و قوة ظهور خبر زيد الشحام في أن وضع الثوب لتجنب النظر للعورة لا لأجل وجوب ستر تمام الجسد، كما يؤكده الاقتصار في صدره علي عدم النظر لعورة المرأة عند التعرض لتغسيلها. علي أنه ضعيف السند بأبي جميلة.

و من ثم يشكل استفادة استحباب كون تغسيل الرجل من وراء الثياب عند استقلال زوجته به بحيث لا ينظر إليه غيرها. إلا أن يثبت استحباب ذلك في مطلق تغسيل الميت. و يأتي الكلام في المسألة الخامسة و العشرين إن شاء اللّه تعالي.

هذا، و قد قال في المنتهي في وجه وجوب تغسيل الزوجة زوجها بثيابه: «لئلا تنظر إلي شي ء من عوراته و قد انقطعت العصمة عنها».

و هو كما تري فإن انقطاع العصمة بالموت في الجملة لا ينافي جواز النظر إلحاقا لحال الموت بحال الحياة، كما دلت عليه النصوص الكثيرة المتقدمة و غيرها المصرح في بعضها بأن لثبوت العدة عليها دخل في ذلك، و مرجعه إلي بقاء شي ء من العصمة. و من

ص: 216

______________________________

هنا لا مخرج عن القول بجواز التجريد من الثياب في كل منهما. و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

بقي في المقام أمور:
الأول: مقتضي إطلاق من ذهب لجواز التجريد من الثياب حال تغسيل أحد الزوجين للآخر عدم وجوب ستر العورة

و جواز نظر كل منهما لها من الآخر، كما هو مقتضي إطلاق ما تقدم من المقنع و الفقيه من جواز نظر كل منهما للآخر، و به صرح غير واحد في العصور القريبة.

لكن تقدم عن الجامع استثناء العورة. و يقتضيه فيهما معا خبر زيد الشحام المتقدم، و في تغسيل الزوج الزوجة ما تقدم من صحيحي الكناني و منصور بن حازم، و معتبر داود بن سرحان المشار إليه. و بها يخرج عن إطلاق صحيح عبد اللّه بن سنان المتقدم المتضمن جواز نظر كل منهما للآخر بعد الموت.

لكن حيث تقدم ضعف خبر زيد أشكل التعويل عليه في الخروج عن إطلاق صحيح ابن سنان في الزوج المعتضد بإطلاق صحيح الحلبي المتضمن للتعليل بأنها منه في عدة. و لا سيما مع قرب ظهور صحيح الكناني و معتبر داود بن سرحان في الفرق بينه و بين الزوجة بمقتضي النهي فيهما عن النظر لعورتها دونه، و لزم الاقتصار في حرمة النظر علي عورة الزوجة للنصوص الواردة فيها المشار إليها.

و دعوي: أن التعليل في صحيح الكناني و معتبر داود بن سرحان بأسوئية منظر المرأة يناسب الحمل علي الكراهة أو الإرشاد، و لا سيما بملاحظة التعليل في صحيح عبد اللّه بن سنان المتقدم بأن أهلها إنما يمنعونه كراهية أن ينظر إلي شي ء يكرهونه منها، و في صحيح محمد بن مسلم بأنهم إنما يمنعونه تعصبا «1». و أما صحيح منصور ابن حازم فمن القريب أن يكون الأمر فيه بإلقاء الخرقة علي العورة راجعا إلي الأم و الأخت، دون الزوجة.

مدفوعة: بأن الظاهر رجوع التعاليل المذكورة للتغسيل من وراء الثياب و التجنب عن النظر لتمام جسد الزوجة اللازم من التغسيل بدونه، و لبيان وجه منع

______________________________

(1) الوسائل باب: 24 من أبواب غسل الميت حديث: 4.

ص: 217

______________________________

أهلها من أصل التغسيل و النظر، فلا تنهض بالقرينية علي صرف النهي في الصحيحين عن النظر لخصوص العورة علي الكراهة.

كما أن رجوع الأمر بإلقاء الخرقة علي العورة في صحيح منصور إلي خصوص الأم و الأخت لا يناسب إفراد الضمير، و مستلزم لرجوعه للمتعلق المتوسط، و هو غير معهود، بل المعهود رجوعه للجميع أو لخصوص الأخير، و هو في المقام «و نحو هذا» أو «نحوهما»، و حيث يعلم بعدم رجوعه له، كما لا يناسبه تأنيث الضمير، يتعين رجوعه للكل، كما هو المناسب لسياقها في مساق واحد بعطف بعضها علي بعض عطف المفرد بنحو يظهر في كون ذكر الأم و من بعدها تبعا للزوجة المسؤول عنها، و إلحاقا بها، فلا يناسب اختصاصهن ببيان الكيفية دونها. بل قوله: «و نحو هذا» أو «و نحوهما» مشعر جدا باتحاد حكم الكل و أنها علي نهج واحد. و لذا اتجه الاستدلال به علي جواز تغسيل الزوجة مجردة من ثيابها.

و من هنا يكون مقتضي الجمع بين الأدلة الفرق بين الزوج و الزوجة. لو لا ظهور عدم القائل به و استبعاده في نفسه، لاشتراكهما في السبب المسوغ للنظر للعورة حال الحياة، و هو الزوجية، فمن البعيد جدا رافعية الموت له في أحدهما دون الآخر، و ذلك يناسب إلحاق الزوج بالزوجة في الحرمة إلغاء لخصوصية مورد النصوص المتقدمة، أو إلحاقها به في الجواز، و لو مع البناء علي الكراهة أو شدتها فيها. و لعل الأول أولي بلحاظ أن دليل حرمة النظر في الزوجة خاص، و دليل جوازه في الزوج الإطلاق، و إن كان الأمر لا يخلو عن إشكال.

الثاني: قال في جامع المقاصد: و لم أقف في كلام علي تعيين ما يعتبر في التغسيل من وراء الثياب.

«و الظاهر أن المراد ما يشمل جميع البدن. و حمل الثياب علي المعهودة يقتضي استثناء الوجه و الكفين و القدمين، فيجوز أن تكون مكشوفة».

و يشكل.. أولا: بأنه مع فرض أن حمل الثياب علي المعهودة يقتضي استثناء ما ذكر لا وجه لاستظهار أن المراد ما يشمل جميع البدن.

و ثانيا: بأن الثياب المعهودة في المرأة لم يتضح تعارف عدم سترها للوجه و الكفين و القدمين، و في الرجل يتعارف عدم سترها للرأس و الرقبة أيضا.

ص: 218

______________________________

و ثالثا: بأن بعض النصوص و إن تضمن الأمر بالتغسيل بالثياب، إلا أن جملة منها قد تضمنت التغسيل في القميص، كصحيح الحلبي و معتبرة و موثق سماعة التي تقدم الاستدلال بها في كيفية تغسيل الزوجة، و خبر زيد الشحام المتقدم في كيفية تغسيل الزوج- أو الدرع، الذي هو قميص المرأة- كصحيح الكناني و معتبر داود بن سرحان المتقدمين في كيفية تغسيل الزوج- و مقتضاها ظهور تمام الرأس و الرقبة، بل قسم من الزندين و الساقين، لغلبة قصر القميص و الكمّين، أو انكماشها، كما قد يناسبه قوله عليه السّلام في موثق سماعة: «يدخل زوجها يده تحت قميصها إلي المرافق» «1» و قريب منه معتبر الحلبي المتقدم في كيفية تغسيل الزوجة.

و عليه يحمل الثوب في صحيح الحلبي المتقدم في تغسيل أحد الزوجين للآخر و صحيح محمد بن مسلم المتقدم في كيفية تغسيل الزوجة و بها ترفع اليد عن ظهور الثياب في بعض النصوص في العموم الاستيعابي. و لا سيما و أن الثياب تختلف كما و كيفا باختلاف الأشخاص و الأوقات.

و شرطية تمام ما هو ملبوس حال الموت قليلا كان أم كثيرا يكاد يقطع بعدمها.

كيف و قد يتعذر معها العلم بوصول الماء لتمام البدن بالنحو المعتبر في الغسل. كما أن حملها علي ما يستر تمام البدن أو خصوص قسم منه يحتاج إلي قرينة. إلا أن يثبت تحريم النظر بدليل خارج، فلا يبعد صلوحه للقرينية علي حمل الثياب علي ما يستر تمام ما يحرم النظر إليه من البدن.

و من هنا فقد يستدل لحرمة النظر لتمام البدن بصحيح الحلبي المتقدم في الاستدلال علي تغسيل كل من الزوجين للآخر المتضمن النهي عن النظر إلي شعر الزوجة و إلي كل شي ء منها معللا بأنه ليس منها في عدة. لكن لا مجال للتعويل عليه في الخروج عن النصوص المقتصر فيها علي القميص المعتضدة بما في صحيح محمد بن مسلم: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن امرأة توفيت أ يصلح لزوجها أن ينظر إلي وجهها و رأسها؟ قال: نعم» «2». بل لعل السيرة علي خلاف صحيح الحلبي، فلا بد من طرحه أو حمله علي الكراهة أو التقية. فلاحظ.

______________________________

(1) الوسائل باب: 24 من أبواب غسل الميت حديث: 8.

(2) الوسائل باب: 24 من أبواب غسل الميت حديث: 10.

ص: 219

و سواء وجد المماثل أم لا (1).

الثالث: المناسبات الارتكازية تقضي بأن لزوم التغسيل في الثياب أو القميص-

______________________________

لو قيل به في المقام أو غيره- ليس لشرطيته فيه تعبدا، بل تجنبا للنظر المحرم فيدل علي حرمة النظر، و يتأدي الغرض منه بتجنب النظر مع التجريد و لازم ذلك عدم بطلان الغسل مع التجريد و إن استلزم النظر، لعدم الاخلال بشرطه و عدم اتحاده مع النظر، ليمتنع التقرب به. و مثله ستر العورة.

الرابع: قال في الروض: «و يختص اللمس بما جاز نظره من الأعضاء».

و هو لا يناسب التصريح بإدخال الزوج يده تحت قميص زوجته في صحيح الحلبي و معتبرة و موثق سماعة المتقدمة، إذ هو قوي الظهور في جواز اللمس. و هو المناسب لعدم التنبيه علي تجنب اللمس في بقية نصوص التغسيل من وراء الثياب، لما هو المعلوم من تعارف إدخال اليد تحتها عند التغسيل و عدم الاكتفاء فيه بصب الماء فوقها، فلو كان اللمس كالنظر للزم التنبيه إما علي عدم إدخال اليد تحت الثياب أو علي لف خرقة عليها عند إدخالها، كما نبه له في بعض نصوص تغسيل غير المماثل «1».

(1) كما هو ظاهر الخلاف و صريح المراسم و السرائر و المعتبر و التذكرة و المنتهي و المختلف و القواعد و الإرشاد و الدروس و اللمعة و غيرها، و حكي عن الجعفي و أبي علي و السيد المرتضي في شرح الرسالة و الجمل، و في السرائر أنه الأظهر عند أصحابنا، و عن تخليص التلخيص أنه المشهور، و عن الذكري أنه المشهور في الصدر الأول، و عن كشف الالتباس أنه إليه ذهب المتأخرون، و نسب للأكثر في المختلف و محكي نهاية الأحكام، و في جامع المقاصد و الروض و محكي الكفاية أنه الأشهر، بل ظاهر الخلاف الإجماع عليه، كما هو صريح المنتهي و التذكرة في تغسيل الزوجة زوجها مع الاقتصار في تغسيل الزوج زوجته علي نسبته للأكثر.

و يقتضيه في تغسيل الزوج زوجته صحيح عبد اللّه بن سنان المتقدم المتضمن تعليل منع أهلها بكراهية أن ينظر زوجها إلي شي ء يكرهونه منها، و صحيح محمد

______________________________

(1) الوسائل باب: 20 من أبواب غسل الميت حديث: 6.

ص: 220

______________________________

ابن مسلم: «سألته عن الرجل يغسل امرأته؟ قال: نعم، إنما يمنعها أهلها تعصبا» «1»، فإن التعرض فيهما بعد الحكم بالجواز لتعليل منع الأهل بأمر يخصهم ظاهر في عدم منع الشارع في مورد منعهم، و حيث كان المتيقن من مورد منعهم حال الاختيار كانا ظاهرين جدا في عموم الجواز للحال المذكور، فلا يضر اختصاص مورد السؤال في الأول بحال الاضطرار و عدم وجود من يغسلها.

و خبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: الزوج أحق بامرأته حتي يضعها في قبرها» «2»، لظهوره بقرينة الغاية في أولويته بالمباشرة، لا في مجرد الولاية بإعمال نظره و لو بصدور الفعل من غيره. و حمل الأحقية علي خصوص حال الاضطرار و فقد المماثل بعيد جدا، فهو كالصحيحين السابقين قوي الظهور في عموم جواز التغسيل لحال الاختيار.

و أظهر منه في ذلك معتبر أبي بصير عنه عليه السّلام: «قلت له: المرأة تموت من أحق الناس بالصلاة عليها؟ قال: زوجها. قلت: الزوج أحق من الأب و الولد و الأخ؟

قال: نعم، و يغسلها» «3»، لوضوح أن عطف الغسل علي الصلاة يناسب مشاركته لها في عموم أولوية الزوج بها لحال الاختيار.

مضافا إلي إطلاق بعض النصوص الشامل لحال الاختيار، كصحيح محمد بن مسلم: «سألته عن الرجل يغسل امرأته؟ قال: نعم من وراء الثوب» «4»، و صحيح منصور بن حازم المتقدم المتضمن الاكتفاء بإلقاء خرقة علي عورتها، فإن السؤال فيه و إن تضمن فرض خروجها معه في السفر المناسب لخصوصية السفر في إحداث الداعي له لمباشرة التغسيل، إلا أن ذلك أعم من الاضطرار الشرعي، و صحيح الحلبي المتقدم المتضمن التفريق بين الزوج و الزوجة بالتغسيل من وراء الثياب فيها، معللا بأنها منه في عدة و ليس هو منها في عدة. و منه يعلم وجه الجواز اختيارا في تغسيل الزوجة، كما يدل عليه إطلاقات نصوص شرح تغسيل الميت.

خلافا للشيخ في التهذيبين فصرح باختصاص ذلك بحال فقد المماثل، و هو ظاهر إشارة السبق و الغنية، و قد يشعر به ما في النهاية.

______________________________

(1) الوسائل باب: 24 من أبواب غسل الميت حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 24 من أبواب غسل الميت حديث: 9.

(3) الوسائل باب: 24 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 24 من أبواب غسل الميت حديث: 2.

ص: 221

______________________________

و يستدل لهم- مضافا إلي إطلاق أدلة اعتبار المماثلة- بمعتبر أبي حمزة- بناء علي ما تقدم في مبحث تحديد مساحة الكر من وثاقة محمد بن سنان- عن أبي جعفر عليه السّلام:

قال: لا يغسل الرجل المرأة إلا أن لا توجد امرأة» «1»، و معتبر أبي بصير- بناء علي ما تقدم في مكروهات حال الاحتضار من اعتبار رواية علي بن أبي حمزة البطائني-:

«قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: يغسل الرجل امرأته في السفر و المرأة زوجها في السفر إذا لم يكن معهم رجل» «2».

و ما ورد في تعليل تغسيل أمير المؤمنين عليه السلام لسيدة النساء بأنها صديقة، كخبر مفضل بن عمر: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: من غسل فاطمة عليها السّلام قال: ذاك أمير المؤمنين. فكأنما استضقت [استفظعت] ذلك من قوله، فقال لي: كأنك ضقت مما أخبرتك به؟ فقلت: قد كان ذلك جعلت فداك. فقال: لا تضيقن، فإنها صديقة لم يكن يغسلها إلا صديق. أما علمت أن مريم لم يغسلها إلا عيسي» «3»، أو بأنها زوجته في الدنيا و الآخرة، كما روي في حديثه عليه السّلام مع ابن عباس «4». فإنه لو جاز اختيارا لم يحتج للتعليل بأحد الأمرين.

و فيه: أنه ليس لأدلة اعتبار المماثلة إطلاق ينفي جواز تغسيل أحد الزوجين الآخر اختيارا، بل هي واردة في خصوص الأجنبي، بقرينة تضمنها عدم تغسيل الميت و دفنه بثيابه، و من الظاهر أن ذلك إنما يكون في فرض عدم أحد الزوجين و المحارم، لعدم الإشكال في وجوبه عليهم عند فقد المماثل، و إنما قيل بعدم وجوبه عند فقده علي خصوص الأجنبي. فلاحظ ما تقدم من نصوصه. علي أن الإطلاق المذكور لو تم مقيد بما سبق من النصوص الدالة و لو بإطلاقها علي جواز تغسيل كل من الزوجين الآخر اختيارا، لأن إطلاق الخاص مقدم علي إطلاق العام.

و أما معتبر أبي حمزة فإن كان الاستدلال به باعتبار اختصاص الرجل و المرأة فيه بالزوجين فهو و إن كان محتملا بالنظر للاستعمال العرفي، إلا أن ظهوره فيه ممنوع،

______________________________

(1) الوسائل باب: 20 من أبواب غسل الميت حديث: 10.

(2) الوسائل باب: 24 من أبواب غسل الميت حديث: 14.

(3) الوسائل باب: 24 من أبواب غسل الميت حديث: 6.

(4) رواه عن البحار في الحدائق ج: 2 ص: 386 طبع النجف الأشرف.

ص: 222

______________________________

و لو تم فقد يجري فيه في الجملة ما يأتي في معتبر أبي بصير، و إن كان باعتبار عمومهما للزوجين كان أعم مطلقا من النصوص الأول الظاهرة في جواز تغسيل الزوج زوجته اختيارا، فيخصص بها، و أعم من وجه من النصوص المطلقة الواردة في الزوجين، و بعد تساقطهما يكون المرجع في تغسيل الزوج زوجته اختيارا إطلاق نصوص شرح تغسيل الميت.

كما أن الاستدلال بمعتبر أبي بصير لتوقف جواز التغسيل في كلا الزوجين علي فقد المماثل- كما هو المدعي- موقوف علي كون تقييد تغسيل الزوجة زوجها بفقد الرجل في ذيله قرينة علي تقييد تغسيل الزوج زوجته في صدره بفقد المرأة، و أنهما علي نهج واحد.

و لو تم ذلك فالمعتبر لا ينهض بمعارضة النصوص المتقدمة القوية الظهور في جواز تغسيل الزوج زوجته اختيارا، فضلا عن أن يتقدم عليها، بل يتعين تقديمها عليه بحمله علي الاستحباب، أو علي عدم سوق الشرطية فيه للمفهوم، بل لتنقيح مورد الحاجة لتغسيل أحد الزوجين للآخر- المقتصر عليها عرفا- لبيان عدم سقوط التغسيل بفقد المماثل.

و أما الاستدلال به لتوقف جواز تغسيل الزوجة زوجها علي فقد المماثل دون العكس فسيأتي الكلام فيه.

و أما تعليل تغسيل أمير المؤمنين عليه السّلام لسيدة النساء عليها السّلام بما تقدم فهو ليس بنحو يخرج به عما سبق، لإمكان الجمع بينهما بحمله علي العدول عن التعليل بالجواز الذاتي للتعليل بالجواز العرضي لنكتة خفيت علينا.

بل يقرب حمل التعليل في خبر المفضل علي كونه تعليلا لوقوع الفعل منه عليه السّلام لا لجوازه، و ان استفظاع السائل إنما هو لذلك بلحاظ عدم تعارفه، إما لمرجوحيته شرعا، أو لشدة تألمه عليه السّلام للمصيبة، فاستفظع إلزام الظروف القاسية له عليه السّلام بمباشرة ذلك.

و إلا فالنظر في النصوص و كلام فقهاء المسلمين يشهد بعدم كون التحريم من الوضوح بحدّ يوجب استفظاع ذلك منه عليه السّلام خصوصا من مثل المفضل الذي لا ريب عنده في عصمته عليه السّلام. علي أنه لا يخلو عن ضعف في السند.

ص: 223

______________________________

نعم، المناسب للتعليل بالوجه الثاني أن يكون تعليلا للجواز لا لمجرد المباشرة.

لكنه- مع ضعفه جدا، بل يقرب عدم روايته من طرقنا- مناسب لأن يكون استثناء لهما عليهما السّلام من التعليل في صحيح زرارة المتقدم لمنع تغسيل الزوج زوجته حتي عند فقد المماثل بأنه ليس منها في عدة الذي سبق عدم إمكان التعويل عليه في قبال النصوص الكثيرة المعول عليها عند الأصحاب.

بل الظاهر أن تغسيله عليه السّلام لها عليها السّلام لم يكن خفيا علي عامة المسلمين و فيهم أعداء اللّه الذين كانوا يتربصون به الدوائر و يبتغون عليه المآخذ، و من البعيد أن يكون الوجه فيه التعليل بأحد الوجهين الذي هو خفي علي العامة، بل المناسب كون الجواز و لو في ذلك العصر من الوضوح بحدّ لا يفتح معه عليه عليه السّلام باب التشنيع و التهريج. فلاحظ.

هذا، و المنسوب للشيخ قدّس سرّه في المبسوط هو القول بالمشهور، و هو الجواز اختيارا في الزوجين معا، لكن ظاهر كلامه لا يساعد عليه، بل علي التفصيل بين تغسيل الزوج زوجته، فيجوز مطلقا، لما ذكره من أنه أحق بها من كل أحد، و تغسيل الزوجة زوجها فالأحوط فيه الاقتصار علي فقد الرجال، لأنه ذكر أن الأحوط في تغسيل الرجل تقديم الرجال علي النساء المحارم، و صرح في بعض فقرات كلامه بأن المراد بالمحارم ما يعم الزوجة.

و التفصيل بذلك كما لم ينسب له لم ينسب لغيره، بل لم يشر إليه فيما عثرت عليه من كلماتهم، بل يظهر مما تقدم من التذكرة و المنتهي أن جواز تغسيل الزوجة زوجها اختيارا أظهر من جواز تغسيله لها كذلك، حيث ادعي فيهما اتفاق العلماء علي الأول و اقتصر علي نسبة الثاني للأكثر، و يناسبه النظر في الأسئلة و التعاليل الواردة في النصوص علي اختلافها، حيث يظهر أن الشبهة في تغسيل الزوج زوجته أظهر، كما هو المناسب لارتكاز أن تجنب اطلاع الرجال علي خفايا النساء و عوراتهن و تولي شئونهن أولي من تجنب اطلاع النساء علي خفايا الرجال و عوراتهم و تولي شئونهم.

و مع ذلك فلا يبعد كون التفصيل المذكور هو الأوفق بالجمع بين النصوص، لأن الدليل علي جواز تغسيل الزوجة زوجها اختيارا ليس إلا الإطلاقات، و منها إطلاق صحيح الحلبي. كما تقدم، و مقتضي الجمع بينها و بين معتبر أبي بصير حملها علي صورة

ص: 224

من دون فرق بين الحرة و الأمة (1)،

______________________________

فقد الرجل، لا رفع اليد عن ظهور المعتبر المذكور في الإلزام بحمله علي الاستحباب أو عدم سوق الشرطية للمفهوم، و إنما التزمنا بذلك في تغسيل الزوج زوجته لقوة ظهور جملة من نصوص في جوازه اختيارا، و لا نظير لها في تغسيل الزوجة زوجها.

نعم، لو تم ما تقدم احتماله من أن تقييد تغسيل المرأة زوجها في ذيل معتبر أبي بصير بفقد الرجل قرينة علي تقييد تغسيل الرجل زوجته في صدره بفقد المرأة لأنهما علي نهج واحد فالظاهر نهوض نصوص جواز تغسيل الزوج زوجته اختيارا برفع اليد عن كلا التقييدين فيه و حملهما معا علي الاستحباب أو عدم سوق الشرطية للمفهوم، لوحدة سياقهما، بل تفرع أحدهما علي الآخر.

لكنه ليس من الظهور بنحو ينهض في المقام بذلك، إذ لا أقل من صلوح نصوص جواز تغسيل الزوج زوجته اختيارا للتشكيك في كون تغسيل كل من الزوجين للآخر علي نهج واحد المانع من قرينية الذيل علي الصدر.

و إن كان يؤيده جدا ما سبق من الأصحاب و النصوص و المناسبة الارتكازية.

مضافا إلي ما أشرنا إليه آنفا عند الاستدلال لجواز التجريد من الثياب بصحيح عبد اللّه بن سنان من تقريب عموم السؤال فيه لتغسيل الزوجة زوجها، فيعم حال الاختيار كما عمه تغسيل الزوج زوجته بقرينة التعليل لأنهما في سياق واحد.

إلا أن الاكتفاء بذلك في القرينية علي مفاد النصوص المتقدمة و الخروج عما يقتضيه الجمع المتقدم بينها إشكال، لاحتمال خصوصية الزوج في جواز مباشرته تغسيلها اختيارا بلحاظ حقيته و ولايته عليها، و إن كان بعيدا. و من هنا كان الاحتياط المتقدم من المبسوط في محله جدا.

نعم، لو ثبت جواز تغسيل أم الولد سيدها اختيارا فالظاهر عدم الإشكال معه في جواز تغسيل الزوجة زوجها، لما هو المرتكز من ابتناء ذلك فيها علي إلحاقها بالزوجة. فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

(1) كما صرح به في التذكرة و الذكري و جامع المقاصد و المسالك و الروض

ص: 225

و الدائمة و المنقطعة (1) و كذا المطلقة المرجعية (2) إذا كان الموت في أثناء العدة (3).

______________________________

و الروضة و غيرها. كما صرح في المنتهي و الذكري و جامع المقاصد و الروضة و المسالك و غيرها بعدم الفرق بين المدخول بها و غيرها. كل ذلك لإطلاق النص و الفتوي.

و انصراف بعض هذه، لتعارفه بدوي لا يمنع من التمسك بالإطلاق.

(1) كما في المسالك. لإطلاق النص و الفتوي. و استشكل في الجواهر في المنقطعة، خصوصا إذا انتهي الأجل بعد الموت قبل التغسيل. و كأنه لما تقدم منه في وجه الإشكال في عموم ولاية الزوج لها.

و قد تقدم في الفرع الأول من لواحق الكلام في ولاية الزوج علي الزوجة التعرض له و دفعه. بل لا يبعد كونه هنا أضعف. فراجع و تأمل.

(2) كما نبه لذلك في تغسيل الزوج زوجته أو تغسيل الزوجة زوجها أو تغسيل كل منهما الآخر في المعتبر و التذكرة و الذكري و جامع المقاصد و الروض و الروضة و المسالك و محكي التحرير و نهاية الأحكام و الموجز و غيرها. لما اشتهر من أن المطلقة الرجعية بحكم الزوجة. و تنظر فيه في المنتهي. و لعله لعدم ثبوت ذلك عنده. و قد تقدم الكلام فيه في الفرع الرابع من لواحق الكلام في ولاية الزوج علي الزوجة. فراجع.

(3) و أما إذا كان بعد انقضائها فهي أجنبية بلا إشكال، كالمطلقة غير الرجعية حتي في العدة.

تتميم و فيه أمران:
الأول: قال في الذكري: «و لا عبرة بانقضاء عدة المرأة عندنا، بل لو نكحت جاز لها تغسيله، و إن كان الفرض بعيدا عندنا».

و ظاهر المعتبر المفروغية عنه، و به صرح غير واحد، و قد اهتموا في تقريب وقوعه خارجا، لاستبعاد بقاء الميت مدة العدة من دون تغسيل و دفن، لتفسخه عادة. و إن كان هو في عصرنا ميسورا بتعارف الاستعانة بالثلاجات الحافظة.

ص: 226

______________________________

هذا، و يظهر من كشف اللثام و الحدائق و مفتاح الكرامة المناقشة في ذلك، و نسب في الأخيرين للمدارك ففي الحدائق: «قال في المدارك: قال بعض المحققين:

و لا يقدح انقضاء عدة الزوجة في جواز التغسيل، بل يجوز و إن تزوجت. و فيه نظر، لصيرورتها و الحال هذه أجنبية. قال في الذكري: و لا عبرة بانقضاء عدة المرأة عندنا، بل لو نكحت جاز لها تغسيله، و إن كان الفرض بعيدا. و هو كذلك، أخذا بالإطلاق.

انتهي. أقول: لا يخفي أن ما ذكره في الذكري هو عين ما نقله عن بعض المحققين، فلا معني لتنظره في الأول و اختياره ما في الذكري. إلا أن يحمل ما نقله عن بعض المحققين علي عدة الطلاق، و كلام الذكري علي عدة الوفاة، حيث إن ظاهر كلامهم الفرق بين العدتين» «1».

و كيف كان، فالكلام.. تارة: في عدة الوفاة. و أخري: في عدة الطلاق.

أما عدة الوفاة فمقتضي الإطلاق جواز التغسيل حتي بعد انقضائها لأن المراد بالزوجية المسوغة لمباشرة التغسيل هي الزوجية حين الموت، لا حين التغسيل، لما هو المعلوم و تقدم غير مرة من ارتفاع الزوجية بالموت، و أن عدة الوفاة بائنة، فلا يلزم من بقائها بقاء الزوجية، كي يناط جواز التغسيل بها، و إذا كان المسوغ هو الزوجية حين الموت فمقتضي الإطلاق مسوغيتها و لو بعد انقضاء العدة. و قد تكرر منا أن الندرة لا توجب قصور الإطلاق عن موردها.

نعم، تضمن صحيحا زرارة و الحلبي المتقدمان في أول في مسوغية الزوجية للتغسيل تعليل تغسيل الزوجة زوجها بأنها منه في عدة، و ظاهر كشف اللثام و صريح الحدائق سوقهما دليلا لعدم جواز التغسيل بعد انقضاء العدة.

لكن صحيح الحلبي ظاهر في أن ذلك تعليل للتغسيل من وراء الثياب، لا لأصل التغسيل، و تقدم حمل صحيح زرارة عليه أو علي التقية أو طرحه، لما تضمنه

______________________________

(1) ما نقله عن المدارك لا يخلو عن اضطراب، لظهور ما تضمنه صدر كلامه في عدة الوفاة أيضا، لأنه نسب العدة للزوجة، لا للمطلقة. و لذا نسب له في مفتاح الكرامة الخلاف فيها. لكن لم يشر فيه لذيل كلام المدارك المتضمن لنقل كلام الذكري و تعقيبه. كما أن الموجود في المطبوع عندي من المدارك خصوص الذيل المذكور دون الصدر، بنحو قد يظهر في وجود سقط. و كذا في بعض النسخ المخطوطة و في بعض النسخ المطبوعة نقل بتمامه مع تقديم و تأخير. فلاحظه. (منه عفي عنه)

ص: 227

______________________________

صحيح الحلبي و غيره من النصوص الكثيرة من جواز تغسيل الزوج زوجته، مع عدم الإشكال في أنه ليس منها في عدة، و به صرح في الصحيحين المذكورين. فلا مخرج عن مقتضي الإطلاق.

و أما عدة الطلاق فمن المعلوم أن المراد بها الرجعية، و قد يدعي أنها و إن كانت بحكم الزوجة إلا أن اعتبار العدة مبني علي التحديد بأمدها، و ليس كاعتبار الزوجية من شأنه الاستمرار، ليكتفي في ترتب حكمها ثبوتها حين الموت، فانتهاء أمد العدة موجب لجريان حكم الأجنبية عليها، لعدم كونها زوجة حين الموت، ليترتب عليها حكم الزوجية بعده، و عدم كونها ذات عدة رجعية، لتكون بحكم الزوجة.

و يشكل بأن مبني جواز تغسيل المطلقة رجعيا لزوجها و تغسيله لها عموم كونها بحكم الزوجة لو تم، و حيث أشرنا آنفا إلي أن مسوغية الزوجية للتغسيل ليس بلحاظ بقائها بعد الموت، بل للاكتفاء بثبوتها حينه لزم الاكتفاء في مسوغية العدة الرجعية له بثبوتها حين الموت، و إن ارتفعت بعده، عملا بعموم التنزيل المذكور، فانقضاء العدة كانقضاء مدة النكاح المنقطع الذي تقدم بقاء جواز التغسيل بعده. هذا كله بناء علي مسوغية العدة الرجعية للتغسيل، و إلا فلا موضوع لهذا الكلام، كما لا يخفي.

الثاني: قال في التذكرة: «لو كانت الزوجة كافرة لم يكن لها غسل زوجها، إلا مع عدم المحارم»

و نحوه في المنتهي، و زاد أنه ليس له أن يغسلها، لأن المسلم لا يغسل الكافر.

و الوجه في الأول: أن دليل تغسيل الزوجة زوجها ناظر لصحة التغسيل من حيثية عدم المماثلة، لا من جميع الجهات، فلا ينافي بطلانه من حيثية الكفر، لقصور الفعل معه من حيثية النية أو انفعال الماء، بناء علي نجاسة الكافر.

نعم، في فرض عدم مانعية الكفر، لعدم المماثل و الرحم المسلم لا يبعد جواز تغسيلها له، لأنه و إن خرج عن مورد النصوص الواردة في تغسيل الزوجة زوجها المحمولة علي فرض إسلامها، بقرينة كونها في رتبة سابقة علي الأرحام، إلا أن المستفاد منها عرفا عدم اعتبار المماثلة في الزوجين مطلقا.

و مثل ذلك يجري في الرحم غير المماثل الكافر. كما أن الكلام في كونها في عرض

ص: 228

(الثالثة): المحارم (1)

______________________________

المماثل الكافر أو في رتبة متأخرة عنه يبتني علي ما تقدم في الزوجة المسلمة، و الكلام في الرحم الكافر يبتني علي ما يأتي في الرحم المسلم.

و أما الثاني فالوجه فيه: أن دليل تغسيل الزوج زوجته ناظر لتصحيح الغسل في فرض مشروعيته، لا مطلقا، ليدل علي صحة تغسيل الزوجة الكافرة علي خلاف ما تضمنته عمومات عدم مشروعية تجهيز الكافر.

الثالثة: المحارم

(1) كما هو المعروف بين الأصحاب في الجملة و لو مع فقد المسلم المماثل و الزوجة، و استظهر في كشف اللثام عدم الخلاف فيه، و في مفتاح الكرامة: «لم أجد فيه مخالفا» و في التذكرة: «ذهب إليه علماؤنا» و في الرياض: «بلا خلاف في الجملة» و في الجواهر: «بلا خلاف أجده في الجملة، بل هو إجماعي».

نعم، قد يظهر من عدم ذكره في الإرشاد التوقف فيه، بل هو الظاهر من الاقتصار علي نسبته للرواية في إشارة السبق.

و النصوص به مستفيضة تقدم بعضها في الزوجين، و يأتي بعضها. و بها يخرج عن إطلاق ما تضمن اعتبار المماثلة، أو الاقتصار في جواز تغسيل غير المماثل علي الزوجين، كصحيح الكناني المتقدم عند الكلام في تغسيل أحد الزوجين الآخر أو غيره.

نعم، في خبر زيد الشحام: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة ماتت و هي في موضع ليس معهم امرأة غيرها. قال: إن لم يكن فيهم لها زوج و لا ذو رحم دفنوها بثيابها و لا يغسلونها، و إن كان فيهم زوجها أو ذو رحم لها فليغسلها من غير أن ينظر عورتها. قال: و سألته عن رجل مات في السفر مع نساء ليس معهن رجل. فقال: إن لم يكن له فيهن امرأة فليدفن في ثيابه و لا يغسل، و إن كان له فيهن امرأة فليغسل في قميص من غير أن تنظر إلي عورته» «1». فإن الاقتصار في ذيله علي الزوجة في تغسيل الرجل مع التعميم في صدره للزوج و الرحم في تغسيل المرأة ظاهر في عدم تغسيل المحارم للرجل.

لكن لا مجال للخروج به عن النصوص الكثيرة الصريحة في تغسيل الأقارب

______________________________

(1) الوسائل باب: 20 من أبواب غسل الميت حديث: 7.

ص: 229

______________________________

و المحارم للرجل، بل لا بد من رفع اليد عن ظهور ذيله المذكور، و لو بحمل المرأة علي ما يعم المحرم، و يكون هو الوجه في العدول عن التعبير بالزوجة المناسب للتعبير بالزوج في صدره إلي التعبير بها، أو بالاكتفاء بالتعميم في الصدر عن التعميم في الذيل للمفروغية عن كون اعتبار المماثلة في الرجل و المرأة بنحو واحد، بل أولوية التعميم في الرجل منه في المرأة، أو برفع اليد عن ظهور الذيل في الحصر و إن كان قويا. علي أنه قد ذكرنا في بعض مواضع هذا الشرح أن قول الراوي في أثناء الحديث: «و سألته» يقرب معه عدم وحدة الكلام، فلا يكون صدره قرينة علي ذيله، بل يكون الذيل كسائر المطلقات التي يلزم تقييدها. مضافا إلي أن الخبر لا يخلو عن ضعف في السند أشرنا إليه آنفا.

هذا، و قد اختلفت النصوص الواردة في المقام في عنوان موضوع الحكم فقد أخذ عنوان المحرمية في أكثرها، كصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنه سأله عن المرأة تموت في السفر و ليس معها ذو محرم و لا نساء. قال: تدفن كما هي بثيابها. و عن الرجل يموت و ليس معه إلا النساء ليس معهن [ذو محرم و لا] رجال. قال: يدفن كما هو بثيابه» «1»، و نحوه في ذلك صحيح داود بن فرقد «2»، و موثق سماعة «3» و غيرهما من النصوص الكثيرة.

و أخذ في بعضها عنوان الرحمية و القرابة كخبر زيد الشحام المتقدم و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنه سئل عن الرجل يموت و ليس عنده من يغسله إلا النساء. قال: تغسله امرأته أو ذات قرابته إن كانت له، و يصب النساء عليه الماء صبا» «4»، و من الظاهر أن بين العنوانين عموما من وجه، لأن القرابة و الرحم قد لا يكون محرما، كابني العم و الخال و ابنتيهما، و المحرم قد لا يكون رحما كالمحرم الرضاعي، بل لا يبعد ذلك أيضا في محرم المصاهرة.

لكن لا يظهر من الأصحاب التوجه لهذا الاختلاف و الاهتمام به، فإن عباراتهم و إن اختلفت، حيث عبّر.. تارة: بالمحرم، كما في السرائر و المراسم و المعتبر و المختلف.

______________________________

(1) الوسائل باب: 21 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 21 من أبواب غسل الميت حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 20 من أبواب غسل الميت حديث: 9.

(4) الوسائل باب: 20 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

ص: 230

______________________________

و أخري: بالرحم و القرابة، كما في الخلاف و الغنية و القواعد «و ثالثة»: بالرحم المحرم، كما في المبسوط و التذكرة و المنتهي، إلا أنه لم يشر أحد منهم للخلاف المذكور في النصوص و الفتاوي، بنحو يظهر منهم عدم الخلاف من هذه الجهة، و أن مراد الكل أمر واحد، كما يناسبه تعبير بعضهم بالأمرين في فقرات كلماتهم المختلفة، كما في النهاية و الوسيلة، و تعبير من عبر بالرحم المحرم في بيان موضوع الجواز بالرحم في بعض الفروع المناسبة له.

و ملاحظة مجموع كلماتهم تشهد بأن مراد الكل هو المحرم، حيث حدده غير واحد بمن يحرم نكاحه مصرحا بعضهم بأن الرحم الذي يحل نكاحه كالأجنبي، و استدل بعضهم علي الحكم بجواز النظر، إلي غير ذلك مما لا إشكال بملاحظته في إرادتهم المحرم، بل استدل غير واحد بالحديثين المتقدمين لذلك من دون تنبيه إلي ما ذكرنا.

و ذلك و إن لم يكف في تفسير عنواني الرحم و القرابة في الحديثين المذكورين، حيث لا يكفي فهم الأصحاب في الخروج عن المفهوم اللغوي و العرفي، إلا أن الظاهر كفاية النصوص الأخر المستفيضة المتضمنة للمحرم في إثبات ما عليه الأصحاب و تنزيل الحديثين عليه من باب الجمع العرفي، لصراحة جملة منها في جواز التغسيل له، و صراحة جملة منها أيضا في عدم جواز التغسيل لغيره، فتصلح الطائفة الأولي لرفع اليد عن ظهور الحديثين في الحصر، لأن ظهورها في الجواز مطلقا أقوي من ظهورها فيه، كما تصلح الطائفة الثانية لتقييد القرابة و الرحم فيهما بالمحرم، لأنه أقرب عرفا من تقييد الطائفة المذكورة بغير القرابة.

كل ذلك تبعا للمرتكزات العرفية و المتشرعية علي أن منشأ الحكم المذكور هو جواز النظر و اللمس المشترك بين الزوجين و المحرم، بل بلحاظ ذلك قد يكون سوق القرابة و الرحم في مساق الزوجين في الحديثين المتقدمين مناسبا للتقييد المذكور، بنحو يكون أقرب من تقييد غير المحرم في الطائفة المذكورة بما إذا لم يكن رحما.

معتضدا بما عرفت من ظهور حال الأصحاب في أن الموضوع هو المحرم، بل الظاهر عدم الإشكال بينهم في أن الرحم غير المحرم كالأجنبي، علي ما صرح به بعضهم، حيث لا يبعد ابتناؤه علي ما ذكرناه من ارتكازية الجمع المذكور.

ص: 231

بنسب أو رضاع أو مصاهرة (1).

______________________________

و لعله عليه يبتني ما تقدم من استدلال بعضهم بالحديثين علي حكم المحرم، لا علي تفسير الرحم و القرابة فيهما به، فإنه بعيد جدا. و من هنا يلزم متابعة الأصحاب في كون موضوع الحكم هو المحرم.

هذا، و في صحيح عبد اللّه بن سنان: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إذا مات الرجل غسلته امرأته، و إن لم تكن امرأته معه غسلته أولاهن به، و تلف علي يديها خرقة» «1». و الظاهر عدم إرادة الأولي بالميراث، لإمكان كون الوارث غير النساء المصاحبات للميت، بل الأولوية العرفية المستندة للنسب و غيره من جهات القرب و العلاقة عند العرف، فهو أعم من القرابة فضلا عن المحرم.

و حينئذ يدور الأمر بين تقييده بالمحرم بلحاظ ما سبق- نظير ما تقدم في حديثي زيد و الحلبي- مع حمل لف الخرقة علي الاستحباب، و يكون مما نحن فيه، و حمله علي غيره مع إبقاء ظهوره في وجوب لف الخرقة علي حاله، و يكون في عداد ما يأتي في الرجل الذي يموت بين نساء أجانب.

و لعل الأول أولي، لأن حمل النساء المصاحبات للرجل علي خصوص غير محارمه بعيد جدا، خصوصا مع فرض وجود الأولي به فيهن، بل هو كالحمل علي الفرد النادر، أما حمل لف الخرقة علي الاستحباب فليس بذلك البعيد. و لعله لذا استدل به غير واحد علي حكم المحارم من دون تأمل في دلالته. فلاحظ.

(1) كما صرح بالتعميم للنسب و الرضاع في المعتبر و التذكرة و غيرهما، و بالتعميم لهما و للمصاهرة في الدروس و المسالك و الروضة و المدارك، و في الرياض و الجواهر في معقد الإجماع و نفي الخلاف المتقدم منهما، و هو مقتضي إطلاق غير واحد ممن عبر بالمحرم.

نعم، عبر بعضهم- كالشيخ في المبسوط بالرحم المحرم، و هو قد يظهر في عدم التعميم للرضاع و المصاهرة، و إن لم يبعد عدم إرادة الحصر بالرحم، و أن المدار

______________________________

(1) الوسائل باب: 20 من أبواب غسل الميت حديث: 6.

ص: 232

و الأحوط وجوبا اعتبار فقد المماثل (1)،

______________________________

علي المحرمية، نظير ما في التذكرة، حيث قال: «و للرجل أن يغسل من ذوي أرحامه محارمه … يعني بالمحارم من لا يجوز للرجل نكاح واحدة منهن نسبا أو رضاعا …

ذهب إليه علماؤنا».

و كيف كان، فالتعميم مقتضي إطلاق النصوص المتضمنة لعنوان المحرم الصادق علي الكل، و التي عرفت أن المعول عليها في المقام، و أن غيرها مما تضمن عناوين أخر منزل عليها.

(1) حيث اعتبره في المعتبر و التذكرة و اللمعة و الدروس و ظاهر المراسم و الوسيلة و القواعد، بل الغنية، و جعله في المبسوط الأحوط في الرجل و الأولي في المرأة.

و نسبه في كشف اللثام لظاهر الأكثر، و في الجواهر أنه ظاهر المشهور أو صريحه، و في الحدائق و طهارة شيخنا الأعظم و محكي الكفاية أنه المشهور، بل ظاهر الحبل المتين الإجماع عليه.

و قد استدل له بصحيح عبد اللّه بن سنان: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:

إذا مات الرجل مع النساء غسلته امرأته، و إن لم تكن امرأته معه غسلته أولاهن به … » «1»، بناء علي ما تقدم من حمل أولاهن به فيه علي المحارم، حيث يلزم من تأخرها رتبة عن الزوجة تأخرها عن المماثل الذي هو في رتبة الزوجة أو مقدم عليها علي الكلام السابق، و لذا قيل بعدم الفصل بين تأخره عن الزوجة و تأخره عن المماثل.

و به يخرج عما دل بإطلاقه علي مساواة المحرم للزوجة و التخيير بينهما، كقوله عليه السّلام في صحيح الحلبي المتقدم «تغسله امرأته أو ذات قرابته إن كانت» و في حديث عبد الرحمن المتقدم في تغسيل الزوجة زوجها: «تغسله امرأته أو ذات محرمة» «2».

و لا سيما مع قرب كون تقدم الزوجة علي المحرم ارتكازيا عرفيا، حيث يضعف فيهما إطلاقه المقتضي للتخيير بينهما.

كما يستدل عليه أيضا بإطلاق معتبر أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: لا

______________________________

(1) الوسائل باب: 20 من أبواب غسل الميت حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 20 من أبواب غسل الميت حديث: 4.

ص: 233

______________________________

يغسل الرجل المرأة الا أن لا توجد امرأة» «1». فإن الخروج عنه في الزوجين لما تقدم لا يقتضي الخروج عنه في المحرم، بل يتعين حمله عليه حينئذ، بناء علي عدم وجوب تغسيل الأجنبي حتي عند فقد المماثل، لئلا يبقي بلا مورد، و هو أولي عرفا من حمله علي الاستحباب مع إبقائه علي عمومه للزوجين. فلاحظ.

ثم إنه قد استدل سيدنا الأعظم قدّس سرّه بإطلاق أدلة اعتبار المماثلة.

و يشكل بأنه لا دليل علي الإطلاق المذكور إلّا النصوص المتضمنة عدم تغسيل الرجل الذي يموت مع النساء و المرأة التي تموت مع الرجال، و لا بد من تنزيلها علي فرض عدم المحرم و الزوج، كما تضمنته جملة من النصوص، لما هو المعلوم من أنه مع وجوده لا يسقط التغسيل، بل يجب و لو لكونه فردا اضطراريا. فالعمدة الحديثان المتقدمان.

هذا، و قد صرح في السرائر بجواز تغسيل المحرم اختيارا، و وافقه عليه في المنتهي و المختلف و المدارك و كشف اللثام، و محكي التلخيص و الكفاية و الذخيرة، و هو مقتضي إطلاق النافع، و في السرائر أنه الأظهر عند أصحابنا، و ظاهر المختلف نسبته لأكثر علمائنا.

و استدل له بإطلاق صحيح منصور بن حازم: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يخرج في السفر و معه امرأته [يسافر مع امرأته] أ يغسلها؟ قال: نعم و أمه و اخته و نحو هذا [و نحوهما] يلقي علي عورتها خرقة» «2» معتضدا بإطلاقات تغسيل الميت، و مؤيدا باقترانه بالزوجة في بعض النصوص، و مع ظهور بعضها في كونه في عرضها، كحديثي الحلبي و عبد الرحمن المتقدمين.

و أورد عليه بأن فرض السفر فيه ظاهر في فرض الاضطرار و عدم المماثل.

و يظهر اندفاعه مما تقدم عند الاستدلال به في الزوجين من أن فرض السفر و إن كان مناسبا لخصوصيته في أحداث الداعي لمباشرة الزوج التغسيل، إلا أنه أعم من الاضطرار الشرعي.

نعم، لا إشكال في أن ذلك موجب لضعف إطلاقه و سهولة تقييده بالحديثين المتقدم الاستدلال بهما لاعتبار فقد المماثل. و مثله في ذلك إطلاقات تغسيل الميت،

______________________________

(1) الوسائل باب: 20 من أبواب غسل الميت حديث: 10، 1، 2.

(2) الوسائل باب: 20 من أبواب غسل الميت حديث: 10، 1، 2.

ص: 234

______________________________

فتقيد بالحديثين المذكورين. و ليس اقتران المحرم بالزوجة في بعض النصوص صالحا لرفع اليد عنهما. و لا سيما مع عدم وضوح عموم مشروعية تغسيل الزوجة زوجها لحال الاضطرار، كما تقدم. و حديثا الحلبي و عبد الرحمن قد عرفت تنزيلهما علي الترتيب، جمعا مع صحيح عبد اللّه بن سنان.

ثم إن بعض مشايخنا (دامت بركاته) قد استشكل في الاستدلال بإطلاقات شرح تغسيل الميت بأنها مقيدة بارتكاز المتشرعة علي اعتبار المماثلة، و لذا وردت الأسئلة في النصوص الكثيرة عن حكم موت الرجل بين النساء، و المرأة بين الرجال، فلولا المفروغية بمقتضي المرتكزات عن اعتبار المماثلة لم يكن وجه للأسئلة المذكورة.

لكنه كما تري؛ لأن منشأ الأسئلة المذكورة لو لم يكن هو تعارف مباشرة المماثل بالنحو المثير للشك في جواز تغسيل غيره، بل هو ما ادعاه من ارتكاز لزوم المماثلة- كما هو غير بعيد، و أشرنا إليه في أول الكلام في اعتبار المماثلة- إلّا أن الارتكاز المذكور ليس بالنحو الذي يمنع من انعقاد إطلاقات التغسيل، بحيث لا يرجع إليها في مورد الشك، بل هو أنما يقتضي اعتبار المماثلة في الجملة و لو لتجنب محذور النظر و اللمس المحرمين من دون أن تكون شرطا في صحة الغسل، أو مع شرطيتها في خصوص مورد حرمة النظر و اللمس، و حيث يقصر ذلك عن المحرم لم يمنع من التمسك بإطلاقات التغسيل فيه، و لعله لذا فرض في بعض نصوص السؤال عن فقد المماثل فقد المحرم أيضا، بل و أحد الزوجين أيضا، المناسب لمفروغية السائل عن عدم اعتبار المماثلة فيهم في الجملة.

و من هنا لا ينبغي التوقف في نهوض الإطلاقات في نفسها بإثبات جواز تغسيل المحرم اختيارا. و لذا تمسك (دامت بركاته) بالإطلاقات المذكورة في الصبي و الصبية، مدعيا أن مقتضاها جواز التغسيل ما لم يحرم النظر و اللمس. فالعمدة ما ذكرنا من لزوم رفع اليد عنها بالحديثين المتقدمين.

نعم، بناء علي عدم ابتناء لزوم المماثلة علي شرطيتها في التغسيل، بل علي مزاحمة وجوب التغسيل لحرمة النظر و اللمس كما تقدم من شيخنا الاستاذ قدّس سرّه و يقتضيه بعض استدلالاتهم في المقام، يتعين جواز تغسيل المحرم اختيارا، كما جزم به قدّس سرّه

ص: 235

و كونه من وراء الثياب (1).

______________________________

لكن تقدم ضعفه.

(1) كما في المبسوط- في الرجل- و النهاية و الوسيلة و السرائر و المعتبر و النافع و الشرائع و القواعد و التذكرة و المنتهي و المختلف و اللمعة و الدروس و غيرها. و في كشف اللثام و الحدائق و عن الكفاية أنه المشهور، و في الرياض و مفتاح الكرامة أن عليه الشهرة العظيمة، و عن الذخيرة نسبته للأصحاب، و في الحبل المتين أنهم قطعوا به.

و يقتضيه جملة من النصوص ففي موثقة عمار في الرجل: «تغسله عمته و خالته في قميصه» و في المرأة: «غير أنه يكون عليها درع، فيصب الماء فوق الدرع» «1». و في موثق سماعة في الرجل: «تغسله امرأة ذات محرم منه، و تصب النساء عليه الماء و لا تخلع ثوبه». و في المرأة: «و إن كان معها ذو محرم لها غسلها من فوق ثيابها» «2» و قريب منهما غيرهما. و بها يخرج عما أطلق فيه تغسيل المحرم من دون تنبيه إلي كونه من وراء الثياب.

نعم، قد يشكل الاستدلال بما تضمن الأمر بتغسيل المحرم من فوق الثياب في سياق الزوجين كقوله عليه السّلام في حديث عبد الرحمن: «تغسله امرأته أو ذات محرمه و تصب النساء عليه الماء صبا من فوق الثياب» «3» لأن رفع اليد عن ظهوره في الإلزام في الزوجين قد يمنع من التعويل علي ظهوره فيه في المحرم.

و اضعف منه ما في المعتبر من الاستدلال بان المرأة عورة، فيحرم النظر إليها، و إنما جاز مع الضرورة من وراء الثياب جمعا بين التطهير و الستر. لوضوح اندفاعه بعدم حرمة نظر المحرم للمرأة و لا للرجل إن كان كلامه يعمه تبعا، و إلا كان استدلاله غير مستوف للمدعي. فالعمدة النصوص الأول.

لكن لا مجال للتعويل عليها في قبال صحيح منصور «4» الصريح في الاكتفاء بوضع الخرقة علي العورة، و قريب منه خبر زيد الشحام «5» المتقدم أيضا المقتصر في صدره علي تجنب النظر للعورة في تغسيل المرأة، و معتبر زيد بن علي- الذي يظهر وجه اعتباره مما تقدم في نظيره في السند من أخبار الاستقبال بالمحتضر- و فيه: «و إذا

______________________________

(1) الوسائل باب: 20 من أبواب غسل الميت حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 20 من أبواب غسل الميت حديث: 9.

(3) الوسائل باب: 20 من أبواب غسل الميت حديث: 4.

(4) الوسائل باب: 20 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(5) الوسائل باب: 20 من أبواب غسل الميت حديث: 7.

ص: 236

(الرابعة): المولي، فإنه يجوز له تغسيل أمته (1)

______________________________

كان معه نساء ذات محرم يؤزرنه و يصببن عليه الماء صبا و يمسسن جسده و لا يمسسن فرجه» «1»، بناء علي أن المراد به لفّ المئزر- كما هو غير بعيد- لا التغطية بالازار.

فإن مقتضي الجمع بينهما و بين النصوص الأول حمل النصوص الأول علي الاستحباب، مع جواز التجريد، كما هو ظاهر إطلاق الغنية و المراسم و محكي الكافي و الاصباح، و صريح المدارك و محكي الكفاية، بل قد يظهر من محكي الذكري، حيث علل التغسيل من وراء الثياب بالمحافظة علي العورة، و إليه مال غير واحد من متأخري المتأخرين.

ثم إن ما تقدم في صحيح ابن سنان «2» من لفّ المحرم علي يدها خرقة عند تغسيل الرجل أما أن يحمل علي خصوص حال غسل الفرج أو علي الاستحباب، جمعا مع معتبر زيد المتقدم المصرح فيه بأنهن يمسسن جسده دون فرجه. كما أن ما تقدم منا في فروع تغسيل الميت بثيابه في الزوجين جار هنا.

نعم، لا إشكال ظاهرا في عدم جواز نظر المحرم للعورة حتي بناء علي جواز تغسيله مجردا، و هو مقتضي صحيح منصور بن حازم و معتبر زيد و خبر زيد الشحام من نصوص المقام.

الرابعة: المولي
اشارة

(1) قطعا، كما في جامع المقاصد و المدارك و عن محكي حاشية الجمال. و به صرح في التذكرة و المنتهي و القواعد و الروض و الروضة و محكي البيان و الذكري و غيرها.

و نسب في الحدائق للمشهور و في مفتاح الكرامة للأكثر، بل عن مجمع البرهان الظاهر أنه لا خلاف فيه، و عن محكي حاشية الجمال أنه مقطوع به في كلام الأصحاب.

و استدل له بإطلاقات أدلة تغسيل الميت. و يشكل بأنها مقيدة بإطلاقات أدلة اعتبار المماثلة الواردة في موت المرأة بين رجال لا نساء معهم «3».

و أضعف من ذلك الاستدلال بالأصل، إذ لو أريد به أصل البراءة من شرطية

______________________________

(1) الوسائل باب: 20 من أبواب غسل الميت حديث: 8.

(2) الوسائل باب: 20 من أبواب غسل الميت حديث: 6. و قد تقدم منا في أول الكلام في تغسيل المحارم.

(3) الوسائل باب: 20، 21، 22 من أبواب غسل الميت.

ص: 237

______________________________

المماثلة حتي بالإضافة إلي المالك فقد ذكرنا غير مرة أن المرجع مع الشك في شرط الغسل الاشتغال للشك في المحصل.

و إن أريد به أصالة البراءة من حرمة النظر و اللمس أو استصحاب حلهما من حال الحياة، أشكل بما سبق من أن مرجع لزوم المماثلة ليس هو تجنب النظر و اللمس المحرم، بل شرطيته تعبدا في الغسل و لو مع عدم استلزامه لهما. غاية ما قد يدعي ملازمة حرمة النظر و اللمس في مورد لاشتراط المماثلة فيه، فيبتني التمسك بالأصل المقتضي لجوازهما في المملوكة لإثبات جواز تغسيلها علي الأصل المثبت. علي أن الأصل- كيفما قرر- محكوم لاطلاقات أدلة اعتبار المماثلة المشار إليها.

و أما ما في المستند من أنها من المحارم، لأن المراد بذات المحرم المحرم في حال الحياة كما في الزوجة، و لا أقل من احتماله، فلا يعلم خروجها من العمومات. فهو كما تري، لوضوح أن المراد بالمحرم من يحرم نكاحها مؤبدا بنسب أو رضاع أو مصاهرة- كما صرح به غير واحد مرسلين له إرسال المسلمات- لا من يحل النظر إليها، و لذا جعل في النصوص و الفتاوي في مقابل الزوجة، و إطلاقه في بعض عباراتهم علي الزوجة توسع قطعا، بلحاظ مشاركتها لها في جواز النظر الذي هو الخاصية المهمة في المقام.

و لو فرض الشك في ذلك فلا مجال للرجوع لاطلاقات تغسيل الميت المقتضية للجواز بعد تخصيصها بأدلة اعتبار المماثلة، بل المرجع إطلاق الأدلة المذكورة بعد فرض إجمال دليل تخصيصها بالمحرم و الشك في شموله للمملوكة. و مثله ما ذكره غير واحد من أنها في معني الزوجة في اللمس و النظر و الاستمتاع. لوضوح عدم نهوض مثل ذلك بإثبات حكم شرعي بل هو أشبه بالقياس.

و من هنا قال سيدنا المصنف قدّس سرّه: «فالعمدة ما تقدم مما يؤذن بالإجماع لو تم»، و ذكر في الجواهر أن دعوي القطع ممن لا يعمل بالظنيات يجري مجري الإجماع. لكن لم يتضح مما تقدم ثبوت إجماع تعبدي صالح لإثبات حكم شرعي، لقرب ابتناء كلام من ذهب إلي ذلك من المتقدمين علي بعض الوجوه المتقدمة خصوصا الأخير لتخيل تنقيح

ص: 238

______________________________

مناط حكم الزوجة به، لا علي أخذهم له من تسالم متصل بعصور المعصومين عليهم السّلام أو نحوه مما يكشف عن الحكم الشرعي المودع عندهم، و جري من بعدهم عليه للوجوه المتقدمة، أو لتخيل انعقاد الإجماع عليه.

و من هنا كان الأوفق بالأدلة المنع، كما يظهر من بعض مشايخنا.

لكن الإنصاف أن من البعيد جدا جواز تغسيل الزوجات و المحارم بأقسامهن، دون الأمة، لأنها و إن كانت خارجة عن كلا العنوانين، كما لا دليل علي إلحاقها بأحدهما بخصوصه، إلّا أنها واجدة للجهة المشتركة بينهما، و هي جواز النظر حال الحياة الذي هو المنشأ ارتكازا لجواز التغسيل في القسمين، كما يناسبه النظر في جملة من نصوص المنع عن تغسيل الأجنبي، لظهورها في الاهتمام بتجنب النظر و اللمس المحرمين، حيث تضمنت الأمر بالدفن بالثياب، و النهي عن كشف المحاسن التي أمر اللّه بسترها و عن اللمس و نحو ذلك.

و إلا فمن البعيد جدا دخل خصوصية كل من القسمين في جواز تغسيله، و هما فعلية النكاح في الزوجة، و حرمته مؤبدا في المحرم، لعدم دخلهما ارتكازا و عدم التناسب بينهما، بل بينهما أشد التنافر ارتكازا.

بل قد تستفاد موضوعية الجهة المذكورة- و هي جواز النظر- للحكم من قوله عليه السّلام في صحيح منصور المتقدم بعد السؤال عن تغسيل الزوجة: «نعم، و أمه و أخته و نحو هذا [و نحوهما]» «1»، فان التعميم لنحو المذكورات من دون تنبيه لجهة الشبه التي هي موضوع الحكم ظاهر في التعويل في تشخيصها علي ارتكازيتها، و ليست تلك الجهة في المقام هي المحرمية، لعدم وضوح خصوصيتها بعد فرض ثبوت الحكم للزوجة أيضا مع الأم و الأخت، و إشعار الكلام بساقه في مشاعتهما للزوجة و مسانخة الكل في موضوع الحكم، حيث يستفاد منه عرفا أن الموضوع هو الجهة المشتركة بين الكل، و هي جواز النظر حال الحياة، و هو حاصل في الأمة.

و من القريب أن يكون وضوح الحكم في الأمة و ارتكازيته بسبب ما ذكرنا

______________________________

(1) الوسائل باب: 20 من أبواب غسل الميت حديث: 1، 2.

ص: 239

إذا لم تكن مزوجة (1)

______________________________

هو المنشأ لظهور تسالم من تعرض من الأصحاب للحكم، عليه، و الوجوه المتقدمة في كلماتهم لما كانت لتقريب مقتضي الارتكاز غفلوا عن وهنها و جهات الإشكال فيها. و من هنا كان جواز تغسيل المولي أمته قريبا جدا. و ان كان الأمر غير خال عن الإشكال. فلا يترك الاحتياط بتجنب ذلك اختيارا، و الاقتصار علي حال الضرورة، و فقد المماثل و الزوج و المحرم.

بل لزوم فقد المماثل و الزوج هو اللازم حتي بناء علي تمامية ما ذكرنا، لما سبق من اختصاص تغسيل المحرم بحال الضرورة و أن الزوج ينفرد عنه بجواز تغسيل زوجته اختيارا، و إلحاق الأمة بالزوجة و إن كان أقرب من إلحاقها بالمحرم، لابتناء جواز النظر إليها علي جواز الاستمتاع بها إلّا أن في بلوغه حدّ الاستدلال إشكال، كما تقدم، فيتعين الاقتصار علي المشترك بينهما، و هو جواز التغسيل حال الضرورة. فتأمل جيدا. و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

ثم إنه و إن لم أعثر علي من خص جواز تغسيل المولي أمته بأم الولد، إلّا أنه قد يحتمل بلحاظ ما يأتي في وجه خصوصيتها عند الكلام في تغسيل الأمة مولاها، بل قد يظهر من الدروس ذلك، لأنه اقتصر علي قوله: «و أم الولد كالزوجة». و يظهر الحال فيه ما يأتي هناك.

(1) كما في التذكرة و القواعد و الروض و الروضة و غيرها، و يقتضيه ما في جامع المقاصد من اعتبار جواز الوطء في جواز التغسيل، كما يناسبه ما في المنتهي من الاستدلال عليه بأنها منكوحة و له الاطلاع علي عوراتها. و هو متجه بناء علي أن دليل الحكم ذلك، أو الإجماع المقتصر فيه علي المتيقن.

أما بناء علي ما ذكرناه من قرب كون مبناه جواز النظر إليها فلا مجال لاستثنائها.

و لعله لذا أطلق في المدارك، بل عن مجمع البرهان.

الظاهر أنه لا خلاف في جواز تغسيل المولي أمته مطلقا. إلّا أن يريد بالإطلاق ما يقابل التقييد بأم الولد. و منه يظهر الحال فيمن كانت أختها موطوءة، بناء علي حرمة وطئها و حل النظر إليها. و لذا استثناها في جامع المقاصد من جواز تغسيل الأمة مولاها.

ص: 240

و لا في عدة غير (1) و لا محللة (2) و لا مبعضة (3) و لا مكاتبة (5).

______________________________

(1) كما في التذكرة و الروض و عن نهاية الأحكام و كشف الالتباس، مدعيا فيه أنه المشهور، و يقتضيه ما تقدم من جامع المقاصد، كما يناسبه ما تقدم من المنتهي.

و يظهر الوجه فيه مما تقدم في المزوجة.

(2) لم أعثر عاجلا علي من صرح به. نعم يستفاد مما تقدم من جامع المقاصد، كما يناسبه ما في المنتهي بناء علي تحريم وطئها بمجرد التحليل، اما بناء علي توقفه علي وطء المحللة له، فيكون هو الداخل في كلامهما. و يعرف الوجه فيه مما تقدم في المزوجة.

هذا، و قد يدعي أن عدم جواز تغسيل مولي الأمة المحللة لها يستلزم جواز تغسيل المحللة له إياها، سواء كان مبني الحكم جواز الاستمتاع أم جواز النظر. بل علي الثاني يجوز تغسيله لها بمجرد تحليل النظر له و إن لم يحلل له الوطء.

و يشكل بعدم وضوح كون حلّ الوطء أو النظر بالوجه المذكور غير المبني علي الاستحقاق كافيا في الدخول تحت المسوغ المتقدم. أما لو كان مبني الحكم الإجماع فقصوره عن ذلك ظاهر جدا.

(3) كما في التذكرة و محكي الذكري و يقتضيه ما تقدم من جامع المقاصد، كما يناسبه ما تقدم من المنتهي، بناء علي عدم جواز وطئها مطلقا حتي في بعض الوقت بالمهاياة، بل مطلقا بناء علي أن مرادهما من جواز الوطء الجواز المطلق المستقر المبني علي الاستحقاق، لا المختص ببعض الوقت أو غير المبني علي الاستحقاق.

و لعله المتيقن من استدلالهم بإلحاقها بالزوجة، كما هو المتيقن من الإجماع المدعي. و كذا بناء علي ما ذكرناه من قرب ابتناء الحكم علي جواز النظر، إذ المتيقن منه الجواز المطلق المستحق، دون المختص بزمن خاص بالمهاياة. و إن كان اللازم أو الأولي مراعاة الاحتياط. و منه يظهر الكلام في المشتركة. فتأمل جيدا.

(4) كما في التذكرة و الروض و الروضة و محكي الذكري و ظاهر جامع المقاصد، مع التصريح في بعضها بعدم الفرق بين المشروطة و المطلقة لحرمة الوطء بنفس الكتابة.

ص: 241

و أما تغسيل الأمة لمولاها فجوازه محل إشكال (1)

______________________________

و يظهر الكلام فيها مما تقدم في المزوجة.

هذا، و قد صرح في التذكرة و محكي الذكري بجواز تغسيلها إذا كانت مظاهرة أو مولي منها. و تنظر فيه في الروض. و كذا في الزوجة. لكنه في الزوجة خلاف الإطلاق. و حرمة الوطء لطارئ لا يوجب قصوره كما في المحرمة. و كذا في الأمة لو كان الوجه إلحاقها بالزوجة. و أظهر من ذلك ما لو كان الوجه جواز النظر.

نعم، قد يتجه لو كان الوجه فيها الإجماع، حيث قد يدعي قصور المتيقن منه عنهما، و إن كان بعيدا.

و أما تغسيل الأمة لمولاها فجوازه محل إشكال

(1) قال في القواعد: «و ملك اليمين كالزوجة»، و مقتضي إطلاقه جواز تغسيلها لمولاها مطلقا أم ولد كانت أم غيرها، كما ذهب إليه في الجواهر و المستند و محكي البيان و مجمع البرهان، و إن حكي عنه احتمال المنع في غير أم الولد.

و هو متجه بناء علي الاستدلال في الفرع السابق بإطلاقات أدلة التغسيل أو الأصل، لدعوي انصراف إطلاق أدلة اعتبار المماثلة عن السيد و أمته. و كذا بناء علي ما تقدم من المستند من دخولها في المحرم، و علي ما تقدم منا من تقريب أن المعيار جواز النظر، بناء علي ما يأتي من بقاء جواز النظر بعد الموت.

و مثل ذلك ما تقدم من غير واحد من إلحاقها بالزوجة لجواز الاستمتاع بها، لأن المراد به كونها كذلك إلي حين الموت، و هو حاصل في المقام.

لكن خصّ غير واحد الجواز بأم الولد، إما مع التوقف في غيرها، كما في التذكرة و المنتهي و محكي التحرير و نهاية الأحكام و الذكري، أو مع البناء علي عدم الجواز، كما في المعتبر و جامع المقاصد و الروض و الروضة، و قد تقدم عند الكلام في تغسيل المولي أمته من الدروس الاقتصار علي تنزيل أم الولد منزلة الزوجة بل منع في المدارك من تغسيل الأمة مولاها مطلقا و إن كانت أم ولد، و إليه مال في الحدائق، و توقف في محكي الكفاية.

و قد وجه المنع مطلقا في المدارك بخروجها عن ملكه، فحرم عليها النظر إليه،

ص: 242

______________________________

و يشكل بعدم وضوح حرمة نظرها إليه بخروجها عن ملكه بالموت، لقصور إطلاق دليل حرمة النظر عن حال الموت، بل البناء في سائر الموارد علي إلحاقه بحال الحياة المقتضي لجواز النظر في المقام، كما هو ظاهرهم. بل لا يبعد كونه مقتضي السيرة، لما هو المعلوم من شيوع الابتلاء بمعاشرة الإماء مواليهن و مباشرتهم و الاطلاع علي خفاياهم إلي آخر لحظات حياتهم، و مع ذلك يبعد تجنبهن لهم بمجرد موتهم، للغفلة عنه، و احتياجه لعناية لو كانت لظهرت و بانت.

و أشكل من ذلك ما في المعتبر من الاستدلال بذلك لعدم جواز تغسيل غير أم الولد للمولي مع الاستدلال لجواز تغسيل أم الولد له ببقاء علقة الملك بوجوب العدة و الكفن و المئونة.

للإشكال فيه: بأنه إن بني علي حرمة نظر الأمة لمولاها بموته بسبب خروجها عن ملكه لم يفرق في ذلك بين أم الولد و غيرها. و بقاء العلقة بوجوب العدة- مع عدم وضوح اختصاصه بأم الولد، بل قيل بجريانه في مطلق المملوكة- لم يتضح دخله في جواز النظر، و لا في جواز التغسيل. و صحيحا زرارة و الحلبي «1» المتقدمان في الزوجين قد سبق لزوم الخروج عن ظاهرهما.

و مثله بقاء العلقة بوجوب الكفن و المئونة. علي أنه يجري في مطلق المملوكة عند موتها و بقاء سيدها، دون العكس الذي هو محل الكلام.

و مثله في الإشكال ما في جامع المقاصد و الروضة من الاستدلال لعدم جواز تغسيل غير أم الولد سيدها بخروجها عن الملك. إذ لو أريد به مانعية الخروج من الملك بلحاظ حرمة النظر جري فيه ما تقدم.

و لو أريد به مانعيته بنفسه مع قطع النظر عن حل النظر و حرمته أشكل بأنه لم يتضح من الأدلة دخل الملكية بنفسها في التحليل، ليلزم التحريم بدونها، و لذا لا إشكال ظاهرا في عدم جواز تغسيل المرأة لمملوكها لمجرد ملكيتها له. و كذا ما في التذكرة و المنتهي و جامع المقاصد و الروض من أنها قد انتقلت إلي الوارث لوضوح أنه لا مانع من تغسيل مملوك غير الميت له، غاية ما قد يدعي لزوم استئذان مالكه، علي

______________________________

(1) الوسائل باب: 24 من أبواب غسل الميت حديث: 13، 14.

ص: 243

______________________________

إشكال فيه بلحاظ عموم الوجوب الكفائي له.

و أشكل من الكل ما في التذكرة و المنتهي من أنه ليس بينهما من الاستمتاع ما تصير به في حكم الزوجة. لوضوح أنه- مع عدم جريان ذلك في الموطوءة غير أم الولد- لا يراد من الاستمتاع في الزوجة فعليته، بل جوازه، و هو جار في مطلق الإماء غير المستثنيات المتقدمة.

و من هنا كانت كلماتهم في التفريق بين تغسيل المولي لأمته و تغسيلها له في غاية الإشكال، كالإشكال في جملة من وجوه الفرق بين تغسيل أم الولد للمولي و تغسيل غيرها من إمائه له.

نعم، قد استدل غير واحد لجواز تغسيل أم الولد لمولاها بموثق إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه: «ان علي بن الحسين عليه السّلام اوصي أن تغسله أم ولد له إذا مات، فغسلته» «1». و لا مجال للإشكال في سنده- كما يظهر من غير واحد- بعد رواية الشيخ قدّس سرّه له بسنده الصحيح عن محمد بن أحمد بن يحيي الذي هو من الأعيان عن الحسن بن موسي الخشاب الذي هو من رجال كامل الزيارة، و قال فيه النجاشي:

«من وجوه اصحابنا مشهور كثير العلم و الحديث»، عن غياث بن كلوب الذي عده الشيخ في العدة من ثقات العامة الذين عملت الطائفة بأخبارهم عن إسحاق بن عمار المنصوص علي وثاقته.

فالعمدة الإشكال في متنه بمنافاته لما تضمنته جملة من النصوص من أن الإمام لا يغسله إلّا إمام «2»، بنحو يظهر من بعضها معروفية ذلك بين الشيعة. و مثله خبر مفضل المتقدم المتضمن تعليل تغسيل أمير المؤمنين عليه السّلام سيدة النساء عليها السّلام بأنها صديقة لا يغسلها إلّا صديق «3».

بل ذكر سيدنا المصنف قدّس سرّه منافاته أيضا لما ورد في تغسيل الإمام الباقر عليه السّلام لأبيه عليه السّلام، و إن لم أعثر عاجلا عليه. إلّا أن يريد به ما يأتي من الرضوي و مرسل الدعائم. و احتمال كون المراد من الصديق معني حاصل في أم ولد زين العابدين عليه السّلام

______________________________

(1) الوسائل باب: 25 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(2) تراجع النصوص المذكورة في الكافي ج: 1 ص: 384 الطبعة الجديدة. و رجال الكشي ص 394.

(3) الوسائل باب: 24 من أبواب غسل الميت حديث: 6.

ص: 244

______________________________

- كما قد يظهر من الفقيه الهمداني قدّس سرّه- غريب جدا.

و دعوي: إمكان الجمع بين الموثق و النصوص المذكورة بحمل الموثق علي المصلحة في نفس الوصية، كتجنب حضور بعض الأشخاص أو مشاركتهم، و هو لا يمنع من الاستدلال بالوصية، لظهورها في المفروغية عن جواز تغسيل أم الولد لسيدها.

مدفوعة: بأن ذلك مخالف لقوله عليه السّلام في الموثق «فغسلته» مع أن المفروغية بالنحو الذي يجنب الغير و لو لشيوع مذهب بعض العامة لا تستلزم ثبوت الحكم واقعا ليكفي في الاستدلال بعد فرض تعذر الأخذ بظاهر الوصية.

و مثلها دعوي: حملة علي الإعانة في بعض الغسل، كما قد يؤيد بالرضوي:

«و نروي أن علي بن الحسين عليهما السّلام لما مات قال الباقر عليه السّلام: لقد كنت أكره أن أنظر إلي عورتك في حياتك، فما أنا بالذي أنظر إليها بعد موتك. فأدخل يده و غسل جسده، ثم دعا أم ولد له فغسلت مرأته [فغسلت مراقه «1». فغسلت عورته. بحار. و غسلت عورة مرأته. الرضوي] و كذلك فعلت أنا بأبي». «2» و نحوه مرسل الدعائم «3».

لاندفاعها بقوة ظهور الموثق في قيامها بتمام الغسل، و ظهور تلك النصوص في لزوم قيام الإمام بتمام غسل الإمام الذي لا يستلزم النظر للعورة و لا مسها، و ظهور الرضوي و مرسل الدعائم في أن اشراك أم الولد لرأي مبتدأ للإمام الذي يقوم بالتغسيل، من دون وصية من أبيه.

______________________________

(1) و المراق: بفتح الميم و تشديد القاف أسفل من البطن فما تحته من المواضع التي رق جلودها. واحدها مرقّ. و في النهاية: و لا واحد له، و ميمه زائدة. و منه حديث الغسل: أنه بدأ بيمينه يغسلها ثم غسل مراقه بشماله. و منه: انه اطلي حتي بلغ المراق ولي هو ذلك بنفسه. مجمع البحرين الطبعة الجديدة.

و البحار كتاب الإمامة. باب: 2، من أبواب ما يتعلق بوفاته من أحوالهم عليهم السّلام عند ذلك و قبله و بعده و أحوال من بعدهم ج: 27 ص: 288. الطبعة الجديدة و يؤيده ما ورد في وفاة الإمام الكاظم عليه السّلام [البحار باب: 9 من أبواب تاريخه عليه السّلام ج: 48 ص: 225. الطبعة الجديدة] و الإمام الرضا عليه السّلام [البحار باب: 21 من أبواب تاريخه عليه السّلام ج: 49 ص: 293 و ما بعدها الطبعة الجديدة] لأن ما تضمنه من تولي تغسيلهما من قبل الإمام القائم بعدهما مع ما فيه من العناية يناسب الاهتمام بالكبري المذكورة.

بل قد يناسبه ما ورد في تغسيل أمير المؤمنين عليه السّلام لسلمان الذي قد يكون عن بلوغه درجة تلحقه بالأوصياء عليهم السّلام. (منه عفي عنه)

(2) مستدرك الوسائل: باب: 22 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(3) مستدرك الوسائل: باب: 22 من أبواب غسل الميت حديث: 2.

ص: 245

و إن كان الأحوط وجوبا مع الانحصار تغسيلها إياه (1).

(مسألة 18): إذا اشتبه ميت بين الذكر و الأنثي (2) غسله كل من

______________________________

فالجمع المذكور غير عرفي و لا شاهد عليه. و ليس هو بأقرب من حمل الموثق و الرضوي و مرسل الدعائم علي غسل العورة للتنظيف الذي هو من مقدمات الغسل و يحتاج للتعمق و المبالغة في المس، و المناسب قيام أم الولد و نحوها به. فيخرج عما نحن فيه. علي أن جواز غسل أم الولد للعورة الذي هو بعض الغسل لا يستلزم جواز قيامها بتمامه الذي هو محل الكلام. و عدم الفصل بالنحو المتمم للاستدلال بالموثق غير ثابت.

و من هنا يشكل التعويل عليه في إثبات الفرق بين أم الولد و غيرها. نعم لو نهض بالاستدلال لم يبعد نهوضه بإثبات جواز تغسيل المولي لأم ولده لو فرض عدم نهوض ما تقدم منا بإثباته، فيكون وجها لما تقدم من الدروس. فلاحظ. و اللّه سبحانه العالم.

مسألة 18: إذا اشتبه ميت بين الذكر و الأنثي
اشارة

(1) مما تقدم في تغسيل المولي أمته يتضح أن ذلك هو اللازم حتي بناء علي تمامية ما ذكرناه في وجه سقوط اعتبار المماثلة بين المولي و أمته. نعم لو تم الاستدلال بموثق إسحاق بن عمار اتجه الجواز اختيارا أيضا. و كذا بقية الوجوه المذكورة في كلماتهم فلاحظها.

(2) حرروا الكلام في هذا الفرع في الخنثي المشكل. و ألحق به في جامع المقاصد غيره ممن اشتبه حاله، و في الروض العضو المشتبه. و الكل من باب واحد، كما في الجواهر.

و الظاهر أن مورد كلامهم من يعتبر في تغسيله المماثلة لو علم حاله، دون من لم يتجاوز الثلاث سنين، كما نبه له في التذكرة و جامع المقاصد و الروض و محكي الذكري و البيان و غيرها. كما أنه لو كانت له أمة فعن أبي علي انها تغسله. و هو جيد بناء علي جواز تغسيل الأمة مولاها اختيارا، كما نبه له في كشف اللثام و غيره، أما بناء علي عدمه فهي كالمحارم التي يأتي الكلام فيها.

ثم إن المحكي عنه أنه اقتصر في بيان حكم الخنثي علي ذلك. و من الظاهر أنه قد لا تكون للخنثي أمة. و احتمال أنه يجب حينئذ شراء أمة من تركته- كما عن بعض

ص: 246

الذكر و الأنثي (1)

______________________________

الشافعية، بل ربما يحكي عنه أيضا- كما تري، إذ- مع أنه قد يتعذر ذلك- المتيقن من أدلة تغسيل الأمة مولاها- لو تمت- المملوكة له إلي حين موته، دون المشتراة من تركته التي هي خارجة عن ملكه. و مجرد خروج مؤنة التجهيز من التركة لا يقتضي ملكيته للأمة المشتراة بها، و لا دخولها في الأدلة المتقدمة.

(1) لزوما، عملا بمقتضي العلم الإجمالي، بناء علي ما سبق من أن مرجع الوجوب الكفائي تكليف كل شخص بالماهية الحاصلة بفعله أو فعل غيره، و أنه بذلك يكون غير المماثل مكلفا بتحصيل التغسيل من المماثل، فإن لازم ذلك في المقام هو علم كل أحد من أفراد كل من الصنفين إجمالا بوجوب تغسيل الخنثي و نحوه إما بمباشرة صنفه أو بمباشرة الصنف الآخر، فلا يحرز الخروج عن عهدة التكليف الكفائي إلّا بتحقق التغسيل من كلا الصنفين.

نعم، بناء علي أن مرجع التكليف الكفائي تكليف كل شخص بفعله بالمباشرة مع القدرة و إن كان يسقط عنه بفعل غيره يتعين في المقام اختصاص التكليف بتغسيل كل صنف بأفراد صنفه، فمع تردد الميت بين الصنفين لا يعلم أفراد كل منهما بتكليفه بتغسيله، و مقتضي الأصل في حقه البراءة.

و كأنه إلي هذا نظر في الجواهر، حيث قال: «فلعل الأحوط تكرير الغسل مرتين من كل من الرجال و النساء. و إن كان لا يلزمون بذلك، لأصالة براءة ذمة كل منهما..

فهما كواجدي المني في الثوب المشترك» و وافقه شيخنا الاستاذ قدّس سرّه. و قد يرجع إليه ما في كشف الغطاء من الفتوي أولا بأنه يدفن من غير غسل، و ان قال بعد ذلك:

«و للقول بعدم اعتبار المماثلة هنا وجه».

لكن تحقق في محله ضعف المبني المذكور. بل من البعيد جدا التزامهما بلوازمه في المقام التي منها أن لا يكلف العاجز عن الاستقلال بمباشرة التغسيل و تهيئة مقدماته بالسعي لتحصيله بفعل الغير أو باعانته و لو باعلامه أو تهيئة المقدمات له. علي أنه لو فرض تمامية المبني المذكور أمكن في المقام فرض العلم الإجمالي في حق كل أحد إما بحرمة نظره و مسه للميت أو بوجوب تغسيله له، فيجب إحراز الخروج عنه بالجمع

ص: 247

______________________________

بين الأمرين إلّا أن يسقط الغسل عنه بقيام شخص من صنفه به، كما نبه له سيدنا المصنف قدّس سرّه إلّا أن يفرض خروج أحد الطرفين عن الابتلاء في حق شخص، فلا يكون العلم منجزا في حقه، و إن كان منجزا في حق غيره.

هذا، و قد صرح غير واحد بوجوب تغسيل المحرم له من الرجال و النساء، كما في التذكرة و المنتهي و القواعد و الإرشاد و الدروس و جامع المقاصد و الروض و محكي الذكري و البيان و غيرها. و هو متجه بناء علي جواز تغسيل المحرم غير المماثل اختيارا، كما تقدم من المنتهي.

و أما بناء علي الاقتصار فيه علي الاضطرار- كما تقدم من غير واحد من هؤلاء- فقد وجهه بالضرورة في جامع المقاصد و محكي الذكري و البيان. و وجه في الأول الضرورة بعدم الوقوف علي مماثل، كما وجه الحكم بذلك في الروض. و يشكل بأن عدم الوقوف علي مماثل الذي تتحقق به الضرورة و الذي هو المسوغ لتغسيل المحرم هو عدم وجوده، لا عدم معرفته مع وجوده، كما في المقام، فلا ضرورة في المقام بعد إمكان تغسيل كل من الصنفين.

لكن قال الفقيه الهمداني قدّس سرّه: «العبرة بحسب الظاهر إنما هو بالاضطرار إلي حصول الغسل من غير المماثل، لا عدم إمكان حصوله من المماثل في الواقع، و معلوم أن الضرورة متحققة في فعل من يغسله و لو عند إرادة الاحتياط، فيصح غسله و لو علي تقدير عدم المماثلة. فليتأمل». ثم أيده بما يأتي منه في تقريب سقوط اعتبار المماثلة و عدم وجوب الاحتياط و لو عند فقد المماثل.

و هو كما تري! أولا: لان دليل اعتبار الضرورة في جواز تغسيل المحرم ليس إلّا ما تقدم من صحيح عبد اللّه بن سنان «1» المتضمن اعتبار فقد الزوجة في تغسيل المحرم و معتبر أبي حمزة «2» المتضمن عدم تغسيل الرجل المرأة إلّا عند عدم المرأة، و مقتضاهما اعتبار فقد الزوجة و المماثل الراجع لتعذر الغسل منهما، لا مجرد الاضطرار لتغسيل غير المماثل، كما ذكره قدّس سرّه.

و ثانيا: لأن الاضطرار لتغسيل غير المماثل في المقام لما لم يكن خارجيا لتعذر

______________________________

(1) الوسائل باب 20 من ابواب غسل الميت حديث 6.

(2) الوسائل باب 20 من ابواب غسل الميت حديث 10.

ص: 248

______________________________

المماثل- كما في مفروض النص- بل لأجل لزوم الاحتياط فهو متفرع علي فرض اعتبار المماثلة و وجوب التكرار لإحرازها فكيف يكون موجبا لسقوط الاحتياط و الاكتفاء بتغسيل المحرم و إن لم يكن مماثلا.

نعم، لو لم يكن موضوع الاكتفاء بتغسيل المحرم الاضطرار الفعلي لتغسيل غير المماثل، بل الاضطرار المعلق علي عدم الاكتفاء بتغسيل المحرم اتجه تحققه في المقام و سقوطه بتغسيل المحرم، حيث يصدق أن الخنثي لو لم يكتف بتغسيل المحرم له لاضطر لتغسيل غير المماثل له احتياطا لإحراز تغسيل المماثل. لكن النص لا يناسب ذلك، لوضوح أن المحرم الذي تضمن النص تغسيله للميت لما لم يكن مماثلا فقيامه بالتغسيل من أفراد تغسيل غير المماثل المضطر إليه، لا دافعا له، فموضوع تغسيل غير المحرم الاضطرار الفعلي لتغسيل غير المماثل.

و ثالثا: لأن لزوم الاحتياط بالجمع بين تغسيلي الصنفين لا يقتضي الاضطرار لتغسيل غير المماثل، لوضوح أن الميت لا يغسل مرتين حقيقة، بل صورة، و ليس تغسيله الحقيقي إلّا ما يقع من المماثل الواقعي، و كل من الصنفين إنما يأتي بصورة التغسيل برجاء أن يكون تغسيلا حقيقيا، لكونه هو المماثل.

و من هنا كان ما ذكره قدّس سرّه في غاية الإشكال. و يزيده إشكالا ما التزم به من اختصاص التكليف بالتغسيل بالمحرم، و أن غيره و إن أجزأ تغسيله بالاحتياط بالتكرار غير مكلف بذلك ظاهرا، لعدم علم كل من الصنفين بتكليفه بالتغسيل بعد عدم إحراز كونه مماثلا.

إذ فيه: أنه يبتني علي أن كلا الصنفين في المقام نظير واجدي المني في الثوب المشترك الذي استشكل هو قدّس سرّه فيه عند الكلام في فرض فقد المحرم بنظير ما تقدم منا في تعقيب ما سبق من الجواهر. علي أن مقتضي دليل وجوب تغسيل المحرم عند الاضطرار عدم صحة التغسيل من غيره، فإن بني علي شموله لزم عدم صحة تغسيل غير المحرم حتي بالتكرار، و إلا لم يكن وجه للاكتفاء بتغسيل غير المحرم حتي مع التكرار. فتأمل جيدا.

ثم إنه بناء علي وجوب تغسيل المحرم للخنثي لو فقد المحرم أو تعذر تغسيله

ص: 249

______________________________

ففي التذكرة و جامع المقاصد انه يدفن بغير غسل، و في المنتهي أن الأقرب جواز صب الماء عليه للرجل و المرأة.

و الأول متجه بناء علي أن عدم معرفة المماثل في حكم تعذره- الذي عرفت أنه مبني تقديم المحرم- حيث كان المعروف بينهم سقوط الغسل مع تعذر المماثل و المحرم و نحو من المستثنيات.

و أما الثاني: فيشكل بأنه إن كان عدم معرفة المماثل في حكم تعذره لزم سقوط الغسل، كما التزم هو قدّس سرّه به في صورة تعذر المماثل، و استشكل في الاكتفاء بصب الماء من فوق الثياب قال: «و صب الماء عليه من غير عصر الثوب غير مطهر فلا اعتداد به». و إن لم يكن في حكم تعذره- كما عرفت أنه التحقيق- لزم الجمع بين تغسيلي الرجل و المرأة، عملا بالعلم الإجمالي، كما ذكرناه في صورة وجود المحرم.

لكن قال في الجواهر: «اللهم إلّا أن يستند في ذلك إلي عموم ما دل علي وجوب غسل كل ميت، مع تنزيل اشتراط المماثلة علي معلومية حال الميت. لكن قضية ذلك عدم الالتزام بتقديم المحارم مع وجودهم.

نعم، لعل ذلك أولي و أقرب للاحتياط، و ربما يحمل عليه كلام من سمعت من الأصحاب، و إن بعد ذلك جدا في كلام بعضهم. و هو الذي يقوي في نفسي».

و ما ذكره قدّس سرّه من أن مقتضي الأصل عدم اعتبار كون التغسيل من وراء الثياب سوف يأتي الكلام فيه.

كما أن ما ذكره من أن مقتضي تنزيل اشتراط المماثلة علي معلومية حال الميت عدم تقديم المحارم و إن كان أولي و أحوط متين جدا، و إن كان تنزيل كلماتهم علي مجرد أولوية تقديم المحرم بعيد جدا، خصوصا ممن علل بالضرورة، لا سيما من حكم بسقوط التغسيل مع فقد المحرم، كما تقدم من التذكرة و جامع المقاصد. فهو اختيار له لا مجال لحمل كلام الأصحاب عليه، و قد سبقه إليه في كشف الغطاء فيما تقدم من كلامه. و هو عدول منه قدّس سرّه عما ذكره آنفا من عدم وجوب التغسيل علي كل من الرجال و النساء، و خروج عن إطلاق أدلة اعتبار المماثلة، مثل ما تضمن أن الرجل لا يغسل المرأة إلّا أن لا تكون امرأة، و أن المرأة إذا ماتت بين الرجال لا يغسلها إلّا

ص: 250

______________________________

زوجها أو محرمها، و الرجل إذا مات بين النساء لم تغسله إلّا زوجته أو محرمه و نحو ذلك، فيحتاج التنزيل علي خصوص حال معلومية الميت- كما ذكره هنا- لدليل و مجرد تعارف ذلك لا يكفي في قصور الإطلاق عن غيره، كما في سائر الموارد. كيف و لازمه اختلاف التكليف واقعا في حق الناس باختلافهم في العلم بحال الميت و الجهل به، و لا يظن بأحد الالتزام بذلك.

و قد سلك الفقيه الهمداني قدّس سرّه في توجيه الاكتفاء بتغسيل أحد الصنفين مع فقد المحرم مسلكا آخر. و حاصله: أن اعتبار المماثلة ليس لشرطيتها في الغسل بحيث يكون تغسيل غير المماثل قاصرا ملاكا، بل لجهة عرضية، و هي توقف تغسيل غير المماثل علي النظر و اللمس المحرمين المانع من التقرب به حينئذ، فمع تجنب ذلك في المقام بتغسيل أحد الصنفين له من وراء الثياب أو نحوه يتعين البناء علي صحة الغسل لإمكان التقرب به بلحاظ واجديته لملاك الفعل المطلوب، و مع صحته لا حاجة لإعادته من الصنف الآخر، لإحراز وقوع التغسيل من المماثل.

و يشكل: بأنه إن رجع إلي أن تجنب النظر و اللمس المحرمين اللازمين غالبا من تغسيل غير المماثل حكمة لاعتبار المماثلة و شرطيتها في الغسل لم ينفع في تصحيح الغسل في المقام إلّا بضميمة قصور دليل اعتبارها عن مثل المقام الذي أنكره في صدر كلامه.

و إن رجع إلي أن حرمة النظر و اللمس لما كانت مزاحمة لوجوب التغسيل وجب الجمع بينهما في مقام الامتثال بتغسيل المماثل أو نحوه من دون أن تكون المماثلة شرطا في الغسل كان مطابقا لما تقدم في أول الكلام في اعتبار المماثلة من شيخنا الأستاذ قدّس سرّه و توجه عليه ما سبق في دفعه.

مضافا إلي أن لازمه صحة تغسيل غير المماثل لمعلوم الذكورية أو الانوثية مع تجنب النظر و اللمس المحرمين فضلا عن تغسيله للخنثي. بل يتعين صحة تغسيله للخنثي حتي مع النظر و اللمس، بناء علي أن كلا من الصنفين بالإضافة إليهما فيه كواجدي المني في الثوب المشترك، علي ما يأتي الكلام فيه، بل حتي بناء علي تنجز حرمتهما في حقهما، لأن النظر ملازم للتغسيل لا متحد معه، ليمنع من التقرب به، و كذا اللمس في بعض الصور.

ص: 251

من وراء الثياب (1).

______________________________

بل بناء علي ذلك لا وجه لتخصيص الاكتفاء بغسل أحد الصنفين في المقام بصورة فقد المحرم، كما يظهر منه قدّس سرّه. كما أنه يتعين- بناء علي ذلك- صحة قصد امتثال الأمر بالتغسيل، و لا يتعين قصد الملاك، لأن ملازمة الواجب للحرام إنما تسقط الأمر مع انحصار الامتثال بالفرد اللازم له، لا في مثل المقام حيث فرض إمكان تغسيل كل من الصنفين اللذين أحدهما مماثل للميت.

بل إذا فرض تجنب أحد الصنفين للنظر و اللمس لا وجه لخروج تغسيله عن حيز الأمر مع واجديته لملاكه. و من هنا كان ما ذكره قدّس سرّه في غاية الاضطراب و الإشكال. و لا يتضح المخرج عما ذكرنا من الجمع بين تغسيل كل من الصنفين من دون فرق بين وجود المحرم و عدمه عملا بمقتضي العلم الإجمالي.

هذا، و عن المهذب أن الخنثي ييمم و لا يغسل. و لا وجه له مع تيسر تغسيل المحرم و لو مع التكرار، بناء علي جواز نظره له حين التغسيل. و كذا مع تيسر تغسيل غير المحرم من دون لزوم محذور، إما لعدم حرمة النظر و اللمس ظاهرا أو مع تجنبهما، و أما لو لزم المحذور فهو متجه، كما سيأتي إن شاء اللّه تعالي.

(1) أما مع كون المغسل هو المحرم فلا وجه له بناء علي ما سبق من الاكتفاء في تغسيله بستر العورة. بل و كذا بناء علي وجوب تغسيله من وراء الثياب، سواء كان ذلك لحرمة نظر المحرم لمحرمه بعد الموت- كما هو الظاهر، علي ما يتضح في فروع تغسيل أحد الزوجين للآخر- أم لشرطية الستر في التغسيل.

أما علي الأول فلأن حرمة نظر المحرم لمحرمه بعد الموت- لو تم- مختص بالمحرم غير المماثل، و كل من الصنفين لا يحرز ذلك في حق نفسه، فمقتضي أصالة البراءة جواز نظره إليه، فهما نظير واجدي المني في الثوب المشترك. و ما يأتي من الكلام في أن مقتضي الأصل الموضوعي بالنظر للآية الكريمة حرمة النظر مختص بغير المحرم، لاختصاص الآية به بعد استثناء المحارم فيها.

و أما علي الثاني فلأنه مع الجمع بين تغسيلي المحرم من الصنفين يعلم بتحقق

ص: 252

______________________________

الغسل الصحيح، و هو الغسل من المماثل الذي لا يعتبر فيه ستر الميت بلا إشكال.

و أما مع تغسيل غير المحرم فقد يوجه وجوب ستر الميت في حق كل من الصنفين بأصالة عدم كون الخنثي من صنف المغسل، لأن مقتضي حذف المتعلق في آيتي الأمر بالغض من البصر للرجال و النساء عموم من يجب الغض عنه للصنفين، و خروج المماثل من باب التخصيص لذلك العموم، و قد تحقق في محله من مباحث العموم و الخصوص أن الأصل الموضوعي المحرز لعدم عنوان الخاص كاف في إثبات حكم العام، فبأصالة عدم كون الخنثي رجلا من باب استصحاب العدم الأزلي يحرز الرجل حرمة نظره إليه، و بأصالة عدم كونه امرأة تحرز المرأة حرمة نظرها إليه.

و لا يمنع من ذلك العلم الإجمالي بكذب أحد الأصلين و مخالفة مؤداه للواقع، لاختصاص الأثر العملي لكل من الأصلين بأحد الصنفين، و لا أثر للأصل الآخر في حقه، كي يلزم مخالفتهما لمقتضي علم إجمالي منجز.

و يشكل بأن وضوح عدم إرادة عموم غض النظر عن كل شي ء ملزم بالاقتصار في متعلق الغض المقدر علي ما هو المتيقن و تقتضيه المناسبات الارتكازية و هو غير المماثل دون مطلق الإنسان، و لا سيما مع أن وضوح جواز النظر للمماثل من سنخ القرينة المتصلة المانعة من انعقاد الظهور في العموم.

لكن قال شيخنا الأعظم قدّس سرّه في أواخر مبحث القطع من فرائده: «عموم وجوب الغض عن المؤمنات إلّا عن نسائهن أو الرجال المذكورين في الآية يدل علي وجوب الغض عن الخنثي، و لذا حكم في جامع المقاصد بتحريم نظر الطائفتين لها، كتحريم نظرها إليهما. بل ادعي سبطه الاتفاق علي ذلك. فتأمل جدا».

و كأنه لأن استثناء نسائهن يناسب كون موضوع وجوب الغض علي النساء المقدر في الآية الشريفة هو مطلق الإنسان، لا خصوص الرجال، و مقتضي السياق و المقابلة كون ذلك هو المقدر في موضوع وجوب الغض علي الرجال أيضا، و يكون جواز نظر الرجل للرجل للإجماع المخصص للعموم المذكور، لا لقصور عنوان العام عنه، و يتم ما تقدم.

و فيه: أن الاستثناء المذكور انما هو من عموم النهي عن إبداء الزينة، لا من

ص: 253

______________________________

عموم الأمر بغض النظر الذي هو محل الكلام. و ليست وحدة السياق بالنحو الصالح للقرينية علي وحدة الموضوع المقدر و لا سيما بعد ما سبق من قضاء المناسبات الارتكازية باختصاص موضوع الأمر بالغض بغير المماثل أو كون وضوح جواز النظر للمماثل من سنخ القرينة المتصلة المانعة من انعقاد الظهور في العموم.

و أما الاتفاق المدعي فلم يثبت، لعدم شيوع تحرير المسألة، و احتمال ابتناء قول من ذهب لحرمة النظر للخنثي علي كلا الصنفين علي الاحتياط المتخيل لزومه بسبب العلم الإجمالي، مع الغفلة عن عدم منجزيته، و أن المورد نظير واجدي المني في الثوب المشترك.

بقي في المقام أمران:
الأول: أن وجوب تغسيل المحرم الخنثي من وراء الثياب الذي بني عليه جملة من الأصحاب يبتني علي ما تقدم في مطلق تغسيل المحارم.

و مما تقدم يظهر أنه يكفي فيه القميص و إن استلزم النظر لما زاد عليه. أما تغسيل غير المحرم له من وراء الثياب لو تم فهو يبتني علي حرمة النظر إليه، و مقتضاه كون الثياب بالنحو الساتر لجميع ما يحرم نظر الأجنبي إليه. كما أن مقتضي ذلك حرمة اللمس أيضا، بخلاف المحرم، حيث لا يحرم اللمس في حقه كما تقدم.

و من هنا فقد يتعذر التغسيل المذكور أو يكون حرجيا، فيلزم التزاحم بين حرمة النظر و اللمس و وجوب التغسيل، و مقتضي ذلك الانتقال للتيمم، بناء علي ما لعله الظاهر من الأدلة من أنه يكفي في مشروعيته لزوم أدني محذور شرعي أو عقلي من الطهارة المائية من دون نظر لأهميته. و ما يأتي من عدم التيمم مع تعذر تغسيل المماثل مختص بالتعذر الحقيقي، دون مثل المقام مما كان التعذر من جهة لزوم المحذور من الاحتياط، مع عدم لزوم المحذور من تغسيل المماثل الواقعي و إن كان مجهولا.

و ربما يبتني عليه ما تقدم عن ابن البراج في المهذب من لزوم التيمم، كما أشرنا إليه أنفا. لكن ذلك موقوف علي عدم لزوم المحذور من التيمم، و إلا كان التزاحم بين حرمة النظر و اللمس و مطلق الطهارة، و حيث لا يتضح الأهم منهما يتعين التخيير لكن لا يبعد لزوم الاقتصار علي التيمم لو اختار المكلف الطهارة، لأنه أخف محذورا. فلاحظ.

الثاني: ما تقدم يجري في كل مشتبه بين الصنفين و لا طريق لتعيينه،

كما أشرنا

ص: 254

(مسألة 19): إذا انحصر المماثل (1) بالكافر الكتابي (2)

______________________________

إليه في أول المسألة. و جريانه في الخنثي المشكل مبني علي كونه من صغريات ذلك.

أما بناء علي طريقية القرعة أو عدّ الأضلاع أو نحوها لتعيينه فلا إشكال في لزوم إجراء حكم الصنف الذي يقتضيه الطريق كما أنه بناء علي أنه صنف ثالث يكون مقتضي إطلاق أدلة شرح التغسيل جواز تغسيل كل من الصنفين له، لقصور إطلاق أدلة اعتبار المماثلة عنه بلا إشكال.

كما يكون مقتضي الأصل جواز نظر كل منهما إليه، لخروجه عن عموم أدلة حرمة النظر أيضا، بناء علي ما سبق من أن المتيقن من إطلاق الآية الشريفة وجوب الغض عن غير المماثل، إذ مرادنا به غير المماثل من خصوص الصنفين المعهودين، دون الصنف الثالث المفروض.

و الكلام في كلا الأمرين لا يسعه المقام، و قد تعرض الأصحاب له في مبحث الميراث. و مثل الخنثي في ذلك الممسوح و نحوه. فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم العاصم.

مسألة 19: إذا انحصر المماثل بالكافر الكتابي

(1) لا إشكال ظاهرا في اختصاص مورد الكلام في المسألة بصورة فقد أحد الزوجين و المحرم، و أن عدم تصريح بعضهم بذلك لوضوحه. و ذلك لاختصاص دليل تغسيل الكافر بصورة فقد المحرم، و لموثق عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنه سئل عن الرجل يموت في السفر و ليس معه رجل مسلم و معه رجال نصاري و معه عمته و خالته مسلمتان كيف يصنع في غسله؟ قال: تغسله عمته و خالته في قميصه، و لا تقربه النصاري. و عن المرأة تموت في السفر و ليس معها امرأة مسلمة و معها نساء نصاري و عمها و خالها معها مسلمان. قال: يغسلونها و لا تقربها النصرانية كما كانت تغسلها..» «1»، و حيث كان الزوجان في عرض المماثل المسلم و في رتبة سابقة علي المحرم تعين تقديمهما علي الكافر أيضا.

(2) أطلق الكافر في المقنعة و المبسوط و النهاية و المراسم و الوسيلة و الشرائع و التذكرة و المنتهي و الارشاد و القواعد و غيرها. و هو داخل في معقد دعوي الشهرة

______________________________

(1) الوسائل باب: 20 من ابواب غسل الميت حديث: 5.

ص: 255

أمره المسلم (1)

______________________________

في الدروس و الذكري و جامع المقاصد و الروض و الروضة بل و معقد دعوي الإجماع الآتية من التذكرة.

بل لم أعثر عاجلا علي من قيد بالكتابي عدا ما عن ابن سعيد و ما قد يستظهر من الكافي و الفقيه، حيث اقتصرا علي ذكر موثق عمار الآتي الوارد في النصراني.

و في حاشية المدارك للوحيد: «و علي تقدير تسليم العمل بالرواية فموردها أهل الذمة، لا أي كافر يكون، كما هو ظاهر عبارة المصنف. إلّا أن يتمسك بعدم القول بالفصل، أو عدم تعقل فرق بين من يقول بنجاسة الكل، و إن بناء المحقق و من وافقه علي أن الحكم في صورة لا يباشر الكافر الماء فأما النية فالحال في الكل واحد بأن الكافر من قبيل الآلة، فينوي الآمر، أو أنه لا يشترط في هذا الغسل النية، كما نقل عن السيد رحمه اللّه فتأمل».

لكن في الجواهر: «و لا ريب في ضعف ذلك كله، إذ عدم الوصول للفارق ليس وصولا للعدم فالمتجه حينئذ التقييد بالذمي … » و قريب منه ما ذكره الفقيه الهمداني. و هو متين. و التعدي عن مورد النص لدعوي فهم عدم الخصوصية عرفا في غير محله، حيث لا بعد في خصوصيته بالنظر إلي اختلاف بعض أحكامه شرعا عن بقية الكفار.

نعم، اللازم التخصيص بالكتابي الذي هو مورد النص، كما تقدم عن ابن سعيد و جري عليه الفقيه الهمداني و بعض من تأخر عنه. بل لا يبعد كونه مراد الوحيد و صاحب الجواهر، بحمل كلامهما علي من هو قابل للذمة. كما قد يحسن الاحتياط بالتعميم لمطلق الكافر. فلاحظ.

(1) كما في المقنعة و المبسوط و النهاية و الوسيلة و المراسم و المنتهي و التذكرة و القواعد و الإرشاد و غيرها. و هو داخل في معقد دعوي الشهرة في جامع المقاصد و الروض، و في معقد دعوي الإجماع الآتية من التذكرة. لكن تركه في الشرائع و اللمعة.

قال في كشف اللثام: «إذا كان المسلم أو المسلمة يصب الماء و ينوي لم يبق إشكال في الوجوب و الصحة … و يمكن أن يكون ما ذكروه من أمر المسلم أو المسلمة إشارة

ص: 256

أن يغتسل أولا (1)، ثم يغسل الميت (2).

______________________________

إليه، كما احتمل مثله الشهيد فقال: «الظاهر أنه لتحصيل هذا الفعل، لا أنه شرط، لخلو الرواية منه. و للأصل إلّا ان يقال: ذلك الأمر يجعل فعل الكافر صادرا عن المسلم، لأنه آلة له، و يكون المسلم بمثابة الفاعل. فيجب النية منه».

لكن حمل كلماتهم علي ذلك بعيد عن ظاهرها، و لا سيما و أنهم ذكروا ذلك أيضا بالإضافة إلي اغتسال الكافر نفسه قبل تغسيله الميت. فهو لو كان شرطا بنظرهم لكان شرطا تعبديا يدفعه اطلاق موثق عمار الآتي.

و من ثم لا يبعد حمل كلماتهم علي مجرد كون الأمر هو السبب المتعارف لصدور ذلك من الكافر، فلو صدر العمل منه بدونه صح، كما استظهره الشهيد أولا.

نعم، لا مجال لذلك في كلام الوسيلة، حيث خص ذلك بصورة وجود المسلم و صرح بأنه لو مات بين كفار لا مسلم فيهم دفن من غير غسل، حيث يظهر منه عدم مشروعية تغسيلهم من دون أمر المسلم لهم.

إلّا أن يدعي أن ذلك منه ليس لشرطية أمر المسلم في تغسيلهم، بل لشرطية حضوره و إن لم يأمر جمودا علي مورد الحديثين الآتيين. لكنه بعيد جدا، لإلغاء خصوصية المورد المذكور عرفا.

(1) كما في المقنعة و المبسوط و النهاية و التذكرة و المنتهي و القواعد و الإرشاد و غيرها، و هو داخل في معقد دعوي الشهرة في الذكري و جامع المقاصد و الروض و معقد دعوي الإجماع الآتي من التذكرة، معللا له فيها بالتعبد أو إزالة النجاسة الطارئة. و العمدة فيه موثق عمار الآتية الظاهر في الوجوب. و معه لا وجه لتركه في الوسيلة و المراسم و الشرائع و اللمعة.

(2) كما يظهر من الكليني و الصدوق حيث ذكرا موثق عمار الآتي، و به صرح في المقنعة و التهذيب و المبسوط و النهاية و المراسم و الوسيلة و الشرائع و التذكرة و المنتهي و القواعد و الارشاد و اللمعة و الروض و حكي في الذكري عن الصدوقين و ابن الجنيد و الصهرشتي و ابن سعيد، و في غيرها عن التحرير و نهاية الأحكام و البيان. و في الذكري و الدروس و جامع المقاصد و الروض و الروضة أنه المشهور، و في التذكرة أنه

ص: 257

______________________________

مذهب علمائنا، و في الذكري: «و لا أعلم فيه مخالفا سوي المحقق».

و يقتضيه موثق عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت: فإن مات رجل مسلم و ليس معه رجل مسلم و لا امرأة مسلمة من ذوي قرابته و معه رجال نصاري و نساء مسلمات ليس بينه و بينهن قرابة. قال: يغتسل النصاري ثم يغسلونه فقد اضطر. و عن المرأة المسلمة تموت و ليس معها امرأة مسلمة و لا رجل مسلم من ذوي قرابتها، و معها نصرانية و رجال مسلمون [ليس بينها و بينهم قرابة] قال: تغتسل النصرانية ثم تغسلها» «1».

و معتبر زيد بن علي- بناء علي ما تقدم في نظيره في وجوب الاستقبال بالمحتضر- عن آبائه عن علي عليهم السّلام قال: «أتي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم نفر فقالوا: ان امرأة توفيت معنا و ليس معها ذو محرم. فقال: كيف صنعتم؟ فقالوا: صببنا عليها الماء صبا. فقال: أو ما وجدتم امرأة من أهل الكتاب تغسلها؟ قالوا: لا. قال: أ فلا ييمموها.! [يممتموها. يب]» «2».

هذا، و لم يتعرض لذلك في المقنع و الهداية و الخلاف و إشارة السبق و الغنية و السرائر، و زاد في الذكري ابن أبي عقيل و الجعفي و القاضي في كتابيه، ثم قال:

«و للتوقف فيه مجال، لنجاسة الكافر في المشهور فكيف يفيد غيره الطهارة؟»، كما يظهر التوقف فيه من الدروس، حيث قال: «و المشهور جوازه من الكافر و الكافرة» و منعه في المعتبر، لضعف الرواية و تعذر النية». و من محكي الجامع حيث نسبه لرواية ضعيفة. كما صرح بالتوقف فيه في جامع المقاصد. و قرب عدم مشروعيته و الدفن من غير غسل في المعتبر، و تبعه الشهيد الثاني في ظاهر الروضة و محكي حواشيه علي القواعد و الأردبيلي في مجمعه و الوحيد في حاشيته علي المدارك و صاحب الحدائق، و في المدارك: «و الحق أنه متي ثبت نجاسة الذمي أو توقف الغسل علي النية تعين المصير إلي ما قاله في المعتبر، و إن نوزع فيهما أمكن إثبات هذا الحكم بالعمومات، لا بخصوص هذين الخبرين».

و يستفاد من هذه الكلمات و غيرها أن الحكم لما كان علي خلاف القاعدة بلحاظ شهرة القول بنجاسة الكافر المستلزمة غالبا لنجاسة بدن الميت و ماء التغسيل، و عدم صلوحه للنية المعتبرة في تغسيل الميت، فلا مجال لإثباته بالحديثين المتقدمين لوجوه:

______________________________

(1) الوسائل باب: 19 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 19 من أبواب غسل الميت حديث: 2.

ص: 258

______________________________

الأول: ما تكرر في كلام جملة منهم من ضعف الحديثين، حتي قال في المدارك:

«و هما ضعيفتا السند جدا». و قد علله في المعتبر بأن رجال سند الأول فطحية، و رجال سند الثاني زيدية.

و يندفع.. أولا: بما اشتهر و جري عليه بعض من تقدم منهم المحقق في مواضع من كلامه من عمل الطائفة مما يرويه الإمامي الثقة. و قد حققنا في محله أنه المتعين.

و ثانيا: بأن عمل من سبق من أعيان الأصحاب بالحديثين مع مخالفتهما للقاعدة كاف في جبر سندهما لو كانا ضعيفين. و لا يتضح ابتناء إهمال جملة ممن تقدم للحكم علي خلافهم فيه، بل لعله لعدم بنائهم علي استيفاء فروع التغسيل، لإهمالهم فروعا أخري، كما يظهر بمراجعة كلماتهم.

الثاني: ما ذكره في الحدائق و حاشية المدارك من غيرهما من أن النصوص في نجاسة أهل الكتاب و طهارتهم مختلفة. و هذه من جملة نصوص الطهارة، و حيث يبني علي تقديم نصوص النجاسة بتعيين طرح هذين الحديثين في جملة نصوص الطهارة بالمعارضة.

و فيه: أنه لو سلم تقديم نصوص نجاسة الكافر فدلالة هذين الحديثين علي طهارة أهل الكتاب مبني علي عموم طهارة الماء في تغسيل الميت، و لا مانع من رفع اليد عن ذلك في المقام بالحديثين المتقدمين بعد ظهور العمل بهما من القائل بنجاسة الكافر و القائل بطهارته، كما اعترف به في الحدائق و يقتضيه ملاحظة من سبق منه العمل بهما، فلا يعتبر طهارة الماء من هذه الجهة في هذا التغسيل، و لا سيما مع ما تضمنه موثق عمار من التعليل بالاضطرار، فإنه ظاهر في ابتناء الغسل هنا علي مخالفة بعض الشروط الأولية من جهة الضرورة، و يكون كالحاكم علي عمومات أحكامه الأولية.

غاية الأمر أن يكون الحديثان بعد فرض العمل بهما موجبين لقوة الظن بطهارة أهل الكتاب، و ليس هو بحيث يمنع من الجمع بين العمل بهما في المقام و تقديم نصوص نجاسة الكافر لو اقتضته القاعدة.

و من الغريب ما في حاشية المدارك من حمل الحديثين لأجل ذلك علي التقية، لذهاب العامة لطهارة أهل الكتاب، مع أن المحكي عن المشهور عندهم عدم صحة تغسيلهم للميت، لأنه عبادة تفتقر للنية، حتي اقتصر في المنتهي علي حكاية القول

ص: 259

______________________________

بجواز تغسيله عن سفيان الثوري، و في التذكرة علي حكايته عن مكحول.

و أما دعوي: منع استلزام التغسيل للمباشرة الموجبة للانفعال، أو إمكان استمرار صب الماء بعد المباشرة بنحو يتحقق التطهير ثم التغسيل. فهي كما تري، لأن مجرد إمكان تجنب انفعال ماء التغسيل و بدن الميت إنما يندفع به الإشكال مع صلوحه للقرينية علي حمل النص عليه، و لا إشكال في عدم صلوحه لذلك بعد احتياجه لعناية زائدة في مقام العمل مغفول عنها، فعدم التنبيه عليها في النص و الفتوي مستلزم لظهورهما في عدم اعتبار ذلك.

نعم، قد يدعي أن رفع اليد عن عموم شرطية الطهارة في ماء التغسيل ليس بأولي من رفع اليد عن انفعال الماء و بدن الميت بملاقاة الكافر في المقام لو لم يكن الثاني أولي بسبب كون نجاسة الكافر تعبدية، و اعتبار الطهارة في ماء التغسيل ارتكازية. فتأمل.

الثالث: فقده للنية، لعدم تأتي النية من الكافر، لعدم اعتقاده المشروعية، و لعدم الاعتداد بنية الكافر، كما في سائر العبادات لعدم صلاحية الكافر للتقرب. و أما ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من أن محل الكلام صورة تأتي النية من الكافر إما لغفلته عن اعتقاده، أو لرجاء المطلوبية، و أن عدم صلاحية الكافر للتقرب ليس مستفادا من أدلة عقلية لا تقبل التخصيص، بل من أدلة لفظية و لبية قابلة له.

فهو كما تري، لأن ما يتحقق من الكافر هو القصد للغسل المشروع عند المسلمين، و هو غير كاف في التغسيل، بل لا بد معه من نية التقرب، و لا يظهر من النص و الفتوي فرض حصولها من الكافر، بل ظاهرهما عدم اعتباره.

و دعوي: أن فرضهم وقوع الغسل منه ظاهر في فرض وقوعه بتمام شروطه، و منها نية القربة.

مدفوعة: بأن وضوح عدم تأتي النية المذكورة من الكافر بمقتضي طبعه، و ابتناء وقوعها منه بالوجه الذي ذكره قدّس سرّه علي عناية مغفول عنها كاف في القرينية علي عدم فرض وقوعها، بل فرض عدمه.

و منه يظهر ضعف ما في المنتهي من أهلية الكافر للنية، إذ أهليته لها- لو تمت، كما قيل في مثل العتق- لا يقتضي تحققها في المقام بعد ما ذكرنا.

ص: 260

______________________________

و مثله ما قد يدعي من تحقق النية من المسلم الأمر، و أن الكافر بمنزلة الآلة، كما تقدم من الشهيد. لاندفاعه بعدم تضمن النص الأمر المذكور، كما تقدم، و عدم كفايته في النية بعد استقلال الكافر بالاختيار، حيث لا يكون معه من سنخ الآلة.

و أشكل من ذلك ما تقدم من كشف اللثام من عدم الإشكال في الصحة و الوجوب مع تولي المسلم الصب و النية. لرجوعه إلي كون المغسل هو المسلم غير المماثل، و ليس من الكافر إلّا تقليب الميت أو نحوه من مقدمات التغسيل، و هو مما يأباه النص جدا، كيف و معه لا حاجة إلي الكافر، إذ لا محذور في إعانة غير المماثل في مقدمات التغسيل، و إنما الممنوع منه قيامه بالتغسيل المفروض حصوله.

فالعمدة في الجواب: أن اعتبار النية في غسل الميت ليس مقتضي قاعدة عقلية غير قابلة للتخصيص، بل هو مقتضي قاعدة الاشتغال- كما تقدم- و هي لا تنهض هنا في قبال النص المعتبر. بل لو تم الاستدلال عليها ببعض الوجوه المتقدمة هناك، كالإجماع و الارتكازيات لم تجر في المقام مع ما تضمنه موثق عمار من التعليل بالاضطرار الظاهر في فقد الغسل لبعض ما يعتبر في غسل الميت، و مع ظهور شهرة العمل بمضمونه بين الأصحاب.

فالوجه المذكور أشبه بالاجتهاد في قبال النص، كما ذكره غير واحد. بل الاهتمام به من المحقق في المعتبر لا يناسب تردده في أصل اعتبار النية في غسل الميت، كما تقدم قفي موضعه.

و بالجملة: لا مجال للخروج بالوجوه المتقدمة عن الحديثين بعد اعتبار سندهما، و وضوح دلالتهما، و اعتماد الأصحاب عليهما.

نعم، قد يدعي أن الغسل المذكور ليس غسلا حقيقيا شرعيا، بل صوريا، كما صرح به في جامع المقاصد و الروض و استقر به في الجواهر، و يناسبه ما في التذكرة و الإيضاح من عدم حصول الطهارة به، و ما عن الذكري من عدم حصول الطهارة الحقيقية به.

و قد يوجه.. تارة: بما في الجواهر من مناسبة ذلك لفقده للنية المعتبرة في التغسيل.

و أخري: بما في الروض من نجاسة الكافر، فلا يفيد غسله تطهيرا.

ص: 261

______________________________

و لا يخفي أن ذلك لا يناسب النص و الفتوي، لظهورهما في كون ذلك هو التغسيل المشروع في هذا الحال لتطهير الميت و إن كان اضطراريا، حتي تضمن معتبر زيد تقديمه علي صب غير المماثل الماء.

و ما في الجواهر من ظهور أخبار الباب و كلمات الأصحاب في أن ذلك من الأغسال الاضطرارية الصورية. كما تري، لأن مجرد كونه اضطراريا لا يستلزم كونه صوريا غير مفيد للطهارة. كما لا يستلزمه خلوه عن النية، لما تقدم من أن اعتبارها في غسل الميت ليس مقتضي قاعدة عقلية غير قابلة للتخصيص.

و أما نجاسة الكافر الخبثية- لو تمت- و استلزامها انفعال الماء و بدن الميت- لو تم أيضا و غض النظر عن الاحتمال المتقدم- فهما لا يصلحان للقرينية علي عدم مطهرية الغسل الصادر منه من حدث الموت، لعدم السنخية كي يدعي منافاته لقاعدة أن فاقد الشي ء لا يعطيه الارتكازية، بل سبق أن اعتبار طهارة الماء في الغسل مقتضي أدلة تعبدية يمكن رفع اليد عنها بالحديثين.

و أما الطهارة من النجاسة الخبثية المستندة للموت، فإن قيل بأنها متفرعة علي مطهرية الغسل من الحدث، و أنها أثر لطهارة الميت من الحدث، لا للغسل مباشرة، فالمتعين ترتبها، لتحقق سببها.

و إن قيل بأنها مترتبة علي الغسل رأسا في عرض الطهارة من الحدث فقد يمنع من ترتبها، لقاعدة أن فاقد الشي ء لا يعطيه، لأن ارتكازيتها تصلح للقرينية في المقام.

لكنه لا يخلو عن إشكال، لقوة ظهور الحديثين في كون الغسل المذكور من أفراد غسل الميت ذي الآثار المعهودة، غاية ما يلتزم به هو نجاسة بدن الميت العرضية بسبب ملاقاة الكافر و تنجس الماء به، مع طهارته من النجاسة المسببة عن الموت بسبب الغسل، لأن التفكيك بين النجاستين ليس عزيزا.

بل لا يتضح منافاته لقاعدة أن فاقد الشي ء لا يعطيه، لقوة احتمال اختلاف سنخ النجاستين، مع كون طهارة عين الميت بالغسل تعبدية غير ارتكازية و لا عرفية، لأن التطهير العرفي إنما يكون لظاهر الجسم عن النجاسة العرضية بغسله. فتأمل.

و مثله في الإشكال ما في جامع المقاصد و الروض و الجواهر من أن مقتضي

ص: 262

و المغسل هو الذي يتولي النية (1) علي إشكال. و الأحوط استحبابا نية

______________________________

تكليف الكافر بالفروع تكليفه في المقام بأن يسلم و يغسل الميت التغسيل الحقيقي التام، لأنه مقدور له و الاجتزاء بغسله حال كفره و امتناعه عن الإسلام لا يستلزم إجزاءه في حقه بحيث لا يعاقب علي الغسل الحقيقي التام، بل في المقام أمران، الأمر بالغسل الحقيقي، و الأمر بالغسل الاضطراري المذكور عند عصيان التكليف بالغسل الحقيقي من دون أن يكون غسلا حقيقيا، و لا قائما مقامه.

وجه الإشكال فيه: أن عدم إجزائه عن الكافر لا يستلزم كونه غسلا صوريا مباينا لغسل الميت، بل يكفي كونه غسلا ناقصا اضطراريا، مع إمكان تدارك النقص بالغسل التام، و إن كان الغسل الناقص غسلا حقيقيا تترتب عليه الطهارة الاضطرارية.

كما تترتب علي التيمم في فرض منع بعض المكلفين من استعمال الماء المباح في التغسيل، حيث يشرع التيمم في حق الآخرين الذين يتعذر عليهم التغسيل و إن لم يجز في حقه بنحو يسقط العقاب عنه.

و بالجملة: لا مجال للخروج عن ظاهر الحديثين من كون الغسل المذكور حقيقيا مطهرا تترتب عليه سائر أحكام الغسل و إن كان اضطراريا. و يترتب علي ذلك عدم وجوب الغسل بمس الميت بعده، عملا بإطلاق ما تضمن عدم وجوب الغسل بمس الميت بعد تغسيله، خلافا لما صرح به في القواعد و جامع المقاصد و الروض و عن غيرها. و استوجهه في الجواهر من وجوب الغسل بمسه بعده، بناء منهم علي عدم كونه غسلا حقيقيا.

(1) لما تقدم من عدم كونه من سنخ الآلة بعد استقلاله بالاختيار، و نية الآمر تحتاج إلي عناية مغفول عنها، فعدم التنبيه في موثق عمار الوارد في مقام بيان الوظيفة للأمر و لها مستلزم لظهوره في عدم اعتبارهما. و دعوي: غلبة حصول الأمر، فعدم التنبيه في الموثق له لا يوجب ظهوره في عدم اعتباره.

مدفوعة: بأن الغالب حصوله لإحداث الداعي للكافر نحو التغسيل، لا لشرطية فيه، فضلا عن شرطية نية الأمر، فعدم التنبيه في الموثق للشرطية المذكورة ظاهر في عدمها.

ص: 263

كل من الآمر و المغسل (1). و إذا أمكن التغسيل بالماء المعتصم- كالكر و الجاري- تعين ذلك حينئذ (2)، إلا إذا أمكن أن لا يمس الماء و لا بدن الميت، يتخير حينئذ بينهما (3). و إذا أمكن المخالف قدم علي الكتابي (4).

______________________________

و مما تقدم يظهر ان النية المعتبرة هي نية التغسيل المشروع عند المسلمين، لأنها هي الميسورة من الكافر، دون نية التقرب به، و إنما تعتبر نية التقرب لو كانت النية من الآمر.

(1) مراعاة للاحتمال المتقدم من كشف اللثام و محكي الذكري و غيرهما. بل جزم السيد الطباطبائي في العروة الوثقي و بعض من تأخر عنه باعتبار نية الآمر. و مما تقدم يظهر ضعفه جدا.

(2) كما نبه له في العروة الوثقي، عملا بمقتضي القاعدة من تجنب نجاسة الماء و بدن الميت، بناء علي لزومهما من ملاقاة الكافر. و لا ينافيه عدم التنبيه له في الحديثين، لندرة تيسر ذلك، كما نبه له سيدنا المصنف قدّس سرّه. و لا سيما مع التعليل في موثق عمار بالاضطرار، لما هو المعلوم من أن الضرورة تقدر بقدرها.

(3) لاشتراكهما في تجنب المحذور المذكور.

(4) كما في العروة الوثقي. و قال سيدنا المصنف قدّس سرّه: «للقطع بالأولوية، و إن كان الدليل قاصرا عنه». و هو في محله، و إن قال في الجواهر: «بل لا يبعد عدم إلحاق المخالف بهم، فضلا عن غيره. فتأمل».

بل قد يدعي أن شيوع الابتلاء بتغسيل المخالفين في الصدر الأول بسبب قلة أهل الحق و تخفيهم و اختلاطهم بالمخالفين موجب للاطمئنان بالاكتفاء بتغسيلهم اختيارا، إذ لو كان البناء علي الاقتصار فيه علي مورد الضرورة و التقية لكثر السؤال عنه و عن فروعه في النصوص، و لعله لذا قال في محكي البيان: «الأقرب الإجزاء» و في جامع المقاصد: «و هو حسن إن غسله غسل أهل الإيمان، و إلا فلا». و إن كان الأمر غير خال عن الإشكال.

و كيف كان، فحيث يتيسر منهم نية القربة يتعين البناء علي اعتبارها، عملا بالقاعدة.

ص: 264

و الأحوط وجوبا أمره بالغسل أيضا (1) ثم يغسل الميت. و إذا أمكن المماثل بعد ذلك أعاد التغسيل (2).

______________________________

(1) جزم في العروة الوثقي بعدم الحاجة لاغتساله، و أقره علي ذلك غير واحد من محشيها. و قال سيدنا المصنف قدّس سرّه في توجيهه: «لظهور دليل الاغتسال في كونه من جهة النجاسة غير الحاصلة في المخالف. و احتمال كونه من جهة احتمال النجاسة العرضية الموجودة في المخالف لا يساعده لفظ الاغتسال. لكن من الجائز أن يكون من جهة الجنابة الحاصلة فيه، بل هو أقرب، لأن الغسل من روافع الحدث لا الخبث.

مع أن القطع بالأولوية بدون الاغتسال غير حاصل».

اللهم إلا أن يقال: لا محذور في تغسيل المخالف إلّا عدم الاعتداد بنيته، و هو في الكافر أشد، فما دل علي اغتفار ذلك فيه عند الضرورة يدل علي اغتفاره في المخالف، لفهم عدم الخصوصية، بل للأولوية، كما تقدم، و وجوب الاغتسال لما كان مختصا بالكافر فلا وجه للتعدي منه للمخالف بعد عدم دخله في المحذور المذكور ارتكازا، و إنما يحتمل دخله في جهات أخر لا يعلم وجودها فيه. فتأمل.

(2) كما في التذكرة و الإيضاح و جامع المقاصد و الروض و محكي نهاية الأحكام و الذكري و البيان و غيرها، و في الجواهر: «لم أجد فيه خلافا بين من تعرض له».

نعم، استشكل فيه في القواعد و محكي التحرير. و العمدة في وجوب الإعادة أن مقتضي ما تقدم و ظاهر موثق عمار كون الغسل المذكور ناقصا قد شرع لمكان الضرورة، و قد ذكرنا غير مرة أن قرينة النقص و الاضطرار تقتضي اعتبار تعذر العمل التام في تمام الوقت، و مقتضاه عدم المبادرة إلّا مع اليأس من القدرة عليه في تمام الوقت، فمع تيسر العمل التام ينكشف عدم مشروعية العمل الاضطراري الناقص حين وقوعه، لعدم تحقق موضوعه من أول الأمر.

و بهذا يظهر الفرق بين الفرض و ما لو غسل الميت المحرم ثم تهيأ المماثل أو أحد الزوجين، بناء علي اشتراط تغسيل المحرم بفقدهما، لعدم ظهور الأدلة في نقص غسل المحرم، بل غايته تقديم غيره عليه لأولويته بالمباشرة، و حيث كان مقتضي إطلاق الأدلة مشروعية تغسيل المحرم بمجرد عدم حضور المماثل أو أحد الزوجين بالوجه

ص: 265

(مسألة 20): إذا لم يوجد المماثل حتي المخالف و الكتابي (1) سقط الغسل (2). لكن الأحوط استحبابا تغسيل غير المماثل من

______________________________

المتعارف تعين الاجتزاء بتغسيله حتي مع اتفاق حضورهما بعد ذلك. فتأمل.

نعم، لا يتم الوجه الذي ذكرنا لو تيسر تغسيل المماثل المسلم أو نحوه في الفرض بعد مضي زمان وجوب الدفن لتغير الميت و نحوه. و حينئذ يشكل وجوب الإعادة.

فلاحظ. هذا. و أما ما تقدم من غير واحد من عدم كون تغسيل الكافر تغسيلا حقيقيا و عدم حصول الطهارة به. فهو- مع عدم تماميته، كما تقدم- لا يكفي في وجوب الإعادة، لأن مقتضي إطلاق دليل بدليته عن الغسل الحقيقي إجزاؤه عنه.

نعم، لو تم ما تقدم منهم أخيرا من عدم بدليته عن الغسل التام، و إنما هو تكليف آخر عند تعذر امتثاله من دون أن يسقطه يتعين الإتيان بالغسل التام عند القدرة عليه بعد فرض عدم سقوطه لا بالامتثال، و لا ببدله.

مسألة 20: إذا لم يوجد المماثل حتي المخالف و الكتابي سقط الغسل

(1) يعني: في فرض فقد الزوج أو الزوجة و فقد المحرم.

(2) كما هو المعروف بين الأصحاب، و في الجواهر: «علي المشهور بين الأصحاب شهرة كادت تكون إجماعا». و نسبه في المعتبر للرواية المشهورة، و في التذكرة لعلمائنا.

و قال في الخلاف: «إذا ماتت امرأة بين رجال لا نساء معهم و لا زوجها و لا أحد من ذوي أرحامها دفنت بغير غسل و لا تيمم … دليلنا: الأخبار المروية عن الأئمة عليهم السّلام في هذا المعني و إجماعهم عليها. و قد بينا القول في الرواية الشاذة في الكتابين المقدم ذكرهما».

و أراد بالأخبار ما تقدم التعرض له في أول المسألة السابعة عشرة من النصوص الكثيرة التي تقدم الاستدلال بها لاعتبار المماثلة في الجملة المتضمنة دفن الميت من غير تغسيل، لأن مواردها صورة الضرورة بفقد المماثل و المحرم و الزوج. فلتلحظ.

و أما معتبر أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: لا يغسل الرجل المرأة إلّا أن لا توجد امرأة» «1». فهو إنما يدل علي جواز تغسيل الرجل المرأة عند فقد المرأة في الجملة لا مطلقا، لأن نقيض السلب الكلي الايجاب الجزئي. و من ثم سبق حمله علي المحرم.

______________________________

(1) الوسائل باب: 20 من ابواب غسل الميت حديث: 10.

ص: 266

وراء الثياب (1)،

______________________________

و لو فرض إطلاقه تعين رفع اليد عنه بالنصوص السابقة، فيقيد بها أو يحمل علي مجرد المشروعية، نظير حمل النصوص الآتية علي الاستحباب.

(1) فقد صرح بوجوبه في شرح كلام المقنعة من التهذيب، و حكي عن ظاهر الحلبي، و عن المفاتيح في الرجل، و يظهر من التهذيب أنه عليه ينزل ما في المقنعة من الأمر بتغسيل النساء الصبي المتجاوز خمس سنين بثيابه و تغسيل النساء الصبية المتجاوزة ثلاث سنين بثيابها عند فقد المماثل، و جعله في الغنية و كشف اللثام الأحوط، و عن البيان أنه لا بأس به.

و يقتضيه صحيح عبد اللّه بن سنان: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: المرأة إذا ماتت مع الرجال فلم يجدوا امرأة تغسلها غسلها بعض الرجال من وراء الثوب.

و يستحب أن يلف علي يديه [يده] خرقة» «1»، و خبر جابر عن أبي جعفر عليه السّلام: «في رجل مات و معه نسوة ليس معهن رجل. قال: يصببن عليه الماء من خلف الثوب و يلففنه في أكفانه من تحت الصدر … و المرأة تموت مع الرجال ليس معهن امرأة. قال:

يصبون الماء من خلف الثوب و يلففونها في أكفانها … » «2». و غيرهما مما يأتي.

لكن يتعين حملها علي الاستحباب- كما في الاستبصار و زيادات التهذيب- بقرينة النصوص الأول الصريحة في عدم وجوب التغسيل. و حمل تلك النصوص علي فرض كونه عريانا- كما في شرح كلام المقنعة من التهذيب- بعيد جدا، بل مخالف لما صرح به في بعضها من دفنه بثيابه. و مثله حمل هذه النصوص علي المحرم، فلا يبقي الاستحباب في غيره دليل. فإن ما ذكرنا أقرب منه عرفا.

بل صريح بعض هذه النصوص صورة فقد المحرم. كما يأتي، فالمتعين الاستحباب، كما يناسبه أو يدل عليه صحيح داود بن فرقد قال: «مضي صاحب لنا يسأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن [سمعت صاحبا لنا يسأل أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول] المرأة تموت مع الرجال ليس فيهم ذو محرم هل يغسلونها و عليها ثيابها؟ فقال: إذا يدخل ذلك عليهم، و لكن يغسلون كفيها» «3». لظهوره في أن عدم التغسيل ليس لعدم

______________________________

(1) الوسائل باب: 22 من ابواب غسل الميت حديث: 9.

(2) الوسائل باب: 22 من ابواب غسل الميت حديث: 5.

(3) الوسائل باب: 22 من ابواب غسل الميت حديث: 2.

ص: 267

______________________________

المشروعية، بل للتسهيل و التخفيف، لصعوبة التغسيل بالوجه المذكور، حيث يراد بالثياب ما يستر تمام ما يحرم النظر إليه.

و ما في المستند من حمله علي العيب، لأن الدخل بالتحريك العيب، كما في مجمع البحرين، فيكون صريحا في عدم الاستحباب. كما تري، لعدم وضوح كون الدخل بالتحريك مما يصاغ منه الفعل الماضي- خلافا لما يظهر من مجمع البحرين- بل الظاهر أن المراد بالفعل في الصحيح ما يصاغ من الدخول، و يكون كناية عن الضيق و الحرج.

و لو سلم فهو يدل علي أن سقوط التغسيل دفعا لعيب الناس و نحوه مما هو من سنخ المزاحم الذي لا ينافي رجحانه ذاتا. فلاحظ.

و أما ما في الجواهر من الإشكال في استحباب التغسيل للنهي صريحا في بعض النصوص، و الأمر بدفنها كما هي بثيابها في آخر. مضافا إلي ظهور كثير من كلمات الأصحاب في الحرمة، فلعل الأحوط الترك حينئذ. انتهي.

فهو مدفوع بقرب النهي و نحوه علي كونه واردا لدفع توهم الوجوب. و ظهور بعض كلمات الأصحاب في الحرمة- لو تم و لم تحمل علي ما حملت عليه النصوص- ليس بنحو ينهض بالخروج عن مقتضي الجمع بين الأدلة، و لا سيما مع ما تقدم من جماعة. علي أن الحرمة لو تمت تشريعية لا يمنع احتمالها من الاحتياط بالتغسيل.

و أما ما ذكره أيضا من استلزامه التنجيس الذي لم يثبت العفو عنه هنا. فيدفعه أنه تكفي النصوص المتقدمة في إثبات العفو عنه. علي أنه لم يتضح لدليل مانعية النجاسة إطلاق يشمل مثل النجاسة بملاقاة بدن الميت، كيف و لازمه وجوب تبديل ثياب الميت- مع القدرة- لو عرق فيها قبل موته، لتنجسها بملاقاته بعد الموت.

و من هنا لا مجال لما تقدم منه من جعل ترك التغسيل أحوط، و إن سبقه في المبسوط، بل قد يظهر منه عدم جوازه.

ثم إن نظير الجمع المذكور يجري في غير التغسيل مما تضمنته النصوص، كغسل الكفين الذي تقدم في صحيح داود، و نحوه خبر جابر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سئل عن المرأة تموت و ليس معها محرم. قال: يغسل كفيها» «1».

______________________________

(1) الوسائل باب: 22 من أبواب غسل الميت حديث: 8.

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، مصباح المنهاج - كتاب الطهارة، 6 جلد، مؤسسة المنار، قم - ايران، ه ق مصباح المنهاج - كتاب الطهارة؛ ج 6، ص: 269

ص: 268

______________________________

و غسل موضع التيمم من المرأة الذي تضمنه صحيح المفضل بن عمر: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: جعلت فداك ما تقول في المرأة تكون في السفر مع الرجال ليس فيهم لها ذو محرم و لا معهم امرأة فتموت المرأة ما يصنع بها؟ قال: يغسل منها ما أوجب اللّه عليه التيمم و لا تمس و لا يكشف لها شي ء من محاسنها التي أمر اللّه بسترها.

قلت: فكيف يصنع بها؟ قال: يغسل بطن كفيها ثم يغسل وجهها ثم يغسل ظهر كفيها» «1». و قد صرح في التهذيب و النهاية بجواز العمل به. و ما في المبسوط من أن تركه أحوط غير ظاهر، إلا أن يوجه بما يأتي في التيمم و يأتي دفعه.

و مثلهما غسل موضع الوضوء منها الذي تضمنه موثق أبي بصير: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة ماتت في سفر و ليس معها نساء و لا ذو محرم. فقال: يغسل منها موضع الوضوء و يصلي عليها و تدفن» «2». و كذا التيمم الذي تضمنه معتبر زيد ابن علي المتقدم في تغسيل الكافر للمسلم و فيه: «فقالوا: صببنا عليها الماء صبا.. فقال:

أ فلا يمموها؟.» «3». لكن في المبسوط أن الأحوط تركه، بل قد يظهر منه عدم جوازه، كما هو صريح المعتبر و ظاهر التذكرة، مدعيا عليه فيها الإجماع. و قد استدل فيهما باستلزامه النظر المحرم و إن كان دون النظر اللازم من الغسل.

و فيه: أنه لم يتضح حرمة النظر للوجه و الكفين، بل لا يبعد جوازه، كما تناسبه بعض نصوص المقام و غيرها. و الكلام فيه موكول لمحل آخر. علي أنه لو كان محرما في نفسه كفت النصوص المتقدمة في إثبات العفو عنه في المقام.

و دعوي: وهنها بهجر الأصحاب، حيث لم يتعرضوا لما عدا التغسيل مما تضمنته هذه النصوص.

مدفوعة: بأن إهمالهم لبيان المستحب لا يكشف غالبا عن هجر دليله بنحو يسقطه عن الحجية إذا كان واجدا لموضوعها.

نعم، لا إشكال ظاهرا في عدم وجوب الأمور المذكورة، كما صرح به بعضهم، و تقدم من الخلاف. و التذكرة دعوي الإجماع علي عدم وجوب التيمم، كما ادعي في المستند الإجماع علي عدم وجوب ما عدا التغسيل مما تقدم. و يقتضيه السكوت عنها في

______________________________

(1) الوسائل باب: 22 من ابواب غسل الميت حديث: 9.

(2) الوسائل باب: 22 من ابواب غسل الميت حديث: 5.

(3) الوسائل باب: 22 من أبواب غسل الميت حديث: 4.

ص: 269

من غير لمس و نظر (1)،

______________________________

النصوص النافية للتغسيل و الآمرة بدفن الميت بثيابه مع شدة الحاجة للبيان لو كانت واجبة. و مثله إهمال الأصحاب للتعرض له.

ثم إن مقتضي نصوص التغسيل من وراء الثياب أولويته من التيمم، و مقتضي معتبر زيد العكس، و لا يبعد ترجيح نصوص التغسيل. فتأمل.

كما لا إشكال ظاهرا في أن التغسيل أفضل من الاقتصار علي غسل مواضع الوضوء، و هو أفضل من الاقتصار علي غسل مواضع التيمم، و هو أفضل من الاقتصار علي غسل الكفين، لأن ذلك هو مقتضي الجمع العرفي بين نصوص الكل.

هذا كله في المرأة.

أما الرجل فلم يرد فيه شي ء مما تقدم عدا التغسيل من وراء الثياب في الجملة، فالبناء علي استحباب بقية الأمور فيه موقوف علي إلغاء خصوصية المرأة في نصوصها، و هو يحتاج إلي لطف قريحة.

(1) فقد صرح في التهذيب بعدم جواز مس النساء الرجل حين التغسيل، و في الغنية و عن الحلبي الأمر بتغميض العينين.

و الظاهر عدم الإشكال في حرمة النظر و اللمس في الجملة، و أنه الحكمة في سقوط التغسيل، بل صرح به في الجملة في بعض النصوص، فقد تقدم في صحيح ابن سنان أنه يستحب أن يلف الرجل علي يده خرقة، و هو محمول علي الوجوب في فرض لزوم المس بدونه، بقرينة النهي عن المس في صحيح المفضل بن عمر المتقدم.

و في معتبر زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه السّلام: «قال: إذا مات الرجل في السفر مع النساء ليس فيهن امرأته و لا ذو محرم من نسائه. قال: يوزرنه إلي ركبتيه و يصببن عليه الماء صبا و لا ينظرن الي عورته، و لا يلمسنه بأيديهن و يطهرنه» «1»، و في خبر أبي سعيد: «يحل لهن أن يمسسن منه ما كان يحل لهن أن ينظرن منه إليه و هو حي، فإذا بلغن الموضع الذي لا يحل لهن النظر إليه و لا مسه و هو حي صببن الماء عليه صبا» «2».

و لعل الاختلاف بين الرجل و المرأة في هذه النصوص للاختلاف بينهما في مقدار ما

______________________________

(1) الوسائل باب: 22 من أبواب غسل الميت حديث: 13.

(2) الوسائل باب: 22 من أبواب غسل الميت حديث: 10.

ص: 270

ثم ينشف بدنه بعد التغسيل قبل التكفين (1).

(مسألة 21): إذا دفن الميت بلا تغسيل عمدا أو خطأ جاز بل وجب نبشه لتغسيله (2) أو تيممه (3). و كذا إذا ترك بعض الأغسال و لو سهوا أو تبين بطلانها أو بطلان بعضها (4). كل ذلك إذا لم يلزم محذور من هتكه

______________________________

يجوز النظر إليه لغير المماثل. و للكلام في ذلك مقام آخر. فلاحظ.

(1) كما في العروة الوثقي. و كأنه لتجنب محذور تنجس الكفن او الثياب بماء الغسل الذي تقدم من الجواهر. و يظهر ضعفه مما تقدم. بل لا مجال لحمل النصوص المتقدمة عليه، لاحتياجه إلي عناية مغفول عنها، و لا سيما مع ظهور نصوص سقوط التغسيل في الدفن بالثياب، فعدم التنبيه في النصوص عليه موجب لظهورها في عدمه.

نعم، يأتي في المسألة الخامسة و العشرين استحباب تنشيف الميت بعد التغسيل مطلقا، و لا بأس بالبناء عليه هنا لو لم يلزم منه محذور النظر و اللمس المحرمين اللذين لا يبعد كون حكمة سقوط التغسيل تجنبهما، و لذا أمر في بعض نصوصه بالدفن بالثياب الظاهر في كون التكفين فوقها، بل لا يبعد الاجتزاء بها عن بعض قطع الكفن. فإن ذلك لا يجتمع مع التنشيف، كما لعله ظاهر.

مسألة 21: إذا دفن الميت بلا تغسيل عمدا أو خطأ جاز بل وجب نبشه لتغسيله أو تيممه

(2) كما في المنتهي. لإطلاق وجوب التغسيل، خلافا للخلاف، حيث صرح بعدم جواز النبش سواء قرب العهد أم بعد، مستدلا بعموم أخبار حرمة النبش.

و وافقه في المعتبر و التذكرة لدعوي أن النبش مثله، و لا يستدرك الغسل بالمثلة.

و الثاني: ظاهر المنع. و يشكل الأول بعدم وضوح المراد بالأخبار المذكورة، بل لا إطلاق لدليل حرمة النبش يشمل الفرض، ليعارض إطلاق وجوب التغسيل، فضلا عن أن يتقدم عليه. و قد تقدم في الفرع الثالث من فروع تعذر الخليطين في ذيل المسألة الثامنة ما ينفع في المقام.

(3) إما لكون التيمم هو الوظيفة قبل الدفن أو لانقلاب الوظيفة إليه بعده.

كل ذلك لإطلاق دليله.

(4) لوجوب التغسيل التام، فيجري فيه ما سبق.

ص: 271

أو الإضرار ببدنه (1).

(مسألة 22): إذا مات الميت محدثا بالأكبر كالجنابة أو الحيض لا يجب تغسيله إلا غسل ميت (2) فقط.

______________________________

(1) كما نبه له في الجملة في المنتهي. لما تقدم في ذيل المسألة الثامنة في الفرع الثالث من فروع تعذر الخليطين من عدم جواز تعريض الميت لذلك.

مسألة 22: إذا مات الميت محدثا بالأكبر كالجنابة أو الحيض لا يجب تغسيله إلا غسل ميت فقط

(2) كما صرح به غير واحد، و في المعتبر: أنه قول أكثر أهل العلم، و في التذكرة:

«و هو قول من يحفظ عنه العلم من علماء الأمصار» كما ادعي في المنتهي الإجماع عليه ممن عدا الحسن. و يقتضيه مضافا إلي ذلك، لامتناع خطأ الإجماع في مثل هذا الحكم الذي يشيع الابتلاء به عادة- النصوص الكثيرة المتضمنة للاكتفاء بغسل الميت، كصحيح زرارة: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام: ميت مات و هو جنب كيف يغسل و ما يجزيه من الماء؟ قال: يغسل غسلا واحدا يجزي ذلك للجنابة و لغسل الميت؛ لأنهما حرمتان اجتمعا في حرمة واحدة» «1»، و موثق عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: أنه سئل عن المرأة إذا ماتت في نفاسها كيف تغسل؟ قال: مثل غسل الطاهر. و كذلك الحائض، و كذلك الجنب، إنما يغسل غسلا واحدا فقط» «2» و غيرهما.

و أما الاستدلال عليه- كما قد يظهر من المنتهي- بعدم الدليل علي وجوب رفع حدث الجنابة و نحوه عن الميت بعد كون المتيقن أن وجوب رفع الحدث المذكور غيري، لمقدميته لمثل الصلاة مما لا يكلف به الميت. فهو لا يخلو عن إشكال يظهر بمراجعة ما تقدم منا في المسألة الرابعة عشرة فيما لو خرج من الميت أحد النواقض بعد التغسيل. فالعمدة ما تقدم.

نعم، في خبر العيص: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يموت و هو جنب.

قال: يغسل من الجنابة ثم يغسل بعد غسل الميت» «3». لكن ضعف سنده مانع من التعويل عليه في نفسه، فضلا عن رفع اليد به عما تقدم.

و لا سيما مع إمكان حمله علي غسله من خبث الجنابة، كما ذكره في المستند و مع

______________________________

(1) الوسائل باب 31 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(2) الوسائل باب 31 من أبواب غسل الميت حديث: 2.

(3) الوسائل باب 31 من أبواب غسل الميت حديث: 7.

ص: 272

(مسألة: 23): إذا كان محرما لا يجعل الكافور في ماء غسله الثاني (1)

______________________________

قرب اضطراب ما روي عن العيص في ذلك، ففي صحيح له عنه عليه السّلام: «قال إذا مات الميت و هو جنب غسل غسلا واحدا ثم اغتسل بعد ذلك» «1»، و في صحيح له آخر عنه عليه السّلام: «يغسل غسله واحدة بماء ثم يغتسل [يغسل. يب. صا] بعد ذلك «2»، و في خبر له ثالث عنه عليه السّلام: «غسل غسلا واحدا ثم يغسل بعد ذلك» «3».

و ظاهر الصحيح الأول اغتسال المغسل بعد تغسيله للميت، لا تغسيل الميت غسلين، كما هو ظاهر الصحيح الثاني علي نسخة الوسائل المطبوعة حديثا، و المناسب لتوصيف الغسل الأول بالوحدة في الأحاديث الثلاثة، إذ لا حاجة له لو أريد الغسل لخصوص الجنابة، لمعلومية وحدته، و حينئذ يبعد تعدد روايات العيص الأربعة و حكايتها عن أسئلة متعددة، بل يقرب كونها رواية واحدة حاكية عن سؤال واحد مضطربة بسبب النقل بالمعني.

و من هنا يشكل البناء علي استحباب تعدد تغسيل الميت في الفرض و إن احتمله في التهذيبين و المنتهي، و لم يستبعده في المستند، بعد أن حكي عن والده العدم، بل ظاهر المعتبر أن عدم الاستحباب كعدم الوجوب في أنه قول أكثر أهل العلم. فلاحظ.

مسألة: 23: إذا كان محرما لا يجعل الكافور في ماء غسله الثاني

(1) فقد أطلق جماعة من قدماء الأصحاب و متأخريهم أن المحرم لا يقرب طيبا، و في الخلاف الإجماع علي أنه لا يقرب كافورا، كالإجماع في الغنية علي أنه لا يطيب به، و ظاهر غير واحد المفروغية عنه و أن الخلاف في كشف رأسه و غيره.

و مقتضي إطلاق جملة منهم عدم الفرق بين الغسل و الحنوط، كما صرح بالتعميم لهما في السرائر و القواعد و التذكرة و غيرها، و هو معقد الإجماع المدعي في جامع المقاصد، بل ادعي في المنتهي الإجماع علي ذلك في الغسل. فما في كشف اللثام من احتمال اختصاص أكثر عبارات الأصحاب بالحنوط غير ظاهر.

نعم، لا يبعد كونه مقتضي الجمود علي المتيقن من النهي في كلام بعضهم عن قرب الكافور منه، حيث يحتاج تعميمه إلي قرب مائه إلي عناية، و أظهر منه التعبير بالإمساس. لكن مناسبة الإحرام للتعميم تصلح قرينة عليه.

______________________________

(1) الوسائل باب 31 من أبواب غسل الميت حديث: 5.

(2) الوسائل باب 31 من أبواب غسل الميت حديث: 6.

(3) الوسائل باب 31 من أبواب غسل الميت حديث: 8.

ص: 273

______________________________

و من هنا لا يبعد أن يكون اقتصار بعضهم- كما في الغنية و الوسيلة- علي التنبيه له في الحنوط ليس للخلاف في الغسل، بل للاكتفاء في التعميم للغسل علي المناسبة المذكورة، أو للغفلة عن استقصاء الفروع. كما لعله الوجه في إهمال بعضهم التنبيه عليه في الغسل و التحنيط معا.

و كيف كان، فيقتضيه صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام و عنه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن المحرم إذا مات كيف يصنع به؟ قال: يغطي وجهه و يصنع به كما يصنع بالحلال غير أنه لا يقربه طيبا» «1»، لوضوح أن تقريب الطيب للميت كناية عن تطييبه به، و هو شامل للتغسيل بماء الكافور.

نعم، في موثق أبي مريم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: خرج الحسين بن علي عليه السّلام و عبد اللّه و عبيد اللّه ابنا العباس و عبد اللّه بن جعفر و معهم ابن للحسن يقال له عبد الرحمن فمات بالأبواء و هو محرم فغسلوه و كفنوه و لم يحنطوه و خمروا وجهه و رأسه و دفنوه» «2»، و الاقتصار فيه علي عدم التحنيط مع إطلاق التغسيل ظاهر في إرادة التغسيل المعهود المشتمل علي الغسل بماء الكافور.

و قريب منه في ذلك موثقة الآخر في بيان قصة عبد الرحمن بن الحسن عليه السّلام و فيه: «فكفنوه و خمروا وجهه و رأسه و لم يحنطوه» «3» فإن عدم التعرض فيه للغسل و الاقتصار علي التنبيه علي عدم التحنيط موجب لظهوره في عدم الخروج في كيفية التغسيل عن المعهود. و نحوهما معتبر ابن أبي حمزة عن أبي الحسن عليه السّلام: «في المحرم يموت. قال: يغسل و يكفن و يغطي وجهه و لا يحنط و لا يمس شيئا من الطيب» «4».

لما ذكرنا من أن مقتضي إطلاق التغسيل إرادة المعهود منه بعد ظهور كون قوله عليه السّلام فيه: «و لا يمس شيئا من الطيب» في تأكيد قوله: «و لا يحنط» لانصراف الإمساس له دون مثل الغسل بماء الكافور، كما هو الحال في جملة أخري من نصوص المقام قد تضمنت الإمساس، منها موثق سماعة: «سألته عن المحرم يموت، فقال:

يغسل و يكفن بالثياب كلها و يصنع به كما يصنع بالمحل غير أنه لا يمس الطيب» «5».

اللهم إلّا أن يقال: انصراف إمساس الطيب عن مثل التغسيل بماء الكافور

______________________________

(1) الوسائل باب 13 من أبواب غسل الميت حديث: 4.

(2) الوسائل باب 13 من أبواب غسل الميت حديث: 5.

(3) الوسائل باب 13 من أبواب غسل الميت حديث: 8.

(4) الوسائل باب 13 من أبواب غسل الميت حديث: 7.

(5) الوسائل باب 13 من أبواب غسل الميت حديث: 2.

ص: 274

______________________________

لو تم في نفسه لا مجال له في المقام، حيث كان مقتضي المناسبة الارتكازية أن المنشأ له حرمة الطيب علي المحرم، فيقرب كونه كناية عن مطلق التطيب و لو بالتغسيل المذكور، فيكون عطفه في معتبر ابن أبي حمزة من عطف العام علي الخاص لا تفسيريا للتأكيد.

و منه يظهر أنه لا مجال للتعويل علي موثقي أبي مريم الحاكيين لقصة عبد الرحمن ابن الحسن عليه السّلام، لأنها قد وردت في صحيحي عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه و عبد اللّه ابن سنان «1» مع ابدال قوله: «و لم يحنطوه» بقوله عليه السّلام فيهما: «و لم يمسه طيبا» الذي عرفت قرب ظهوره في العموم، و حيث كانت القضية واحدة قد اختلف الصحيحان و الموثقان في نقلها، فإن لم يترجح الصحيحان فلا أقل من التساقط و الرجوع إلي إطلاق الإمساس في موثق سماعة المتقدم غير المتعرض للقصة المذكورة، الذي عرفت قرب شموله للتغسيل، و إطلاق قرب الطيب في صحيح محمد بن مسلم الذي لا إشكال في شموله له.

هذا، كله مضافا إلي أن دلالة النصوص المذكورة- و عمدتها الموثقان- علي جواز التغسيل بماء الكافور لو كانت صالحة لأن يعول عليها في نفسها إنما تكون بالإطلاق، و ليس هو بأقوي من إطلاق صحيح محمد بن مسلم الظاهر في عموم المنع، بل الظاهر أن مطابقة الثاني لمناسبة الحكم و الموضوع التي هي من سنخ القرائن المتصلة موجبة لأقوائيته و تقديمه. و لا سيما مع بعد الجمود علي التحنيط الذي تضمنه الموثقان و عدم التعدي لغيره، كتطيب الميت أو الكفن بالذيرة و نحوه.

و يؤيد ما ذكرنا ما عن ابن عباس: «ان محرما و قصت به ناقته فمات، فذكر ذلك للنبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم: اغسلوه بماء و سدر و كفنوه و لا تخمروا رأسه، فإنه يحشر يوم القيامة ملبيا» «2».

و مما ذكرنا يظهر حال ما ذكره شيخنا الأعظم قدّس سرّه حيث قال: «و لو لا الإجماع علي عدم جواز تغسيله بماء الكافور أمكن الخدشة فيه من حيث ظهور الأخبار في المنع

______________________________

(1) الوسائل باب 13 من أبواب غسل الميت حديث: 1، 3.

(2) مستدرك الوسائل باب 13 من أبواب غسل الميت حديث: 5.

ص: 275

______________________________

عن التحنيط، و في تغسيله التغسيل المعهود الذي منه إدخال جزء قليل من الكافور في الماء الثاني». فإن ذلك لو تم في بعض الأخبار بنحو يصلح لأن يعول عليه لا يتم في باقيها، الذي عرفت أنه يلزم تنزيل غيره عليه. بقي في المقام أمران:

الأول: صرح غير واحد بعدم الفرق بين أنواع المحرم حتي من أفسد حجه.

و يقتضيه إطلاق غير واحد من النصوص المتقدمة، لأن فساد الحج لا يستلزم فساد الإحرام كي يخرج عن موضوعها.

الثاني: صرح جمهور الأصحاب بعدم وجوب كشف رأس المحرم في التكفين، و في جامع المقاصد و كشف اللثام أنه قول الأكثر و في المختلف أنه قول المشهور، و هو داخل في معقد إجماع الخلاف المتقدم و في التذكرة: «و لا يمنع من المخيط و لا من تغطية الرأس و الرجلين. قاله الشيخ و أكثر علمائنا». و يقتضيه أكثر نصوص المسألة مما تقدم و غيره تصريحا أو عموما أو إطلاقا.

و عن المرتضي في شرح الرسالة أن الأشبه أن لا يغطي رأسه، و عن ابن أبي عقيل أنه يكشف رأسه و وجهه «1»، و عن الجعفي أنه زاد كشف رجليه.

و استدل له.. تارة: بما تقدم عن ابن عباس معتضدا بمرسل الصدوق عن الصادق عليه السّلام: «من مات محرما بعثه اللّه ملبيا» «2».

و أخري: بأن حكم الإحرام باق بعد الموت، و لذا حرم الطيب. و كلاهما- كما تري- لا ينهض بالاستدلال في نفسه فضلا عن الخروج به عما تقدم.

للإشكال في الأول بعدم ثبوت خبر ابن عباس من طرقنا، و مرسل الصدوق- مع ضعفه في نفسه غير دال علي المطلوب. و في الثاني بأنه لا ريب في ارتفاع حكم الإحرام بالموت، لسقوط الميت عن التكليف. و حرمة تطييبه لا تقتضي حرمة تعريضه لمحرمات الإحرام الأخري بفهمه من دليله إلّا بإلغاء خصوصيته عرفا، و هو غير ظاهر، أو بالقياس الباطل عندنا.

______________________________

(1) قيل: أي لا يغطي وجهه ان كان امرأة و لا يغطي رأسه ان كان رجلا.

(2) الوسائل باب 13 من أبواب غسل الميت حديث: 6.

ص: 276

إلّا أن يكون موته بعد طواف الحج (1)

______________________________

(1) كما عن نهاية الأحكام، و في الحدائق و الجواهر و طهارة شيخنا الأعظم قدّس سرّه أنه لا يخلو عن قوة لقصور النصوص عنه، أما الحاكية لموت عبد الرحمن بن الحسن عليه السّلام فلتضمنها بالأبواء في طريق مكة، و أما النصوص المطلقة فلأن المنصرف منها كون عدم تطييب الميت المحرم لحرمته عليه حين الموت، فلا تشمل من حل له الطيب حينه.

و منه يظهر أن المدار علي حلية الطيب للمحرم، علي الخلاف في حليته بمجرد طواف الحج أو بعد صلاته بها أو بعد السعي الواجب فيه في حج التمتع، كالخلاف في حليته بأحد الأمور المذكورة أو بمجرد الفراغ من مناسك مني يوم النحر في حج القران و الإفراد.

أما عمرة التمتع فالظاهر عدم الإشكال في عدم التحلل منها مطلقا إلّا بالتقصير، كعدم الإشكال في عدم الاحلال من العمرة المفردة إلّا به أو بالحلق.

و من ثم يشكل ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه- تبعا للعروة الوثقي- من إلحاق طواف العمرة بطواف الحج. كما يشكل إطلاقه المذكور في الحج مع ذهابه إلي جواز الطيب للمفرد و القارن بمجرد الإتيان بمناسك مني يوم النحر، و عدم جوازه للمتمتع إلّا بالفراغ من السعي.

هذا، و في شرح الإرشاد للأردبيلي: «و الظاهر أن الحكم باق ما دام كونه محرما حرّم عليه الطيب. و يحتمل إلي كونه محرما في الجملة. و يحتمل كونه محرما بحيث ما صار محلا أصلا، فيجب بعد الحلق. لأن دعوي الإجماع قبله معلوم و بعده غير معلوم، و الأصل يؤيده، و عموم غسل الميت بالكافور كذلك، و عدم صدق المحرم عليه ظاهر، لأنه يلبس و يأكل ما لا يفعله المحرم، و عدم دليل يعتد به غير الإجماع، و هو هنا غير ظاهر التحقق».

و هو كما تري، حيث لا قصور في النصوص بعد وضوح دلالتها و اعتبار أسانيدها و استفاضتها، حيث يلزم الخروج بها عن الأصل و عموم تغسيل الميت بماء الكافور، و حيث كان لجملة منها إطلاق كان مقتضاه ثبوت الحكم ما دام الإحرام

ص: 277

و العمرة (1). و كذلك لا يحنط بالكافور (2)، بل لا يقرب إليه طيب آخر (3). و لا يلحق به المعتدة للوفاة و المعتكف (4).

(مسألة: 24): يجب تغسيل كل مسلم حتي المخالف (5) عدا صنفين:

______________________________

باقيا الذي لا ينافيه التحلل من بعض محرماته، لو لا ما عرفت من المناسبة الموجبة لفهم دوران الحكم مدار حرمة الطيب حال الموت، و هو يجري حتي لو سلم ما ذكره من قصور الإطلاق عما لو حل له بعض محرمات الإحرام بمحلل.

(1) عرفت الإشكال في إلحاق طواف العمرة بطواف الحج، و أنه لا يتحلل منها من حرمة الطيب إلّا بالتقصير أو الحلق.

(2) فانه متيقن مما تقدم من النصوص و الفتاوي.

(3) كما هو مقتضي إطلاق جملة من النصوص و الفتاوي و بعض معاقد الإجماعات، بل تحريم الكافور مع وجوبه بالأصل للميت يقتضي تحريم غيره من الطيب مما لا يحل له بالأولوية العرفية بعد ارتكاز أن المنشأ له حرمة الطيب علي المحرم.

(4) و إن حرم عليهما الطيب حال الحياة. و بذلك صرح جماعة. لسقوط حكم العدة و الاعتكاف بالموت، لخروج الميت عن قابلية التكليف، كما تقدم في المحرم، و إلحاقهما بالمحرم في حرمة التطييب بعد الموت قياس باطل عندنا.

مسألة: 24: يجب تغسيل كل مسلم حتي المخالف عدا صنفين
اشارة

(5) أما وجوب تغسيل أهل الحق من دون فرق بين أقسامهم و عدم مانعية الذنوب منه فهو المتيقن من النصوص و الفتاوي. كما أن عدم وجوب تغسيل من لا يجري عليه أحكام الإسلام ممن ينتحله كالنواصب و الغلاة كعدم تغسيل الكافر الصريح بأقسامه مما لا إشكال فيه بينهم و أرسل في كلماتهم إرسال المسلمات.

ففي المستند: «و إن كان كافرا فلا يجوز غسله و لا كفنه و لا دفنه و لا الصلاة عليه بإجماعنا المحقق و المحكي متواترا»، و في الجواهر: «و لا يغسل الكافر إجماعا محصلا [و. ظ] منقولا علي لسان مثل الشيخ و العلامة و الشهيد و غيرهم»، و قد ادعي في الخلاف الإجماع علي عدم تغسيل المشرك، و في التهذيب إجماع الأمة علي عدم تغسيل

ص: 278

______________________________

الكافر، و في التذكرة إجماع علمائنا علي عدم تغسيله بأقسامه، إلي غير ذلك من كلماتهم.

و يقتضيه- مضافا إلي ذلك- موثق عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنه سئل عن النصراني يكون في السفر و هو مع المسلمين فيموت. قال: لا يغسله مسلم و لا كرامة، و لا يدفنه و لا يقوم علي قبره، و إن كان أباه» «1»، و يتعدي لغيره من أقسام من لا يقر بالشهادتين بفهم عدم الخصوصية، و بالإجماع علي عدم الفصل، مؤيدا بما عن المرتضي في شرح الرسالة: «انه روي عن يحيي بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام النهي عن تغسيل المسلم قرابته الذمي و المشرك و أن يكفنه و يصلي عليه و يلوذ به» «2»، و منه يظهر الحال فيمن يحكم بكفره ممن ينتحل الإسلام.

و أما سائر المخالفين ممن تحرم دماؤهم فقد وقع الكلام بين الأصحاب في تغسيلهم و عدمه، حيث صرح بوجوب تغسيلهم العلامة في القواعد و جملة ممن تأخر عنه، و في الجواهر: «فالمشهور تحصيلا و نقلا في الذكري و الروض و الحدائق و الرياض التغسيل» و عن المفاتيح انه مذهب الأكثر، كما هو ظاهر كل من أطلق وجوب تغسيل المسلم، كما في الوسيلة و التذكرة، خصوصا مع الاقتصار علي استثناء الخوارج و الغلاة، كما في الإرشاد، و في التذكرة و عن نهاية الأحكام الإجماع علي وجوب تغسيل المسلم، و عن مجمع البرهان: «و أما وجوب تغسيل المسلم فلعل دليله الإجماع».

لكن عبر في الشرائع بالجواز، و في المبسوط و النهاية و عن الجامع و البيان و الذكري كراهته، و في جامع المقاصد و عن الذكري و كشف الالتباس أنه المشهور، و في الدروس أنه الأشهر.

و قد حمل الأول في الجواهر علي الوجوب. و كأنه لأنه إذا شمله دليل المشروعية وجب بعموم دليل وجوب غسل الميت. كما حمل غير واحد الثاني علي كراهة المباشرة، إلّا أن ينحصر الأمر به فيجب، كما يناسبه التصريح بذلك من بعض من صرح بالوجوب الكفائي.

نعم، صرح بحرمة تغسيلهم لغير تقية في المقنعة، و هو ظاهر التهذيب في شرحه و المراسم و السرائر و محكي المهذب، و قربه في كشف اللثام- علي تفصيل- و المدارك

______________________________

(1) الوسائل باب: 18 من أبواب غسل الميت: حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 18 من أبواب غسل الميت: حديث: 2.

ص: 279

______________________________

و حاشيتها، و ظاهر المعتبر التوقف، و في كشف اللثام أنه لم يعثر علي موافق للعلامة في التنصيص علي الوجوب.

و من هنا لا مجال لما ذكره غير واحد من الاستدلال للوجوب بالإجماع علي تغسيل كل مسلم. بل يظهر من شيخنا الأعظم قدّس سرّه أنه عمدة الدليل في المقام.

و دعوي: أن الخلاف المتقدم في وجوب تغسيلهم ليس للخلاف في عموم وجوب تغسيل المسلم، بل لشبهة كفرهم، فمع ثبوت إسلامهم لا مخرج عن الإجماع علي العموم المذكور المعتضد ببعض القرائن في كلمات الأصحاب، مثل ما ذكروه في حكم اختلاط قتلي المسلمين بالمشركين. و دفن الذمية الحامل من المسلم، و نحوهما مما يظهر منه المفروغية عن عموم تجهيز المسلم.

مدفوعة: بأن تعليل عدم وجوب تغسيلهم بكفرهم مما انفرد به الشيخ في التهذيب من القدماء، و يأتي الكلام فيه. و ظاهر من تبعه من المتأخرين في الاستدلال به عدم إرادة الكفر الحقيقي بلحاظ الدنيا، بل بلحاظ الآخرة، حيث إنهم كالكفار في انقطاع الولاية بيننا و بينهم و عدم نفع إسلامهم لهم بعد الموت، و التغسيل من شئون الآخرة التابعة للولاية و الاحترام.

و ليس اعتضاد دعوي الإجماع بما سبق من كلماتهم بأولي من اعتضاد دعوي الاختصاص بإطلاقهم كثيرا من أحكام الميت و آداب التجهيز كالدعاء للميت حين التغسيل و تكريمه و الرفق به و كتمان عيبه و تلقينه شهادة الحق و كتابتها علي كفنه و غير ذلك مما يناسب المفروغية عن اختصاصه بالمؤمن الصالح لذلك، بل يأتي أن الفروع المذكورة في كلمات الأصحاب رضي اللّه عنهم لا تناسب بناءهم علي وجوب تغسيلهم ذاتا كالمؤمن، و لأجل ذلك لم تخل كلماتهم عن الاضطراب المانع من تمامية دعوي الإجماع علي العموم و التعويل عليها، بل

يلزم النظر في بقية ما استدل أو يستدل به عليه، و هي أمور:
الأول: ما في الجواهر من استصحاب جريان أحكام المسلم عليه.

و يشكل- مضافا إلي ما تكرر منا من الإشكال في جريان استصحاب الأحكام التكليفية بعدم وحدة الموضوع غالبا- بأن مرجع الشك في المقام إلي احتمال كون وجوب التغسيل من أحكام خصوص المؤمن لا مطلق المسلم، و الاستصحاب

ص: 280

______________________________

المذكور لا يحرز كونه من أحكام مطلق المسلم. علي أن المتيقن حال الحياة جريان أحكام الحي من احترام الدم و المال و نحوه، و المشكوك بعدها جريان أحكام الموت، و هي مباينة للمتيقن. و عنوان أحكام الإسلام انتزاعي ليس مجعولا و لا موردا للأثر ليستصحب، فالاستصحاب المذكور أشكل من القسم الثالث لاستصحاب الكلي الذي كان المشهور المنصور عدم جريانه.

الثاني: ما دل علي عموم وجوب الصلاة علي المسلم.

قال في الجواهر: «إذ لا قائل بالفرق، سيما مع اشتراط الصلاة بالغسل، بل لعل الصلاة أولي بالمنع».

لكن وجه الأولوية إن كان ثبوت وجوب تغسيل بعض من لا تجب الصلاة عليه كالطفل، دون العكس إلّا لمانع، كالشهيد. أشكل بأن ذلك لا يكفي في الأولوية بنحو يكون دليلا في مورد احتمال العكس.

و إن كان هو أن الصلاة أظهر في الموالاة و الاحترام من الغسل فالاكتفاء فيها بالإسلام يقتضي الاكتفاء به في الغسل. أشكل بأن الصلاة المبنية علي الموالاة و الاحترام هي الصلاة علي المؤمن المشتملة علي الدعاء له، دون الصلاة علي المخالف المشتملة علي الدعاء عليه، بل هي مظهر العداء و المقاطعة، فوجوبها لا يقتضي وجوب التغسيل المبتني علي الاحترام ارتكازا. فتأمل.

فالعمدة ما ذكره أولا من عدم القول بالفرق المعتضد بارتكاز أن أفعال التجهيز كالعمل الواحد المبني علي حرمة الميت في الجملة، و لذا سيقت في النصوص و الفتاوي في مساق واحد، و عدم ثبوت بعضها في بعض الموارد لخصوصيات خاصة من تعذر أو عدم المقتضي أو نحوهما، لا للتفصيل بينها من الحيثية المذكورة. و لا سيما ما ذكره من شرطية الغسل في الصلاة.

و أما ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من أن دليل الترتيب و الشرطية إنما يدل عليهما في ظرف مشروعية الغسل، فلا يصلح للدلالة علي أصل المشروعية. فهو إنما يمنع من الاستدلال بذلك لا من كونه مؤيدا لما ذكرنا في تقريب عدم الفصل المدعي في المقام. و به يتضح إمكان الاستدلال بما دل علي وجوب غير الصلاة من أفعال التجهيز. نعم ذلك كله مبني علي تمامية عموم وجوب الصلاة أو غيرها في حق

ص: 281

______________________________

المخالف، و هو موكول إلي محله. فتأمل.

الثالث: ما أشار إليه في الجواهر من إيجاب تغسيل الميت في بلاد الإسلام

قال: «ما عساه يشعر به فحوي أخبار الباب و كلام الأصحاب من إيجاب تغسيل الميت في بلاد الإسلام، بل أبعاضه و إن لم يعرف مذهبه، و لا أصل يلحقه بالإمامي».

لكن لم يتضح المراد بالأخبار المذكورة. غاية ما في الباب موثق عمار: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما تقول في قوم كانوا في سفر لهم يمشون علي ساحل البحر، فإذا هم برجل ميت عريان قد لفظه البحر و هم عراة ليس عليهم إلّا إزار كيف يصلون عليه و هو عريان و ليس معهم فضل ثوب يكفنونه [به]؟ قال: يحفر له و يوضع في لحده … ثم يصلي عليه و يدفن» «1»، و قريب منه مرسل محمد بن أسلم فيمن كسر بهم في بحر فخرجوا علي الشط فإذا هم برجل ميت عريان «2»، و ما ورد فيمن أكله السبع أو الطير فبقيت عظامه من غير لحم أو يقتل فيقطع «3».

و الأولان- مع عدم التعرض فيهما للغسل- لا ظهور لهما في كون الميت في بلاد الإسلام، فلا بد من حملهما علي مجرد بيان كيفية الصلاة من دون نظر لتحديد مورد الوجوب ثبوتا و لا إثباتا.

و النصوص الأخيرة حيث كانت واردة في مقام البيان من جهة خاصة لا مجال للاستدلال بإطلاقها، و إنما يتجه الاستدلال بها لو كانت ظاهرة في فرض الجهل بالميت و أنه مؤمن أو مخالف، و لا ظهور لها في ذلك، بل لا يبعد حملها علي صورة معرفته و أنه ممن يجب تجهيزه.

نعم قد يظهر في فرض الجهل بالميت صحيح إسحاق بن عمار عن الصادق عن أبيه عليهما السّلام: «أن عليا وجد قطعا من ميت فجمعت ثم صلي عليها ثم دفنت» «4»، لأن توليه عليه السّلام لذلك دون أهل الميت يناسب عدم معرفتهم.

لكن الظاهر أنه وجدها في الكوفة أو نحوها من البلدان الداخلة في طاعته و الدائنة بإمامته في الجملة التي كان يجري عليها أحكام الإيمان واقعا أو مداراة أو

______________________________

(1) الوسائل باب: 36 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 36 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 2.

(3) راجع الوسائل باب: 38 من أبواب صلاة الجنازة.

(4) الوسائل باب: 38 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 2.

ص: 282

______________________________

ظاهرا لغلبة دعوة الإيمان فيها، نظير أصالة الإسلام في البلاد التي يغلب فيها.

و أما كلمات الأصحاب فلو فرض استفادة ذلك منها، فحيث تقدم خلافهم في تغسيل المخالف لا طريق لإحراز اتفاقهم علي ذلك مع العلم بكون الميت مخالفا، و لو فرض إحراز اتفاقهم عليه مع الجهل بإيمانه فقد يكون لبنائهم علي وجوب الاحتياط في ذلك للاهتمام بحرمة الإيمان حتي مع احتماله، من دون أن يكشف عن عموم وجوب التجهيز واقعا لغير المؤمن.

الرابع: ما ذكره شيخنا الأعظم قدّس سرّه

حيث قال- بعد ان ناقش في دلالة الأخبار و قرب الاستدلال بالإجماع-: «ثم لو سلمنا عدم ثبوت الإجماع علي الكلية كفي في المسألة ما دل علي أنه يجب المعاملة مع المخالف معاملة المسلمين المؤمنين في الأمور المتعلقة بالمعاشرة التي من أهمها أن لا يعامل مع موتاهم معاملة الكلاب. هذا واضح لمن لاحظ تلك الروايات».

و فيه: أنه إنما يقتضي وجوب التجهيز أو استحبابه حيث يكون دخيلا في المداراة الواجبة و المستحبة لدفع شرهم أو لجلب قلوبهم باختلاف الظروف و المناسبات، كالصلاة خلفهم و عيادة مرضاهم و تشييع جنائزهم، لا مطلقا، كما هو المدعي.

و دعوي: كونه عاما حكمته المداراة، لا بد فيها من عموم الأدلة، كعموم أدلة احترام الدم و المال، و المفروض عدم وفاء النصوص و الإجماع به. كدعوي: أن المداراة الظاهرية لا يتأتي بها الغرض، إذ قد يطلعون علي حقيقتها فتزيد حنقهم. إذ هي لا تختص بالمقام، بل تجري في جميع ما ورد الأمر به للمداراة، كالصلاة خلفهم و عيادة مرضاهم و نحوهما مما لا مجال للبناء علي وجوبه واقعا و لو لم تتوقف عليه المداراة.

الخامس: إطلاق النصوص أو عمومها،

كقوله عليه السّلام في موثق سماعة: «غسل الميت واجب» «1»، و في مضمر أبي خالد: «أغسل كل الموتي: الغريق و أكيل السبع و كل شي ء إلّا ما قتل بين الصفين، فإن كان به رمق غسل، و إلّا فلا» «2»، و ما ورد في الزوج و الزوجة و المحارم و أولياء الميت، و نحو ذلك مما تشمل بإطلاقاتها المخالف، علي ما ذكره في الجواهر.

______________________________

(1) الوسائل باب: 1 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

ص: 283

______________________________

و قد استشكل شيخنا الأعظم قدّس سرّه في الاستدلال بالموثق بأنه وارد مورد تشريع غسل الميت بنحو القضية المهملة، نظير ما تضمن تشريع بعض الصلوات، و في المضمر بأن ظاهر العموم فيه بقرينة تفصيل أفراده و استثناء الشهيد منه إرادة التعميم من حيثية أسباب الموت. كما قد يشكل عموم بقية النصوص بورودها في مقام البيان من جهات خاصة، كمشروعية تغسيل الزوج و المحارم و لزوم مراجعة الولي و نحو ذلك، من دون أن يكون لها إطلاق من حيثية أفراد الميت يشمل المخالف.

أقول: حمل الموثق علي القضية المهملة لا يناسب سوق غسل الميت في سياق جملة من الأغسال قد أخذت فيها بعض الخصوصيات و الشروط، حيث قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن غسل الجمعة فقال: واجب في السفر و الحضر، إلّا أنه رخص للنساء في السفر و قلة الماء. و قال: غسل الجنابة واجب، و غسل الحائض إذا طهرت واجب، و غسل الاستحاضة واجب إذا احتشت بالكرسف فجاز الدم الكرسف … و غسل الميت واجب … و غسل الزيارة واجب إلّا من علة … »، فالظاهر ثبوت الإطلاق له.

كما قد يستفاد إطلاق وجوب تغسيل المسلم من موثق عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت: فإن مات رجل مسلم و ليس معه رجل مسلم و لا امرأة مسلمة من ذوي قرابته … قال: يغتسل النصاري ثم يغسلونه فقد اضطر. و عن المرأة المسلمة تموت و ليس معها امرأة مسلمة و لا رجل مسلم من ذوي قرابتها، … قال: تغتسل النصرانية ثم تغسلها» «1»، فإنه و إن كان واردا لبيان حكم تعذر التغسيل من المسلم المماثل إلّا أن إطلاق عنوان الإسلام فيه ظاهر في المفروغية عن وجوب غسل المسلم، و ليس هو كإطلاق عنوان الرجل أو المرأة أو الميت في النصوص الواردة لبيان أحكام أخر، بل هو عنوان عرضي زائد علي الموت مناسب للاحترام الذي يبتني عليه تجهيز الميت. فالتنبيه له ظاهر في المفروغية عن كونه معيارا في وجوب التغسيل.

و نحوه في ذلك موثقة الآخر في المسلم يموت مع رجال نصاري و معه عمته و خالته المسلمتان، و المرأة المسلمة تموت مع نساء نصاري و معها عمها و خالها

______________________________

(1) الوسائل باب: 19 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

ص: 284

______________________________

المسلمان «1». مؤيدا بقوله عليه السّلام في موثقة المتقدم في النصراني يموت مع المسلمين:

«لا يغسله مسلم و لا كرامة و لا يدفنه … » «2» حيث يشعر بأن التغسيل كسائر أفعال التجهيز كرامة منه للمسلم لا يستحقها منه إلّا مسلم.

كما يعتضد أو يؤيد بما ورد في بقية أفعال التجهيز- التي سبق في الوجه الثاني تقريب عدم الفرق بينها- كمعتبر طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن أبيه عليهما السّلام:

«قال: صل علي من مات من أهل القبلة و حسابه علي اللّه» «3»، و خبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام: «قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: صلوا علي المرجوم من أمتي و علي القاتل نفسه من أمتي، لا تدعو أحدا من أمتي بلا صلاة» «4»، كما قد يشعر به معتبر أبي خديجة عنه عليه السّلام: «قال: الكتان كان لبني إسرائيل يكفنون به موتاهم، و القطن لأمة محمد «صلي اللّه عليه و آله» «5».

هذا، و لكن عنوان الإسلام و الأمة و نحوهما كما أخذت في المقام أخذت في كثير من الأحكام المبنية علي الحرمة و الولاية، حيث ورد في النصوص المستفيضة بيان حق المسلم علي المسلم و ثبوت الأخوة بينهما و الأمر بتوقير المسلم و حبه و الدعاء له و النصيحة له و النهي عن إهانته و إيذائه و سبه و خذلانه و ترويعه و غشه و مماكرته و مهاجرته و تعييره و اغتيابه إلي غير ذلك، فإن ذلك كما ورد في كثير من النصوص علي عنوان المؤمن ورد في كثير منها علي عنوان المسلم «6» مع ما هو المعلوم من اختصاصه بالمؤمن الذي وجبت موالاته، دون غيره ممن تجب البراءة منه.

و الظاهر أن ذلك ليس مبنيا علي تخصيص هذه النصوص مع عمومها في نفسها لغير المؤمن، بل لاختصاصها ابتداء بالمؤمن، بلحاظ أن الإيمان هو الأصل في الإسلام، لا بمعني البناء علي إيمان المسلم عند الشك في حاله، بل بمعني أن دين

______________________________

(1) الوسائل باب: 20 من أبواب غسل الميت حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 18 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 37 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 37 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 3.

(5) الوسائل باب: 20 من أبواب التكفين حديث: 1.

(6) يوجد ذلك في جملة من أبواب الأحكام: تجهيز الميت و العشرة و الأمر بالمعروف و جهاد النفس و الدعاء و غيرها من الوسائل.

ص: 285

______________________________

الإسلام لما كان يدعو للإيمان إلي أصوله كان الإيمان مقتضي الإسلام بطبعه و إن خرج عنه أكثر المسلمين، حيث يصح مع ذلك إرادة الإيمان من الإسلام كما يناسبه شيوع التعاطف بينهما في الاستعمالات بنحو عطف التفسير، و إطلاقه في بعض النصوص مرادا به الإيمان، كصحيح ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «عجبت للمرء المسلم لا يقضي اللّه عزّ و جلّ له قضاء إلّا كان خيرا له، إن قرض بالمقاريض كان خيرا له و إن ملك مشارق الأرض و مغاربها كان خيرا له» «1».

و ظهور المسلم مع الإطلاق في مطلق من يشهد الشهادتين بسبب فهمه منه عرفا تبعا لشرحه في الأدلة، و إن كان مسلما إلّا أنه لا ينافي حملة علي خصوص المؤمن في الموارد المذكورة و نحوها من موارد الاحترام و الولاية. و منه المقام، حيث لا إشكال في أن المرتكز عرفا- كما يستفاد من جملة من النصوص- أن تجهيز الميت يبتني علي حرمته و كرامته المناسبة لولايته، كما يناسبه في خصوص التغسيل أيضا ما تضمن تعليله بأنه يجنب و انه ينبغي طهارته لمباشرة أهل الطهارة من الملائكة و ليشفع له «2».

و من هنا يشكل ظهور موثقات عمار المتقدمة في العموم للمخالف، و لا سيما مع عدم ورودها لتحديد من يجب تجهيزه، بل لبيان أحكام أخر مع ظهورها في المفروغية عن وجوب تجهيز المسلم، حيث لا يبعد الاتكال فيها علي القرينة الارتكازية المذكورة في إرادة المؤمن من المسلم، و مع ورود نظير ذلك في بعض نصوص تجهيز الميت، كقوله عليه السّلام في موثق ميسر: «من تبع جنازة مسلم أعطي يوم القيامة أربع شفاعات و لم يقل شيئا إلّا قال الملك: و لك مثل ذلك» «3»، و في مرسل الصدوق: «ضمنت لستة علي اللّه الجنة: رجل خرج في جنازة مسلم فمات فله الجنة … » «4»، و في النبوي: «من احتفر لمسلم قبرا محتسبا حرمه اللّه علي النار و بوأه بيتا من الجنة … » «5»، كما قد يكون عدم ردع الإمام عليه السّلام عن إطلاق العنوان و تنبيهه- تفضلا- لاعتبار الإيمان لمحذور من تقية و نحوها بعد أن لم يكن عليه السّلام متصديا لتحديد موضوع التجهيز.

______________________________

(1) الوسائل باب: 75 من أبواب الدفن حديث: 1.

(2) راجع الوسائل باب: 1، 3 من أبواب غسل الميت.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب الدفن حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 2 من أبواب الدفن حديث: 5.

(5) الوسائل باب: 2 من أبواب الدفن حديث: 2.

ص: 286

______________________________

و أما معتبر طلحة بن زيد فالتعبير بأهل القبلة فيه و إن كان ظاهرا في العموم لجميع فرق المسلمين، لظهور الفرق و الاختلاف فيهم في عهد الصادق عليه السّلام إلّا أن طلحة بن زيد لما كان عاميا فمن القريب أن يكون الإيهام بالتعبير المذكور واردا للمداراة و التقية مع إرادة خصوص أهل الحق منهم، لأنهم الحقيقيون بالقبلة، و يكون الإطلاق فيه بلحاظ الذنوب التي يرجي معها العفو و الرحمة، لظهوره في أن الصلاة عليه كرامة له لأجل إسلامه و كونه من أهل القبلة مع عدم القطع عليه بالهلكة، بل يوكل حسابه للّه، مع ما هو المعلوم من المذهب من القطع علي المخالفين بالهلكة، و ما تضمنته النصوص في كيفية الصلاة عليهم من عدم الدعاء لهم، بل جواز الدعاء عليهم و اللعن لهم، الذي لا يناسب كونها كرامة لهم.

بل حمل أهل القبلة في كلامه عليه السّلام علي ظاهره مع إخراج النصاب و الخوارج و نحوهم ممن وقع الاتفاق علي عدم وجوب تجهيزهم عنه بعيد جدا مع ما هو المعلوم من شيوع إطلاق العنوان المذكور علي الناكثين و القاسطين و المارقين الذين لا يخرجون عن الأقسام المذكورة.

و أما خبر السكوني فإطلاق الأمة فيه في كلام النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لو لم يكن لفرض نجاتها و وحدتها لعدم ظهور الفرّق بعد فيها، فلا أقل من عدم ظهوره في العموم لفرقها الهالكة. و لا سيما مع ظهوره في تكريم الأمة بالصلاة عليها. و قد يكون عدم تنبيه الإمام الصادق عليه السّلام علي اختصاص ذلك بالفرقة الناجية منها للتقية أو نحوها، لأن السكوني عامي أيضا. و لا بد أن يكون التعميم فيه بلحاظ ما تضمنه من اقتراف الذنوب التي لا تخرج عن الأمة المرحومة و لا توجب القطع بالهلكة.

كما أن معتبر أبي خديجة لا إطلاق له، لأن الحكم فيه بأن القطن كفن لهذه الأمة إنما هو لبيان رجحان تكفينها به دون غيره في فرض مشروعية التكفين، و لا يقتضي عموم مشروعيته لجميع أفراد الفرق المنتسبة لها و إن كانت هالكة، و لا سيما بملاحظة ما سبق من شيوع إرادة أهل الحق من الأمة.

فلم يبق إلّا إطلاق موثق سماعة، و لا يبعد نهوض ما سبق من ارتكاز كون التغسيل كرامة للميت و حفظا لحرمته بتقييده بالمؤمن، أو عدم الإطلاق فيه من هذه

ص: 287

______________________________

الجهة، و الا فمن البعيد انعقاد إطلاق الميت فيه بنحو يشمل الكافر، بحيث يكون خروجه للتخصيص بدليل منفصل، و حيث لا يكون قصوره عن الكافر ارتكازا إلّا بلحاظ كون التغسيل كرامة للميت لا يستحقها الكافر فهو جار في حق كل من لا يستحق الكرامة المذكورة من الفرق الهالكة التي لا ولاية بينها و بين المؤمنين، و لا أقل من التوقف فيه.

و لا سيما مع ورود نظير الإطلاق في جملة من الأحكام المختصة بالمؤمن، كما يظهر بملاحظة ما ورد في ثواب من غسل ميتا فأدي فيه الأمانة بكتمان عيبه «1»، و ما تضمن تعليل كراهة تسخين الماء للميت بالنهي عن تعجيل النار له «2»، و ما تضمن استحباب إيذان إخوان الميت بموته ليصلوا عليه و يستغفروا له فيكتسب و يكتسبون الأجر «3»، و ما تضمن إطلاق الدعاء للميت في شرح الصلاة عليه «4»، و ثواب تشييعه «5»، و كيفية المشي فيه «6»، و حمله «7»، و حفر القبر له «8»، و تلقينه و الدعاء له عند وضعه في قبره و بعد انصراف الناس عنه «9»، إلي غير ذلك مما أخذ فيه عنوان الجنازة و الميت من دون تقييد بالمؤمن، مع ما هو المعلوم من الاختصاص به.

و الظاهر أن المصحح لذلك المفروغية عن اختصاص تلك الأحكام به كسائر أفعال التجهيز لمناسبتها لموالاته و حرمته. بل من البعيد جدا أن لا يطهر المخالف من الحدث حال حياته لبطلان غسله و وضوئه ثم يهتم الشارع الأقدس بتطهيره منه بعد موته بتغسيل المؤمن له، و هو ذاهب إلي النار و مقدم علي مقارنة الشياطين و الكفار.

و يؤيد ما ذكرنا إن لم يدل عليه قوله تعالي: وَ لٰا تُصَلِّ عَليٰ أَحَدٍ مِنْهُمْ مٰاتَ أَبَداً

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 8 من أبواب غسل الميت.

(2) الوسائل باب: 10 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

(4) راجع الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة الجنازة.

(5) راجع الوسائل باب: 2 من أبواب الدفن.

(6) راجع الوسائل باب: 5 من أبواب الدفن.

(7) راجع الوسائل باب: 7 من أبواب الدفن.

(8) راجع الوسائل باب: 11 من أبواب الدفن.

(9) راجع الوسائل باب: 20، 21، 30 من أبواب الدفن.

ص: 288

______________________________

وَ لٰا تَقُمْ عَلي قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللّٰهِ وَ رَسُولِهِ وَ مٰاتُوا وَ هُمْ فٰاسِقُونَ «1»، فإن ظاهر النهي و التعليل فيه عدم مشروعية تجهيزهم، فلا بد أن يكون ما صدر منه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم من الصلاة عليهم بأربع تكبيرات- كما تضمنته جملة من النصوص- ليس لمشروعية الصلاة المذكورة و وجوبها، بل لمحض المداراة لأهلهم و ذويهم و دفعا للفضيحة عنهم بإعلان نفاق ميتهم مع كونها صلاة صورية و اختصاص الصلاة المشروعة بالصلاة المعهودة التامة التي يدعي فيها للميت و يستغفر له بخمس تكبيرات، كما يناسبه أيضا ما في الصحيح عن أم سلمة: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله إذا صلي علي ميت كبر و تشهد، ثم كبر و صلي علي الأنبياء و دعا ثم كبر و دعا للمؤمنين [و استغفر للمؤمنين و المؤمنات] ثم كبر الرابعة و دعا للميت، ثم كبر الخامسة و انصرف، فلما نهاه اللّه عزّ و جلّ عن الصلاة علي المنافقين كبر و تشهد، ثم كبر و صلي علي النبيين، ثم كبر و دعا للمؤمنين، ثم كبر الرابعة و انصرف و لم يدع للميت» «2»، لظهوره في أن الصلاة بأربع تكبيرات صدرت منه لمجرد نهيه عن الصلاة علي المنافقين، لا لتشريع صلاة خاصة لهم.

و يناسبه أيضا ما في صحيح الحلبي عنه عليه السّلام: «قال: لما مات عبد اللّه بن أبي سلول حضر النبي صلّي اللّه عليه و آله جنازته فقال عمر: يا رسول اللّه أ لم ينهك اللّه أن تقوم علي قبره؟! فسكت. فقال: أ لم ينهك اللّه أن تقوم علي قبره؟! فقال: ويلك و ما يدريك ما قلت: أني قلت: اللهم احش جوفه نارا و املأ قبره نارا و اصله نارا … » «3». لظهوره في المفروغية عن عدم تشريع صلاة أخري غير المنهي عنه و أن إنكار عمر لجهله بحال ما صدر من النبي و تخيله انه من الصلاة المنهي عنها.

نعم، الآية الشريفة واردة في المنافقين و كذا عمله صلّي اللّه عليه و آله و المراد بهم في عصره من يظهر من الاعتراف بالدين ما لا يبطن، إلّا أن من القريب جدا التعدي منهم لجميع الفرق الضالة المنتحلة للإسلام، حيث تكشف الآية عن أن موضوع التجهيز ليس هو مجرد الإسلام العاصم للدم و المال و الذي عليه مدار التناكح و التوارث،

______________________________

(1) التوبة: 84.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 4 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 4.

ص: 289

______________________________

لعدم الإشكال في حصوله من المنافقين، و حينئذ يقرب أن يكون موضوعه خصوص الإسلام المنجي من الهلكة و المستتبع لوجوب الموالاة و الموادة، و هو المختص بالفرقة المحقة الناجية، و إلحاق غيرها بالمنافقين المذكورين، كما يناسبه صحيح إسماعيل بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام: «سألته عن الصلاة علي الميت. فقال:

أما المؤمن فخمس تكبيرات، و أما المنافق فأربع و لا سلام فيها» «1»، لأن الشائع في عصره عليه السّلام إطلاق المنافق علي المخالفين، دون المعني المتقدم، لعدم شيوع الابتلاء به و معرفته حينئذ.

كما أن الظاهر أن الأمر منه عليه السّلام بالصلاة عليهم بأربع تكبيرات ليس لتشريع صلاة جديدة بل للتأسي بصلاة النبي صلّي اللّه عليه و آله علي المنافقين لوحدة المناط المصححة أيضا لإطلاق عنوان المنافق عليهم. فتأمل جيدا.

كما قد يؤيد أيضا بأن وجوب تجهيزهم يقتضي تجهيزهم التجهيز المشروع، و الاكتفاء بتجهيز ذويهم- خصوصا التغسيل الذي هو عبادة لا يصح من المخالف لا يكون إلّا لتقية أو نحوها، و ذلك يناسب السؤال عن حكم القدرة علي تجهيزهم التجهيز الصحيح التي كثيرا ما تتحقق في حق الشيعة، فعدم التعرض لذلك في النصوص يناسب المفروغية عن عدم تكليف أهل الحق بتجهيزهم المناسب لما عرفت من المرتكزات إلّا إذا توقفت عليه المداراة الواجبة، فتجب بملاك وجوب التقية المعلوم عند الشيعة، و يأتي لذلك مزيد توضيح.

و الحاصل: أن ملاحظة جميع ما تقدم و التأمل فيه موجب للاطمئنان بعدم وجوب تجهيزهم، و لا أقل من كونه مقتضي الأصل بعد عدم وضوح دليل معتد به علي الوجوب. و إن كان الأمر محتاجا لمزيد من الملاحظة و التأمل.

هذا، و قد استدل في التهذيب علي عدم جواز تغسيل المخالف بأنه كافر تترتب عليه أحكام الكافر إلّا ما خرج بالدليل، و الكافر يحرم تغسيله إجماعا، و لموثق عمار المتقدم في أول المسألة. و هو بظاهره واضح الدفع، لأن كفر المخالف لا يناسب اكتفاء النبي صلّي اللّه عليه و آله بالشهادتين في الإسلام و لا النصوص الكثيرة الشارحة له بالإقرار

______________________________

(1) الوسائل باب: 5 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 5.

ص: 290

______________________________

بهما و الحاكمة بأنه أعم من الإيمان «1»، و موضوع الإجماع و الموثق علي عدم تغسيل الكافر ما يقابل ذلك و يقصر عن المخالف قطعا. نعم قد يستأنس بالموثق لعموم الحكم للمخالف بظهوره في كون التغسيل كرامة للميت لا تناسب انقطاع الولاية بين المؤمن و المخالف، كانقطاعها بينه و بين الكافر. و مجرد اعتصام ماله و دمه و نحوه بالإسلام لا ينافي ذلك. لكنه- لو تم- مخالف لظاهر كلامه قدّس سرّه هذا و يأتي بعض ما يتعلق بالمقام في أوائل الفصل السابع.

بقي في المقام أمور.
الأول: اشرنا في صدر الكلام في المسألة إلي تصريح جملة من الأصحاب بكراهة تغسيل المخالف.

و قد حمل في المدارك و غيرها الكراهة ممن حكم بعموم الوجوب الكفائي له علي أقلية الثواب، كما هو الحال عندهم في سائر موارد الكراهة في العبادات، علي كلام لا مجال لتفصيله موكول لمبحث اجتماع الأمر و النهي من الأصول.

و كأن وجه الكراهة ملازمته لعنوان ثانوي يقتضيها، و هو كونه مظهرا لتكريمه فلا ينبغي صدوره من المؤمن في ظرف إمكان تأدي الواجب بفعل غيره من المخالفين.

بل قد تثبت الكراهة في تغسيل بعض المؤمنين من المتجاهرين بالفسق، حيث قد يكون في تصدي بعض المؤمنين من ذوي المكانة لتغسيله نوع تشجيع و ترويج للفسق، فينبغي تجنبه و الاكتفاء بتغسيل غيره ممن ليست له تلك المكانة من المؤمنين و لا يلزم منه المحذور المذكور.

بل قد يبلغ الأمر مرتبة الحرمة، فيجب تصدي الغير مع وجوده، و مع عدمه و الانحصار بمن يلزم منه المحذور المذكور يقع التزاحم بين وجوب تجنب المحذور المذكور و وجوب التجهيز، فيقدم الأهم و لا ضابط لذلك.

لكن مقتضي القاعدة- مع عدم لزوم محذور محرم- هو وجوب تولي المؤمن لتغسيل المخالف مع القدرة بناء علي دخوله في عموم وجوب التغسيل، لبطلان عبادة المخالف عند الأصحاب، و لا سيما مع مخالفة غسلهم لغسلنا في الكيفية.

______________________________

(1) راجع الكافي كتاب الإيمان و الكفر باب الشرائع و باب دعائم الإسلام و باب: ان الإسلام يحقن به الدم و باب: ان الإيمان يشرك الإسلام و الإسلام لا يشرك الايمان و باب: ان الإسلام قبل الايمان ج 2 ص:

17- 28 الطبعة الحروفية.

ص: 291

______________________________

اللهم إلّا أن يخرج عنها بالسيرة علي الاجتزاء بفعلهم، حيث لا مجال لحملها علي خصوص صورة تعذر قيام المؤمن به، لما هو المعلوم من كثرة الابتلاء بموارد القدرة علي ذلك، فلو كان البناء علي وجوب تولي المؤمن ذلك لبان و ظهر و كثر السؤال عنه و عن فروعه و خصوصياته، بل لوقع الهرج و المرج، و حيث لم يحصل شي ء من ذلك كشف عن المفروغية عن الاجتزاء بتغسيل المخالفين لأمثالهم، و معه لا مانع من كراهة تولي المؤمن لذلك.

هذا، و لكن ذلك كما لا يمكن أن يكون للاجتزاء بتغسيل المخالف للمخالف، مع وجوب تغسيل المخالف كفائيا علي المؤمن يمكن أن يكون لعدم وجوب تغسيل المخالف علي المؤمن، بل الثاني هو الأنسب بمقتضي الجمع بين الأدلة، لأن إطلاق أدلة شرح التغسيل و أدلة بطلان عبادة المخالفين أقوي من إطلاق وجوب التغسيل بنحو يشمل المخالف لو تم، فجعل السيرة المذكورة مقيدة للإطلاق الثاني أولي من جعلها مقيدة للإطلاقين الأولين. و من هنا سبق منا تأييد عدم وجوب تغسيل المخالف بالسيرة المذكورة. فلاحظ.

ثم إنه قال في كشف اللثام: «و نص المفيد علي الحرمة لغير تقية. و هو الوجه عندي إذا قصد إكرامه لنحلته أو لإسلامه، و حينئذ لا استثناء لتقية أو غيرها.

و بالجملة: فجسد المخالف كالجماد لا حرمة له عندنا، فإن غسل كغسل الجمادات من غير إرادة إكرام لم يكن به بأس. و عسي أن يكون مكروها لتشبيهه بالمؤمن. و كذا إن أريد إكرامه لرحم أو صداقة و محبة. و إن أريد إكرامه لكونه أهلا له لخصوص نحلته أو لأنها لا يخرجه عن الإسلام و الناجين حقيقة فهو حرام. و إن أريد إكرامه لإقراره بالشهادتين احتمل الجواز». و لا يخفي ما في كلامه من الاضطراب، قد يكون منشؤه اختلاف عبارات الأصحاب و اضطراب كلماتهم. و لا سيما بملاحظة ما ذكره أولا من الحرمة إذا قصد إكرامه لإسلامه، و ما ذكره أخيرا من احتمال الجواز إذا قصد إكرامه لإقراره بالشهادتين.

و الذي ينبغي أن يقال: محل الكلام هو الغسل المقصود به المشروعية، و ليس التكريم و نحوه إلّا علة أو حكمة لتشريعه من دون أن يكون قصده قيدا فيه، فبناء

ص: 292

______________________________

علي اختصاص المشروعية بالمؤمن يكون تغسيل غيره محرما حرمة تشريعية، و لا يحرم الإتيان بصورة الغسل إلّا إذا كان فيه تكريم له و تأييد لمذهبه.

و هو الذي يحل للتقية، لتأديها به من دون توقف علي قصد الغسل المشروع، إلّا مع فرض غفلة المكلف عن تأديها بدونه، و أما بناء علي عموم المشروعية للمخالف فيكون تغسيله واجبا كفائيا، و إن كره أو حرم مباشرته مع تأدي الواجب بفعل الغير علي ما سبق الكلام فيه.

و أما قصد تكريم المخالف لرحميته أو نحوها من الجهات العاطفية فهو حرام مطلقا لحرمة موادة أهل الضلال و وجوب بغضهم و البراءة منهم بلا إشكال. و أولي بالحرمة قصد تكريمه لنحلته. و وجوب تغسيله لو تم ليس لجواز قصد تكريمه، بل هو تعبد محض. و كذا إكرامه لإقراره بالشهادتين، بل هو كإكرام الكتابي لإقراره باللّه سبحانه، لعدم صلوح بعض العقائد الحقة للتكريم، لأن الموجب للدخول في ولاية اللّه تعالي إنما هو تحقق جميعها.

الثاني: صرح في كتاب الجنائز من المبسوط و الخلاف و كتاب الجهاد من المنتهي و التذكرة بعدم تغسيل القتيل من أهل البغي،

و ذكر في كتاب الباغي من الخلاف أنه يغسل و يصلي عليه، و به صرح في مبحث الجنائز من المنتهي، بل قد يحمل عليه كلام كل من اقتصر في الاستثناء من وجوب تغسيل المسلم علي الغلاة و الخوارج أو مع النواصب، لأن الخوارج في العرف الفرقة المعروفة المتدينة بكفر أمير المؤمنين عليه السّلام بالتحكيم، لا كل من خرج علي الإمام.

بل قد يظهر من المنتهي الإجماع منا علي تغسيل الباغي، حيث اقتصر علي نسبة الخلاف إلي أبي حنيفة. و ظاهر المعتبر و التذكرة في كتاب الطهارة التوقف.

و استدل الشيخ للأول بأنه كافر. كما استدل في المنتهي للثاني بأنه مسلم. و يظهر حال الأول مما تقدم في استدلاله به لعدم تغسيل المخالف. و الثاني يبتني علي ثبوت عموم المسلم الذي عرفت الإشكال فيه.

علي أنه لو تم لزم الخروج عنه بما هو الظاهر من سيرة أمير المؤمنين عليه السّلام في البغاة عليه، حيث لم يعرف عنه تجهيزهم. بل روي ابن الأثير في الكامل أنه عليه السّلام أنكر

ص: 293

______________________________

علي من دفن أهل النهروان و قال: «أ تقتلونهم ثم تدفنونهم» «1». و مقتضاه منافاة جواز القتل للتجهيز، فيعم جميع البغاة، و لا يختص بمورده.

و في مرسل الاحتجاج عن صالح بن كيسان: «أن معاوية قال للحسين عليه السّلام:

هل بلغك ما صنعنا بحجر بن عدي و أصحابه شيعة أبيك؟ فقال عليه السّلام: «و ما صنعت بهم؟ قال: قتلناهم و كفناهم و صلينا عليهم. فضحك الحسين عليه السّلام فقال: خصمك القوم يا معاوية، لكنا لو قتلنا شيعتك ما كفناهم و لا غسلناهم، و لا صلينا عليهم و لا دفناهم [و لا قبرناهم]» «2».

نعم، لا مجال للاحتجاج بهما بعد عدم تمامية سندهما. فالعمدة سيرته عليه السّلام المشار إليها.

ثم إن المتيقن من البغاة الذين لا يجوز تجهيزهم من خرج علي الإمام العادل أو نائبه من دون نظر لعقيدته. دون غيرهم ممن دخل في حرب محرمة، كما لو اشترك المسلم مع الكفار في ضرب بيضة الإسلام من دون إمام عادل يحكم المسلمين، حيث لا يخلو جريان الحكم عليه عن إشكال، لأن قتال المسلمين للدفع عن بيضة الإسلام و إن كان مشروعا، بل واجبا مطلقا و لو مع عدم الإمام العادل، إلّا أن ذلك وحده لا يكفي في جريان حكم البغاة علي من قاتلهم و إن حرم فعله و حل قتله، لعدم أخذ عنوان البغاة و لا تحديده في الأدلة.

و أظهر من ذلك ما لو كان المقاتل مجبورا أو لم يتنقح له مشروعية الحرب من المسلمين الذين يقاتلهم، لشبهة موضوعية أو حكمية، لأن ذلك و إن لم يكف في جواز قتاله لهم إلّا أنه لم يتضح له جريان حكم البغاة عليه بعد ما تقدم، و عدم الابتلاء به في عصور المعصومين عليهم السّلام و موضوع سيرة أمير المؤمنين عليه السّلام غيره و التعدي منه له يحتاج إلي دليل. فلا مخرج عن عموم وجوب تجهيز المسلم أو المؤمن علي الكلام المتقدم.

الثالث: مقتضي إطلاق سيدنا المصنف قدّس سرّه هنا وجوب تغسيل المخالف علي الوجه المشروع عندنا

كما صرح به في المستند و الجواهر و غيرهما، و جعله في الحدائق

______________________________

(1) كامل بن الأثير: ج 3 ص: 348. طبعة دار صادر و دار بيروت.

(2) الوسائل باب: 18 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

ص: 294

______________________________

المتعين بناء علي وجوب التغسيل و استدل عليه غير واحد بأنه مقتضي إطلاق أدلة شرح التغسيل بعد فرض عموم وجوبه للمخالف.

لكن صرح جمهور الأصحاب بأنه يغسل غسل أهل الخلاف. من دون فرق بين من حكم بحرمة غسله إلّا لتقية- كما في المقنعة و غيرها- و من اقتصر علي كراهته- كما في المبسوط و النهاية- و من زاد عليها التعبير بجواز التغسيل- كما في الشرائع- أو التصريح بالوجوب الكفائي- كما في القواعد و الإرشاد و غيرهما- و في جامع المقاصد:

«و ظاهرهم أنه لا يجوز تغسيله غسل أهل الولاية، و لا نعرف لأحد تصريحا بخلافه».

و قد استدل عليه في كلام غير واحد بقاعدة الإلزام المستفادة من النصوص المتضمنة جريان أحكامهم عليهم، و أنهم يلزمون بما ألزموا به أنفسهم، و أن من دان بدين قوم لزمته أحكامهم «1».

و قد استشكل فيه.. تارة: بما في الجواهر من أن التغسيل خطاب للمغسل، لا للميت.

و أخري: بما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من عدم ظهور شمولها للأموات.

و يندفع الأول بأن الإلزام إنما يكون في الأحكام الموجهة لغير الملزم المتعلقة به، فلو وجب الإنفاق علي شخص لا يجب في دينه النفقة عليه جاز إلزامه بعدم وجوب الإنفاق و إن كان المخاطب بالإنفاق هو المؤمن. و الثاني بعدم الوجه في التوقف في شمول القاعدة للأموات مع إطلاق أدلتها، فلو كان من دين الموصي عدم نفوذ الوصية بالثلث جاز لورثته المؤمنين إلزامه بذلك.

فالعمدة في الإشكال في الاستدلال وجوه:

الأول: أن غاية مقتضاها جواز الإلزام بالاقتصار علي تغسيلهم، لا لزومه و حرمة الاقتصار علي تغسيلنا- كما هو ظاهر الأصحاب- لورودها مورد الإرفاق بالمؤمنين، كما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه.

و دعوي: أنه مع جواز الاقتصار علي تغسيلهم فاختيار تغسيلنا مظهر موادة منهي عنه.

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 3 من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه و باب: 4 من أبواب ميراث الأخوة و الاجداد.

ص: 295

______________________________

مدفوعة: بأنه لا مجال لاستفادة النهي عنه من الحيثية المذكورة بعد فرض كون الجواز مقتضي الجمع بين عموم دليل التشريع و قاعدة الإلزام.

نعم، لو كان الداعي لاختيار تغسيلنا الموادة كانت الموادة بنفسها محرمة. لكن الداعي قد يكون أمرا آخر، ككون تغسيلنا أيسر علي المؤمن و لو بسبب معرفته به و عدم احتياجه لتعلمه.

الثاني: أن موضوع القاعدة لما كان هو الإلزام فهي انما ترفع الأحكام المتمحضة في الخير للملزم و نفعه، وضعية كانت، كملكيتة، أم تكليفية كحرمة التصرف في ماله بغير إذنه، و ظاهر أدلة المقام و إن كان هو كون التغسيل خيرا للميت في الجملة، كما هو مقتضي المرتكزات أيضا، إلّا أنه لم يتضح تمحضه في ذلك، بل قد يكون لأمر راجع لغيره أيضا مما يقدم عليه من أمر الآخرة، نظير ما لو وجب تطهير المريض عند إرادة إدخاله المسجد، فإن التطهير و إن كان خيرا للمريض ارتكازا، إلّا أن فيها مراعاة لحرمة المسجد، و بلحاظ مثل ذلك لا يصدق الإلزام.

الثالث: أن قاعدة الإلزام لو جرت في المقام فهي إنما تقتضي عدم وجوب تغسيلهم التغسيل الصحيح المشروع عندنا بعد بنائهم علي عدم وجوبه، لا وجوب تغسيلهم التغسيل الثابت عندهم بعد كونه باطلا غير واجب عندنا، لأنها لا تقتضي بدلية مقتضي ديننا بمقتضي دينهم في حقهم، بل مجرد إلزامهم بمقتضي دينهم، و هو لا يقتضي إلّا ما ذكرنا.

و دعوي: أن وجوب تغسيلهم التغسيل الثابت عندهم هو مقتضي الجمع بين قاعدة الإلزام و وجوب التغسيل في الجملة الذي لا مجال لرفعه بالقاعدة المذكورة بعد كونه متفقا عليه بيننا و بينهم، فإذا وجب تغسيلهم و لم يجب أو لم يجز التغسيل بالوجه الصحيح عندنا لا بد من وجوب التغسيل الثابت عندهم و إلزامهم بصحته، لأنه مقتضي دينهم.

مدفوعة: بأن الخلاف بيننا و بينهم و إن كان في تعيين التغسيل لا في وجوبه، إلّا ان التشريع ثبوتا ليس إلّا لقضية واحدة، و هي وجوب التجهيز بالوجه الخاص الصحيح عندنا غير الواجب عندهم، و المفروض أن مقتضي قاعدة الإلزام عدم

ص: 296

______________________________

وجوبه علينا لهم إلزاما بمقتضي دينهم. و وجوب تغسيلهم التغسيل الصحيح عندهم يحتاج إلي دليل آخر غير القاعدة بعد ما أشرنا إليه من عدم تضمنها البدلية.

نعم، لو كان التشريع ثبوتا لقضيتين وجوب التغسيل، و كونه بالوجه الخاص المشروع عندنا، كان موضوع قاعدة الإلزام تعيين التغسيل، فيجوز أو يجب اختيار التغسيل الباطل عندهم بعد فرض عدم نهوضها بسقوط أصل التغسيل، لكونه مجمعا عليه بيننا و بينهم.

و كذا لو كانت قاعدة الإلزام إثباتية راجعة إلي حجية رأيهم ظاهرا لنا في الأحكام المتعلقة بهم، لا ثبوتية راجعة إلي تبدل الحكم المتعلق بهم واقعا في حقنا، إذ يتعين حينئذ اختصاصها بتعيين التغسيل المختلف فيه بيننا و بينهم، دون أصل وجوبه المتفق عليه.

لكن من المعلوم وحدة قضية التغسيل الشرعية ثبوتا و كون قاعدة الإلزام ثبوتية، فهي تقتضي رفع القضية المذكورة، من دون أن تقتضي ثبوت حكمهم في حقنا.

اللهم إلّا أن يقال: مفاد قاعدة الإلزام و إن كان هو إلزامهم بحكمهم، دون بدليته عن حكمنا، إلّا أن البدلية إذا كانت مقتضي نفس حكمهم الملزم به تعين البناء عليها لخصوصية المورد، كما لو كان الضمان عندنا بالمثل و عندهم بالقيمة فحكمهم بعدم وجوب المثل ليس استقلاليا، بل تابع لحكمهم بأن الضمان بالقيمة و إلزامهم بحكمهم إنما يكون بدفع القيمة بدلا عن المثل، و أما حرمانهم من المثل من دون دفع القيمة فهو ليس حكما لهم، ليصح إلزامهم به.

و نظيره المقام، لأن حكمهم بعدم وجوب غسلنا متفرع علي أن الغسل الواجب عندهم هو الغسل الآخر، فإلزامهم بحكمهم إنما يكون بالتغسيل بغسلهم لا بترك الغسلين.

نعم، يتجه ذلك لو لم يكن مقتضي حكمهم البدلية، كما لو وجب عندهم خدمة الزوجة لزوجها في شئون البيت و جاز خروجها من بيته بغير إذنه إذا لم يناف حقه، فلو كان الزوج مخالفا جاز لها إلزامه بجواز خروجها من بيته بغير إذنه من دون أن تخدمه في البيت، لعدم ابتناء خدمتها له علي البدلية عن خروجها بغير إذنه، بل كل منهما حكم مستقل عن الآخر من أحكام الزوجة.

ص: 297

______________________________

فالعمدة في الإشكال في الاستدلال بقاعدة الإلزام الوجهان الأولان.

و مثلها في ذلك ما في كشف اللثام من الاستدلال لوجوب التغسيل بغسلهم بأنه إنما يضطر إليه تقية و شبهها. و بأن في غسلنا زيادة الإكرام.

إذ فيه: أنه لا بد في التقية من حصول سببها الذي لا يختص بتغسيل المخالف، بل قد يحصل في تغسيل المؤمن أيضا. و زيادة الإكرام مستند للجعل الشرعي لوجوب التغسيل و كيفيته المفروض عمومه للمخالف.

نعم، لو لم يكن مبني تغسيل المخالف هو وجوبه ذاتا، بل للتقية و المداراة اتجه الاقتصار علي تغسيله بالوجه الثابت عندهم لغلبة تأدي التقية و المداراة به حتي مع علمهم ببطلانه عندنا لأنهم يهتمون غالبا بحصول ما هو الصحيح عندهم، و يصح الاعتذار لاختياره بذلك. فيحرم حينئذ تغسيله التغسيل الصحيح عندنا بما هو مشروع لهم، لما فيه من التشريع المتفرع علي البناء علي حرمتهم و أنهم بحكم المؤمن.

و من ثم لا يبعد أن يكون ذلك هو الوجه فيما تقدم من الأصحاب من أنه مع الاضطرار لتغسيل المخالف يغسل غسل أهل الخلاف، و يكون الجري عليه مع الحكم بوجوب تغسيلهم ذاتا- كما في القواعد و الإرشاد- للغفلة عن التنافي بين الأمرين و عدم مساعدة الأدلة علي الجمع بينهما.

كما لا يبعد أن يبتني عليه أيضا ذهاب المشهور لكراهة مباشرة تغسيلهم، حيث يكون في مباشرة تغسيلهم و لو بالوجه غير المشروع عندنا نحو من التكريم لهم الذي هو مرجوح ذاتا، بل قد يكون محرما لغير التقية، كما صرح به جملة ممن تقدم، و قد لا يأباه كلام بعض من نسبت له الكراهة.

و مما ذكرنا يظهر الحال فيما في الروض و المسالك و حكي عن جماعة من أنه مع الجهل بكيفية تغسيلهم يغسله غسل أهل الحق. حيث لا إشكال فيه مع كون مبني التغسيل المداراة و التقية، لتأديهما به حينئذ، لاستلزامه غالبا عدم حضور أهل الخلاف أو جهلهم بكيفية التغسيل عندهم- كي يتعذر الاستعلام منهم- فلا يكون الغسل الصحيح عندنا منافيا لها، بل مؤديا لها. غاية الأمر أنه لا يجب علي ذلك الاهتمام بتماميته مع عدم توقف التقية و المدارة عليه.

ص: 298

______________________________

أما بناء علي وجوب تغسيلهم ذاتا و تبدل الوظيفة في حقهم بتغسيلهم بالوجه الثابت عندهم فتبدل الوظيفة باختيار الغسل المشروع عندنا بمجرد الجهل بالغسل الثابت عندهم يحتاج إلي دليل. و لعله لذا تنظر فيه في جامع المقاصد.

و قد ظهر من جميع ما تقدم أن كلمات الأصحاب و تفريعاتهم في المسألة لا تناسب وجوب تغسيل المخالف ذاتا و عموم الأدلة له كالمؤمن، بل للمداراة و التقية المناسب للاختصاص بها، و مرجوحيته، بل حرمته تشريعا، بل ذاتا لو استلزم تكريمه، بدونها، كما تقدم من المقنعة و غيرها. و معه لا مجال لدعوي الإجماع علي وجوب التغسيل و الاستدلال بها في المقام، كما أشرنا إليه في صدر المسألة.

الرابع: قال شيخنا الأعظم قدّس سرّه: ثم لو غسل غسلنا فالظاهر ترتب الآثار عليه

من الطهارة و سقوط الغسل بمسه. و لو غسل غسلهم فالظاهر أنه كذلك، وفاقا لجامع المقاصد. و لعله للأمر به، فكان كالبدل الصادر من شخص مجتهد أو مقلد بالنسبة إلي غيره المخالف له في كيفية التغسيل. و أما تغسيلهم لموتاهم فلعله كذلك و إن لم يقع عليه أمر من اللّه، فيكون تغسيلهم كصلاتهم الموجبة للقبض المشروط في صحة الوقف. فتأمل.

و اللازم ابتناء المسألة علي ما تقدم من كون تغسيلنا لهم علي الكيفية المشروعة عندنا أو عندهم تغسيلا حقيقيا مشروعا ذاتا كتغسيل المؤمن، أولا، بل هو تغسيل صوري للمداراة أو التقية أو الإلزام.

فعلي الأول لا إشكال في ترتب آثار التغسيل الصحيح عليه، عملا بإطلاق أدلة تلك الآثار، بلا حاجة لقياسه علي ما يصدر من مجتهد أو مقلد بالإضافة إلي غيره، بل لا مجال له بعد كون الغسل في المقام صحيحا واقعا بنظر من يريد ترتيب الأثر.

و علي الثاني يحتاج ترتيبها إلي دليل خاص. و لا مجال لقياسه علي ما يصدر من مجتهد أو مقلد بالنسبة إلي غيره ممن يخالفه في الكيفية. لعدم ثبوت ذلك في المقيس عليه. و للفرق ببطلان الغسل في المقام حتي بنظر القائم به.

و مثله الكلام في تغسيلهم لموتاهم «1». و لا مجال لقياسه بصلاتهم الموجبة للقبض

______________________________

(1) أشرنا لحال تغسيلهم لموتانا في ذيل الكلام في تغسيل الكافر للمسلم في المسألة التاسعة عشرة.

ص: 299

______________________________

- بناء علي شرطيته لصحة القبض- لان القبض ليس بخصوص الصلاة الصحيحة، بل بالتصرف الحاصل بالصلاة الفاسدة أيضا، و لذا يتحقق من المؤمن بصلاته الفاسدة خصوصا مع الجهل بفسادها، بل بمقدمات الصلاة من الدخول للمسجد و نحوه.

علي أنه لو فرض كونه مختصا بالصلاة الصحيحة فدليل مشروعية الوقف عل عباداتهم مع فسادها يقتضي تبعا تحقق القبض بها، و إلّا احتاج للتنبيه و بيان ما يحقق القبض المصحح للوقف. إلّا أن يكون المراد الوقف للعام الذي لا يختص بعباداتهم، كالمسجد.

و حينئذ فالتزام عدم تحقق القبض بعباداتهم- لو كان مشروطا بالعبادة الصحيحة- ليس محذورا. إلّا أن يستفاد تحقق القبض بها من السيرة، لشيوع الابتلاء بعباداتهم في العصور السابقة مع البناء علي ترتيب أثر صحة الوقف.

و حينئذ فقد يجري نظير ذلك في المقام، بدعوي: أن حمل ما تضمن من النصوص سقوط غسل مس الميت بتغسيله علي خصوص المؤمن أو علي خصوص الغسل الصادر منه و لو لغيره بعيد جدا، لشيوع الابتلاء بغيره في عصر صدور تلك النصوص بنحو يغفل معه عن الاختصاص المذكور و يحتاج للتنبيه. و إن كان الأمر غير خال عن الإشكال.

الخامس: بناء علي عدم جواز تغسيل المخالف فلا إشكال ظاهرا في إلحاق أطفال المؤمنين بهم في الأحكام،

بل هو المتيقن مما تضمن تجهيز الطفل، و المناسب لإلحاق أطفال المسلمين و الكفار بآبائهم من السيرة و غيرها. بل لا يبعد البناء علي وجوب تجهيز أطفال المخالفين، إذ بعد إلحاقهم بآبائهم في الإسلام فلا يبعد كون الإسلام بنفسه مقتضيا للاحترام المناسب للتجهيز، كما يناسبه ما يأتي في المستضعف.

و إنكار الحق من سنخ المانع منه، و هو غير حاصل في طفل المخالف، و إلحاقه بأبيه في ذلك لا يخلو عن إشكال، لعدم وضوح حال السيرة في مثل ذلك.

نعم، لا إشكال في أن مقتضاها الاجتزاء بتجهيز أوليائهم من المخالفين لهم و عدم وجوب تصدي المؤمن لتجهيزهم بالوجه الصحيح و لو بإعمال عناية، نظير ما تقدم في الأمر الأول، فتأمل.

و نحو ذلك يجري في المستضعف و مجهول الحال، لفرض عدم إنكار الحق

ص: 300

______________________________

إنكارا يؤاخذ به من الأول، و الشك في ذلك في الثاني، و الأصل عدمه. و في صحيح الحلبي في الصلاة عليهما: «و إن كان المستضعف منك بسبيل فاستغفر له علي وجه الشفاعة [منك] لا علي وجه الولاية» «1».

و ظاهره أن له نحوا من الحرمة تستوجب جواز الشفاعة، و ما ذلك إلّا لحرمة الإسلام. بل قد تضمنت جملة من النصوص «2» رجاء السلامة للمستضعفين و نحوهم ممن لم يتحقق منهم جحود للحق لا يعذرون فيه، و إن لم يعرفوا الحق.

بل بعضها صريح في سلامتهم، ففي حديث إسماعيل الجعفي المتضمن بيان الدين الذي لا يسع الناس جهله: «قلت: فهل سلم أحد لا يعرف هذا الأمر؟ فقال:

لا، إلّا المستضعفين. قلت: من هم؟ قال: نساؤكم و أولادكم. ثم قال: أ رأيت أم أيمن؟ فإني أشهد أنها من أهل الجنة، و ما كانت تعرف ما أنتم عليه» «3». و ذلك يناسب حرمتهم و وجوب تجهيزهم فتأمل جيدا. و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

السادس: صرح غير واحد بوجوب تغسيل ولد الزنا،

و ادعي في الخلاف الإجماع عليه، و في المنتهي: «و لا نعرف فيه خلافا إلّا من قتادة». و قد استدل عليه فيهما بعموم تغسيل من قال: «لا إله إلّا اللّه» و تغسيل المسلم. لكن عرفت الإشكال في العموم.

بل مقتضي النصوص الكثيرة المروية من طرف الفريقين ان ولد الزنا لا يحب أمير المؤمنين عليه السّلام، و مرجعه إلي أنه يموت علي النصب الذي صرحوا بعدم جريان حكم الإسلام معه.

و يزيد الأمر إشكالا بناء علي عدم وجوب تغسيل المخالف و من جحد الحق، و لا سيما بملاحظة النصوص الكثيرة المتضمنة أنه لا يطيب و لا يدخل الجنة «4».

إلّا أن يجمع بين ذلك و بين الإجماع المدعي بلزوم ترتيب آثار الإسلام و الإيمان

______________________________

(1) الوسائل ج 3 باب: 2 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 4.

(2) تراجع النصوص المذكورة في الكافي كتاب الكفر و الإيمان و أبواب الضلال و المستضعف و المرجون لأمر اللّه و أصحاب الأعراف ج 2 ص: 401- 408 الطبعة الحديثة.

(3) اصول الكافي: ج: 2، ص 450 الطبعة الحديثة، كتاب الكفر و الإيمان باب المستضعف حديث: 6.

(4) البحار ج: 5 ص: 285 الطبعة الحديثة، راجع الوسائل باب: 14 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة من كتاب النكاح.

ص: 301

______________________________

بمجرد ظهور حال الإنسان في أحدهما إلي حين الموت، و لا ينظر إلي ما خفي علي الناس مما يتجدد في سكرات الموت، بل يختص أثره بعالم الآخرة. و لا سيما مع ما في صحيح ابن أبي يعفور: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إن ولد الزنا يستعمل، إن عمل خيرا جزي به، و إن عمل شرا جزي به» «1».

و في الصحيح عن أبي بكر الظاهر أنه الحضرمي الثقة: «قال: كنا عنده و معنا عبد اللّه بن عجلان، فقال عبد اللّه بن عجلان: معنا رجل يعرف ما نعرف، و يقال: انه ولد زناء، فقال: ما تقول؟ فقلت: إن ذلك ليقال له. فقال: إن كان ذلك كذلك بني له بيت في النار من صدر يرد عنه وهج جهنم و يؤتي برزقه» «2».

لظهورهما في إمكان سلامته و نجاته. و لا بد من مزيد فحص و سبر للنصوص و تأمل فيها. و ربما يأتي في نجاسة ولد الزنا من مباحث نجاسة الكافر ما ينفع في المقام.

السابع: أشرنا آنفا إلي إلحاق الأطفال بآبائهم المسلمين و الكفار في جريان أحكام الإسلام و الكفر عليهم،

كما صرح به غير واحد، و الظاهر عدم الإشكال فيه بينهم، و في الجواهر: «بلا خلاف أجده، بل الإجماع بقسميه عليه»، و عن وسائل الكاظمي في أطفال الكفار: «لا كلام في جريان حكم آبائهم في الدنيا من نجاسة و غيرها عليهم». و هو إجماع.

و يقتضيه السيرة القطعية علي ترتيب أحكام الإسلام و الكفر عليهم تبعا لآبائهم و إن لم يصفوا أحدهما. و في حديث حفص الذي لا يبعد اعتباره: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل من أهل الحرب إذا اسلم في دار الحرب فظهر عليهم المسلمون بعد ذلك. فقال: إسلامه إسلام لنفسه و لولده الصغار و هم أحرار، و ولده و متاعه و رقيقه له. فأما الولد الكبار فهم في ء للمسلمين، إلّا أن يكونوا أسلموا قبل ذلك … » «3»، و في مرسل الصدوق: «قال علي عليه السّلام: إذا أسلم الأب جرّ الولد إلي الإسلام، فمن أدرك من ولده دعي إلي الإسلام، فإن أبي قتل … » «4».

______________________________

(1) البحار ج: 5 ص: 285 الطبعة الحديثة.

(2) البحار ج: 5 ص: 287 ح 12.

(3) الوسائل باب: 43 من أبواب جهاد العدو: حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 3 من أبواب حد المرتد من كتاب الحدود و التعزيزات: حديث: 7.

ص: 302

______________________________

كما يقتضيه أيضا ما دل في الموارد المتفرقة علي إجراء الأحكام عليهم، كإعطائهم الزكاة و الكفارات و مناكحتهم و توارثهم و غير ذلك مما يذكر في محله. و منه في المقام الإجماع المدعي في المستند علي تغسيل أطفال المسلمين و السيرة القطعية علي ذلك، و النصوص الواردة في تجهيز الأطفال.

نعم، لا إطلاق فيها، لأنها بين ما ورد في قضية خارجية. و ما ورد لبيان كيفية تجهيزهم و واجباته. فالمرجع في العموم لأطفال غير المؤمنين الإطلاقات لو تمت، أو سبق في الأمر الخامس.

هذا، و المصرح به في كلام غير واحد كفاية إسلام أحد الأبوين في إجراء حكم الإسلام علي الطفل، و هو معقد إجماع الجواهر المتقدم. لكن الخبرين المتقدمين مختصان بإسلام الأب. و هو المتيقن من السيرة، لارتكاز تبعية الولد لأبيه عرفا، دون أمه. فالاعتماد علي إطلاق معقد الإجماع المتقدم في إثبات أحكام الإسلام بإسلام الأم لا يخلو عن إشكال.

كما أن المتيقن من السيرة أيضا ما إذا لم يكن الطفل مستقلا بالنظر و الإذعان بالإسلام أو الكفر، أما مع ذلك فمقتضي إطلاق الأدلة الشارحة لهما كونه مسلما أو كافرا حقيقة. فتلحقه أحكامهما بمقتضي إطلاق أدلتها و إن خالف أباه. و تحصيل السيرة علي خلاف ذلك في غاية الإشكال بعد ندرة ذلك. كما لا مجال للتعويل علي إطلاق معقد الإجماع، نظير ما سبق. و مثله حديث حفص، لقرب انصراف الصغر فيه إلي ما يكون سببا لعدم التوجه للإسلام و الكفر. فتأمل.

نعم، لا إشكال في شمول إطلاق المرسل للمميز، حيث فرع فيه علي جرّ الأب ولده إلي الإسلام عدم قبول الكفر منهم بعد الإدراك الذي لا إشكال في ظهوره في البلوغ الذي يؤاخذ معه علي الكفر، فيشمل بإطلاقه المميز المصرّ علي الكفر حال إسلام أبيه. إلّا أن ضعفه بالإرسال مانع من التعويل عليه في الخروج عن مقتضي القاعدة المتقدمة. و مجرد موافقة فتوي الأصحاب له لا يكشف عن اعتمادهم عليه الموجب لانجباره. و أما حديث رفع القلم عن الصبي فهو مختص برفع التكليف و المؤاخذة، و لا ينافي ترتب الأحكام الأخر، تبعا لترتب موضوعاتها. فالتعميم لا

ص: 303

______________________________

يخلو عن إشكال، و لا بد من مزيد التأمل.

ثم إن الظاهر أنه يكفي في الإلحاق بكل منهما التولد من الزنا. لصدق الولد به عرفا، بل شرعا، لعدم ثبوت ردع الشارع عن ثبوت النسب بالزنا، و إن ثبت ردعه عن بعض أحكامه معه، علي ما تقدم مفصلا في تحديد سنّ اليأس في الفصل الثاني من مباحث الحيض، و حينئذ فحيث كان مبني السيرة علي التبعية ارتكازا البنوة يتجه البناء عليها معه. و عدم وضوح ذلك من سيرة المتشرعة، لقلة الابتلاء به واقعا أو ظاهرا في عصرنا، لا يهم بعد ظهور تفرعها علي سيرة العرف علي التبعية في سائر الملل و الأديان التي كان المعيار فيها ارتكازا مجرد البنوة. كما أنه حينئذ مقتضي إطلاق حديث حفص و المرسل المتقدمين.

لكن في الجواهر: «نعم قد يشكل في ولد الزنا من كل منهما. و لا يبعد عدم جريان حكم الإسلام عليهما، و إن قلنا بطهارتهما. لكن قد يقال بوجوب تغسيلهما، لا للحكم بإسلامهما، بل لعدم الحكم بكفرهما، فتشملهما حينئذ العمومات الدالة علي تغسيل كل ميت. سيما مع ما دل علي أن كل مولود يولد علي الفطرة، و في الخلاف الإجماع علي أن ولد الزنا يغسل و يصلي عليه. و احتمال التفصيل بين ولد الزنا من المسلم و بينه من الكافر، فيلحق الأول بأبيه لغة دون الثاني ضعيف. بل لعل العكس أولي منه، لنفي ولد الزنا من المسلم شرعا، و عدم ثبوت ذلك في حق الكفار».

و هو كما تري يبتني:

أولا: علي غض النظر عن السيرة و الإطلاق اللذين أشرنا إليهما. بل الإنصاف أن وجوب تغسيل ولد الكافر من الزنا دون ولده من النكاح المعتبر مما تأباه المرتكزات المتشرعية جدا.

و ثانيا: علي ثبوت عموم تغسيل كل ميت، و قد سبق أن الدليل عليه ينحصر بموثق سماعة الذي سبق الإشكال في دليليته.

ثالثا: علي الاستشهاد بإجماع الخلاف المتقدم علي تغسيل ولد الزنا، مع أنه وارد لبيان تغسيله بعد فرض إسلامه، كما يناسبه استشهاده بعموم تغسيل من قال: «لا إله إلّا اللّه» في مقابل عدم قبول إسلامه، لا لبيان وجوب تغسيله مطلقا و لو كان طفلا لا

ص: 304

______________________________

يصف الإسلام من مسلم أو كافر. فهو أجنبي عن محل الكلام.

رابعا: علي الاستدلال بنصوص الولادة علي الفطرة التي اعترف في كتاب اللقطة بعد أن ذكر بعضها بإجمال دلالته و إعراض الأصحاب عنه. مع أنها قد تضمنت أن الفطرة هي التوحيد، و هو أعم من الإسلام، بل لا إشكال في صدق الكفر معه لو لم تتم بقية أركان الإسلام.

و أما صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن قول اللّه عزّ و جلّ: فِطْرَتَ اللّٰهِ الَّتِي فَطَرَ النّٰاسَ عَلَيْهٰا ما تلك الفطرة؟ قال: هي الإسلام. فطرهم اللّه حين أخذ ميثاقهم علي التوحيد، قال: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ و فيه المسلم و الكافر» «1».

و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «سألته عن قول اللّه عزّ و جلّ: حُنَفٰاءَ لِلّٰهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ قال: الحنيفية من الفطرة التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق اللّه. قال: فطرهم علي المعرفة به. قال زرارة: و سألته عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَليٰ أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قٰالُوا بَليٰ … الآية قال: أخرج من ظهر آدم ذريته إلي يوم القيامة فخرجوا كالذر فعرفهم و أراهم نفسه، و لو لا ذلك لم يعرف أحد ربه. قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: كل مولود يولد علي الفطرة. يعني: المعرفة باللّه خالقه. كذلك قوله: وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللّٰهُ*» «2».

و صحيح فضيل بن عثمان الأعور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ما من مولود يولد إلّا علي الفطرة فأبواه اللذان يهودانه و ينصرانه و يمجسانه. و إنما أعطي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله الذمة و قبل الجزية عن رءوس أولئك بأعيانهم علي أن لا يهودوا أولادهم و لا ينصروا.

و أما أولاد أهل الذمة اليوم فلا ذمة لهم» «3».

فلا دلالة لها علي أن الفطرة هي الإسلام بأصوله زائدا علي التوحيد، لتفسير الإسلام و الحنيفية في الأولين بالتوحيد و معرفة اللّه عزّ و جلّ، كما يظهر من تتمتهما.

______________________________

(1) أصول الكافي ج: 2 ص 12 الطبعة الحديثة باب: فطرة الخلق علي التوحيد من كتاب الإيمان و الكفر حديث: 2.

(2) أصول الكافي ج: 2 ص 12 الطبعة الحديثة باب: فطرة الخلق علي التوحيد من كتاب الإيمان و الكفر حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 48 من أبواب جهاد العدو و ما يناسبه: حديث: 3.

ص: 305

______________________________

و ما في الثالث من نسبة التهويد و التنصير و التمجيس للأبوين إنما هو بمعني كونهما سببا في إضافة أصول الأديان المذكورة علي مقتضي الفطرة- و هو التوحيد- في الولد، لا بمعني إخراجهما له عن الإسلام بأصوله المعروفة إلي الأديان المذكورة المباينة له.

و إلا لزم الحكم علي أولاد الكفار بالإسلام قبل أن يخرجهم آباؤهم إلي الكفر علي خلاف مقتضي الذمة الذي تضمنه الحديث.

علي أن من المعلوم أن المراد من ولادة المولود علي الفطرة تقبله لها بحسب طبعه، لا فعلية عقيدته بها التي هي المعيار في الإسلام، لما هو المعلوم من قصوره عن الإذعان بها حين ولادته إلي مدة طويلة، و لا إجراء أحكامها عليه تعبدا، لظهورها في بيان قضية واقعية خارجية، لا شرعية تعبدية عملية.

و مثله ما أشار إليه في ذيل كلامه من التفصيل بين ولد المسلم و الكافر بإلحاق الأول بأبيه لغة دون الثاني أو بالعكس لثبوت نفي الأول من أبيه شرعا دون الثاني.

لأن الأول تحكم قطعا. و الثاني مخالف لإطلاق أدلة النفي لو تمت دلالتها.

و إمضاء النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لحوق بعض الأولاد بآبائهم بحسب حكم الجاهلية المخالف لما عليه الإسلام قد يبتني علي إمضاء نكاح كل قوم عليهم، لعدم كونه عندهم زنا، أو علي إمضاء حكم الجاهلية في الأنساب الذي جروا عليه، كإمضاء كثير مما جروا عليه قبل سيطرة الإسلام. لا علي الفرق بين الكافر و المسلم مطلقا في نفي ولد الزنا. لمنافاته لإطلاق أدلة النفي لو تمت. و لذا لا إشكال ظاهرا في الحكم بقاعدة الفراش في حق الكفار، مع أن دليلها هو دليل نفي ولد الزنا المدعي في المقام.

الثامن: ما تقدم من إلحاق الطفل بأبيه أو أبويه في الإسلام و الكفر يجري في المجنون الذي يتصل جنونه بصغره،

لعدم الفرق بينهما في السيرة. و ما في الجواهر من الإشكال في ذلك، لثبوت التبعية في حق الطفل دون غيره. كما تري، لعدم أخذ الطفل في عموم لفظي للتبعية، و عدم الفرق بينه و بين المجنون في السيرة.

و إما لو لم يتصل جنونه بصغره فالظاهر جريان حكم ما قبل جنونه عليه، فإن جن بعد إسلامه بقي علي الإسلام، و إن جن بعد كفره بقي علي الكفر. كل ذلك للسيرة، بل قد يكون مقتضي الاستصحاب، علي ما يأتي. و في المستند دعوي الإجماع

ص: 306

______________________________

علي وجوب تغسيل مجانين المسلمين.

و أما استدلاله عليه علي وجوب تغسيل أطفالهم بالعمومات. فهو موقوف علي عموم تغسيل كل ميت، الذي سبق الكلام فيه. و إن ثبت اقتضي تغسيل مجانين الكفار و أطفالهم أيضا. و لا مخرج عنه إلّا السيرة أو الإجماع اللذين لو تما فيه تما في تغسيل مجانين المسلمين و أطفالهم بلا حاجة للعمومات، إذ ليس ملاكهما إلّا الإلحاق بالأب في الدين، و بقاء حكم ما قبل الجنون.

هذا، و في مبحث اللقطة من الجواهر بعد الحكم لتبعية الطفل و المجنون لأبويه في الإسلام قال: «بل الظاهر عدم الفرق في التبعية المزبورة بين إسلام الأب و إسلام الجد و إن علا و الجدات للأب أو الأم مع فرض عدم وجود الأقرب. أما معه فقد استشكل فيه الفاضل و ولده. و الأقوي فيه التبعية، تغليبا للإسلام، و لصدق القرابة المقتضية مع حياة الأقرب و موته، و كذا الذرية و الولد و غير ذلك مما هو دليل للتبعية مع موت الأقرب. و لا ينافيها أحقية الأبوين من غيرهما في بعض الأحوال».

و هو كما تري، لعدم وضوح الدليل علي عموم تغليب الإسلام بنحو يشمل المقام. و النبوي: «الإسلام يعلو و لا يعلي عليه» «1» - مع عدم وضوح حجيته، لعدم العثور عاجلا علي روايته في كتب أصحابنا إلّا مرسلا قاصر الدلالة علي ذلك. و عدم أخذ عنوان القرابة و غيرها مما ذكره في دليل التبعية، لينظر في عمومه للمقام.

بل ليس في المقام إلّا النص المتقدم المختص بالأب الظاهر منه الصلبي دون الجد، و لا أقل من خروجه عن المتيقن منه. و الإجماع الذي اعترف بعدم تحققه مع وجود الأقرب. و السيرة التي يشكل إحرازها معه أيضا، بل لا يبعد عدمها.

نعم، يظهر منه الإجماع علي التبعية للأبعد مع فقد الأقرب، كما لا يبعد ثبوت السيرة عليها حينئذ. بل لا يبعد عمومها لغير الآباء كالإخوان و الأعمام و الأخوال و غيرهم مع تبعية الطفل لهم خارجا و عدم وجود الأقرب. بل قد تكون التبعية الخارجية شرطا حتي في التبعية للجد، لعدم وضوح السيرة بدونه.

______________________________

(1) حكي عن كنز العمال: ج 1 ص 246 و الجامع الصغير: ج 1 ص 122.

ص: 307

______________________________

اللهم إلّا أن يقال: المتيقن من السيرة مساورتهم، لما في تركها مع التبعية الخارجية من الحرج العظيم علي المتبوع حينئذ، الذي يبعد من حال المتشرعة الوقوع فيه. و لعل ذلك يبتني علي طهارتهم، كما عليه جماعة من العامة و الخاصة، غاية الأمر انهم لا يساورون للنجاسة العرضية التي لا يعتد باحتمالها مع التبعية للمسلم. و لم يتضح شيوع ابتلاء من يري نجاستهم الذاتية ليتضح الحال من سيرتهم. علي أن البناء علي الطهارة لا يكشف عن البناء علي الإسلام، لإمكان التفكيك بينهما، كما يظهر مما يأتي من بعضهم في تبعية المسبي للسابي، فلا مجال للبناء علي التبعية في الإسلام و ترتيب جميع أحكامه و آثاره، كحل نكاحه و صيرورته مرتدا باختبار الكفر بعد البلوغ.

بل مقتضي الأصل عدم ترتب كثير من أحكامه، لأصالة البراءة من وجوب تجهيزه، و استصحاب نجاسته المتيقنة قبل إسلام المتبوع. بل لا يبعد جريان استصحاب الكفر في حقه بلحاظ الحال المذكور. لأن الظاهر الحكم عليه بالكفر تبعا لأبيه، فيستصحب، لا أنه محكوم بأحكام الكفر فقط ليرجع للأصل في كل بنفسه. فتأمل.

و مما تقدم يظهر الحال في التبعية للنساء كالأم و الجدات و الأخوات و الخالات، حيث تقدم في الأمر السابع الإشكال في التبعية للأم في الإسلام مع وجود الأب و عدم إسلامه. و مع فقده تبتني التبعية لها و لغيرها منهن علي ما ذكرناه هنا في الرجال من الكلام في كفاية التبعية الخارجية.

التاسع: صرح في المبسوط بإسلام الطفل المسبي منفردا عن أبويه تبعا للسابي.

و حكي ذلك عن الإسكافي و القاضي و الشهيد، و عن الإيضاح نسبته لظاهر الأصحاب، و في مفتاح الكرامة: «و به طفحت عباراتهم في أبواب الفقه.

لكن يظهر التوقف فيه من غير واحد، كالمحقق في الشرائع و العلامة في القواعد و غيرهما بل صرح بعدمه في جامع المقاصد و المسالك و حكي عن العلامة و ولده.

و قد استدل علي الإلحاق.. تارة: بالسيرة علي ترتيب أحكام الإسلام عليه كطهارته و تجهيزه.

و أخري: بنصوص الولادة علي الفطرة المتضمنة نسبة التهويد و التنصير و التمجيس للأبوين، فمع انفصاله عنهما يرجع لمقتضي الفطرة. و لعله إليه يرجع

ص: 308

______________________________

الاستدلال بانقطاع تبعيته لأبويه بانفصاله عنهما.

و ثالثة: بلزوم الحرج من إجراء أحكام الكفر عليه.

و يشكل الأول: بما تقدم في التبعية لغير الأب من الأقارب من احتمال ابتناء السيرة علي الطهارة علي عدم البناء علي نجاسة الكافر الذاتية، أو علي خصوصية الطهارة من بين أحكام الإسلام. و السيرة علي غير الطهارة كالتجهيز و المناكحة غير ظاهرة.

و الثاني: بما تقدم من أن نصوص الفطرة أجنبية عن محل الكلام، و ظاهر نسبة كفر الولد للأبوين فيها كونه السبب في التزامه به بعد استقلاله و تمييزه، لا في الحكم عليه به حال طفولته، و إلا لم يجعل عدمه من شروط الذمة، كما تقدم في صحيح فضيل.

علي أنه لو سلم فمقتضي إطلاقه التبعية لهما و لو بعد انفصاله عنهما.

و أما الاستدلال بانقطاع تبعيته لأبويه. فهو- مع توقفه علي كون المعيار في التبعية الاتصال، لا مجرد البنوة- لا يقتضي الحكم بإسلامه و ترتيب أحكامه، إلّا بضميمة أصالة الإسلام التي لا دليل عليها.

و أما الثالث: فهو مختص بالنجاسة التي التزم بعدمها غير واحد ممن منع التبعية في الإسلام، بل قيل بظهور كلماتهم في عدم الخلاف في ارتفاعها. و يوكل الكلام فيها إلي مبحث النجاسات. و هناك وجوه أخر لا مجال لإطالة الكلام فيها بعد ظهور ضعفها.

نعم، لو تم ما سبق منا من احتمال كفاية التبعية الخارجية في التبعية في الإسلام فقد يتجه البناء علي ذلك هنا. لأنه و إن تقدم اختصاصه بصورة فقد الأب، إلّا أن وجود الأبوين في المقام لا أثر له بعد انفصال الطفل عنهما بالنحو الحاصل في السبي، حيث لا شأنية له معه في الرجوع لهما و العيش في كنفهما، و لا يستحقانه بحسب أبوتهما.

و ليس هو كعيشه بين غير أبويه لأمر طارئ قابل للزوال، كفقر أو سفر، أو غير قابل له لكن لا يقتضي رفع استحقاقهما و ولايتهما علي الطفل، كعجز لازم لمرض أو غيره.

و من ثم فقد يساق حكمهم في المقام مؤيدا لما ذكرنا من الاحتمال.

لكنه لو تم لزم التبعية في الإسلام للسابي مع انفصاله عن أبويه بعد السبي، كما لو سباه معهما ثم ماتا، و كما لو سباه الكافر ثم باعه من مسلم، مع تصريح الشيخ في المبسوط و غيره بعدم التبعية في الأول، كما صرح غيره بعدمها في الثاني. و من ثم لا

ص: 309

______________________________

يتضح مبني الحكم عندهم إلّا محض التعبد الذي لا بد فيه من دليل تعبدي من نص أو إجماع كاشف عن رأي المعصوم، و كلاهما مفقود في المسألة، و بناؤها علي ما يناسب السيرة و المرتكزات في الجملة يقتضي كون المعيار أمرا آخر. و لذا لا مجال للبناء عليه، و يتعين الرجوع إلي ما يقتضيه الأصل المشار إليه في ذيل الأمر السابق.

العاشر: صرح جمهور الأصحاب بأن لقيط دار الإسلام محكوم بالإسلام،

و في الجواهر أنه لا خلاف فيه بين الأصحاب. و الظاهر أن مراد الكل الحكم عليه به ظاهرا، لا واقعا كالحكم به بإسلام الأبوين، و به صرح بعضهم. و قد اختلفوا في تحديد دار الإسلام، إلّا أنهم حيث صرحوا بعدم اختصاص الحكم بها، بل يجري في دار الحرب إذا كان فيها مسلم و لو كان أسيرا، و لم تؤخذ بعنوانها في النصوص، فلا يهم الكلام في تحديدها.

كما أنه حيث لم يكن في المسألة نصوص فاللازم النظر في كلمات الأصحاب، و يظهر منهم الاتفاق علي الحكم بإسلام اللقيط إذا كان في البلد مسلم مستوطن يمكن تولده منه، و إن كان المسلم أسيرا في دار الحرب، و إنما الكلام فيما لو لم يكن المسلم مستوطنا، كالتجار المارين.

و قد يستدل علي الحكم المذكور.. تارة: بتغليب جانب الإسلام المستفاد من مثل النبوي المتقدم: «الإسلام يعلو و لا يعلي عليه». و أخري: بنصوص الفطرة.

و ثالثة: بالنصوص الكثيرة المتضمنة أن اللقيط حر لا يملك «1». و رابعة: بالإجماع.

و يشكل الأول بما سبق في إسلام أبعد الآباء من عدم وضوح دليل علي عموم التغليب. و النبوي- مع عدم حجيته، كما سبق- ظاهر في عزة الإسلام و قوته ثبوتا تشريعا أو تكوينا، لا في تغليب جانبه بمثل التبعية ثبوتا، فضلا عن تقديم احتماله إثباتا لينفع في المقام.

و مثله الثاني، كما يظهر مما تقدم في تبعية ولد الزنا لأبيه.

كما يندفع الثالث: بأن الحرية أعم من الإسلام، لثبوتها للذمي. مع أن التعبد

______________________________

(1) تراجع النصوص المذكورة في الوسائل باب: 96 من أبواب ما يكتسب به من كتاب البيع، و كتاب العتق و باب: 22 من كتاب اللقطة.

ص: 310

______________________________

ظاهرا ببعض أحكام الإسلام لموافقته للأصل، أو لأهمية احتماله تبعا لأهميته، لا يستلزم التعبد بنفس الإسلام مع مخالفته للأصل.

علي أن مقتضي الوجهين الأولين تقديم احتمال الإسلام مطلقا و لو مع القطع بعدم وجود مسلم يحتمل تولده منه في البلد لا مارا و لا مستوطنا، كما لو احتمل كون اللقيط نفسه مسلما ضائعا أو منهوبا أو نحو ذلك، و لا يظهر منهم البناء علي ذلك.

كما أن ذلك مقتضي إطلاق النصوص المذكورة في الوجه الثالث. إلّا أن يدعي انصرافها إلي ما يوجد في بلاد الإسلام، فالتعميم لغيره- كما تقدم منهم- يحتاج إلي دليل.

و أما الرابع فيشكل بعدم وضوح كون اتفاق من تقدم مبنيا علي إجماع تعبدي، بل يقرب ابتناؤه علي بعض الوجوه الاعتبارية، كتغليب الإسلام و الاحتياط له و نحوهما.

فالعمدة في المقام السيرة الارتكازية. و لعل المتيقن من موردها البلاد الغالب فيها الإسلام، كما يناسبه بعض النصوص المتقدمة في الوجه الثالث للاستدلال علي وجوب تغسيل المخالف، و ما تضمن جواز الصلاة في الجلد الذي يصنع في الأرض التي يغلب فيها المسلمون، كصحيح إسحاق بن عمار عن العبد الصالح عليه السّلام: «أنه قال: لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني، و فيما صنع في أرض الإسلام. قلت: فإن كان فيها غير أهل الإسلام. قال: إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس» «1».

لأن الظاهر من مجموع النصوص و الفتاوي أن أمارة التذكية هي يد المسلم، فلولا صلوح الغلبة للحكم بإسلام من صنع الجلد لم تكن صالحة للحكم بتذكيته.

و لعله إلي هذا يرجع ما في المعتبر في المقام، حيث قال: «إذا وجد ميت فلم يعلم لمسلم هو أم كافر، فإن كان في دار الإسلام غسل و كفن و صلي عليه، و إن كان في دار الكفر فهو بحكم الكافر، لأن الظاهر أنه من أهلها و لو كان فيه علامات المسلم، لأنه لا علامة إلّا و يشارك فيها بعض أهل الكفر»، و قريب منه في المنتهي، لكن مع الاكتفاء بعلامة الإسلام في الحكم بإسلام من يوجد في دار الكفر.

حيث لا يبعد كون المعيار في نسبة الدار إلي الإسلام أو الكفر عندهما علي الغلبة تبعا للعرف. فلاحظ. و الأمر محتاج لمزيد فحص و تأمل.

______________________________

(1) الوسائل باب: 10 من أبواب أبواب النجاسات حديث: 5.

ص: 311

الأول: الشهيد (1) المقتول في المعركة (2) مع الإمام (3) أو نائبه (4) الخاص (5)،

______________________________

و لنكتف بهذا المقدار من فروع المسألة، و يأتي الكلام في بقية الفروع في المسألة الواحدة و السبعين و ما بعدها في أواخر أحكام الأموات إن شاء اللّه تعالي. و منه نستمد العون و التوفيق، و هو حسبنا و نعم الوكيل.

الموردان اللذان سقط غسل الميت فيهما
الأول الشهيد
اشارة

(1) بلا إشكال فيه في الجملة. و قد ادعي عليه إجماع أصحابنا في الخلاف و الغنية و المنتهي و التذكرة و المدارك و كشف اللثام و محكي نهاية الأحكام و الذكري و كشف الالتباس و مجمع البرهان، بل في المعتبر نسبته لإجماع أهل العلم عدا سعيد بن المسيب و الحسن البصري، كما خص الخلاف بهما في التذكرة، و في المنتهي أنه لا يعرف الخلاف فيه من غيرهما. و في الجواهر: «لا يغسل و لا يكفن و يصلي عليه إجماعا في الجميع محصلا و منقولا مستفيضا إن لم يكن متواترا، كالأخبار». و النصوص به كثيرة يأتي بعضها.

(2) يأتي تحديد ذلك منه قدّس سرّه.

(3) و هو المتيقن من الفتاوي، للاقتصار عليه في المقنعة و المراسم و الشرائع و القواعد و محكي التحرير. و من الظاهر أن المراد به ما يعم النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم، كما صرح به بعضهم. و يناسبه الاستدلال منهم بسيرته صلّي اللّه عليه و آله و سلّم، لأنه إمام أيضا، و إن كان الجمود علي عباراتهم يقتضي القصور عنه.

(4) كما صرح بالتعميم لهما مقتصرا عليهما في المبسوط و النهاية و الوسيلة و السرائر و المنتهي و محكي المهذب و الجامع. و لا يبعد أن يكون مرادا لمن اقتصر علي الإمام، لأنه في طوله، و متابعته متابعة له و لعله لذا نسبه للمشهور في مجمع البرهان.

(5) كما قيد بذلك في الروض و العروة الوثقي. و أما ما في الوسيلة من التعبير عن نائب الإمام بمن أقامه للجهاد فحيث يبعد إرادته الإقامة لخصوص وظيفة الجهاد، بل المراد الإقامة له و لو في ضمن بقية الوظائف يرجع للإطلاق. و لعل التقييد بالخاص في كلام من سبق لعدم بنائهم علي جعل النيابة العامة، كما يناسبه نسبة سيدنا المصنف قدّس سرّه التقييد لجملة ممن أطلق النائب، و إلا فلو فرض عموم نيابة الحاكم

ص: 312

أو في حفظ بيضة الإسلام (1).

______________________________

الشرعي تعين عموم الحكم للجهاد معه، لعدم المنشأ للتقييد من النصوص و الفتاوي بعد فرض عمومها للنائب.

و لا سيما مع الابتلاء بالنيابة العامة في عصر سلطان المعصومين عليهم السّلام حيث ورد أنهم قد ينصون علي أنه عند قتل المنصوب الخاص يختار المسلمون لهم أميرا، و الفرق بينه و بين المنصوب الخاص بعيد جدا.

(1) كما هو مقتضي إطلاق الجهاد اللازم أو السائغ أو بحق في الغنية و إشارة السبق و الدروس، و هو معقد الإجماع المتقدم من الغنية. بل صرح بالتعميم في المعتبر و جامع المقاصد و الروض و الروضة، كما حكي عن الذكري و الموجز و مجمع البرهان و المفاتيح و ظاهر الكافي و غيرها، و احتمله في التذكرة و محكي نهاية الأحكام و كشف الالتباس، بل لعله مقتضي إطلاق الشهيد في الخلاف و الإرشاد و اللمعة و محكي البيان، و هو معقد الإجماع المتقدم من الخلاف.

و يقتضيه صحيح أبان بن تغلب: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: الذي يقتل في سبيل اللّه يدفن في ثيابه، و لا يغسل، إلّا أن يدركه المسلمون و به رمق ثم يموت بعد فانه يغسل و يكفن و يحنط … » «1»، و نحوه صحيحه الآخر «2».

بل هو مقتضي إطلاق الشهيد في جملة من النصوص، منها صحيح إسماعيل بن جابر و زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «قلت له: كيف رأيت الشهيد يدفن بدمائه؟ قال:

نعم يدفن في ثيابه بدمائه و لا يحنط و لا يغسل و يدفن كما هو … » «3».

و المنع من عمومه- كما في كشف اللثام- أو دعوي إجماله- كما صدرت من سيدنا المصنف قدّس سرّه- في غاية الإشكال بعد الرجوع للعرف و اللغة، حيث يظهر منهما أن الشهيد هو القتيل في سبيل اللّه من دون خصوصية لأمر الإمام. بل قد يظهر بملاحظتهما و بملاحظة النصوص عمومه لمن لم يتصد للقتال إذا قتل من أجل الحق، و بذلك أطلق علي مثل أمير المؤمنين عليه السّلام.

______________________________

(1) الوسائل باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 9.

(2) الوسائل باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 7.

(3) الوسائل باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 8.

ص: 313

______________________________

نعم، يقصر عما إذا لم يكن القتال مشروعا بلا إشكال. و مثله في ذلك مضمر أبي خالد: «اغسل كل الموتي الغريق و أكيل السبع و كل شي ء إلّا ما قتل بين الصفين، فإن كان به رمق غسل، و إلا فلا» «1».

و ما ذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه من احتمال عدم وروده في مقام البيان. لا يناسب الاستثناء فيه الظاهر في الحصر و العموم، و لا التفصيل بين من يكون به رمق و غيره الظاهر في التصدي لبيان خصوصيات الحكم و عدم الاكتفاء ببيان أصل التشريع.

و بالجملة: لم يتضح الوجه في أخذ إذن الإمام أو نائبه في الحكم بعد الإشارة في النصوص إليه، و إنما المستفاد منها اعتبار كون القتال مشروعا و بحق، لاختصاص عنوان الشهيد به و مناسبة التكريم الذي هو مبني الحكم له. و من ثم قال في المعتبر بعد ذكر النصوص المطلقة: «فاشتراط ما ذكره الشيخان زيادة لم يعلم من النص».

بل لا يبعد كون التقييد بذلك في كلام الشيخين و غيرهما ممن سبق للتنبيه علي قصور الحكم و الموضوع عن المقتول مع سلاطين الجور و عدم مشروعية الجهاد معهم و لو بداعي ترويج الإسلام، لا عن غيره من موارد القتال بحق. فلاحظ.

و مما تقدم يظهر عموم الحكم لقتيل أهل البغي في فرض مشروعية قتالهم، كما صرح به جماعة من الأصحاب، بل الظاهر عدم الإشكال فيه عندنا، و هو داخل في معاقد الإجماعات المتقدمة، كما صرح بالإجماع عليه بالخصوص في التذكرة و المنتهي، و في الخلاف: «دليلنا أنه أجمعت الفرقة أنه شهيد، و إذا ثبت كان حكمه حكم قتيل المعركة».

و يقتضيه- مضافا إلي ذلك، و إلي إطلاقات النصوص المتقدمة، و إلي سيرة أمير المؤمنين عليه السّلام في قتلي أصحابه في حروبه الثلاثة، حيث لم يعرف عنه تغسيلهم- موثق عمار عن جعفر عن أبيه عليه السّلام: «أن عليا عليه السّلام لم يغسل عمار بن ياسر و لا هاشم بن عتبة المرقال و دفنهما في ثيابهما و لم يصل عليهما» «2»، و خبر أبي البختري وهب بن وهب عنه عليه السّلام:

«ان عليا عليه السّلام لم يغسل عمار بن ياسر و لا عتبة يوم صفين و دفنهما في ثيابهما و صلي عليهما» «3»، و ما في الأول من عدم الصلاة عليهما مطروح أو مؤول علي ما يتضح في محله.

______________________________

(1) الوسائل باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 4.

(3) الوسائل باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 12.

ص: 314

و ينبغي التنبيه لأمور يتم بها تحديد محل الكلام:
الأول: قد يدعي عموم سقوط الغسل لمن يقتل في الجهاد ضد الكفار مع سلاطين الجور

______________________________

بلحاظ كونه الشائع في عصر صدور أكثر النصوص و هي الواردة عن الصادقين عليهما السّلام لو لم ينحصر الأمر فيه، فعدم التنبيه فيها لعدم المورد لها أو ندرته موجب لظهورها في العموم له.

و فيه: أن مناسبة كون الحكم تكريما للقتيل، و إطلاق عنوان الشهيد عليه يقتضي فرض مشروعية قتاله، و لا مجال للبناء عل مشروعية القتال معهم بعد بلحاظ النصوص و الإجماع، فلا بد من كون عدم التنبيه في نصوص المقام لخروج القتال المذكور عن موضوعها للتقية، أو لظهور الحال للمخاطب، أو لأنها بصدد بيان حكم الشهيد في نفسه لبيان الوظيفة في الأفراد المذكورة عند العامة الذين يرون مشروعية قتالهم.

الثاني: قال في الجواهر بعد أن قرب العموم لكل جهاد مشروع:

«نعم قد يشعر قوله عليه السّلام في مضمر أبي خالد: إلّا ما قتل بين الصفين، باعتبار تقابل العسكرين في جريان خصوص هذا الحكم علي الشهيد، فلا يشمل من قتل من المسلمين بدون ذلك، كالمقتول اتفاقا أو كان عينا من عيونهم، أو نحو ذلك.

إلّا أن غيره من الأخبار مما اشتملت علي التعبير بالقتل في سبيل اللّه شاملة له.

و لعله الأقوي، لإطلاق جميع الأصحاب بالنسبة إلي ذلك، فيمكن حينئذ تنزيل قوله:

«بين الصفين»، علي ما لا ينافيه. فتأمل».

و لعله أشار بالأمر بالتأمل للإشكال فيما ذكره.. تارة: بأن المضمر لما كان مشتملا علي الاستثناء كان ظهوره في الحصر أقوي من إطلاق بقية النصوص، فيحكم عليها.

نعم، قد يشكل الاستدلال به بلحاظ ضعف سنده، لاشتماله علي غير واحد من المجهولين و المضعفين. إلّا أن تكون رواية الكليني و الشيخ له بنحو يظهر في الاعتماد عليه و استدلال جماعة من الأصحاب به جابرا لضعفه. فتأمل.

و أخري: بقرب انصراف إطلاقات الشهيد و المقتول في سبيل اللّه إلي الفرد المعهود من فرض التهيؤ للقتال، كما يناسبه تقسيمه إلي من يدركه المسلمون و به رمق و من لا

ص: 315

______________________________

يدركونه، الظاهر في المفروغية عن فرض القتال و انشغال المسلمين به عن قتيلهم.

و ثالثة: بأنه لا مجال لاستفادة ذلك من إطلاق الأصحاب بعد اشتراط جملة منهم في ثبوت الحكم للشهيد موته في المعركة، و تعرضهم لحكم ما لو مات بعد تقضي الحرب أو النقل من ساحة القتال، لظهور كلامهم في المفروغية عن فرض القتال بين الطرفين، و ما ذلك إلّا لفهمهم له من النصوص الذي قد يكون المنشأ له ما تقدم أو نحوه. و من ثم كان سقوط التغسيل فيمن ذكره في غاية الإشكال. و مثله الأسير الذي يقتل صبرا، لجريان ما سبق فيه.

و أما ما في موثق طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي بن الحسين: «قال:

سئل النبي صلّي اللّه عليه و آله عن امرأة أسرها العدو فأصابوا بها حتي ماتت، أ هي بمنزلة الشهيد؟

قال: نعم إلّا أن تكون أعانت علي نفسها» «1»، فمن القريب أن يراد منه التنزيل في الأجر و الفضيلة، لا ما يعم الحكم المذكور. بل حيث لم يكن سقوط الغسل من أحكام مطلق الشهيد فإطلاق التنزيل منزلة الشهيد لا ينفع في إثباته.

نعم، لو كان قتله في أثناء المعركة و من لواحقها و شئونها لم يبعد عموم الحكم له، لأنه عرفا من توابع الجهاد ذي الحكم المذكور، كما قد تناسبه السيرة، حيث ورد قتل بعض الأسري في معارك صفين و كربلاء، و لم يعرف تغسيلهم بعد المعركة. و إن كان الأمر لا يخلو عن إشكال.

الثالث: قد يدعي عموم سقوط الغسل لمن قتل مظلوما في سبيل أمر راجح

من أمر بمعروف و نهي عن منكر، أو إقامة فريضة، أو تبني دعوة حقة، من دون أن يتصدي للقتال. لكن لا مجال له بالنظر لما سبق، و بالنظر للسيرة، بل لا إشكال في تغسيل من قتل بالنحو المذكور بالسيف، أو السم من المعصومين عليهم السّلام.

مضافا إلي قرب انصراف الشهيد في النصوص لخصوص من يتصدي للقتال في الجهاد المعروف. و مثله سبيل اللّه، لأن سبيله تعالي و إن كان يصدق حقيقة علي كل مطلوب له، إلا أنه لا يبعد انصرافه عند المتشرعة لخصوص الجهاد بسبب شيوع إطلاقه عليه في الكتاب و السنة.

______________________________

(1) الوسائل باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 6.

ص: 316

______________________________

و لا سيما بملاحظة معتبر يونس بن يعقوب: «ان رجلا كان بهمدان ذكر أن أباه مات و كان لا يعرف هذا الأمر فأوصي بوصية عند الموت، و أوصي أن يعطي شي ء في سبيل اللّه، فسئل عنه أبو عبد اللّه عليه السّلام كيف نفعل، و أخبرناه أنه كان لا يعرف هذا الأمر. فقال: لو أن رجلا أوصي إلي أن أضع في يهودي أو نصراني لوضعته فيهما …

فانظروا إلي من يخرج إلي هذا الأمر [الوجه] يعني: بعض الثغور فابعثوا به إليه» «1».

و لا ينافيه ما في بعض النصوص الواردة في المال الموصي به في سبيل اللّه من أن سبيل اللّه شيعتنا «2»، و في آخر من أنه يصرف في الحج، لأنه أفضل سبله «3»، و في ثالث من أنه عليه السّلام قال: «هاتها» ثم أمر بدفعها لعيسي شلقان «4».

لأن التصدي في هذه النصوص للتطبيق ظاهر في عدم كونه عرفيا، بل هو إما تعبدي، أو بلحاظ المفهوم الحقيقي، كما لعله الظاهر من الثالث، لظهور صدره في أن ذلك هو مراد الموصي، لإصراره علي العنوان المذكور من دون تفسير له و ظهور ذيله في لزوم متابعته، بخلاف معتبر يونس، لظهوره في أن البعث به لمن يخرج للثغور مقتضي مراد الموصي بطبعه من دون كلفة، لكونه المفهوم من كلامه عرفا، و أن التوقف الموجب للسؤال إنما هو لاحتمال عدم وجوب موافقة مراده، كما يظهر من تمهيده عليه السّلام ببيان أهمية موافقة الوصية.

نعم، لو فرض التصدي للقتال في ذلك لمشروعيته بأمر الإمام عليه السّلام أو بدونه دخل في الجهاد المشروع و لحقه الحكم، لما سبق. فلاحظ.

الرابع: يجب غسل من قتل دون أهله و ماله

علي ما صرح به جماعة كثيرة، و في المعتبر و التذكرة و المنتهي و الروض و محكي نهاية الأحكام دعوي الإجماع عليه. فإن النصوص و إن تضمنت مشروعية قتاله، إلّا أنه لا يصدق عليه القتل في سبيل اللّه بعد كون الغاية منه أمرا آخر، كما لا يبعد انصراف ما تضمن عنوان القتل بين الصفين إلي الجهاد المعهود الذي تضمنه قوله تعالي: إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقٰاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيٰانٌ مَرْصُوصٌ «5». و أما ما تضمن من تلك النصوص أنه شهيد، فلا يبعد حمله علي

______________________________

(1) الوسائل باب: 33 من كتاب الوصايا حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 33 من كتاب الوصايا حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 33 من كتاب الوصايا حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 33 من كتاب الوصايا حديث: 3.

(5) الصف: 4.

ص: 317

و يشترط فيه أن يكون خروج روحه في المعركة (1)

______________________________

التنزيل بلحاظ الثواب، دون عموم التنزيل، فضلا عن التطبيق الحقيقي. و لذا كان ظاهر الأصحاب المفروغية عن اختصاص الحكم بالجهاد المعروف، و عدم شموله للمقام.

كما لا يشمل جملة ممن أطلق عليه عنوان الشهيد في الأخبار، كما حكوه في المبطون و المطعون و الغريق و المهدوم عليه و النفساء «1»، مدعين الإجماع علي وجوب التغسيل في جملة منهم.

و الأمر فيهم أظهر مما سبق، لعدم صدق أكثر العناوين المتقدمة في النصوص عليهم، و مجرد إطلاق الشهيد عليهم- لو تم- لا ينفع، لأن سقوط الغسل ليس من أحكام مطلق الشهيد، بل خصوص القتيل، كما يظهر من مجموع النصوص المتقدمة.

مضافا إلي السيرة، و بعض النصوص الواردة في الغريق و النفساء «2».

(1) اختلفت عبارات الأصحاب في المقام. ففي المبسوط: «و من حمل من المعركة و به رمق ثم مات نزع عنه ثيابه و غسل»، و نحوه في النهاية و إشارة السبق و السرائر، و هو مقتضي ما في الغنية من حصر سقوط الغسل بقتيل المعركة، و ما في المراسم من تغسيل قتيل غير المعركة من قسمي القتيل بين يدي الإمام، و ما في الشرائع و النافع و القواعد و الدروس و الروضة من اشتراط الموت في المعركة في سقوط التغسيل، و نسبه للأصحاب في المدارك و محكي مجمع البرهان، بل في الثاني: «و كأنه إجماعي»، و في جامع المقاصد أنه مقتضي إطلاق الأصحاب، و في الحدائق أنه المفهوم من كلامهم.

لكن اعتبر في الخلاف و المنتهي في وجوب غسله مع نقله من المعركة موته بعد انقضاء الحرب، و اكتفي في المعتبر و التذكرة في وجوب الغسل بأحد الأمرين من نقله من المعركة حيا و انقضاء الحرب حيا.

و في جامع المقاصد و الروض و المدارك و محكي الذكري و مجمع البرهان أن

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، مصباح المنهاج - كتاب الطهارة، 6 جلد، مؤسسة المنار، قم - ايران، ه ق مصباح المنهاج - كتاب الطهارة؛ ج 6، ص: 318

______________________________

(1) تضمن ذلك مرسل الدعائم المروي في البحار ج: 81 ص: 245 الطبعة الحديثة، باب: 48 آداب الاحتضار و أحكامه من أبواب الجنائز من كتاب الطهارة.

(2) تراجع النصوص المذكورة في باب: 48 من أبواب الاحتضار و باب: 31 من أبواب غسل الميت من الوسائل.

ص: 318

______________________________

ظاهر الأخبار كفاية إدراك المسلمين له حيا في وجوب التغسيل و إن لم تنقض الحرب و لا نقل من المعركة، و حكي القول به عن المهذب. بل في المقنعة: «و المقتول في سبيل اللّه … إذا مات من وقته و لم يكن عليه غسل … و إن لم يمت في الحال و بقي ثم مات بعد ذلك غسل».

و أما ما في الإرشاد و التبصرة و اللمعة من إطلاق سقوط الغسل عن الشهيد، فكأنه غير مراد لهما، بل مرادهما الإشارة لبيان سقوط تغسيله في الجملة، لأن الكتب المذكورة متون غير مبتنية علي التفصيل، و إلا فمن البعيد بناؤهما علي الإطلاق مع ظهور اتفاق الأصحاب علي التقييد في الجملة، و شهادة النصوص به، و بناؤهما عليه في جملة من كتبهما. إلّا أن يبتني الإطلاق المذكور علي أخذ القيد في عنوان الشهيد و لو اصطلاحا.

و كيف كان، فاللازم النظر في النصوص.

و قد أطلق في بعضها سقوط الغسل عن الشهيد كصحيح إسماعيل بن جابر و زرارة «1» المتقدم في أول الكلام في حكم الشهيد. لكن لا بد من الخروج عنه بما تضمن التقييد و عدم شمول ذلك لبعض أفراده، علي الخلاف في تحديده. و قد أطلق في جملة منها تغسيل من به رمق، كصحيح أبان بن تغلب «2» و موثق أبي مريم أو صحيحة «3» و مضمر أبي خالد «4» المتقدم.

و لعله هو الوجه فيما تقدم من المقنعة من اعتبار موته من وقته. إلّا أنه حيث يبعد إرادة من يموت بمجرد الإصابة، لغلبة تأخر الموت عنها قليلا، كما لا طريق غالبا لإحراز ذلك و إن وجد ميتا في المعركة، بل مقتضي الاستصحاب حياته بعد الإصابة، فلا يكون الحكم عمليا، تعين كون المعيار في بقاء الرمق أمرا آخر غير الإصابة، بل قد يكون ذلك موجبا لإجمال ما تقدم من المقنعة أيضا.

و من هنا لا يبعد حمل الإطلاق في النصوص المتقدمة علي ما إذا كان به رمق حين الوصول إليه و الاطلاع علي حاله، لا بعد الإصابة مباشرة. بل هو المتعين بلحاظ صحيح أبان الآخر «5» المتقدم في أول الكلام في حكم الشهيد المتضمن استثناء

______________________________

(1) الوسائل باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 8.

(2) الوسائل باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 7.

(3) الوسائل باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

(5) الوسائل باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 9.

ص: 319

______________________________

خصوص من أدركه المسلمون و به رمق من عدم وجوب التغسيل. و كأنه لأجل ذلك سبق عن المهذب و الذكري و من تبعهما أن ذلك هو المستفاد من النصوص.

و دعوي: أن الظاهر اتحاد صحيحي أبان، و أن الاختلاف بينهما ناشئ عن النقل بالمعني، فيلزم إجراء حكم اضطراب المتن عليهما و سقوطهما معا عن الحجية.

مدفوعة: بأنه لو تم اتحادهما فحيث كان الفرق بينهما بالإجمال و التفصيل تعين حجية المفصل منهما عرفا، و لم يلحقهما حكم التعارض المسقط لهما عن الحجية بعد فرض حجية النقل بالمعني، لأصالة عدم خطأ الراوي في فهم التفصيل من الإمام عليه السّلام و لا في بيانه.

و لا سيما مع ما ذكرنا من القرينة علي عدم إرادة بقاء الرمق بالإضافة إلي الإصابة، حيث لا يبعد صلوحها بنفسها لتفسير الإطلاق بالوجه المطابق للصحيح المفصل. فلا مجال لرفع اليد عما تضمنه الصحيح المذكور من كون المعيار عدم بقاء الرمق حين إدراك المسلمين له.

لكن الظاهر أو المتيقن من إدراك المسلمين له حيا إدراكهم له حين تفقدهم للجرحي لإسعاف من يمكن إسعافه منهم أو لنحو ذلك، لا مجرد مشاهدتهم له حال انشغالهم عنه بالقتال، لعدم وضوح صدق الإدراك بذلك، و لغلبة قتال الجماعة الكثيرة بنحو ينظر بعضهم لبعض عند تساقطهم و يمر بعضهم علي بعض في الحال المذكور مع كثرة الإصابات غير المميتة في الوقت، و الالتزام بوجوب التغسيل في ذلك بعيد جدا، نظير ما تقدم في النصوص التي أطلق فيها وجوب الغسل ببقاء الرمق.

بل تقدم في بعض النصوص أن أمير المؤمنين عليه السّلام لم يغسل هاشم المرقال «1»، مع أنه ورد في التاريخ أنه لم يمت بمجرد إصابته بل له حديث بعدها قبل موته «2».

و علي هذا يتعين الاكتفاء في وجوب التغسيل بحياته بعد انقضاء الحرب عند تفقد المصابين، و بحياته عند نقله من المعركة و لو مع بقاء الحرب، لتهيؤ جماعة لتفقدهم في أثنائها، كما تقدم من المعتبر و التذكرة.

______________________________

(1) الوسائل باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 12.

(2) كتاب واقعة صفين: لنصر بن مزاحم ص 353، 355.

ص: 320

______________________________

بل مقتضي ذلك وجوب تغسيله لو أدركه هؤلاء حيا و هو في مكانه و مات قبل نقله من المعركة و قبل انقضاء الحرب، اما لدخولهم وسط المعركة لتفقد المصابين، أو لغلبة المسلمين علي أرض المعركة مع استمرار الحرب.

بل لا يبعد الاكتفاء ببقائه حيا بعد انقضاء الحرب مدة معتدا بها، بحيث لو تفقدوه بعدها لوجدوه حيا و إن مات قبل أن يدركوه أما لعدم تفقدهم له أو لتأخرهم عن تفقده مدة طويلة علي خلاف ما يقتضيه وضع الحرب، حيث لا يبعد فهم عدم خصوصية الإدراك عرفا من النص إلّا لملازمته للأمد المذكور.

و لعل هذا هو المراد مما في الخلاف من الإجماع علي وجوب تغسيل من مات بعد انقضاء الحرب. و إلا فلا مجال للبناء علي إطلاقه بنحو يشمل من مات بعد انقضائها بأمد قصير فلم يدركوه بعد إطلاق النصوص المذكورة المحمول علي الموت قبل إدراكه حيا.

و منه يظهر ضعف ما تقدم من المشهور من إطلاق سقوط تغسيل من مات في المعركة، بل هو معقد إجماع غير واحد، كالخلاف و الغنية و المعتبر و التذكرة، فإنه شامل لما إذا لم يدركوه لعدم التفقد أو للتأخر فيه مدة طويلة علي خلاف ما يقتضيه وضع الحرب، بل لمن أدركوه حيا عند تفقدهم للمصابين قبل انقضاء الحرب أو بعده فلم ينقلوه من المعركة حتي مات، و قد عرفت أن مقتضي النص وجوب التغسيل خصوصا في الثانية.

و لا مجال للخروج عنه بالإجماع المدعي، لقرب استناد المجمعين له و إن لم يطابقه كلامهم. بل قد يدعي انصراف كلامهم عما إذا مات بعد انقضاء الحرب، و لا سيما مع الإجماع المتقدم من الخلاف. و يأتي تمام الكلام في ذلك.

و أضعف منه ما تقدم من الخلاف و المنتهي من عدم تغسيل من نقل من المعركة حيا و مات قبل انقضاء الحرب، فإنه مناف لإطلاق وجوب التغسيل بإدراك المسلمين له حيا. و أما ما في المنتهي من الاستدلال له بما روي عن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم: «أنه قال يوم أحد: من ينظر ما فعل سعد بن الربيع. فقال رجل: أنا أنظر لك يا رسول اللّه، فنظر فوجده جريحا به رمق. فقال له: ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أمرني أن أنظر في الأحياء أنت أم في

ص: 321

______________________________

الأموات. فقال: أنا في الأموات، فأبلغ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عني السلام. قال: ثم لم أبرح أن مات» «1» قال قدّس سرّه: «و لم يأمر النبي صلّي اللّه عليه و آله بتغسيل أحد منهم».

ففيه: أن النبوي- مع ضعفه بالإرسال- أجنبي عن المدعي، و إنما يدل- لو تم عدم أمره صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بتغسيل أحد منهم- علي عدم وجوب تغسيل من مات في المعركة و إن أدركه المسلمون حيا بعد انقضاء الحرب، الذي سبق أنه مقتضي إطلاق المشهور، و إن كان مخالفا لإطلاق النص و الإجماع المتقدم من الخلاف.

و من ثم احتمل سيدنا المصنف قدّس سرّه حمل نصوص المقام علي ما إذا أدركه المسلمون و حملوه من المعركة حيا- فيوافق المشهور- بقرينة النبوي المذكور المعتضد بالسيرة. قال: «إذ الظاهر أنه لم يكن من دأب النبي صلّي اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السّلام تغسيل من تنقضي الحرب و به رمق ثم يموت في المعركة». لكن حمل النص علي ذلك بعيد عن ظاهره جدا، لظهور أن الإدراك سابق علي النقل، فإناطة الحكم به لا يناسب كون موضوعه النقل جدا، و جعل الإدراك كناية عن النقل تكلف غير عرفي.

نعم، يناسبه مرسل دعائم الإسلام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال في الشهيد إذا قتل في مكانه فمات دفن في ثيابه و لم يغسل، و إن كان به رمق و نقل عن مكانه فمات غسل و كفن» «2». لكن لا مجال للتعويل عليه في نفسه، فضلا عن رفع اليد به عما سبق.

و أما دعوي السيرة المذكورة فليست هي بأولي من دعوي السيرة أيضا علي عدم تغسيل من كانت إصابته قاتلة عرفا، بحيث يكون منتظرا من أجلها و إن تأخر موته بعد انقضاء الحرب بقليل أو نقل من المعركة قبل موته لتجنيبه الوطء الموهن له أو المجهز عليه، حيث لا يبعد شيوع ذلك في الحروب، خصوصا لذوي الشأن، بل نقل تاريخيا في جملة منها، كحرب بدر التي نص المؤرخون علي نقل عبيدة بن الحارث فيها، و واقعة الطف و لم يعهد التغسيل فيهما. بل في معتبر زيد بن علي عن أبيه عن آبائه عن علي عليه السّلام: «قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: إذا مات الشهيد من يومه أو من الغد

______________________________

(1) حكي عن سيرة ابن هشام علي هامش الروض الأنف ج: 2 ص: 141 و ذكره مع اختلاف بعض الخصوصيات ابن الأثير في تاريخه ج: 2 ص 611 طبعة دار صادر و دار بيروت.

(2) مستدرك الوسائل باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

ص: 322

قبل انقضاء الحرب (1) أو بعدها بقليل (2) و لم يدركه المسلمون و به رمق، فإذا أدركه المسلمون و به رمق غسل علي الأحوط وجوبا (3). و إذا كان في

______________________________

فواروه في ثيابه، و إن بقي أياما حتي تتغير جراحته غسل» «1».

لكن من الظاهر أنه لا مجال للخروج عن النصوص المتقدمة المعول عليها عند الأصحاب بالحديث المذكور بعد تصريح الشيخ بعدم العمل عليه لموافقته للعامة الذي يشهد له إعراض الأصحاب عنه، كما لا مجال للتعويل في الخروج عنها علي دعوي السيرة في المقامين بعد عدم وضوح أسانيد الوقائع، و عدم القطع بعدم صدور التغسيل في ظرف تيسره.

و إن كان الإنصاف أن مفاد النصوص لا يخلو عن مشقة لا تناسب مقام العمل، خصوصا في الحروب العظيمة. و من ثم لا يخلو الأمر عن إشكال. و اللّه سبحانه و تعالي العالم. و منه نستمد التوفيق و التسديد.

(1) مقتضاه سقوط تغسيله لو أدركه المسلمون المعدون لتفقد المصابين حيا في المعركة قبل انقضاء الحرب، و قد سبق أنه مخالف لإطلاق النص الذي يأتي منه قدّس سرّه التوقف في الخروج عنه بالشهرة و غيرها. إلّا أن يكون قوله: «و لم يدركه المسلمون … »

قيدا لهذا أيضا، لا مختصا بما بعده.

(2) الظاهر أن المراد به ما إذا كان عدم الإدراك ناشئا عن سرعة موته بعد الحرب في مقابل ما إذا كان ناشئا عن عدم تصديهم لتفقد القتلي أو تأخرهم علي خلاف ما يقتضيه وضع الحرب. و قد تقدم منا التعرض لذلك.

(3) كأنه لأن مقتضي إطلاق النص وجوب تغسيله، و مقتضي إطلاق المشهور المعتضد بالنبوي و السيرة التي تقدم منه قدّس سرّه تقريبها عدم وجوبه. لكن من الظاهر أن التغسيل لا يطابق الاحتياط لا لأن حرمته ذاتية في حق الشهيد، بل لتوقفه علي غسل الدم عنه، مع ظهور النصوص في وجوب إبقائه عليه، كما صرح به في صحيح إسماعيل بن جابر و زرارة المتقدم و غيره، و هو الظاهر من الأمر في بقية النصوص

______________________________

(1) الوسائل باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 5.

ص: 323

المعركة مسلم و كافر و اشتبه أحدهما بالآخر وجب الاحتياط (1)

______________________________

بدفنه كما هو في ثيابه.

و من هنا يتعين استفراغ الوسع في مفاد الأدلة، ثم التخيير، لعدم وضوح المرجح لأحد الاحتمالين، و لا مجال للاحتياط، للدوران بين محذورين.

(1) كما مال إليه في المعتبر. قال: «و لو قيل بمواراة الجميع ترجيحا لجانب حرمة الإسلام كان صوابا».

و قد يظهر من المبسوط و الخلاف جوازه مع جواز التمييز بحجم الذكر فيرتب حكم المسلم علي صغيره و حكم الكافر علي كبيره، و اقتصر علي الثاني في النهاية و الشرائع و القواعد و المختلف و الدروس و اللمعة و جامع المقاصد و حكي عن جماعة لحديث حماد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يوم بدر: لا تواروا إلّا من كان كميشا. يعني من كان ذكره صغيرا. و قال: لا يكون ذلك إلّا في كرام الناس» «1»، و رواه عن حماد مرسلا في محكي الذكري «2».

و أرسل في المبسوط عن أمير المؤمنين عليه السّلام: أنه قال: «ينظر مؤتزرهم، فمن كان صغير الذكر يدفن» «3» و أرسل نحوه في الخلاف عنه عليه السّلام «4».

و الإشكال فيه باستلزامه النظر للعورة المحرم، هين بعد ظهور النص في جوازه، تبعا لإعمال الأمارة المذكورة. و لا حاجة معه إلي دعوي إمكان النظر بواسطة جسم ترتسم فيه العورة، كما في الجواهر لاحتياجه إلي عناية مغفول عنها، فعدم التنبيه عليه في النص ظاهر في جواز النظر للبشرة.

نعم، قد يدعي وجوب اختيار النظر بتوسط ما ترتسم فيه الصورة لو أمكن بوجه متعارف، لان النص و إن كان ظاهرا في جواز النظر، إلّا أن ارتكاز كون جوازه للضرورة لتوقف إعمال الأمارة عليه موجب لقصوره عما لو أمكن إعمالها بدونه.

______________________________

(1) الوسائل باب: 65 من أبواب جهاد العدو حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 39 من أبواب الدفن حديث: 3.

(3) المبسوط ج: 1 ص: 182 الطبعة الحديثة الحروفية.

(4) الخلاف ج: 1 ص: 109 الطبعة الحجرية الأولي.

ص: 324

______________________________

و كيف كان، فلا يصلح ذلك لرفع اليد عن النص.

و إما الإشكال في ذلك بعدم حجية مرسل المبسوط و الخلاف، و حديث حماد لا إطلاق له، بل هو مختص بواقعة بدر.

فقد يدفع: بأن التعليل في ذيل حديث حماد موجب لظهوره في العموم و إلغاء خصوصية مورده عرفا. و إن كان قد يشكل ذلك بأن التعليل لا يخلو عن إجمال. لأن الخصوصيات البدنية الخلقية و إن كانت قد تناسب بعض الخواص النفسية الخلقية، إلّا أنها ليست بنحو تصلح عرفا للأمارية علي الإسلام الخاضع لعوامل كثيرة مباينة لتلك الخواص.

و من ثم يبعد صلوحه للقرينية علي عموم الأمارية لغير مورده من موارد العلم الإجمالي في الحروب، فضلا عن موارد العلم الإجمالي في غير الحروب و موارد الحروب غير المقرونة بالعلم الإجمالي و غيرها من موارد الاشتباه و الشك في إسلام الميت.

بل يظهر من الحدائق و محكي الذكري عدم الإشكال في قصور الأمارية عما لو اشتبه موتي المسلمين بالكفار في غير الشهداء. و إن لم يتضح الوجه فيه بعد فرض التعدي عن موارد النص تحكيما للتعليل. و لعله لما ذكرنا احتمل سيدنا المصنف قدّس سرّه أن يكون المقصود من ذيل الحديث بيان وجه المناسبة و رفع الاستيحاش، لا التعليل للحكم.

و يزيد في الإشكال أن حرب بدر التي هي مورد الحديث و التعليل ليست بنحو يناسب اشتباه القتلي و عدم تمييزهم، حيث لم يعرف فيها تمثيل أو تقطيع الرؤوس أو وطء القتلي بأرجل الخيل أو الناس، مع قلة القتلي، خصوصا من المسلمين، و معروفيتهم، بل نص المؤرخون فيها علي كثير من الخصوصيات غير المناسبة لذلك جدا، كأسماء القتلي و خصوصيات أبدانهم و ألبستهم و كيفية قتلهم، كما لم يشر في الحديث الشريف للاشتباه المذكور و أنه هو الداعي للنداء بذلك.

و من ثم لا يبعد حمل الحديث علي من رخص بمواراته من المشركين- و لو في القليب- لكرامته في نفسه و إن لم يكن مسلما. و لعل حرمة دفن الكافر قد شرعت قبل ذلك، أو أريد من المواراة أمرا غير الدفن الشرعي.

علي أن الحديث و إن عبر عنه بالصحيح أو الحسن، للبناء علي كون الراوي له

ص: 325

______________________________

حماد بن عيسي، كما في المختلف و الجواهر و غيرهما إلّا أنه لم يثبت ذلك بعد اختلاف نسخ التهذيب الذي هو مصدرها الوحيد فيما يظهر، فقد تضمن بعض نسخه المخطوطة ذلك، و تضمن بعضها «حماد بن يحيي» الذي لم تثبت وثاقته، و اقتصر عليه في المطبوعة حديثا في النجف الأشرف، كما اثبت في النسخة التي رأيتها من المطبوعة الحجرية الإيرانية مع الوجه الأول إما في الطبع أو أضيف بعده تصحيحا مع التنبيه علي كونه كذلك بخط المصنف.

و لعله لذا اقتصر عليه في المعتبر و جمع بين النسختين في الوسائل المطبوعة حديثا. مضافا إلي أنه قد رواه مرسلا في محكي الذكري عن حماد اللحام، و هو مردد بين ابن بشير و ابن واقد، و كلاهما غير ثابت الوثاقة. و لعله لذا قال في السرائر: «و هذه رواية شاذة لا يعضدها شي ء من الأدلة» فإن احتياجها للعاضد إنما هو بعد فرض عدم حجيتها في نفسها، و قال في المعتبر: «و توقف بعض الأصحاب استضعافا للرواية».

اللهم إلا أن يقال: لا عبرة بإرسال الذكري و لا سيما مع عدم العثور علي ما تضمنه في شي ء من نسخ التهذيب، و لا فيما نقل عنه. و اختلاف نسخ التهذيب بين ابن عيسي و ابن يحيي غير ضائر، لأن ابن يحيي و إن لم ينص أحد علي توثيقه إلّا أنه يمكن استفادة توثيقه من رواية البزنطي عنه، لما قيل من أنه لا يروي و لا يرسل إلّا عن ثقة، و لا أقل من تصحيح هذا الحديث لوقوعه في سنده. و قد تقدم الكلام في ذلك في المسألة السابعة عشرة من فصل الماء المطلق عند الكلام في تحديد الكر. فراجع.

فالعمدة في الإشكال ما تقدم من اختصاص الحديث بمورده، و عدم مناسبة مورده للاشتباه، حيث لا مجال معه للبناء علي أمارية الأمر المذكور.

هذا، و في السرائر: «و الأقوي عندي أن يقرع عليهم، لأن كل أمر مشكل عندنا فيه القرعة بغير خلاف، و هذا من ذاك»، و في الروضة: «و للقرعة وجه».

و استشكل فيه في المعتبر.. تارة: بأن الأصحاب لم يستعملوا القرعة في العبادات.

و أخري: بأنه لو اطرد العموم لبطلت البحوث الفقهية. لكن الأخير إنما يقتضي عدم الرجوع للقرعة في الشبهة. الذي لا يبعد دعوي التسالم عليه و قصور كلام السرائر عنه. و لا مانع من عمومها علي الشبهة الموضوعية التي منها المقام.

ص: 326

بتغسيل كل منهما (1)

______________________________

و الأول لم يتضح الوجه فيه بنحو يمنع من تنقيح موضوع العبادة بالقرعة في الشبهة الموضوعية، كما في المقام. كيف و قد ورد الرجوع إليها في اشتباه الشاة الموطوءة بغيرها من الغنم «1»، و لازمه جواز جعل ما اقتضت القرعة عدم وطئه هديا أو أضحية أو زكاة أو غيرها من العبادات.

فالعمدة في الإشكال عليه: أن الدليل علي العموم المذكور إن كان هو الإجماع المدعي في كلامه قدّس سرّه فلا مجال له بعد ظهور الخلاف منهم في كثير من الموارد، و منها المقام. و إن كان هو النصوص فلم نعثر منها علي ما يتضمن الإطلاق الشامل للمقام عدا حسنة محمد بن حكيم: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن شي ء فقال لي: كل مجهول ففيه القرعة. قلت له: إن القرعة تخطئ و تصيب. قال: كلما حكم اللّه به فليس بمخطئ» «2».

لكن عمومها لكل مجهول مستلزم لكثرة تخصيصها، لما سبق من عدم العمل بها في الشبهات الحكمية، و لزوم الخروج عنها في جميع موارد أدلة الأصول الشرعية، لأنها أخص منها، و في كثير من موارد الاشتباه الأخر كاشتباه درهم الودعي بين شخصين و ميراث الغرقي و المهدوم عليهم و الخنثي المشكل و اشتباه القبلة و الثوبين المشتبهين و الإنائين المشتبهين و غير ذلك مما دل الدليل الخاص علي عدم الرجوع فيه للقرعة، و ذلك يوجب طروء الإجمال علي العموم بنحو يسقطه عن الحجية.

و لا سيما مع إعراض الأصحاب عن العموم المذكور و اشتهار القول بينهم بوجوب الاحتياط في موارد العلم الإجمالي و عدم الرجوع للقرعة فيها و في كثير من الموارد الأخر. علي ما ذكرناه في مباحث العلم الإجمالي من الأصول. و من هنا لا مخرج عما يقتضيه العلم الإجمالي من الاحتياط. و أما لو لم يقترن الاشتباه بالعلم الإجمالي فقد تقدم الكلام فيه في ذيل الكلام في وجوب تغسيل كل مسلم.

(1) لا مجال للاحتياط بالتغسيل بعد العلم بعدم وجوبه إما لكون الميت مسلما

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 1، 4.

(2) الوسائل باب: 13 من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوي من كتاب القضاء حديث: 11.

ص: 327

و تكفينه (1) و دفنه (2).

______________________________

شهيدا أو لكونه كافرا. نعم إنما يحتاط بذلك في غير ميت المعركة أو ميت المعركة الذي لا يسقط تغسيله، ليكون الاشتباه مستلزما للعلم الإجمالي بالتكليف.

(1) حيث يأتي عدم تكفين الشهيد إلّا أن يجرد فالاحتياط بالتكفين إنما يكون مع التجريد أو فرض عدم كون المسلم ميتا في المعركة ممن سقط تكفينه بذلك، و إلا يعلم بعدم وجوب التكفين، نظير ما تقدم في الغسل.

(2) لتوقف الاحتياط عليه بعد فرض العلم الإجمالي بوجوبه.

و دعوي: أن التكفين و الدفن حيث كانا توصليين فظاهر النهي عنهما في حق الكافر عموم حرمتهما لما إذا أتي بهما لا بقصد المشروعية، فيكون المورد من الدوران بين محذورين و يتعذر الاحتياط، و ليس الحال فيهما كالعبادات التي لا محذور في الإتيان بها في مورد احتمال الحرمة برجاء المشروعية.

كما لا مجال لاحتمال أن الكافر لا يحرم تجهيزه، بل لا يجب فقط، لمنافاته لظاهر الأصحاب، و لقوله عليه السّلام في موثق عمار في النصراني يموت مع المسلمين: «لا يغسله مسلم و لا كرامة و لا يدفنه و لا يقوم علي قبره و إن كان أباه» «1».

مدفوعة: بأن منصرف كلماتهم و الموثق المذكور إنما هو حرمة تجهيز الكافر المبني علي احترامه، دون القيام ببعض أفعال التجهيز بدواع آخر، كدفنه بداعي تجنب رائحته، و منه المقام، حيث لا يبتني تكفينه و دفنه علي احترامه، بل علي الاحتياط للمسلم و الاهتمام بحرمته.

و لعل هذا هو الوجه في ظهور مفروغية الأصحاب عن إمكان الاحتياط. علي أنه لا يبعد دعوي أهمية وجوب تجهيز المسلم من حرمة تجهيز الكافر، فمع فرض العلم بهما إجمالا يتعين إهمال الثاني عملا احتياطا للأول. فلاحظ.

هذا، و حيث لا إشكال في وجوب الصلاة علي الشهيد- كما يأتي- كان علي سيدنا المصنف قدّس سرّه التنبيه لها في بيان مقتضي الاحتياط، بل هي أولي بالذكر من

______________________________

(1) الوسائل باب: 18 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

ص: 328

______________________________

التغسيل و التكفين اللذين عرفت الكلام فيهما. و قد ذكر للاحتياط فيها في المبسوط و الخلاف وجهين:

الأول: أن يصلي علي كل منهم منفردا بنية الصلاة عليه بشرط إيمانه.

الثاني: ان يصلي عليهم جميعا بنية خصوص المؤمنين منهم.

و استحسن الثاني في الروضة، و في السرائر أنه الأظهر من أقوال أصحابنا. لكنه قد يشكل باحتمال استلزامه بعد المؤمن عن المصلي و فصله بالكافر الذي لا تشرع الصلاة عليه. إلّا ان يكون العدد قليلا بحيث لا يستلزم البعد المفرط. و من هنا كان الأول أولي، بل لازما لو لزم المحذور المذكور من الثاني.

و أما الإشكال في الأول- كما في الجواهر- باستلزامه عدم الجزم بالنية.

فيندفع: بعدم اعتبار الجزم بالنية في المقام و غيره من العبادات بعد عدم الدليل عليه و اقتضاء الأصل عدمه، علي ما تحقق في محله. بل لا إشكال في ذلك مع فرض تعذر الجزم.

و أشكل من ذلك ما يظهر منه قدّس سرّه من جواز الصلاة مع الجزم بالنية علي كل واحد برجاء كونه مسلما، نظير الدفن. لظهور حرمة الصلاة علي الكافر و لو تشريعا، فيلزم من الجزم بالنية في الكل الوقوع في الحرام. و ما قد يظهر منه قدّس سرّه من عدم حرمة الصلاة علي الكافر، بل ليست هي إلّا غير واجبة. غريب، لما فيها من الدعاء للميت الذي لا إشكال في حرمته في حق الكافر، فهي أولي بالحرمة من الدفن الذي تقدم ظهور النص و الفتوي في حرمته.

ثم إن الاحتياط المتقدم في الصلاة و إن جاز مطلقا إلّا أنه لا يجب إلّا بناء علي عدم صلوح حجم الذكر أو القرعة لتعيين المسلم، كما نبه له غير واحد. إذ لو فرض تعيينه بحجم الذكر كان مقتضي التعيين ترتيب تمام أحكام المتعين، و منها الصلاة، كما ذكره في المبسوط و الخلاف.

و لا ينافيه اختصاص النص بالدفن، لأنه إذا فرض كون المستفاد منه ترتب الدفن علي إحراز الإسلام و عدمه علي إحراز عدمه كان المفهوم منه عرفا عدم الفرق بين الأحكام. و لو فرض تعيينه بالقرعة كان مقتضي عموم دليلها عدم الفرق بين

ص: 329

______________________________

الأحكام أيضا. و منه يظهر الإشكال فيما قد يظهر من السرائر و المختلف من لزوم الاحتياط المذكور، مع ما تقدم من الأول من الرجوع للقرعة و من الثاني من الرجوع لحجم الذكر.

بقي في المقام أمور:
الأول: لا إشكال ظاهرا في وجوب الصلاة علي الشهيد،

و به صرح غير واحد، بل في الخلاف دعوي الإجماع عليه، و هو داخل في معقد إجماع الجواهر المتقدم، كما هو المناسب لاقتصارهم علي استثناء الغسل و الكفن. و يقتضيه- مضافا إلي إطلاق أدلة الصلاة- ما في صحيحي أبان «1» و غيرهما من صلاة النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم علي حمزة، و ما في خبر وهب «2» المتقدم من صلاة أمير المؤمنين عليه السّلام علي عمار رضي اللّه عنه و لا بد مع ذلك من رفع اليد عما في موثق عمار المتقدم «3» في أوائل الكلام في حكم الشهيد من عدم صلاة أمير المؤمنين عليه السّلام علي عمار و هاشم المرقال رضي اللّه عنها كما ذكره غير واحد. و ربما يحمل علي التقية، لموافقته لبعض العامة.

الثاني: كما صرح الأصحاب بعدم تغسيل الشهيد صرحوا بعدم تكفينه،

و صرح بالإجماع عليه في التذكرة و المدارك و الجواهر- فيما تقدم- و في طهارة شيخنا الأعظم قدّس سرّه: «إجماعا محققا و مستفيضا»، و في المعتبر أنه إجماع أهل العلم عدا سعيد ابن المسيب و الحسن البصري فإنهما أوجبا غسله، و خص الكلام بهما في التذكرة أيضا، و حكي دعوي الإجماع عليه عن الخلاف و الغنية و المنتهي و نهاية الأحكام و الذكري.

و كشف الالتباس و مجمع البرهان.

و كأنه للتصريح بدفنه في ثيابه في بعضها كالخلاف و الغنية، و استفادته من مساق كلام بعضها كالمنتهي.

و كيف كان، فيقتضيه جملة من النصوص الواردة في الشهيد المتقدم بعضها، و في موثق أبي مريم عن الصادق عليه السّلام: «أنه قال: الشهيد إذا كان به رمق غسل و كفن

______________________________

(1) الوسائل باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 7، 9. و يوجد أيضا في حديث: 8 و كلها تأتي في حكم التكفين مع تجريد الشهيد من ثيابه.

(2) الوسائل باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 12.

(3) الوسائل باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 4.

ص: 330

______________________________

و حنط و صلي عليه، و إن لم يكن به رمق كفن في أثوابه» «1».

و في الروض: «و دفن الثياب معه واجب فلا تخيير بينها و بين تكفينه بغيرها عندنا». و هو مطابق لظاهر النص و الفتوي. كما أن ظاهر النصوص سقوط تحنيطه أيضا، كما يظهر بأدني تأمل فيها، و لا سيما ما تضمن التفصيل بين من أدركه المسلمون و به رمق و غيره و نبه علي التحنيط في الأول دون الثاني و أنه يدفن بثيابه الظاهر في عدم تغيير حاله و لو بإزالة الدم عن المساجد أو كشف ثيابه عنها.

و منه يظهر استفادة ذلك من الأصحاب و إن لم يصرحوا به، لتعبيرهم بعبارات النصوص و جريهم علي مقتضاها. و لعل عدم تنبيههم عليه لظهور عباراتهم في انه من لواحق التكفين و توابعه. فلاحظ.

هذا، و قد صرح بوجوب تكفينه لو جرد في القواعد، و تبعه في جامع المقاصد و كشف اللثام، و وافقه الشهيد الثاني في الروض و جمال الدين في حاشية الروضة، و في الجواهر أنه صرح به جماعة من الأصحاب، و في مفتاح الكرامة: «كأن هذا الحكم معلوم عندهم، و لذا لم ينص عليه أحد فيما أجد إلّا الشهيد و المحقق الثاني و الفاضل الهندي».

و استدلوا عليه بما في صحيح أبان بن تغلب: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الذي يقتل في سبيل اللّه أ يغسل و يكفن و يحنط؟ قال: يدفن كما هو في ثيابه، إلّا أن يكون به رمق [فإن كان به رمق] ثم مات فإنه يغسل و يكفن و يحنط و يصلي عليه، لأن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله صلي علي حمزة و كفنه [و حنطه] لأنه كان [قد] جرد» «2».

لكنه معارض بصحيحه الآخر المتقدم في أول الكلام في حكم الشهيد، و في ذيله: «أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كفن حمزة في ثيابه و لم يغسله، و لكنه صلي عليه» «3»، و صحيح إسماعيل بن جابر و زرارة المتقدم هناك أيضا، و في ذيله: «ثم قال: دفن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عمه حمزة في ثيابه بدمائه التي أصيب فيها، و رداه النبي صلّي اللّه عليه و آله برداء فقصر عن رجليه، فدعا له بإذخر فطرحه عليه، و صلي عليه سبعين صلاة و كبر عليه سبعين تكبيرة» «4».

و حيث أشرنا آنفا إلي قرب وحدة السؤال في صحيحي أبان و الاختلاف إنما هو بسبب النقل بالمعني جري عليهما حكم الرواية المضطربة و سقطا معا عن الحجية

______________________________

(1) الوسائل باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 7.

(3) الوسائل باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 9.

(4) الوسائل باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

ص: 331

______________________________

في ذلك لو لم يسقط خصوص الأول، لاضطرابه في نفسه، حيث سيقت فيه قضية حمزة عليه السّلام تعليلا لوجوب تغسيل من به رمق، و هي أجنبية عنه.

و لو غض النظر عن ذلك فغاية ما قد يمكن في وجه الجمع بينه و بين الصحيحين الأخيرين حمل تجريد حمزة الذي تضمنه الصحيح المذكور علي أنه لم يكن بنحو يتعذر إرجاع ثيابه إليه. لأنه لم يكن طمعا في ثيابه، بل للتمثيل به، و حمل ما تضمنه من تكفينه و ما تضمنه الصحيحان الآخران من تكفينه في ثيابه علي إرجاع ثيابه إليه و تكفينه بها، الذي مقتضي إطلاق غيرها مما تضمن تكفين الشهيد بثيابه و دفنه بها. و حينئذ لا يبقي من نصوص المقام ما ينهض بإثبات وجوب تكفينه بغير ثيابه لو جرد منها و تعذر إرجاعها إليه، الذي هو ظاهر من تقدم، أو صريحه.

فالعمدة في الاستدلال علي ذلك إطلاقات أدلة التكفين بعد قصور ما تضمن عدم تكفين الشهيد عن المورد، لاشتماله علي أنه يكفن في ثيابه أو يدفن فيها، حيث لا مجال معه لإثبات أن سقوط تكفين الشهيد حكم مستقل عن دفنه بثيابه، و أن تعذر الثاني في مورد لا يوجب قصور الأول عنه.

نعم، قد يؤيد ذلك و عدم وجوب التكفين في المقام بأن ثياب الشهيد لا يتحقق بها المطلوب من التكفين، لعدم سترها لتمام البدن، فلو لا عدم ابتناء سقوط تكفينه علي بدلية ثيابه عنه لكان المناسب وجود إضافة ما يستر بقية البدن إليها، كما قد يؤيده أيضا ما هو المشهور من تجريد سيد الشهداء أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام و عدم نقل تكفينه. و إن كان في كفاية ذلك في الخروج عن إطلاق الأدلة إشكال ظاهر.

و منه يظهر الحال فيما لو وجب تجريد الشهيد عن ثيابه- كما يأتي- أو كان عاريا قبل قتله، حيث يجري فيه ما سبق. نعم مقتضي الإطلاق سقوط التكفين مع بقاء ثيابه عليه و إن كانت غير مستوعبة لأكثر البدن كالمئزر، لأن عدم التعارف لا يوجب قصور الإطلاق. و لو جرد عن بعض ثيابه لم يبعد الاجتزاء بالباقي عما يناسبه من الكفن. فتأمل.

ثم إن الفاضل الهندي في كشف اللثام مع استدلاله علي وجوب التكفين مع التجريد بصحيح أبان الأول ذكر أن الشهيد و إن لم يجز نزع ثيابه و تكفينه بغيرها، إلّا

ص: 332

______________________________

أنه يجوز زيادته علي الثياب مستدلا بصحيح إسماعيل بن جابر و زرارة المتقدم. و هو كما تري، لظهور منافاة الصحيح المذكور للاستدلال الأول. نعم يتجه الاستدلال به بناء علي ما سبق منا من تقريب سقوط صحيح أبان عن الحجية أو الجمع بينه و بين الصحيحين الآخرين بالوجه المتقدم.

كما يتجه الاستدلال لجواز الزيادة أيضا بالأصل بعد عدم الدليل علي الحرمة، إذا ليس مفاد النصوص إلّا كفاية الثياب عن الكفن، و هو لا يستلزم حرمة الزيادة عليها. و لا ينافيه ما تضمن أنه يدفن كما هو، إذ بعد العلم بجواز تغيير حاله في الجملة فالمتيقن منه إرادة عدم نزع الثياب، و لا سيما و أنه لم يرد إلّا في صحيح أبان الأول المتضمن لقوله: «يدفن كما هو في ثيابه» و في صحيح إسماعيل و زرارة الذي جمع فيه بين ذلك و بين زيادة الرداء لحمزة عليه السّلام. و ما الإشكال فيه باستلزامه التبذير و السرف، فلا مجال له بناء علي الاستدلال له بالصحيح. بل لا يبعد كفاية احتمال المشروعية الحاصل منه في عدم صدق التبذير و السرف عرفا. فلاحظ.

هذا، و أما ما في العروة الوثقي من أنه لا يبعد جواز تكفينه فوق ثياب الشهادة، فظاهره إرادة تمام الكفن المشروع، و لا مجال لإثبات مشروعيته بعد خلو النصوص عنه، و تخصيصها لعمومات التكفين، بل ظاهر التعبير في موثق أبي مريم المتقدم بتكفينه في ثيابه عدم مشروعية كفن آخر له، لحكومته علي عمومات الكفن و تعيينه في حق الشهيد بالثياب.

و أما إلباسه تمام قطع الكفن لا بعنوان الكفن المشروع فقد يشكل بلزوم التبذير و السرف الصادقين في المقام بعد عدم المنشأ لاحتمال المشروعية، ليعتد به العقلاء و يمنع من صدقهما، بخلاف ما تقدم في الرداء.

الثالث: حيث سبق اتفاق النص و الفتوي علي دفن الشهيد في ثيابه فقد اختلفت عباراتهم فيما يدفن معه و ما ينزع منه
اشارة

بعد الاتفاق ظاهرا علي وجوب دفن تمام ما يصدق عليه الثياب أصابه الدم أو لا، كما يقتضيه إطلاق الفتاوي و معاقد الإجماعات السابقة، بل صرح بالتعميم للحالين جماعة و ادعي الإجماع عليه في المعتبر و التذكرة و المدارك، و قد يظهر من جامع المقاصد، و في الجواهر: «إجماعا بقسميه».

ص: 333

______________________________

و يقتضيه إطلاق النصوص المتقدمة.

و مجرد ذكر الدم مع الثياب في بعض النصوص لا يقتضي تقييدها به فيه، فضلا عن تقييد غيره مما لم يذكر فيه الدم. بل ذكر التكفين في الثياب في موثق أبي مريم ظاهر في وجوب دفنها لأجل التكفين، لا لخصوص الدم الذي قد يكون فيها.

كما أن الظاهر الاتفاق أيضا علي عدم دفن السلاح و إن أصابه دم، كما نفي الخلاف عنه في السرائر، أطلق ابن الجنيد فيما حكي عنه عدم دفن الحديد. و يناسبه عدم تنبيههم علي دفنه مع اقتصار جملة منهم علي دفن الثياب التي لا إشكال في خروجه عنها.

و لا ينافيه اقتصار جملة منهم في المستثنيات علي غيره بعد عدم وضوح المستثني منه له، كما يناسبه معتبر زيد الآتي، حيث نبه فيه لاستثناء غيره مما هو أقرب للثياب منه من دون تعرض له، حيث لا يبعد ظهوره في المفروغية عن نزعه، و إلّا فمن البعيد جدا وجوب دفنه مع نزع غيره مما تضمنه الحديث المذكور.

و هو المناسب للسيرة، حيث كان السلاح يتوارث و لو مع قتل أصحابه، و لم يعرف دفن شي ء منه مع القتيل المعتضدة بمرسل غوالي اللآلي الآتي عند الكلام في المنطقة.

و بذلك يخرج عما قد يستفاد من الأمر بدفن الشهيد بدمائه في صحيح إسماعيل ابن جابر و زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «قلت له: كيف رأيت الشهيد يدفن بدمائه؟

قال: نعم في ثيابه بدمائه و لا يحنط و لا يغسل … » «1». بل لا يبعد كون ذكره فيه تمهيدا لبيان عدم التحنيط و التغسيل، أو لبيان عدم مانعية تنجس الثياب به من دفنه فيها، لا لبيان دفنه مطلقا و لو كان في غير البدن و الثياب، بحيث يشمل بإطلاقه الدم المراق علي الأرض مثلا.

و مثل السلاح توابعه كقراب السيف و حمائله، بل كل ما لا يكون من سنخ الثياب، كالخاتم و الساعة اليدوية و حلي المرأة- بناء علي عموم حكم الشهيد لها- لجريان ما سبق في الجميع.

و إنما وقع الكلام في جملة من الأمور،
اشارة

إما للكلام في دخولها في الثياب، أو في

______________________________

(1) الوسائل باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 8.

ص: 334

______________________________

وجود الدليل علي استثنائها.

منها: السراويل.

ففي ظاهر المعتبر و التذكرة دفنه مطلقا و إن لم يصبه دم، و هو مقتضي إطلاق دفنه في ثيابه في كلام بعضهم، و الاقتصار علي استثناء غيره في الوسيلة و السرائر و الشرائع و النافع و القواعد و الدروس. و العمدة فيه دخوله في إطلاق الثياب عرفا. و كأن ما في المسالك و عن الميسي من نسبة دخوله فيها للمشهور بلحاظ الخلاف في شمول حكمها له، و إلّا فمن البعيد الخلاف في صدق الثياب عليه.

لكن صرح بنزعه إلّا أن يصيبه دم في المقنعة و إشارة السبق و المراسم و محكي رسالة الصدوق الأول و ابن الجنيد، و به صرح في المقنعة مدعيا الإجماع عليه.

و كأن الوجه فيه معتبر زيد بن علي عن آبائه قال: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام: ينزع عن الشهيد الفرو و الخف و القلنسوة و العمامة و المنطقة و السراويل إلّا أن يكون أصابه دم [فيترك. خصال] فإن أصابه دم ترك، و لا يترك عليه شي ء معقود إلّا حل» «1»، و رواه الصدوق مرسلا عنه عليه السّلام، كما روي في محكي دعائم الإسلام عنه عليه السّلام مرسلا «2» أيضا.

و لا مجال للإشكال فيه بضعف السند بعد عدم اشتمال سنده علي من قد يناقش فيه إلّا محمد بن خالد و أبي الجوزاء و الحسين بن علوان و عمرو بن خالد. و الأول- مع كونه من رواة كامل الزيارة- قد نص الشيخ علي وثاقته و يؤيده بعض القرائن المذكورة في المطولات. و لا يعارض برمي النجاشي له بأنه ضعيف في الحديث، حيث يقرب أن يريد به روايته عن الضعفاء و اعتماده المراسيل الذي حكي عن ابن الغضائري رميه به صريحا، فلا ينافي وثاقته في نفسه.

و أما الباقون فقد تقدم تقريب الاعتماد علي حديثهم في نظير الحديث المذكور المستدل به علي وجوب توجيه المحتضر للقبلة. فراجع.

مضافا إلي قرب انجباره بعمل من سبق و بعمل الكليني و الصدوق، حيث يظهر من ذكرهما له في الكافي و الفقيه اعتمادهما عليه. و كذا الشيخ في التهذيب، حيث

______________________________

(1) الوسائل باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 10.

(2) مستدرك الوسائل باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 4.

ص: 335

______________________________

استدل به علي ما تقدم من المقنعة. و إن كانت كلماتهم في المقام لا تخلو عن اضطراب، لعدم جريهم في المستثنيات علي مبني واحد من العمل بالحديث أو طرحه. فلاحظها.

و كيف كان، فلا مجال لرفع اليد عنه بعد ما ذكرنا من اعتبار سنده.

نعم، الظاهر قصور إطلاقه عما لو لم يكن في ثياب الشهيد ساتر لعورته غير السراويل حيث لا يظن من أحد الالتزام بعدم وجوب ستر عورته، و تبديله بساتر آخر يحتاج إلي تنبيه، لظهور الحديث في الاكتفاء بباقي الثياب، و لعل وجه الإطلاق فيه تعارف لبسه مع الاستغناء في الستر عنه في عصر صدور الحديث، و مع قصوره عن الفرض المذكور يتعين فيه إبقاء السراويل و عدم تبديله بساتر آخر، عملا بإطلاق ما تضمن وجوب دفن الشهيد بثيابه و تكفينه فيها.

و منها: العمامة.

حيث صرح بعدم نزعها مطلقا في جامع المقاصد و غيره و يظهر ممن اقتصر في بيان ما ينزع علي غيرها، كما في المقنعة و المبسوط و النهاية و الخلاف و الغنية و المراسم و الوسيلة و السرائر و المعتبر و الشرائع و النافع و القواعد و الدروس و عن ابن الجنيد و نهاية الأحكام، بل مقتضي ما تقدم من الخلاف الإجماع عليه، و كذا ما في الغنية، كما هو مقتضي إطلاق دفنه في ثيابه في كلام بعضهم، و الاقتصار في المنزوع علي ما لا يصدق عليه اسم الثوب في المدارك، كل ذلك بناء علي ما هو الظاهر، و في المسالك و عن الميسي نسبته للمشهور من دخولها في الثياب. و هو الوجه في الحكم المذكور بضميمة إطلاق ما تضمن دفن الشهيد بثيابه.

لكن في مفتاح الكرامة: «المفيد نص علي أن العمامة ليست من الثياب، و لم يدخلها الأصحاب في الكسوة في الكفارة، و اختلفوا فيها في الحبوة، فتأمل».

و لعل أمره بالتأمل لأن موضوع الكفارة في الآية الشريفة الكسوة، و بعض النصوص و إن تضمن تفسيرها بالثوب، إلّا أن في جملة منها تفسيرها بقوله عليه السّلام:

«ثوب يواري عورته» «1»، و نصوص الحبوة بين ما تضمن أن منها الكسوة، و ما تضمن أن منها ثياب جلده، حتي قال عليه السّلام في غير واحد منها: «الثياب ثياب جلده» «2»،

______________________________

(1) تراجع النصوص المذكورة في باب: 14، 15 من أبواب الكفارات من الوسائل.

(2) تراجع النصوص المذكورة في الوسائل باب: 3 من أبواب ميراث الأبوين و الأولاد.

ص: 336

______________________________

و قصور العبارات المذكورة عن العمامة لو تم لا يستلزم عدم دخولها في مطلق الثياب الذي تضمنته نصوص المقام. و ما حكاه عن المفيد غير ظاهر من العرف، بل و لا من اللغة، حيث فسرت الثياب باللباس. و لا أقل من دخولها في الثياب تبعا، و لا سيما في المقام، حيث تضمنت النصوص دفنه كما هو، كما تضمنت تكفينه بثيابه و العمامة من أجزاء الكفن المستحبة.

و من ثم لا يبعد استفادة عدم نزعها ممن تقدم حتي لو لم تكن من الثياب حقيقة و لا سيما مع تنبيه جملة منهم علي حكم ما هو أبعد منها عن الثياب، فلو لا بناؤهم علي عموم حكم الثياب لها لكانت أولي بالتنبيه.

نعم، عن رسالة علي بن بابويه التصريح بنزعها مع عدم إصابة الدم لها و بعدمه مع إصابته. و كأن الوجه فيه ما تضمن دفنه بدمائه الذي تقدم عند الكلام في السلاح و نحوه و ضعف الاستدلال به، أو معتبر زيد بن علي المتقدم، بناء علي رجوع الاستثناء فيه لجميع المذكورات و عدم اختصاصه بالسراويل.

لكنه لا يناسب تذكير الضمير. و من ثم يقوي نزعها مطلقا. و إن كان الاحتياط بالتفصيل حسنا، لان عدم تمامية الاستدلال بما تقدم لا ينافي كونه منشأ للاحتمال المعتد به عند العقلاء، و لا سيما مع فتوي علي بن بابويه الذي هو قريب من عصر صدور النصوص، فلا يصدق مع ذلك التبذير و السرف. خصوصا بملاحظة ما تضمن استحباب العمامة للميت. فتأمل.

و منها: القلنسوة.

حيث صرح بدفنها مطلقا في جامع المقاصد و غيره، و يستفاد ممن اقتصر في بيان ما ينزع علي غيرها، كما في المبسوط و النهاية و الخلاف- فيما تقدم من كلامه في السراويل المتضمن لدعوي الإجماع- و الوسيلة و الشرائع و النافع و القواعد و الدروس، و ما عن ابن الجنيد و نهاية الأحكام، و كذا ممن أطلق عدم نزع الثياب، أما لكونها منها- كما في المسالك و عن الميسي أنه المشهور- أو لدخولها معها تبعا بالتقريب المتقدم في العمامة.

لكن نزعها مطلقا في التذكرة و ظاهر المعتبر. و هو المتجه، لا لخروجها عن الثياب- لما عرفت- بل لمعتبر زيد المتقدم الذي عرفت ظهوره في رجوع الاستثناء

ص: 337

______________________________

لخصوص السراويل و منه يظهر ضعف التفصيل فيها بين إصابة الدم و عدمها، كما في المقنعة و المراسم و السرائر و محكي رسالة علي بن بابويه، و في الغنية الإجماع علي ذلك.

و قد أشرنا عند الكلام في العمامة إلي ضعف الاستدلال بما تضمن دفن الشهيد بدمائه.

كما يجري هنا ما تقدم فيها من حسن الاحتياط بالدفن.

و منها: المنطقة.

حيث يستفاد دفنها مطلقا من كل من اقتصر في بيان ما ينزع علي غيرها، كما في المقنعة و الغنية و المراسم و الوسيلة و الشرائع و النافع و الدروس، بل في الغنية الإجماع علي ما تضمنه، و كذا من أطلق دفنه بثيابه، لأنها إن لم تكن من الثياب حقيقة فهي تابعة لها عرفا، نظير ما تقدم في العمامة.

نعم، لو كانت من الجلد كان نزعها مطلقا مقتضي اطلاع نزع الجلود في الخلاف و التذكرة و جامع المقاصد، و الروض و الروضة و عن ابن الجنيد، بل في الأول دعوي الإجماع عليه. كما صرح بالتفصيل في المنطقة بين إصابة الدم و عدمه في محكي رسالة علي بن بابويه.

و كأن مستنده معتبر زيد المتقدم، بناء علي رجوع الاستثناء فيه لجميع ما تضمنه، لا لخصوص السراويل. لكن تقدم أنه خلاف ظاهره، و أن مقتضاه نزع ما عدا السراويل مطلقا، و منه المنطقة. و يؤيده فيما لو كانت جلدا مرسل غوالي اللآلي عن ابن عباس: «أمر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بقتلي أحد أن ينزع عنهم الحديد و الجلود و أن يدفنوا بدمائهم و ثيابهم» «1».

و منها: الفرو.

فقد صرح بنزعه مطلقا في الشرائع و المعتبر و التذكرة و الروض و الروضة، و هو مقتضي إطلاق نزعه في النافع، و إطلاق نزع الجلود في الخلاف و جامع المقاصد و عن ابن الجنيد، و تقدم من الخلاف دعوي الإجماع عليه.

و استدل غير واحد عليه و علي عدم دفن الجلود مطلقا بخروجها عن الثياب، و اختصاص الثياب عرفا بالمنسوج. لكنه إنما يتم في بعض الجلود، دون مثل الفرو مما هو من سنخ الثياب، حيث لو لم يكن منها حقيقة فهو تابع لها عرفا، بل الظاهر تبعية بعض ما لا يكون من سنخ الثياب من الجلود، نظير ما تقدم في المنطقة. و لعله لذا كان

______________________________

(1) مستدرك الوسائل باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 9.

ص: 338

______________________________

عدم نزع الفر و ظاهر جماعة ممن اقتصر في المنزوع علي غيره، كما في المراسم و الوسيلة و القواعد.

لكن ذلك كله مع غض النظر عن معتبر زيد المتقدم، أما بلحاظه فينزع مطلقا، لما تقدم من اختصاص التفصيل فيه بين إصابة الدم له و عدمها بالسراويل. و يؤيده مرسل غوالي اللآلي المتقدم. و منه يظهر ضعف التفصيل في الفر و بين إصابة الدم و عدمها، كما في المقنعة و الغنية- مدعيا عليه الإجماع- و إشارة السبق و السرائر و قد يظهر من المبسوط و النهاية، كما حكي عن رسالة علي بن بابويه و نهاية الأحكام.

و ما تقدم في العمامة من ضعف الاستدلال له بما تضمن دفن الشهيد بدمائه و من حسن الاحتياط بالدفن جار هنا. نعم لا بد من دفن الفرو المخيط مع غيره من ثياب الشهيد بنحو يكون تابعا و ملحقا به، لقصور معتبر زيد عنه، فيشمله إطلاق ما تضمن دفن الشهيد بثيابه.

و منها: الخف.

فقد صرح بنزعه مطلقا و لو مع إصابة الدم له في المقنعة و الشرائع و المعتبر و التذكرة و القواعد و الروض و الروضة و محكي المهذب، و هو مقتضي إطلاق نزعه في النافع و ظاهر الوسيلة، و إطلاق نزع الجلود في الخلاف و جامع المقاصد و عن ابن الجنيد، بل في الخلاف و الغنية دعوي الإجماع علي ما تضمناه. و صرح بالتفصيل فيه بين إصابة الدم و عدمها في إشارة السبق و المراسم و السرائر و محكي رسالة علي بن بابويه، و جعله مقتضي الرواية في المبسوط و النهاية. و كأن المراد بها معتبر زيد، كما يستفاد من الروض.

لكن تقدم ظهوره في نزعه مطلقا، كما تقدم ضعف الاستدلال للتفصيل بما تضمن دفنه بدمائه.

هذا، و لم يعرف عن أحد القول بدفنه مطلقا، بل نفي في الجواهر الخلاف في عدم وجوب دفنه مع عدم إصابة الدم له، ثم قال: «بل الإجماع بقسميه عليه» و كأنه للقطع بخروجه عن الثياب، و عدم وضوح تبعيته لها.

و كيف كان، فالأقوي نزعه مطلقا، لذلك بعد ما تكرر من عدم صلوح ما تضمن دفنه بدمائه لإثبات وجوب دفن غير الثياب إذا أصابه الدم، و لمعتبر زيد المؤيد

ص: 339

______________________________

بمرسل غوالي اللآلي المتقدم. و يلحق به النعل و نحوه مما يتعارف لبسه في عصورنا، و لقرب إلغاء خصوصية الخف عرفا في معتبر زيد، و لمشاركته له في الخروج عن الثياب، نعم لا يلحق به الجورب، لقصور المعتبر عنه، لقرب إلحاقه بالثياب و إن لم يكن منها عرفا. فتأمل.

بقي شي ء:

و هو أنه صرح في العروة الوثقي بأن ثياب الشهيد إذا كانت مملوكة للغير أو مرهونة عنده و لم يرض بإبقائها تنزع، و أقره علي ذلك جماعة من محشيها.

و علله سيدنا المصنف قدّس سرّه بعدم صلاحية النصوص للترخيص في التصرف بمال الغير، أو موضوع حقه.

لكن عدم صلاحيتها لذلك إن كان لقصور إطلاقها عن فرض عدم ملكية الشهيد لثيابه. فهو في غاية الإشكال بعد ظهور كون إضافة الثياب له بلحاظ لبسه لها حين الشهادة، لا بلحاظ ملكيته لها، فضلا عن طلقيتها لتقصر عن مثل المرهون.

و لذا لا يجوز تبديل ثيابه المملوكة التي قتل فيها بثياب أخري مملوكة له، و يجب دفنه في ثياب شهادته المملوكة لغيره مع رضا المالك، و كذا الثياب المعينة من قبل الدولة أو بسبب الوقف علي المجاهدين.

و إن كان لورودها لبيان وجوب الدفن بالثياب من حيثية الشهادة استثناء من عموم كيفية تكفين الميت، لا من جميع الجهات و علي كل حال و إن لزم محاذير آخر لا دخل لها بحكم الميت، كحرمة التصرف في ملك الغير. فهو مسلم، إلّا أن لازمه كون المورد من صغريات التزاحم، لوجود جهتين فيه متنافيتي الأثر، فحيثية الشهادة تقتضي الدفن بالثياب، و حيثية ملك الغير لها أو ثبوت حقه فيها تقتضي عدم الدفن مع عدم رضاه، فمع إمكان الجمع بإرضاء الغير أو رفع حقه عن الثياب بمثل شرائها منه أو وفاء دينه يتعين العمل عليه، و مع تعذره يقع التزاحم بين وجوب الدفن بالثياب و حرمة التصرف فيها، و يتوقف وجوب نزعها علي أهمية الثاني، و هو غير بعيد، خصوصا مع تعديه في لبسه للثياب، لعدم إذن المالك أو صاحب الحق. و لا أقل من احتمال أهميته الموجب للاحتياط فيه.

نعم، لو أذن في لبسها و القتال فيها المعرض للشهادة مع علمه بحكم الشهيد لم

ص: 340

______________________________

يبعد سقوط حقه و حرمة النزع، لأن المنساق من أدلة وجوب دفن الشهيد بثيابه كون ذلك من حقوقه الراجع نفعها إليه، و حيث كان حدوث موضوع الحق و سببه بإذن المالك لزم عليه. و لا أقل من أهمية حق الشهيد في الفرض أو احتمالها. فلاحظ.

الرابع: صرح الشيخ و جماعة بعموم سقوط التغسيل عن الشهيد لما إذا كان جنبا،

بل هو المعروف بين الأصحاب المنسوب للأكثر تارة و للمشهور أخري. تمسكا بإطلاق نصوص سقوط تغسيل الشهيد، و بالأصل. و يتضح الكلام فيهما مما يأتي.

خلافا لما عن ابن الجنيد في الكاتب و المرتضي في شرح الرسالة، فأوجبا تغسيله.

و استدل لهما:

تارة: بما روي في قضية حنظلة من الراهب. قال في المعتبر: «فإن النبي صلّي اللّه عليه و آله قال:

ما شأن حنظلة؟ فإني رأيت الملائكة تغسله. قالوا: انه جامع ثم سمع الهيعة فخرج إلي القتال» «1».

و أخري: بما تضمن تغسيل الميت و هو جنب غسلين «2».

و ثالثة: بأنه غسل واجب لغير الموت فلا يسقط بالموت.

و يشكل الأول- بعد تسليم كون الواقعة بالنحو المذكور بعد عدم ثبوته مسندا من طرقنا، و لا سيما مع عدم اشتمال مرسلي الصدوق «3» و علي بن ابراهيم «4» علي تعليل تغسيل الملائكة لحنظلة بجنابته- بأن تغسيل الملائكة لحنظلة لا يدل علي وجوبه علينا في حق غيره، و لا سيما مع احتمال تغسيل الملائكة لكل ميت عن جنابة، لعدم ظهور الرواية في اختصاص حنظلة بذلك من بينهم، بل من بين قتلي أحد.

و أضعف منه الثاني، لأن الأمر في تلك النصوص بغسلين يشهد باختصاصها بغير الشهيد الذي يسقط تغسيله للموت، فمع عدم العمل بها في موردها للنصوص الدالة علي الاكتفاء فيه بغسل الميت كيف يتعدي منه للشهيد و يستفاد منه تغسيله للجنابة؟!.

______________________________

(1) المعتبر: ص 84.

(2) راجع الوسائل باب: 31 من أبواب غسل الميت.

(3) الوسائل باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 2.

(4) مستدرك الوسائل باب: 30 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

ص: 341

______________________________

و أما الثالث فقد دفعه في الجواهر- بعد تسليم أن غسل الجنابة واجب نفسي- بأن وجوبه قبل الموت كسائر التكاليف التي تسقط بالموت عمن كلف بها، و لا تنتقل لغيره.

و يشكل بأن المستفاد مما تضمن تعليل وجوب غسل الميت بأنه يجنب «1» و تعليل كفاية غسل واحد لمن مات جنبا بأنهما حرمتان اجتمعا في حرمة واحدة «2» اهتمام الشارع بطهارة الميت من الجنابة الثابتة قبل موته و تكليف غيره بذلك. و قد تقدم في المسألة الرابعة عشرة ما ينفع في المقام.

و مثله دفعه بأنه اجتهاد في مقابل النص. إذ هو موقوف علي نهوض إطلاق عدم تغسيل الشهيد بإثبات عدم تغسيله للجنابة، و هو لا يخلو عن إشكال، لأن المنساق منها بيان عدم وجوب تغسيله للموت استثناء من عموم تغسيل الميت، فلا ينافي وجوب تغسيله للجنابة.

نعم، لو كان الابتلاء بشهادة الجنب و نحوه من أفراد المحدث بالأكبر شايعا كان عدم التنبيه لوجوب تغسيله في نصوص الشهيد موجبا لظهورها في سقوطه تبعا، لكونه مغفولا عنه في نفسه بسبب عدم معهودية تغسيل الميت لغير الموت. لكنه غير ظاهر، لندرة الابتلاء بشهادة الجنب بنحو يعلم بجنابته لينبه إلي حكمها، و إلا لظهر الحال من السيرة.

و كذا الاستدلال لعدم التغسيل برواية واقعة حنظلة المتقدمة، كما أشار إليه في الجواهر، بدعوي: أنه لو وجب غسل الجنابة لم يسقط عنا بفعل الملائكة.

إذ فيه- تسليم كون الواقعة علي النحو المتقدم-: أنه لا مانع من إجزاء تغسيلهم، بل هو المتعين بعد معلومية كون اثره التطهير، حيث لا يبقي معه موضوع لتغسيلنا، و إنما يحتمل وجوب التغسيل لعدم ثبوت قيام الملائكة به و احتمال اختصاص ذلك بحنظلة.

و الذي ينبغي أن يقال: لا ينبغي التأمل في عدم وجوب التغسيل بناء علي أن مرجع سقوط تغسيل الشهيد إلي عدم وجوب تطهيره من حدث الموت، إما لأن إبقاءه علي

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 1، 3 من أبواب غسل الميت.

(2) مستدرك الوسائل باب: 27 من أبواب غسل الميت حديث: 2.

ص: 342

______________________________

حالته أهم من تطهيره، أو لتطهيره بمثل تغسيل الملائكة مما يخفي علينا و لا يستلزم تغيير حاله الظاهر لنا، إذ بعد كون حدث الموت من سنخ الجنابة- كما تضمنته النصوص المشار إليها- لا يفرق بينه و بين الجنابة السابقة عليه ارتكازا في كون إبقاء الشهيد علي حالته أهم من رفعه و التطهير منه، أو في زواله بما يزيل حدث الموت.

و أما بناء علي أن مرجعه إلي عدم سببية موت الشهيد لحدثه فلا موضوع للغسل فقد يشكل الحال بالإضافة للحدث السابق، الذي تقدم ظهور النصوص المشار إليها في وجوب رفعه.

اللهم إلّا أن يقال: لما لم تكن النصوص المشار إليها واردة لبيان وجوب رفع حدث الجنابة السابق عن الميت، بل استفيد ذلك منها تبعا لبيان حال تغسيل الميت فلا إطلاق لها يقتضي وجوب رفعه عند عدم سببية الموت للحدث و عدم وجوب تغسيل الميت. مضافا إلي أن استلزام التغسيل لتغيير حاله مع ظهور النصوص في حرمته موجب للتزاحم بين التكليفين حتي لو فرض نهوض الإطلاق بوجوب التغسيل من الجنابة. و غاية الأمر التساقط، لعدم ثبوت أهمية التطهير لو لم يحتمل العكس.

نعم، ذلك مختص بما إذا استلزم التغسيل تغيير حاله لإصابته بما يدميه، أما لو لم يكن عليه دم فلا محذور في التغسيل لو فرض نهوض الإطلاق به، بل لو لزم المحذور المذكور منه لزم الانتقال للتيمم. فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

الخامس: قال في المبسوط: «و حكم الصغير و الكبير و الذكر و الأنثي سواء إذا قتل في المعركة»

و وافقه جماعة، و زاد في المعتبر: «و العبد كالحر» و وافقه غير واحد، و في الجواهر أنه لا خلاف فيه، و في القواعد: «و الشهيد الصبي و المجنون كالعاقل» و ظاهر كشف اللثام في شرحه الإجماع عليه عندنا. و استدل لذلك بإطلاق الأدلة. و بأن في قتلي بدر و أحد و كربلاء أطفال و لم ينقل تغسيلهم.

لكن قال شيخنا الأعظم قدّس سرّه: «الظاهر من حسنة أبان و صحيحته المقتول في سبيل اللّه، فيخص بمن كان الجهاد راجحا في حقه أو جوهد به، كما إذا توقف دفع العدو علي الاستعانة بالأطفال و المجانين». و قريب منه في الجواهر، و ربما يحمل عليه إطلاق من تقدم.

ص: 343

______________________________

و هو حسن، لعدم وضوح صدق العنوان المذكور و الشهيد في غير ذلك ممن قتل طارئا علي المعركة، كالمجنون العابر و الطفل الشارد، أو من لم يشرع القتال به، فضلا عمن يقتله العدو عند هجومهم أو غلبتهم ممن لا حول له و لا طول من الكبار و الصغار من دون أن يدخل في المعركة و يكون في عداد الجيش. كما لا يبعد انصراف عنوان من قتل بين الصفين- لو تم دليله- عن ذلك.

و أما الوقائع المشار إليها فهي خاصة لم تثبت بالوجه المنافي لذلك، ليمكن الاستدلال بها في الخروج عن عموم أحكام الميت.

السادس: صرح جماعة من الأصحاب بعدم الفرق في ثبوت حكم الشهيد بين أسباب القتل.

قال في المبسوط: «لا فرق بين من أن يقتل بحديد أو بخشب أو بحجارة أو برفس.. عمدا أو خطأ بسلاح أو غير سلاح شوهد قاتله أو لم يشاهد» و نحوه كلام غيره، و زاد غير واحد عموم الحكم لمن عاد إليه سلاحه فقتله، و يظهر من بعض عباراتهم وضوح ذلك، مستدلين عليه بعموم النصوص. و هو في محله، لو لا تضمن بعضها أنه يدفن بدمائه، الظاهر في فرض كون قتله مستلزما لخروج الدم منه، فيقصر إطلاقه عن غيره.

لكن من القريب حمله علي إرادة وجوب دفنه في الدماء علي تقدير وجودها، لا تقييد سقوط التغسيل بوجودها، كما هو الحال في الثياب، حيث لا يكون اشتمال النصوص علي الدفن فيها موجبا لتقييد سقوط التغسيل بوجودها بنحو لا تشمل من قتل عاريا، و إلا فمن البعيد جدا قصور الحكم عمن قتل بإصابة غير مدمية، و لا سيما مع إطلاق أكثر النصوص و عدم اشتمالها علي الدماء، كصحيحي أبان و موثق أبي مريم و مضمر أبي خالد، حيث لا مجال للخروج عن الإطلاق المذكور بالنص المشار إليه، بعد أن لم يكن بلسان التقييد.

السابع: صرح في المبسوط و الخلاف بجريان حكم الشهيد علي من مات في المعركة و ليس به أثر القتل،

و وافقه في المعتبر و التذكرة و غيرهما، و نسبه في الحدائق إلي جماعة، ثم قال: «بل الظاهر أنه المشهور». و استدل له في الخلاف بظاهر الحال. خلافا لابن الجنيد- فيما حكي عنه- و العلامة في المنتهي، و في الحدائق أنه أوفق بالقواعد

ص: 344

______________________________

الشرعية، و في الجواهر أنه لا يخلو عن قوة، و هو الظاهر من شيخنا الأعظم قدّس سرّه، لعدم ثبوت الشهادة، لاحتمال استناد الموت لغير القتل.

و ظاهر الاستدلالين أن محل الكلام ثبوت حكم الشهيد ظاهرا مع الشك في استناد الموت للقتل- لاحتمال مثل موت الفجأة- بعد الفراغ عن ثبوت حكم الشهيد واقعا لو استند الموت للقتل مطلقا.

و لا يبعد حينئذ ما ذكره ابن الجنيد، لأصالة عدم كونه شهيدا، أو عدم كون الموت بنحو الشهادة بنحو استصحاب العدم الأزلي، الحاكم علي أصالة البراءة من التغسيل، الذي تمسك به بعضهم لدعوي عدم حجية عموم وجوب تغسيل الميت مع الشك في مصداق الخاص، و الوارد علي وجوب الاحتياط للعلم الإجمالي إما بوجوب التغسيل و التكفين، أو بوجوب الدفن في الثياب من دون تغسيل.

و أما ظهور الحال فهو- لو سلم- غير معلوم الحجية بعد عدم وضوح السيرة بسبب ندرة الابتلاء بذلك، لغلبة ظهور أثر القتل في موتي المعركة. فتأمل جيدا.

نعم، لا ينبغي التأمل في جريان حكم الشهيد لو ظهر أثر القتل، و ظاهر الحدائق عدم الخلاف فيه، كما استظهره شيخنا الأعظم قدّس سرّه، و في الجواهر أن الظاهر عدم الإشكال فيه عند الأصحاب. إذ لا طريق للقطع باستناد موته للقتل، و لا أقل من احتمال قتله نفسه، أو موته فجأة قبل أصابته بالأثر، فلو لا المفروغية عن التعويل علي ظاهر الحال لظهر المعيار في إحراز ذلك من السيرة أو غيرها.

هذا، و قد يظهر من بعض عباراتهم اعتبار ظهور أثر القتل ثبوتا في جريان حكم الشهادة واقعا، ففي المختلف في بيان الأقوال: «و قال ابن الجنيد: الشهيد من وجد به أثر فعل من عدوه الذي كان به خروج نفسه ظلما، و من لو يوجد به أثر ذلك عمل به كما يعمل بالأموات»، و في المنتهي بعد أن نسب لأبي حنيفة و أحمد وجوب الغسل:

«حجة أبي حنيفة أن الحكم معلق علي من وجد فيه بحكم [كلم. ظ]، لقوله عليه السّلام:

ادفنوهم بكلومهم. و الأصل وجوب الغسل فلا يسقط بالاحتمال. و كلام أبي حنيفة عندي قوي». بل ظاهر ما تقدم عن ابن الجنيد اعتبار كون الأثر بفعل العدو، فلا يشمل مثل من تردي من فرسه، أو قتله المسلمون خطأ، أو عاد إليه سلاحه فقتله.

ص: 345

الثاني: من وجب قتله برجم أو قصاص (1)

______________________________

و ظاهر ما تقدم عن أبي حنيفة اعتبار الجرح، فلا يكفي مثل الحرق و الغرق و دوس الخيل و إن كان بفعل العدو. و حينئذ يدخل في الفرع السابق. و يظهر ضعفه مما تقدم فيه.

الثامن: نبه في الحدائق إلي أن ما تضمنه معتبر زيد بن علي من أنه لا يترك علي الشهيد شي ء معقود إلّا حلّ

مما يلزم العمل عليه و إن لم يتعرض له الأصحاب فيما أعلم. و هو في محله بناء علي ما سبق عند الكلام في نزع السراويل من اعتبار سنده، و لا سيما مع تأييده بالرضوي «1».

و لعل عدم تعرض الأصحاب له لعدم بناء جملة منهم علي اعتبار سند الخبر. بل قد أشرنا آنفا إلي أن ذكره في الكافي و الفقيه و التهذيب قد يظهر في التعويل عليه و لو تم فظاهره التعويل علي تمام مضمونه، و منه الحكم المذكور. فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

الثاني: من وجب قتله برجم أو قصاص
اشارة

(1) و عليهما اقتصر في المقنع و المبسوط، و النهاية و بعض نسخ الخلاف و في السرائر، و ظاهر المعتبر و التذكرة و غيرها، و نسب للأكثر و ظاهر السرائر المفروغية عنه. و هو مقتضي الجمود علي النص الآتي.

و أطلق ذلك لكل من وجب قتله في الشرائع و القواعد و الإرشاد و ظاهر جامع المقاصد و المسالك و الروض و المدارك و محكي كشف الالتباس، كما حكي عن الجامع و البيان و الموجز، و عن الذكري التصريح به، و جعله الأقرب في الدروس، و نسبه في الروض للأصحاب و في الحدائق لظاهرهم.

و كأنه لفهم عدم الخصوصية من النص، أو دعوي المشاركة في العلة. و الأول ممنوع، و الثاني غير ثابت، بل يتعين الاقتصار علي مورد النص، كما قربه في المنتهي و كشف اللثام و محكي نهاية الأحكام. كيف و قد ورد في صحيح العلاء بن سيابة بيان كيفية تغسيل القتيل في معصيته «2»، و في مرسل الصدوق أن المصلوب ينزل بعد ثلاثة

______________________________

(1) مستدرك الوسائل باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 15 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

ص: 346

فإنه يغسل (1)

______________________________

أيام و يغسل «1»، و بمضمونه أفتي هو و غيره.

هذا، و قد اقتصر في المقنعة و المراسم علي المقتول قودا، و في بعض النسخ الخلاف علي المرجوم، و في محكي التحرير علي المرجوم و المحدود. و الكل غير ظاهر الوجه بعد ما سبق.

(1) هذا الحكم في الجملة مما لا إشكال فيه بينهم، و ادعي في الخلاف الإجماع عليه، و في الحدائق أن عليه اتفاق الطائفة سلفا و خلفا و الأصحاب قديما و حديثا، و نفي الخلاف فيه في السرائر، كما نفي العلم بمخالف فيه في المعتبر و محكي الذكري.

و لعل عدم التعرض له في مثل الهداية و الاقتصاد و إشارة السبق و الغنية و الوسيلة و النافع و اللمعة ليس للخلاف فيه، بل للاختصار و عدم البناء علي استقصاء الفروع، و إن كان ذلك خلاف ظاهر إشارة السبق و الوسيلة، لاقتصارهما في الاستثناء من عموم وجوب تغسيل القتيل علي غيره.

و كيف كان، فيقتضيه خبر مسمع كردين عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: المرجوم و المرجومة يغسلان و يحنطان [يغتسلان و يتحنطان. يب] و يلبسان الكفن قبل ذلك ثم يرجمان و يصلي عليهما. و المقتص منه بمنزلة ذلك يغسل و يحنط [يغتسل و يتحنط.

يب] و يلبس الكفن [ثم يقاد] و يصلي عليه» «2». و به يخرج عن عموم وجوب تغسيل الميت، الظاهر، بل الصريح في التغسيل بعد الموت.

نعم، هو ضعيف السند، حيث روي في الكافي مسندا بطريق ضعيف، و في التهذيب بالطريق المذكور و بطريق آخر فيه إرسال، و في الفقيه مرسلا عن أمير المؤمنين عليه السّلام، كما اشتمل علي المضمون المذكور الرضوي «3».

كما أنه معارض بصحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام المروي في تفسير القمي في رجل محصن أقر أربع مرات عند أمير المؤمنين عليه السّلام بالزنا، و فيه: «فلما كان

______________________________

(1) الوسائل باب: 5 من أبواب حد المحارب حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 17 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(3) مستدرك الوسائل باب: 17 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

ص: 347

______________________________

من الغد أخرجه أمير المؤمنين عليه السّلام بالغلس و صلي ركعتين ثم حفر حفيرة و وضعه فيها … فأخذ أمير المؤمنين عليه السّلام حجرا فكبر أربع تكبيرات فرماه، ثم أخذ الحسن عليه السّلام مثله، ثم فعل الحسين عليه السّلام مثله. فلما مات أخرجه أمير المؤمنين عليه السّلام و صلي عليه، فقالوا: يا أمير المؤمنين ألا تغسله؟ قال: قد اغتسل بما هو منها طاهر إلي يوم القيامة … » «1»، و نحوه ما عن البحار عن كتاب مقصد الراغب عن إبراهيم بن علي بن إبراهيم بسنده الصحيح عن أبي جعفر «عليه السلام» «2»، إلّا أن فيه: «قد اغتسل بماء هو طاهر … »، و قريب من صحيح أبي بصير مرفوع أحمد بن محمد بن خالد «3».

فإن عدم تعرضه عليه السّلام لبيان أفعال التجهيز مقدمة للرجم و سؤالهم منه عليه السّلام عن تغسيله بعده ظاهر في عدم سبق تغسيله و تكفينه، و أن مراده بالاغتسال في الجواب الكناية عن الطهارة بإقامة الحد عليه، و لا سيما مع تعليله في المرفوع بقوله عليه السّلام: «لقد صبر علي أمر عظيم». فيكون مقتضي الجمع بينه و بين خبر مسمع حمل الخبر علي استحباب سبق التغسيل علي الرجم من دون أن يتوقف عليه سقوط الغسل بعد الموت.

علي أنه يعارضهما في ذلك صحيح أبي مريم عن أبي جعفر عليه السّلام في امرأة أقرت أربع مرات بالزنا عند أمير المؤمنين عليه السّلام، و فيه: «فتربص بها حتي وضعت، ثم أمر بها بعد ذلك فحفر لها حفيرة في الرحبة و خاط عليها ثوبا جديدا، و أدخلها الحفيرة إلي الحقو و موضع الثديين، و أغلق باب الرحبة و رماها بحجر … فقالوا له:

قد ماتت فكيف نصنع بها؟ قال: فأدفعوها إلي أوليائها و مروهم أن يصنعوا بها كما يصنعون بموتاهم» «4»، لقوة ظهوره في عدم سبق التغسيل و التكفين علي الرجم و عدم سقوطهما بعده.

إلّا أن يجمع بينه و بين صحيح أبي بصير بالبناء علي استحباب التغسيل بعد الموت مع عدم تقديمه علي الرجم و عدم وجوبه، فيكون مقتضي الجمع بين النصوص الثلاثة- لو غض النظر عن ضعف الأول- عدم وجوب تغسيل المرجوم بعد الموت

______________________________

(1) تفسير القمي: ج 2 ص 97 طبعة النجف الأشرف.

(2) مستدرك الوسائل باب: 17 من أبواب غسل الميت حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 14 من أبواب حد الزنا حديث: 4.

(4) الوسائل باب: 16 من أبواب حد الزنا حديث: 5.

ص: 348

______________________________

مطلقا و إن لم يغسل قبل الرجم، مع استحبابه حينئذ بعده، و أفضل منه تقديم تغسيله علي الرجم. لكنه لا يخلو عن تكلف قد يأباه لسان كل منها.

و من ثم لا يبعد استحكام التعارض بينها، و يكون عموم وجوب تغسيل الميت مرجحا للأخير أو مرجحا بعد سقوطها جميعا عن الحجية، خصوصا خبر مسمع الذي هو ضعيف في نفسه.

هذا، كله مقتضي القواعد الأولوية. إلّا أنه لا مجال له بالنظر لإطباق الأصحاب علي ما تقدم، حيث يسقط معه الصحيحان بإعراضهم، و ينجبر ضعف خبر مسمع بعملهم، فيكون العمل عليه لا غير. قال في المعتبر بعد أن نبه لضعف الخبر المذكور:

«غير أن الخمسة أفتوا بذلك و أتباعهم، و لا أعلم لأصحابنا فيه خلافا و لا طعنا بالإرسال مع العمل». و لذا جري علي ذلك بعض من شأنه شدة الاهتمام بصحة السند و قوة الخبر، كابن إدريس في السرائر و الشهيد الثاني في الروض و المسالك و السيد في المدارك. و يأتي من الحدائق بعض الكلام في ذلك.

إذا عرفت هذا فينبغي الكلام في أمور:
الأول: ظاهر الأصحاب و معاقد الإجماع و نفي الخلاف المتقدمين وجوب الوجه المذكور،

بل هو صريح جماعة. لكن في كشف اللثام التنظر في ذلك، للأصل و عدم انتهاض الدليل عليه. و عن الذكري أنه يمكن تخيير المكلف، لقيام الغسل بعده بطريق أولي مقامه.

و فيه: أن الخبر إن كان حجة فهو ظاهر في الوجوب و إن كان بلسان الجملة الخبرية. و حمله علي الرخصة- كما في الحدائق- مخالف لظاهره جدا. و لا سيما و أن الوجه المذكور أشق نفسيا و عملا من الغسل و التجهيز بعد الموت. و إن لم يكن حجة لزم البناء علي عدم مشروعية الغسل قبل الرجم و القود و عدم الاجتزاء به بعد ذلك لو وقع، عملا بعموم وجوب تغسيل الميت. و ما تقدم عن الذكري من التعليل لا ينهض بالخروج عن ظاهر الخبر و لا يصلح دليلا علي حكم شرعي.

و اشكل منه ما في الروض حيث تردد بين الوجهين و توقف، ثم قال: «هذا بالنسبة إلي الآمر، أما المأمور فيجب عليه امتثال الأمر إن وجد».

ص: 349

______________________________

إذ فيه: أنه لا دليل علي وجوب امتثال الأمر مع عدم وجوبه علي الآمر. و لا سيما مع عدم اشتمال النص علي الأمر، بل علي اغتسال المرجوم و المقتص منه، فإن حمل علي الوجوب وجب عليه القيام بذلك و إن لم يؤمر، كما يأتي، و إن لم يحمل عليه فكما لا يجب الأمر لا يجب امتثاله لو حصل.

اللهم إلّا أن يبتني ذلك منه علي ما ذكره قبل ذلك- و يأتي الكلام فيه- من كون الآمر هو الإمام أو نائبه، حيث قد يدعي وجوب الإطاعة لخصوصيتهما.

الثاني: ظاهر الأصحاب و معاقد الإجماع و نفي الخلاف المتقدمين الاجتزاء بالتغسيل المذكور عن التغسيل بعد الموت،

و هو صريح جماعة، بل في المعتبر أنه لا ريب فيه، و نحوه كلام غيره، معللا في كلامهم بقيام الغسل السابق مقام غسل الميت، أو هو من أفراده، فلا يشرع التعدد. علي أنه يكفي في ذلك ظهور النص في الاجتزاء المذكور.

لكن في الحدائق بعد أن نبه إلي ضعف الخبر و معارضته بعمومات تغسيل الميت المستفيضة و المتضمنة نجاسته و جنابته بالموت قال: «و تخصيص تلك الأخبار بما هي عليه من الكثرة و الصراحة بهذا الخبر الضعيف مشكل. علي أنه لا يعقل سبق التطهير علي وقوع النجاسة و حصولها، كما لا يخفي. و لو لا اتفاق الطائفة علي هذا الحكم سلفا و خلفا لكان الأظهر الوقوف علي تلك الأخبار. و كيف كان فالأجود عندي إعادة غسله».

و هو كما تري، فإن تخصيص العمومات بالخبر الضعيف المعول عليه عند الأصحاب غير عزيز. و لا سيما علي مسلكه قدّس سرّه في العمل بالأخبار. و التغسيل المذكور لما كان سابقا علي الموت الذي هو سبب النجاسة و الحدث فهو غير مطهر منهما، بل إما مانع من تأثير سببهما لهما، أو واجب تعبدا مع تأثير الموت النجاسة و الحدث و عدم وجوب رفعهما لخصوصية المورد. كما أنه بعد الاعتراف بمانعية اتفاق الأصحاب من العمل بالعمومات لا وجه لحكمه بإعادة الغسل.

اللهم إلّا أن يرجع ذلك منه إلي رفع اليد عما ذكره أولا و العدول عنه، فيلزم حينئذ البناء علي كفاية الغسل بعد الموت لا وجوب إعادته بعد التغسيل بعده. إلا أن يكون مبنيا علي الاحتياط بالجمع بين المحتملين، للتوقف في المسألة. لكن لا يبعد ظهور النص في عدم جواز التغسيل بعد الموت و لو للمحافظة علي بقاء أثر القتل من

ص: 350

______________________________

الدم و نحوه، نظير ما تقدم في الشهيد. و لا أقل من كونه خلاف الاحتياط.

اللهم إلا أن يبتني كلامه علي ما تقدم منه من حمل النص علي الرخصة في التقديم دون العزيمة. أو يرجع إلي التعويل علي العمومات و طرح الخبر مع الاحتياط الاستحبابي بموافقته بتقديم التغسيل. و يظهر ضعفهما مما سبق.

الثالث: صرح أكثر الأصحاب بأن الشخص المذكور يؤمر بالاغتسال و غيره من أفعال التجهيز مع كونه هو المباشر له،

و هو معقد الإجماع و نفي الخلاف المتقدمين، و ظاهر جملة من كلماتهم المفروغية عن كونه هو المباشر. و يقتضيه خبر مسمع علي رواية التهذيب له.

نعم، في المقنع أنه يغسل و يكفن و يحنط. و هو المطابق للخبر المذكور علي رواية الكافي له، و مرسل الفقيه و الرضوي. لكن ذكر سيدنا المصنف قدّس سرّه أنه لا ريب في وجوب مباشرته له، و ادعي في الجواهر القطع بعدم إرادة مباشرة الغير ذلك، و أنه لأجله يحمل الخبر علي أقرب المجازات، و هو تولي الغير للأمر، فإنه حيث كان سببا لوقوع الفعل من الشخص المذكور صح نسبته للآمر.

أقول: المجاز المذكور بعيد جدا لا يصح الحمل عليه عرفا. و المجاز الشائع ليس إلّا حمل أمر الشخص بالشي ء علي مسئوليته و تكليفه به و لو مع صدوره من غيره من دون أن يلزم مباشرته له، لا بنحو لا يجوز له مباشرته و ليس منه إلّا الأمر به، كما هو المدعي في المقام. كما أن القطع المذكور إن كان مستندا للاعتبار، بلحاظ عدم معهودية تغسيل الحي القادر. فليس هو بنحو يوجب القطع و يصحح الخروج عن ظاهر النص.

و إن كان مستندا للإجماع فلا مجال له بعد مخالفة مثل الصدوق في المقنع، و ظهور حاله و حال الكليني في الفقيه و الكافي في مطابقة ظاهر الرواية المودعة فيهما، كالرضوي الذي لو لم يكن رواية عن الإمام عليه السّلام فهو فتوي لبعض الأعلام. بل لا يبعد أن يكون معقد الإجماع و نفي الخلاف أصل تقديم أفعال التجهيز علي الموت، و أن يكون منشأ عدول من عثرنا علي كلامه- ممن دأبه تحرير الفتاوي و عدم متابعة ألسنة النصوص كالمفيد و من بعده- إلي الأمر هو الاعتبار المتقدم، لا العثور علي خطأ الرواية بالوجه المذكور.

ص: 351

______________________________

و لا سيما مع ما هو المعلوم من أضبطية الكافي و نقل التهذيب عنه في أحد طريقيه و اعتضاده بمرسل الفقيه، و عدم الابتلاء بالحكم ليتضح الحال من السيرة.

فمتابعة المشهور في ذلك في غاية الإشكال، اذ لو لم يصلح ذلك لترجيح رواية الكافي، فلا أقل من التوقف.

هذا، و لو بني علي متابعة المشهور في مباشرة المرجوم و المقتص منه فقد عرفت أن المذكور في كلماتهم أمر الغير له به، و أنه داخل في معقد الإجماع و نفي الخلاف المتقدمين، و ادعي في الجواهر ظهور اتفاق الأصحاب عليه.

و استدل عليه بأنه هو الذي يتصور بدليته عن غسل الميت المخاطب به غير الميت، فيكون الأمر حينئذ من الغير المكلف قائما مقام تغسيله له بعد موته. علي أنه قد يؤيد برواية الكافي، بناء علي ما سبق منه من حملها علي أقرب المجازات، و هو تولي الغير الأمر. قال: «بل قد يدعي بناء علي ما ذكرنا اشتراط صحة الغسل بتحقق الأمر، فلو اغتسل من دون أمر به لم يكن مجزئا».

و يشكل: بأن رواية الكافي إن ثبتت لرجحانها علي رواية التهذيب تعين البناء علي تولي الغير لأفعال التجهيز و عدم اكتفائه بالأمر، لما سبق من الإشكال في الحمل المذكور، و إن لم تثبت لمعارضتها برواية التهذيب فلا وجه للتأييد بها. و بدليته عن غسل الميت المخاطب به غير الميت لو استلزمت تكليف غير الميت به فهو إنما يقتضي وجوب الأمر عليه مقدمة لتحصيله، لا لشرطيته فيه بنحو لا يجزي لو وقع من دون أمر، لأن المتيقن في وجه لزوم المباشرة علي الغير توقف تحقق الواجب عليها، لا شرطيتها فيه، و لذا يجزي لو وقع بدونها و لو بفعل غير المكلف كالصبي، علي ما تقدم. علي أنها لو كانت شرطا في غسل الميت فشرطيتها فيه لا تستلزم شرطية بدلها و هو الأمر في بدله و هو غسل الحي.

و من هنا لا ينبغي التأمل في عدم شرطيته في الغسل، عملا بإطلاق النص.

كما لا ينبغي التأمل في وجوبه نفسيا لو كان الشخص المذكور جاهلا بوجوب تقديم الغسل بملاك وجوب تعليم الأحكام، كما حكي عن بعضهم الاقتصار عليه، و لو كان عالما به فبملاك الأمر بالمعروف، و عليه اقتصر شيخنا الأعظم قدّس سرّه.

ص: 352

______________________________

بل لا يبعد وجوبه غيريا لامتثال التكليف بالغسل، لكون وجوب الغسل المذكور كفائيا لا يختص بالشخص المذكور، فكما يجب علي الشخص المذكور فعله بالمباشرة يجب علي غيره التسبيب له بالأمر، نظير أمر غير المماثل المماثل بتغسيل الميت.

لأن ظاهر في مثل ذلك و إن كان هو اختصاص التكليف بالمباشر، إلا انه لا يبعد كون بدلية هذا الغسل ارتكازا عن غسل الميت الواجب في حق الكل كفاية صالحة للقرينية علي عموم التكليف به مثله. و لا سيما مع ما هو المعلوم من كون الشخص المذكور بحال من الانفعال و الاضطراب النفسي يغلب معه عدم التوجه لامتثال مثل هذا التكليف لو خلي و نفسه، فلو اختص التكليف به لزم كثرة فوته منه، حيث لا يبعد كون ذلك بمجموعه قرينة علي عموم التكليف.

و يترتب علي ذلك لزوم إعانته علي الامتثال بتهيئة مقدماته، نظير تكليف غير المماثل بإعانة المماثل. كما يترتب عليه و علي الوجهين السابقين عدم اختصاص وجوب الأمر بشخص خاص، بل يعم كل مكلف، كما هو مقتضي إطلاق الأكثر. خلافا لما في جامع المقاصد و الروض و غيرهما من اختصاصه بالإمام او نائبه. إلا أن يراد به الرجوع إليهما في وقت إقامة الحد. و لما قد يدعي من اختصاصه بمن يجوز له مباشرة تغسيل الشخص لو كان ميتا، كالمماثل، كما هو المناسب لما تقدم من الجواهر في وجه شرطية الأمر في الغسل، و إن ذكره فيها احتمالا، و نسبه لبعضهم، و رده بإطلاق الأصحاب.

هذا، و في العروة الوثقي الاكتفاء بكل من نية الآمر و المغتسل المباشر، و أقره بعض الأعاظم قدّس سرّه. و لم يتضح الوجه فيه، إذ لو كان الأمر بمنزلة المباشرة و المغتسل المباشر بمنزلة الآلة تعين اعتبار نية الآمر. و إن لم يكن المباشر بمنزلة الآلة، بل مستقلا بالعمل- كما هو الظاهر- و الأمر واجب نفسي أو غيري لمقدميته خارجا او شرطيته شرعا، تعين اعتبار نية المباشر، كما صرح به جماعة من محشي العروة الوثقي.

الرابع: قال في جامع المقاصد: «و لا يقدح في الاجتزاء به الحدث تخلل او تأخر.

و احتمل مساوية لغسل الجنابة في الذكري. و هو ضعيف، للأصل» و قريب منه في الروض و غيره. و الوجه فيه الإطلاق.

و إما تنزيل غسل الميت منزلة غسل الجنابة فينحصر الدليل عليه بصحيح محمد

ص: 353

______________________________

ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: غسل الميت مثل غسل الجنب، و إن كان كثير الشعر فرد عليه «الماء» ثلاث مرات» «1». و الظاهر أو المتيقن منه التشبيه في الكيفية، و لا سيما بملاحظة الذيل.

نعم، تضمن جملة من النصوص أن الميت يجنب بالموت و انه لذلك يغسل، و ظاهره كون غسل الميت من أفراد غسل الجنابة، بل صرح في بعضها بأنه يغسل غسل الجنابة «2».

لكن الاستدلال بذلك موقوف علي ثبوت الإطلاق لدليل انتقاض غسل الجنابة بتخلل الحدث في أثنائه بنحو يشمل مثل غسل الميت لو كان غسل جنابة حقيقة، و هو غير ثابت، بل هو لو تم مختص بغسل الحي من الجنابة، كما يظهر بمراجعة المسألة المذكورة علي أن الاستدلال به و بصحيح محمد بن مسلم موقوف علي كون الغسل السابق علي الرجم و القصاص في المقام غسل ميت مقدم علي الموت، بحيث تترتب عليه جميع أحكام غسل الميت، و هو لا يخلو عن إشكال بل المتيقن مسانخته له أو إجزاءه عنه لا غير. بل لو كان غسل الميت غسل جنابة فمن المعلوم، عدم كون الغسل السابق في المقام غسل جنابة، لعدم تحقق الجنابة بعد.

هذا، و لا إشكال في سببية الحدث الأكبر أو الأصغر المتخلل أو المتأخر لمسببه، فيجب رفعه لغاياته لو ابتلي بها. أما وجوب التطهر منه قبل الموت مع قطع النظر عنها فهو يبتني علي وجوب تطهير الميت منه، و هو غير ثابت في الحدث الأصغر، بل غاية ما يمكن إثباته هو وجوب تطهيره من الجنابة أو مطلق الحدث الأكبر، علي ما تقدم في المسألة الرابعة عشرة. فراجع، و تأمل.

الخامس: صرح في جامع المقاصد و الروض بعدم إجزاء هذا الغسل عن غيره من الأغسال.

معللا في الثاني بعدم نية الرفع أو الاستباحة فيه. و لأصالة عدم تداخل المسببات مع اختلاف الأسباب. و هو كما تري، لعدم اعتبار نية الرفع و الاستباحة في إجزاء الغسل عن غيره، و لذا تجزي الأغسال المستحبة عن الواجبة، علي ما تقدم.

و أصالة عدم التداخل لو تمت بدوا في الأغسال لزم رفع اليد عنها بعموم

______________________________

(1) الوسائل باب: 3 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(2) راجع النصوص المذكورة في الوسائل باب: 3 من أبواب غسل الميت.

ص: 354

______________________________

ما تضمن التداخل فيها مما تقدم في المسألة الثالثة و السبعين من أحكام الوضوء، كقوله عليه السّلام في صحيح زرارة: «إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة و الحجامة [و الجمعة. خ ل] و عرفة و النحر و الحلق و الذبح و الزيارة، فإذا اجتمعت عليك حقوق [اللّه] أجزأها عنه غسل واحد» «1» و التعليل في صحيحه الآخر لإجزاء غسل واحد للميت الجنب بقوله عليه السّلام: «لأنهما حرمتان اجتمعا في حرمة واحدة» «2». و من ثم تنظر في محكي الذكري في عدم الإجزاء.

نعم، بناء علي لزوم تغسيل الغير له- كما تقدم الكلام فيه في الأمر الثالث- يشكل إجزاءه، لاختلاف كيفية الغسل، حيث يعتبر في بقية الأغسال مباشرة المغتسل مع القدرة. و إجزاء تغسيل الميت بعد الموت عنها، كما تضمنته النصوص لا يقتضي إجزاء التغسيل السابق علي الموت بعد الفرق بينهما بتعذر مباشرته لها بعد الموت و قدرته عليها قبله.

و دعوي: أن هذا الغسل من أفراد غسل الميت أو بدل عنه، فيلحقه حكمه.

مدفوعة.. أولا: بأن تغسيل الميت إنما يجزي عن تغسيله بقية الأغسال، لا عن اغتساله لها، كما هو المطلوب قبل الموت.

و ثانيا: بأن هذا الغسل إن كان من أفراد غسل الميت الحقيقية فإطلاق دليل إجزاء غسل الميت عن غيره من الأغسال يقصر عنه و يختص بالتغسيل بعد الموت، و إن كان بدلا عنه فالمتيقن من دليل بدليته عنه إجزاؤه عنه، لا عن غيره، لعدم الإطلاق لدليل البدلية يعم جميع الأحكام.

هذا، و لا يبعد إجزاؤه عن الوضوء مطلقا، بناء علي عموم إجزاء كل غسل عنه. أما بناء علي اعتبار مباشرة المغتسل فظاهر. و أما بناء علي اعتبار تغسيل الغير له فلصدق الغسل عليه الذي هو موضوع دليل إجزاء الغسل عن الوضوء، و لذا لا إشكال ظاهرا في إجزاء غيره من الأغسال عن الوضوء لو قام بها غير المغتسل لتعذر المباشرة عليه. فتأمل.

______________________________

(1) الوسائل باب: 43 من أبواب غسل الجنابة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 31 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

ص: 355

______________________________

و مما ذكرنا يظهر الحال في إجزاء غير هذا الغسل عنه. فإنه إن أعتبر فيه المباشرة- علي ما تقدم الكلام فيه- و اكتفي فيه بغسل واحد بالقراح مثلها- علي ما يأتي الكلام فيه- تعين إجزاؤها عنه. و إن اعتبر قيام الغير به، أو لزم فيه التثليث و الخليطين، لم يجز عنه، كما نبه له في الروض. نعم علي الثاني قد يلتزم باجزائها عن الغسلة الثالثة بالقراح لو وقعت بعد الغسلتين الأوليين بالخليطين.

السادس: قال في جامع المقاصد: و لو سبق موته وجبت الإعادة … و لو قتل بسبب آخر فكذلك،

«سواء بقي الأول، كالقصاص مع ثبوت الرجم، أم لا، كما لو عفي عن القود، لأن الظاهر وجوب التجديد، لأصالة عدم إجزاء الغسل للسبب الآخر» و نحوه في الروض، و ذكر في المسالك و سبقهما إليه في الدروس، و نسب لجماعة.

أقول: لا إشكال في وجوب إعادة الغسل بعد الموت لو مات بعد الغسل بسبب لا يقدم له الغسل، كما لو اغتسل للرجم فمات حتف أنفه أو قتل بلا حق، و به صرح في التذكرة و محكي نهاية الأحكام و غيرهما. لاختصاص النص المتقدم المتضمن إجزاء الغسل السابق علي الموت بما إذا مات بالسبب الذي يشرع تقديم الغسل له، فيرجع في غيره لعموم وجوب تغسيل الميت.

و أما لو مات قتلا بسبب يشرع تقديم الغسل له مباين للذي اغتسل له جنسا- كما لو اغتسل للرجم فقتل قصاصا، أو اغتسل للقصاص ثم عفي ولي المقتول فقتله الحاكم بالرجم- أو مصداقا مع اتفاقهما في الجنس- كما لو اغتسل للقصاص عن شخص فعفي وليه و قتله ولي قتيل آخر قصاصا- فوجوب إعادة الغسل بعد الموت مبني علي وجوب الإعادة للسبب الآخر قبله، فإن قيل بالاجتزاء بالغسل الأول و عدم وجوب الإعادة للسبب الجديد قبل القتل تعين عدم التدارك بعده، لحصول الواجب. و إن قيل بوجوب التجديد له فمع فرض عدمه لا إشكال في وجوب تدارك الغسل بعد الموت، لاختصاص النص الدال علي عدم التغسيل بعد القتل بما إذا سبق الغسل بالوجه المشروع له، و لا يعم ما إذا لم يسبق له، بل يرجع فيه لعموم وجوب تغسيل الميت.

و دعوي: ظهور النص في انحصار مشروعية غسل الشخص المذكور بغسله

ص: 356

غسل الميت المتقدم تفصيله (1)،

______________________________

قبل القتل. ممنوعة، بل لا ظهور له إلّا في لزوم تقديم غسله، من دون نظر له إلي ما لو لم يقدم قصورا أو تقصيرا، كي يمنع من الرجوع فيه لعموم وجوب تغسيل الميت.

نعم، مقتضي صحيح أبي بصير المتقدم و غيره عدم وجوب تغسيله حينئذ. لكن تقدم أن مقتضاه عدم وجوب تقديم التغسيل علي القتل أيضا، مع بناء الأصحاب علي وجوبه. و من ثم يسقط عن الحجية بالإعراض. فراجع.

إذا عرفت هذا، فوجوب التجديد للسبب الآخر مبني علي تعين الغسل الواقع للسبب المقصود به، و هو غير ظاهر من النص، بل لا يبعد قضاء المناسبات الاتكازية عدم تعينه له، لعدم دخل القصد ارتكازا في تأثير الغسل، بل لعله مقتضي إطلاق النص، إذ لم يدل إلّا علي وجوب تقديم أفعال التجهيز علي القتل، و هو حاصل في الفرض مع تبدل السبب.

نعم، لو تجدد السبب الآخر لاستحقاق القتل بعد الغسل- كما لو عفي ولي الدم عن القاتل بعد الغسل فقتل آخر و طالب وليه بالقصاص- فلا إشكال ظاهرا في وجوب إعادة الغسل، لانكشاف عدم مشروعية الغسل الأول، و ظهور النص في فرض استحقاق القتل حين الغسل السابق عليه. فلاحظ.

السابع: الظاهر عدم الإشكال بينهم في اختصاص الوظيفة المذكورة بالمسلم الذي يجب تجهيزه،

لأنها بدل التجهيز الواجب. لكن قد يظهر العموم للكافر مما في المبسوط و التذكرة من التنبيه علي اختصاص وجوب الصلاة عليه بما إذا كان مسلما. و هو غريب. و لعله مبتن علي الغفلة عن عدم الحاجة لتقييد الصلاة بالمسلم، لاختصاص جميع الأفعال به، لا علي البناء علي العموم في غيرهما، كما قد توهمه عبارتهما.

(1) كما في الايضاح و جامع المقاصد و المسالك و المدارك و ظاهر الروض، و حكي عن نهاية الأحكام و الذكري و الموجز الحاوي و كشف الالتباس. و استشكل فيه في القواعد و ظاهر كشف اللثام، بل مقتضي قول المفيد في المقنعة: «فيغتسل كما يغتسل من الجنابة» الاقتصار علي غسلة واحدة بالماء القراح، و ظاهر التهذيب في

ص: 357

______________________________

شرحه إقراره عليه، كما ساقه احتمالا في الروض. و يستدل له بإطلاق النص، و عدم معهودية التكرار في غسل الحي، و أصالة البراءة.

لكن تكرر غير مرة أن الأصل في الطهارات الاحتياط، و الغسل في المقام و إن لم يكن عن حدث يراد رفعه به، إلّا أنه مطلوب بلحاظ ترتب نحو من الطهارة عليه، نظير الأغسال المستحبة، أو بلحاظ مانعيته من تأثير الموت للحدث، فلا بد من الاحتياط فيه بكل ما يتحمل دخله في الأثر المطلوب منه. و عدم معهودية التكرار في غسل الحي لا ينهض بالتأييد، فضلا عن الاستدلال، في مثل المقام مما كان تشريع الغسل فيه بنحو غير معهود، حيث يجزي عن غسل الميت مع وقوعه قبل الموت. و أما الإطلاق فلا مجال له علي رواية الكافي و ما ماثلها، لعدم معهودية التغسيل إلّا بالتثليث، و لا يراد بالتغسيل الغسل العرفي ليكون مقتضي إطلاقه الاكتفاء بالمسمي، بل خصوص الماهية الشرعية المحتاجة للشرح.

و أما علي رواية التهذيب فإطلاق الاغتسال و إن كان ظاهرا في الغسل الواحد المعهود، إلّا أنه لا مجال في خصوص المقام، حيث سبق الاغتسال مقدمة للقتل، لبيان الاجتزاء به عن الغسل بعد الموت المعهود فيه الكيفية الخاصة، و لا سيما مع ذكره في سياق التحنط و لبس الكفن، حيث يقرب معه إرادة كيفية غسل الميت المعهودة، و الاقتصار في البدلية علي وقته دون كيفيته.

و لعله إلي هذا يرجع ما عن بعضهم من أنه غسل ميت قدم، و إلا فلا معني لكونه غسل ميت مع تقديمه علي الموت.

و كيف كان، فلو لم يكن ذلك موجبا لظهور الإطلاق في مساواة الغسل المذكور لغسل الميت في الكيفية- كما ادعاه غير واحد- فلا أقل من كونه مانعا من ظهور الإطلاق في كفاية الغسلة الواحدة بالقراح و ملزما بالرجوع للأصل المقتضي للاحتياط، كما سبق.

ص: 358

و يحنط (1) و يكفن كتكفين الميت (2)

______________________________

(1) كما في المقنع و المقنعة و المبسوط و النهاية و المراسم و السرائر و المعتبر و المنتهي و التذكرة و القواعد و الدروس و غيرها. و ترك في الخلاف و الشرائع و الإرشاد و غيرها. و كأنه للاختصار، كما يأتي في التكفين.

هذا، و لا يبعد التخيير فيه بين مباشرة التحنط له و قيام غيره به، لأنه توصلي لا يعتبر فيه القصد، بل يكفي حصوله كيف اتفق. و لو بني علي الجمود فيه علي مفاد النص جري فيه ما تقدم في التغسيل.

(2) كما في الكتب المتقدمة المشتملة علي التحنيط عدا المبسوط، كما تركه من تقدم منه ترك التحنيط. قال في مفتاح الكرامة: «و الظاهر اتفاق الكل علي إرادة الكل، لكن بعضهم اختصر و بعضهم لم يختصر» و نحوه في الجواهر. و هو غير بعيد، إذ لا وجه للتفصيل بينهما بعد اشتمال النص المتقدم- الذي هو دليل المسألة- علي الكل.

و يجري في المباشر له ما تقدم في التحنيط.

هذا، و في الجواهر: «و لم أجد أحدا من الأصحاب تعرض لغسل ما يخرج منه من الدم علي الكفن، و لا لكيفية تكفينه إذا أريد القصاص منه. و لعله يترك موضع القصاص ظاهرا».

و الظاهر أن عدم تعرضهم لغسل ما يخرج من الدم علي الكفن للمفروغية عن عدم وجوبه، كما هو ظاهر النص المتقدم أيضا، لأن عدم التنبيه عليه مع غلبة الابتلاء به أو دوامه موجب لظهوره في عدم وجوبه. بل لا يبعد عدم جوازه، حيث يقرب ارتكاز أن حكمة تقديم الغسل المحافظة علي أثر القتل، كالشهيد، فيستفاد من النص بالقرينة المذكورة.

و أما ترك موضع القصاص منه فهو ارتكازي جمعا بين الأمرين، فيلزم الاقتصار علي ما لا بد منه في القصاص.

و لا وجه لما في العروة الوثقي من ترك اللفافة رأسا إلي ما بعد القتل. و أشكل منه تعميمه ذلك للمرجوم، مع وضوح عدم مانعية الكفن التام من الرجم. بل ظاهر

ص: 359

ثم يقتل فيصلي عليه (1) و يدفن بلا تغسيل.

(مسألة 25): قد ذكروا للتغسيل سننا، مثل أن يوضع الميت في حال التغسيل علي مرتفع (2)

______________________________

ما تقدم في صحيح أبي مريم «1» استيعاب الثوب الذي خاطه أمير المؤمنين عليه السّلام لتمام جسد المرجومة لسترها به.

نعم، قد لا يناسب ذلك النصوص الواردة فيما لو هرب المرجوم من الحفيرة «2»، لأن اللفافة تمنع من الفرار. إلّا أن يقال: عدم إحكام شدها يناسب سهولة نزعها و لجوء المرجوم إليه عند الشدة.

(1) بلا إشكال ظاهر، و به صرح جماعة كثيرة، و ادعي في المعتبر و التذكرة الإجماع عليه، كما هو داخل في معقد إجماع الخلاف المتقدم، و لم ينقل الخلاف فيه إلّا عن بعض العامة. و يقتضيه- مضافا إلي عموم وجوب الصلاة- النصوص المتقدمة حتي صحيح أبي بصير و نحوه و صحيح أبي مريم.

مسألة 25: قد ذكروا للتغسيل سننا و مكروهات
مستحبات التغسيل
مستحبات التغسيل التي ذكره المصنف
منها وضع الميت في حال التغسيل علي مرتفع

(2) كما في الغنية و النافع و المعتبر و جامع المقاصد و الروض و الروضة و المسالك و المدارك و كشف اللثام، مدعيا في الأول الإجماع عليه و في المقنعة انه يرفع علي ساجة أو شبهها. و في المبسوط و النهاية أنه يجعل علي ساجة أو سرير، و نحوه في الوسيلة و الدروس، و في المنتهي أنه لا خلاف فيه، و في التذكرة أنه يوضع علي لوح أو سرير، و اقتصر علي السرير في المقنع، و علي الساجة في النهاية و الشرائع و القواعد و الارشاد و اللمعة.

و ظاهر الغنية و كشف اللثام إن المستحب هو وضعه علي مرتفع، و أن الأمور المذكورة مصاديق له. لكن ظاهر المعتبر و جامع المقاصد و الروض و الروضة و المسالك و المدارك استحباب الأمرين بنحو تعدد المطلوب، و أن استحباب المرتفع للتوقي من رجوع ماء الغسل إليه، و استحباب الساجة و نحوها لصيانة بدن الميت عن التلطخ بالتراب و نحوه.

______________________________

(1) تقدم في أوائل؟؟؟؟ في حكم المرجوم؟؟؟ المقتص منه؟؟.

(2) راجع الوسائل باب: 15 من أبواب حد الزنا.

ص: 360

______________________________

و هو لو تم لا يقتضي خصوصية الساجة، بل و لا الخشب، و إن ذكره في المسالك، كما في الجواهر. لكن قال: «لكن الأولي تقديمه [يعني الساج] علي الخشب ثم الخشب علي غيره». كما زاد في التذكرة و جامع المقاصد و الروض و الروضة و المسالك و المدارك و غيرها أن يكون رأسه أعلي من رجليه، معللا في كشف اللثام بأن ينحدر الماء من أعلاه إلي أسفله، دون العكس، إذ قد يخرج من أسفله شي ء، و في غيره يتجنب اجتماع الماء تحته، و لم يتضح المراد به.

هذا، و الظاهر لزوم وضعه بنحو لا يرجع ماء الغسالة إليه، و لا يتجمع تحته بالنحو غير المتعارف، لتنجسه به و عدم ثبوت العفو عنه. و سكوت الأخبار عنه لا يدل علي العفو، لعدم الغفلة عنه بعد كونه علي خلاف المتعارف. و أما ما عدا ذلك فالتعليلات المتقدمة لا تنهض بإثبات استحبابه شرعا.

و مثلها ما في المنتهي من تعليل استحباب الساجة أو السرير بأنه إذا وضع علي الأرض سارع إليه الفساد و أتته الهوام إذ هو ممنوع جدا، و لو لزم فقد يحرم، لما فيه من هتك الميت و الإضرار ببدنه. و أما ما في الجواهر في تقريب استحباب وضعه علي المرتفع من أنه يرشد إليه ما عساه يشعر به ما في بعض الأخبار من الأمر بوضعه علي المغتسل. فكأنه يشير به إلي ما في مرسل يونس من قوله عليه السّلام: «إذا أردت غسل الميت فضعه علي المغتسل مستقبل القبلة» «1» و هو كما تري ظاهر في الأمر بالاستقبال، لا بوضعه علي مرتفع.

هذا، و في صحيح سليمان بن خالد: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إذا مات لأحدكم ميت فسجوه تجاه القبلة. و كذلك إذا غسل يحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة، فيكون مستقبل باطن [مستقبلا بباطن] قدميه و وجهه إلي القبلة» «2».

و مقتضي الجمود عليه حفر موضع المغتسل، و هو لا يناسب ما تقدم من الأصحاب و لا المقطوع به من السيرة. و من ثم لا يبعد حمله علي حفر موضع الغسالة، فيدل علي كونها في جانب الرجلين، لانحدار الماء منه المناسب لكونه أخفض من جانب الرأس، كما تقدم منهم. فتأمل.

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 35 من أبواب الاحتضار حديث: 2.

ص: 361

منها أن يكون تحت الظلال

و أن يكون تحت الظلال (1)

______________________________

(1) كما في إشارة السبق و الشرائع و النافع و القواعد و الإرشاد، و اليه يرجع علي الظاهر الحكم باستحباب تغسيله تحت سقف في المبسوط و النهاية و الغنية و الوسيلة و المعتبر و المنتهي و التذكرة و الدروس، كما يناسبه قوله في التذكرة: «و يستحب أن يكون تحت سقف، و لا يكون تحت السماء». و نحوه في النهاية و المبسوط، و من ثم نسب الأول في جامع المقاصد إلي الأصحاب، و الثاني إلي علمائنا في التذكرة، كما ادعي عليه الإجماع في الغنية و اتفاق الأصحاب في المعتبر.

و يقتضيه موثق طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ان أباه كان يستحب أن يجعل بين الميت و بين السماء سترا. يعني إذا غسل» «1». و قد يظهر من غير واحد التوقف في سنده، لأن طلحة عامي- كما في رجال النجاشي و الفهرست- أو تبري- كما في رجال الشيخ- من دون نص علي توثيقه. لكن يكفي في توثيقه أنه من رواة كامل الزيارة و تفسير القمي، معتضدا بما في الفهرست من أن كتابه معتمد، و برواية جماعة من الأعيان عنه، كصفوان بن يحيي و عبد اللّه بن المغيرة و عثمان بن عيسي و غيرهم.

قال في المعتبر: «و لعل الحكمة كراهية أن يقابل السماء بعورة الميت». و نحوه كلام غيره. و هو كما تري، لعدم فرض كشف عورة الميت. إلّا أن يراد بالعورة تمام البدن.

هذا، و في صحيح علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن عليه السّلام: «سألته عن الميت هل يغسل في الفضاء؟ قال: لا بأس، و إن ستر بستر فهو أحب إلي» «2». و هو ظاهر في ستره من جميع الجهات. و ما قد يظهر من المعتبر من اتفاق الحديثين في المفاد و اعتضاد الأول بالثاني، في غير محله، بل يلزم الجمع بينهما بحمل الثاني علي الأفضلية.

و يكون هو الوجه لما في التذكرة من استحباب أن يغسل في بيت، فإن لم يكن بيت ستر بثوب. و لا حاجة معه للتشبث بما علله به من كراهة النظر للميت، لإمكان أن يكون فيه عيب كان يطلب كتمانه إلّا أن يكون مراده به ستره عن الناظرين من جهاته الأربع و إن لم يظلل عليه بسقف أو نحوه، حيث يقصر الصحيح عن إثبات

______________________________

(1) الوسائل باب: 30 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 30 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

ص: 362

و أن يوجه إلي القبلة (1)

______________________________

استحبابه. اللهم إلا أن يستفاد من الصحيح استحباب الستر بنحو الانحلال، و أن أفضله التام من جميع الجهات، كما هو غير بعيد عن المرتكزات، فلاحظ.

منها أن يوجه إلي القبلة

(1) أما أصل مشروعية الاستقبال فهو اتفاق أهل العلم، كما في المعتبر.

و بضميمة ذلك قد يستفاد استحبابه ممن لم يذكره- كسلار في المراسم- إذ لو كان واجبا عنده لم يهمله. و به صرح في الخلاف و الغنية و الوسيلة و الشرائع و النافع و المعتبر و المختلف و القواعد و الإرشاد و اللمعة و الروضة و الروض و المدارك و محكي المسائل المصرية للمرتضي و جمل الشيخ و عقوده و الاصباح و الجامع و التحرير و البيان و مجمع البرهان و غيرها، و نسبه في المدارك للأكثر، و قد يظهر من الخلاف الإجماع عليه، و هو كالصريح من الغنية. و يظهر من التذكرة التردد بينه و بين الوجوب.

كما يظهر القول بالوجوب مما في مبحث القبلة من المبسوط من وجوب معرفتها لاستقبالها في جملة من الأمور منها تغسيل الميت، و هو كالصريح من الدروس بل صريح المنتهي و جامع المقاصد و المسالك و الحبل المتين و محكي فوائد الشرائع و شرحي الجعفرية و ظاهر الذكري، كما قد يستفاد من إطلاق ذكره في كيفية التغسيل أو إلّا مر به حاله في المقنع و الهداية و المقنعة و النهاية و المبسوط، و إن كان قد يخدش باشتمال كلامهم علي كثير من المستحبات.

و قد استدل للوجوب بالأمر به في صحيح سليمان بن خالد و مرسل يونس المتقدمين في استحباب وضعه علي مرتفع، و صحيح الكاهلي: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن غسل الميت: فقال: استقبل بباطن [ببطن] قدميه القبلة حتي يكون وجهه مستقبل القبلة ثم تلين مفاصله … » «1». لكن لا مجال لاستفادة الوجوب من صحيح سليمان بعد تضمنه عطف حال التغسيل علي حال ما بعد الموت، و الاستقبال في المعطوف عليه قد أخذ قيدا في التسجية المستحبة. كما أن مرسل يونس و صحيح الكاهلي حيث تضمنا كثيرا من الخصوصيات غير الواجبة من المستحبات و غيرها كان الظاهر منهما بيان

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 5.

ص: 363

كحالة الاحتضار (1). بل هو الأحوط استحبابا.

______________________________

الكيفية الكاملة شرعا و المناسبة للواقع في ظرف صدورهما، لا خصوص الواجبة، نظير ما تقدم في الاستدلال بهما و بأمثالهما لوجوب الترتيب.

علي أنه لو سلم ظهورها في الوجوب لزم رفع اليد عنها بصحيح يعقوب بن يقطين: «سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن الميت كيف يوضع علي المغتسل موجها وجهه نحو القبلة أو يوضع علي يمينه و وجهه نحو القبلة؟ قال: يوضع كيف تيسر، فإذا طهر وضع كما يوضع في قبره» «1». و أما الإشكال فيه:

تارة: بما في جامع المقاصد من عدم وجوب ما تعسر قطعا.

و أخري: بما في الحبل المتين من أنه يدل علي التخيير بين الوجهين المذكورين في السؤال، فلا يدل علي جواز تركهما معا. قال: «ففي الحديث دلالة علي أنه إذا تعسر توجيهه علي هيئة المحتضر و تيسر التوجيه علي هيئة الملحود فلا عدول عنه، لأنه أحد توجيهي الميت. فتأمل. فهو كما تري.

لاندفاع الأول: بانه لما لم يكن المتيسر منحصرا بوجه واحد فمقتضي إطلاق الجواب إجزاء ما تيسر و لو مع تيسر الاستقبال و من ثم كان ظاهر التعبير المذكور عدم الوجوب.

و الثاني: بأن السؤال و إن اختص بالوجهين إلّا أن إطلاق الجواب شامل لغيرهما. و لو سلم فلازمه التخيير بينهما لزوما مع تيسرهما معا، و هو مما لا يظن بأحد الالتزام به، فيتعين حمله علي التخيير بين المشروع و غيره لعدم ابتناء تشريعه علي الإلزام، لا علي التخيير أو الترتيب بين الواجبين، كما يظهر منه. و لعله لما ذكرنا أمر بالتأمل.

و بالجملة: لا ينبغي التأمل في ظهور الصحيح في عدم وجوب الاستقبال حال التغسيل، و به يرفع اليد عن ظهور ما تقدم في الوجوب لو تم.

(1) الظاهر المفروغية عنه، و في الجواهر: «بلا خلاف أجده بين أصحابنا في الكيفية». بل ظاهر الخلاف و الغنية و المعتبر الإجماع عليه. و يقتضيه صحيحا سليمان

______________________________

(1) الوسائل باب: 5 من أبواب غسل الميت حديث: 2.

ص: 364

و أن ينزع قميصه من طرف رجليه (1)

______________________________

بن خالد و الكاهلي المتقدمان. لكن في المبسوط في بيان مقدمات التغسيل: «مستقبل القبلة عرضا، علي ما بيناه».

و هو لا يخلو عن تدافع، لأن ما تقدم منه بيانه هو الوجه الذي عليه الأصحاب، حيث قال في أول أحكام الاحتضار: «فإذا حضر الإنسان الوفاة استقبل بوجهه القبلة، فيجعل باطن قدميه إليها علي وجه لو جلس لكان مستقبلا للقبلة، و كذلك يفعل به حال الغسل. فأما في حال الدفن و الصلاة عليه يجعل معترضا … ». و من البعيد جدا خروجه عما عليه الأصحاب. و لعل في النسخة تصحيفا.

هذا، و ظاهرهم كالنص انحصار الاستقبال المشروع بذلك. و ما تقدم من الحبل المتين قد عرفت ضعفه.

منها أن ينزع قميصه من طرف رجليه

(1) كما صرح به جماعة كثيرة من الأصحاب منهم الشيخان و ابن حمزة و الفاضلان و الشهيدان و المحقق الثاني، و في جامع المقاصد أنه لا كلام فيه بين الأصحاب. و كأن مراده أنه لا كلام لهم في استحباب كون النزع عند إرادته بالنحو المذكور، لا استحباب النزع بالنحو المذكور مقدمة للغسل، لظهور بعض كلماتهم في كونه بعد الغسل، كما يأتي.

و علل بتجنب تلطخ أعالي بدنه بالنجاسة التي قد يتعرض لها ثوب الميت حال مرضه أو موته. و هو كما تري لا ينهض بإثبات حكم شرعي. و مثله تعليله بأنه أسهل علي الميت، لعدم وضوح الدليل علي استحباب الأسهل إذا لم يتوقف عليه الرفق المأمور به في بعض النصوص «1».

نعم، في صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ثم يخرق القميص إذا غسل و ينزع من رجليه» «2».

و هو و إن كان واردا في نزعه بعد التغسيل، إلّا أن الظاهر إلغاء خصوصيته.

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 9 من أبواب غسل الميت.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 8.

ص: 365

و إن استلزم فتقه (1)، بشرط إذن الوارث (2).

______________________________

اللهم إلّا أن يقال: إلغاء الخصوصية عرفا يبتني علي كون منشأ ذلك سهولة النزع أو نحوها، و لا إشعار في الصحيح به، بل قد يكون منشؤه أن إصابة الثوب المبتل بماء الغسالة لأسافل البدن أهون و أولي من إصابته لأعاليه، و ذلك لا يجري قبل التغسيل.

هذا و في الرضوي: «و تنزع قميصه من تحته أو تتركه عليه إلي أن تفرغ من غسله لتستر به عورته» «1». و هو يتمم المطلوب لو كان حجة في نفسه.

(1) مقتضي إطلاق عبارات جملة من الأصحاب استحباب الفتق أو الشق و إن لم يتوقف عليه النزع، و هو مقتضي إطلاق الصحيح أيضا.

نعم، لا يبعد انصرافه كعباراتهم إلي ما لو ترتبت عليه فائدة ما كسهولة النزع.

قال في المقنعة: «ثم ينزع قميصه- إن كان عليه قميص- من فوقه إلي سرته، يفتق جيبه أو يخرقه، ليتسع عليه في خروجه».

هذا، و في جامع المقاصد: «أكثر عبارات الأصحاب بالفتق، و في البيان عبر بشق القميص، و هو في خبر عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السّلام، و هل بينهما فرق؟

المتعارف أن الفتق بموضع الخياطة، و لكن أهل اللغة ساووا بينهما. صرح بذلك في القاموس و غيره».

لكن لا إشكال في اختصاص فتق الثوب عرفا بموضع الخياطة، و الشق إما مختص بغيره، كالخرق الذي تضمنه النص، أو أعم منه. نعم إذا شرع الخرق الذي تضمنه النص شرع الفتق، لإلغاء خصوصية الخرق عرفا، بل لا يبعد أولويته. و لعل اقتصار النص علي الخرق لتعارف الفصل من أسفل الجيب، الذي لا خياطة فيه غالبا.

(2) كما في جامع المقاصد و المسالك و الروضة و المدارك، معللا في الأول بأنه إتلاف لحكم مستحب. و كأنه يشير إلي أن المورد من صغريات التزاحم، و الاستحباب لا يزاحم الحرمة. لكن في الجواهر: «قد يتأمل فيه، لإطلاق خبر عبد اللّه بن سنان …

مع انجباره بإطلاق عبارات الأصحاب، و ملاحظة غالب أحوال الناس في ذلك من

______________________________

(1) مستدرك الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

ص: 366

و الأولي أن يجعل ساترا لعورته (1)

______________________________

استنكار طلب الإذن و عدم تيسره غالبا. فلعل الأقوي حينئذ القول به مطلقا، سيما مع عدم تحقق النهي عنه».

و كأنه لا يريد بذلك ترجيح إطلاق الخبر لاعتضاده بالقرائن المذكورة علي عموم حرمة التصرف في ملك الغير، كي يشكل بما أشرنا إليه من أن المقام من صغريات التزاحم الذي يقدم معه الإلزامي علي غيره، لا التعارض الذي يرجح معه أقوي الدليلين، بل يريد قوة ظهور الخبر في رفع الشارع اليد عن استئذان المالك في المقام.

و قد يقرب بما أشار إليه من تعارف عدم الاستئذان، لعدم تيسره و احتقار الثوب غالبا، حيث يكون مغفولا عنه لذلك، فعدم التنبيه في الخبر إليه مع ذلك يوجب ظهوره في عدم وجوبه، فلا يبقي ملاكه، كي يزاحم ملاك الاستحباب و يمنع من فعليته. و إن كان الأمر لا يخلو عن إشكال. كما لا يبعد أن يكون مراده بانجبار الخبر بما ذكره اعتضاده بذلك، لا انجبار ضعفه، إذ هو صحيح، كما تقدم.

نعم، الظاهر الاقتصار علي المتعارف من عدم أهمية الثوب و الرغبة نوعا عنه، و عدم منع الوارث أو من يقوم مقامه من ذلك، لأنه المتيقن من التعارف الذي يبتني عليه ظهور الخبر، دون الصورتين المذكورتين.

و أولي منهما بالمنع ما لو علم بكون الثوب مغصوبا أو مستأجرا أو عارية ممن يحتمل عدم رضاه بخرقه أو فتقه، كما هو ظاهر. هذا و حيث كان جواز الخرق و الفتق بدون إذن لو تم مستفادا من صحيح ابن سنان الآمر بالخرق فعمومه لما قبل الغسل تابع لعموم الصحيح، الذي تقدم الكلام فيه.

أن يجعل ساترا لعورته
اشارة

(1) قال في الفقيه: «و ينزع القميص من فوقه إلي سرته و يتركه إلي أن يفرغ من غسله ليستر به عورته، فان لم يكن عليه قميص ألقي علي عورته ما يسترها به» و نحوه في الهداية، و قريب من صدره في المقنع، و ظاهره عدم نزع قميصه حين التغسيل، بل ستر عورته به بعد نزعه من أعلاه لأسفله بنحو يكون كالإزار.

و قد يستدل له بمرسل يونس: «فإن كان عليه قميص فأخرج يده من القميص

ص: 367

______________________________

و اجمع قميصه علي عورته و ارفعه عن رجليه إلي فوق الركبة و إن لم يكن عليه قميص فألق علي عورته خرقه» «1»، لكنه تضمن أيضا رفعه عن رجليه إلي فوق الركبة. و لعله لذا قال في الدروس: «و فتق قميصه و إخراج يده منه و جمعه علي عورته». بل قد يحمل علي مجرد بيان كيفية ستر العورة بالقميص، دون استحبابه، كما يأتي.

و أما ما في المتن من خصوصية القميص بعد نزعه في ستر العورة وحدها فلم أعثر عاجلا علي من سبقه إليه عدا السيد في العروة الوثقي. كما لم أعثر علي ما يناسبه في النصوص. بل قد خير بين القميص و غيره في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«قال: إذا أردت غسل الميت فاجعل بينك و بينه ثوبا يستر عنك عورته، إما قميص و إما غيره» «2».

هذا، و قد صرح في الوسيلة بوجوب تغسيل الميت مجردا من ثيابه مستور العورة إلّا لعذر. و لعله لتنجس القميص بماء التغسيل فينجس به الميت و يمتنع تغسيله، و المتيقن في العفو و الطهارة بالتبع بعد التغسيل هو ما لا بد منه فيه، و هو الخرقة الساترة للعورة.

و كأن مراده من العذر ما أشار إليه قبل ذلك من لزوم التغسيل في الثياب في فروع اعتبار المماثلة. لكن النصوص كما دلت علي التغسيل في الثياب في تلك الفروع و علي العفو عن الخرقة الساترة للعورة دلت علي التغسيل في القميص في مطلق الميت، كما يأتي.

و أما الاستدلال له بمرسل يونس المتقدم. فيشكل- مضافا إلي عدم مطابقته لمدعاه، لتضمنه ستر ما زاد علي العورة- بلزوم تنزيله علي ما لا ينافي النصوص المذكورة مما يأتي بيانه. و من ثم لا إشكال في ضعف ما ذكره، و لم أعثر علي موافق له فيه.

بل الأصحاب بين من حكم باستحباب التغسيل في القميص، كابن أبي عقيل- فيما حكي عنه- و صاحب الحدائق و الفقيه الهمداني و سيدنا المصنف «قدس سرهما» و قد يظهر من المختلف و الروضة الميل إليه، بل ظاهر الحبل المتين اختياره، و نسبه في الروضة للأكثر. و من حكم بجوازه مع استحباب التجريد كما قد يظهر ممن ذكر نزع القميص من جانب الرجلين قبل التغسيل، و به صرح الشيخ و الفاضلان و غيرهم

______________________________

(1) الوسائل باب: 30 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 2.

ص: 368

______________________________

و نسب للمشهور في المختلف و غيره. و من خير من دون رجحان لأحد الطرفين، كما في الجواهر، و حكاه عمن لم يتضح صحة نسبته إليه.

و الظاهر الأول، للنصوص الكثيرة، ففي صحيح ابن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت: يكون عليه ثوب إذا غسل؟ قال: إن استطعت أن يكون عليه قميص فغسله [تغسله] من تحته» «1» و نحوه صحيح سليمان بن خالد «2». و في صحيح يعقوب بن يقطين عن العبد الصالح: «فقال: غسل الميت: تبدأ بمرافقه … و لا يغسل إلّا في قميص يدخل رجل يده و يصب عليه من فوقه» «3». و عن ابن أبي عقيل: «تواترت الأخبار عنهم عليهم السّلام أن عليا عليه السّلام غسل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله في قميصه ثلاث غسلات» «4».

و قد ذكر بعضها في البحار «5».

و استدل للثاني بمرسل يونس و صحيح عبد اللّه بن سنان المتقدمين. و بما في المعتبر قال: «و أما أن تجريده أفضل فلأنه أمكن للتطهير. و لأن الثوب قد ينجس بما يخرج من الميت، و لا يطهر بصب الماء، فينجس الميت و الغاسل» و زاد في التذكرة:

«و لأن الحي إذا اغتسل تجرد فالميت أولي».

و الكل كما تري، لقرب حمل مرسل يونس علي بيان وجوب ستر العورة و كيفية سترها بالقميص لمن لا يريد تغسيل الميت به، لا رجحان تجريده منه و الاقتصار علي ستر العورة به.

إذ لا أقل من كونه مقتضي الجمع بينه و بين النصوص السابقة. فإنه أقرب من حمل تلك النصوص علي مجرد بيان الجواز- كما يظهر من المعتبر- أو علي كون التغسيل في القميص لستر العورة به لا غير، لتطابق مرسل يونس، فإنها كالصريحة في خلافهما. و كذا ما في التذكرة من حملها علي ما لو أمن من خروج النجاسة من الميت و إصابتها الثوب.

إذ هو- مع منافاته للوجهين الآخرين المتقدمين منه- بلا شاهد. فالمتعين ما ذكرنا.

و أما صحيح عبد اللّه بن سنان فهو ظاهر أو صريح في نزع القميص بعد

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 6.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 7.

(4) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 14.

(5) البحار الطبعة الحديثة ج 22 باب وفاته صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و غسله و الصلاة عليه ص: 518 ح: 27. و ص: 526 ح:

31. و ص: 544 ح: 59. و ص: 546 ح: 64. و غيرها.

ص: 369

______________________________

القميص، لا قبله، كما تقدم، و لا سيما بملاحظة السياق. و لو فرض حمله علي النزع بعد التغسيل تعين حمله جمعا مع النصوص المذكورة علي بيان كيفية نزع القميص في ظرف إرادته، لا علي استحباب نزعه. و أما الوجوه الباقية فهي لا تخرج عن الاجتهاد في مقابل النص.

و من هنا لا مخرج عن ظاهر النصوص المذكورة، الذي قد يبتني علي ملاحظة الآداب العامة في عدم انكشاف الإنسان أمام غيره الذي هو قطعي في الحي و قريب في الميت، إلحاقا له به في الحرمة، فيحسن لأجلها تحمل مشقة التغسيل من وراء الثياب، و إن لم يكن لازما.

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، مصباح المنهاج - كتاب الطهارة، 6 جلد، مؤسسة المنار، قم - ايران، ه ق مصباح المنهاج - كتاب الطهارة؛ ج 6، ص: 370

و مما تقدم يظهر ضعف القول بالتخيير من دون رجحان لأحد الطرفين. و ما في الجواهر من أنه مقتضي الجمع بين هذه النصوص و ما دل علي تغسيله مجردا مستور العورة خاصة، كمرسل يونس و صحيح الحلبي المتقدمين. كما تري، لما سبق من إباء هذه النصوص الحمل علي مجرد الجواز، و لزوم تنزيل مرسل يونس علي ما تقدم لأجلها. و أما صحيح الحلبي فهو لا يدل إلّا علي وجوب ستر العورة و جواز الاقتصار علي ذلك من دون أن ينافي استحباب القميص الذي تضمنته هذه النصوص. و من ثم لا مخرج عنه لأجلها.

هذا، و حيث سبق نهوض هذه النصوص بإثبات العفو عن تنجس القميص و طهارته تبعا الذي هو خلاف الأصل، و يأتي الكلام فيه في مبحث المطهرات إن شاء اللّه تعالي، فاللازم الاقتصار علي ما تضمنته، و هو القميص، و لا يزاد عليه ثوب آخر، حيث لا طريق لإثبات العفو عنه و طهارته تبعا، فضلا عن رجحان التغسيل فيه.

و ما في العروة الوثقي من جواز التغسيل من وراء الثياب في غير محله أو محمول علي خصوص القميص في مقابل التجريد.

كما أن المتيقن من ذلك ما إذا كان القميص طاهرا في نفسه، و لا يشمل ما لو كان نجسا من غير جهة التغسيل. و لعله لذا حكي عن ابن أبي عقيل أن السنة تغسيله في قميص نظيف. فلاحظ.

بقي شي ء، و هو أنه لا إشكال بينهم ظاهرا في حرمة النظر لعورة الميت

ص: 370

______________________________

مع حرمة النظر إليه حال حياته، كما يناسبه تصريحهم كالنصوص بوجوب سترها. و أما مع جواز النظر إليه حال حياته- كالطفل و الزوج و الزوجة و نحوهم- فلا يبعد انصراف إطلاق النص و الفتوي عنه.

نعم، تقدم في ذيل الكلام في تغسيل أحد الزوجين الآخر الكلام في جواز نظر المغسل منهما لعورة الميت، مع عدم الإشكال في مرجوحيته. كما لا يبعد كراهة النظر لعورة الطفل حال الحياة فضلا عن حال الموت إذا لم يكن صغيرا جدا لا يعتد بعورته، و لا سيما إذا بلغ سنا يكره مخالطة المخالف له. فتأمل.

هذا، و المنساق مما تضمن وجوب سترها من النصوص المشار إليها أنه لتجنب النظر المحرم إليها، لا لوجوبه نفسيا، فيقصر عما لو لم يلزم النظر من كشفها، لعمي من يحضره أو ظلمة تمنع منه أو لمنع نفسه من النظر. لكن صرح غير واحد باستحباب الستر حينئذ. و في المعتبر: «الأحوط الستر ليحصل الأمن من زلل الطبع و الغفلة»، و قريب منه ما في المسالك. و هو كما تري خروج عن فرض الأمن من ذلك، خصوصا في مثل الأعمي. إذ مع فرض الاحتمال قد يجب الاحتياط بالستر، عملا بإطلاق النصوص. إلّا أن يكون ضعيفا غير معتد به، فيحتاج الاستحباب معه للدليل. فتأمل.

و في الجواهر في تقريب استفادة الاستحباب من النصوص: «نعم قد يقال: إن وجوب الستر إنما هو علي المنظور، و إلا فالناظر إنما يحرم عليه النظر، و بعد سقوط الأول هنا بالموت فلم يبق إلّا الثاني، و هو لا يستلزم وجوب الستر، لعدم التوقف عليه، فيستحب خصوص الستر حينئذ استظهارا و حذرا من الغفلة و نحوها. و حينئذ فلا ينبغي أن يخص الحكم بما ذكر، بل هو علي إطلاقه. فتأمل جيدا».

و فيه: أنه خلاف ظاهر النصوص المذكورة في المقام و غيرها في غيره من موارد الأمر بالستر، حيث يستفاد منه عرفا أن وجوب الستر لتجنب النظر المحرم، لا تعبدا مع الأمن منه. و من ثم لا يحتمل الوجوب مع الأمن من النظر عملا بظاهر الأمر علي أن فرض كون الاستحباب للاستظهار و الحذر من الغفلة يقتضي قصوره عن فرض الأمن من ذلك. إلّا أن يريد كونه حكمة للاستحباب لا علة له، أو استظهار الشارع بتشريع الستر حذرا من حصول الغفلة و لو مع اعتقاد المكلف عدمها.

ص: 371

و أن تلين أصابعه برفق (1)، و كذا جميع مفاصله (2)،

______________________________

و كيف كان، فقد يدعي استحباب الستر تأدبا محافظة علي كرامة الميت و لو مع الأمن من الناظر، كما دلت عليه في الجملة النصوص في الحي، و يناسبه المرتكزات في الميت. و قد يستفاد من استحباب تغسيله في قميص و ما تضمن تغطيته بعد الموت و تظليله و ستره حال التغسيل و غير ذلك. فتأمل جيدا.

منها أن تلين أصابعه برفق، و كذا جميع مفاصله

(1) كما في الفقيه و الهداية و المقنعة و النهاية و إشارة السبق و المراسم و الشرائع و النافع و التذكرة و القواعد و الإرشاد و الدروس. و إليه يرجع ما في المبسوط و الوسيلة من إطلاق تليين الأصابع مع إمكانه و عدم امتناعها، و في المعتبر: «و هو مذهب أهل البيت عليهم السّلام»، و في الخلاف دعوي إجماع الفرقة و عملهم علي تليين أصابع الميت. و أما ما في المختلف و جامع المقاصد و الروض من نسبته للمشهور فهو بلحاظ ما يأتي من ابن أبي عقيل في جميع المفاصل.

و استدل له في كلام بعضهم بكونه أطوع للغسل و التطهير. و هو كما تري لا ينهض بإثبات حكم شرعي. و كأنه إليه يرجع ما في المعتبر من أن انقباض كفه يمنع من التمكن من تطهيرها. و إلّا فهو بظاهره يقتضي الوجوب. و لعله خارج عن محل الكلام.

فالأولي الاستدلال له بما يأتي في جميع المفاصل. مضافا إلي الرضوي: «و تلين أصابعه و مفاصله ما قدرت بالرفق» «1». المعتضد بذكر الأصحاب له طبقة بعد طبقة، خصوصا مثل الصدوق الذي دأبه الاقتصار علي مفاد النص، حيث اقتصر كالأكثر علي الأصابع من بين المفاصل بالذكر.

(2) كما هو مقتضي إطلاق السرائر و المنتهي و الدروس. و عن ابن أبي عقيل:

«لا تغمز له مفصلا. بذلك تواترت الأخبار عنهم عليهم السّلام. و قد قيل في خبر شاذ عنهم أنه تلين مفاصله». و كأن مراده بالأخبار المتواترة معتبر طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: كره أن يقص من الميت ظفر أو يقص له شعر أو يحلق له عانة أو

______________________________

(1) مستدرك الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

ص: 372

و أن يغسل رأسه برغوة السدر (1)،

______________________________

يغمز له مفصل» «1». و صحيح حمران: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا غسلتم الميت منكم فارفقوا به و لا تعصروه و لا تغمزوا له مفصلا» «2». و لم أعثر عاجلا علي غيرهما. و بالخبر الشاذ صحيح الكاهلي. و فيه: «ثم تلين مفاصله فإن امتنعت عليك فدعها» «3» مؤيدا بالرضوي المتقدم في تليين الأصابع.

لكن الظاهر عدم تعارض الطائفتين. فإن الأولي إن لم تكن ظاهرة في نفسها في الغمز المنافي للرفق- حيث فسر الغمز بالعصر و الكبس باليد في اللغة، كما يناسبه السياق في صحيح حمران، حيث لا يبعد كون النهي فيه تأكيدا و شرحا لقوله: «فارفقوا به- فلا أقل من كونه مقتضي الجمع العرفي بينهما و بين الثانية، لظهور صحيح الكاهلي في التليين غير المنافي للرفق، كما يناسبه قوله: «فان امتنعت عليك فدعها». و حينئذ يشهد للأول ما تضمن الأمر بالرفق أيضا «4».

هذا، و قد قال في المختلف بعد الاستدلال لابن أبي عقيل بمعتبر طلحة:

«و الجواب: أنه محمول علي كراهية ذلك بعد الغسل، فان الشيخ رحمه اللّه قال: يكره بعد الغسل تليين المفصل». و يشكل بأن الحمل المذكور بلا شاهد، بل قد يأباه سياق المذكورات في الحديث، لأن المناسب وقوعها قبل الغسل.

بل صحيح حمران كالصريح في إرادة الغمز حين الغسل الذي يكون الغرض منه تسهيل الغسل، و المنع منه حينه يقتضي المنع منه قبله مقدمة له، لفهم عدم الخصوصية عرفا، و لا سيما مع تمهيده بالأمر بالرفق المعلوم عدم الفرق فيه بين أحوال الميت.

منها أن يغسل رأسه برغوة السدر
اشارة

(1) لا يبعد كون المراد به غسلا مستحبا زائدا علي الواجب مقدما عليه، لا من أجزاء الغسلة الأولي، لأنه المناسب لما تقدم منه من اعتبار عدم خروج الماء بالسدر عن الإطلاق، فيطابق ما في إشارة السبق و الشرائع و القواعد و الإرشاد و الروض و محكي التحرير و ظاهر المنتهي و جامع المقاصد.

______________________________

(1) الوسائل باب: 11 من أبواب غسل الميت حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 11 من أبواب غسل الميت حديث: 6.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 5.

(4) راجع الوسائل باب: 9 من أبواب غسل الميت.

ص: 373

______________________________

و قد جمع بينه و بين غسل الميت بعده من قرنه إلي قدمه بالماء في الهداية- حاكيا له عن رسالة والده- و الفقيه و المبسوط، و تقدم في بحث الترتيب احتمال حمل الأول علي الاستحباب، كما تقدم من المقنعة و المراسم نحو آخر في بيان الغسل، مع التعرض له، كما يحتمله ما في الوسيلة و الروضة من الاقتصار علي غسل الرأس بالرغوة من دون أن يظهر في مباينته للواجب و تقديمه عليه.

و كيف كان، فيقتضيه قوله عليه السّلام في مرسل يونس: «و اعمد إلي السدر فصيره في طشت و صب عليه الماء و اضربه بيدك حتي ترتفع رغوته و اعزل الرغوة في شي ء …

ثم اغسل رأسه بالرغوة و بالغ في ذلك … ثم أضجعه علي جانبه الأيسر وصب الماء من نصف رأسه إلي قدميه … » «1». و قريب منه الرضوي «2». فإن مقتضي الجمع بينه و بين ما تضمن تحديد غسل الميت بالغسلات الثلاث لجسده كله حمل ما زاد علي الاستحباب، و منه الغسل بالرغوة، و لا سيما مع مناسبة الغسل بالرغوة للتنظيف الخارجي من الوسخ الظاهر، لا للتطهير من الحدث و الخبث المطلوب من التغسيل الواجب، كما يناسبه أيضا الأمر فيه بالمبالغة.

لكن في المدارك: «و المستفاد من الأخبار أن تغسيل الرأس برغوة السدر محسوب من الغسل الواجب، لا أنه مستحب متقدم عليه» ثم استدل عليه بالمرسل و صحيح الحلبي و الكاهلي اللذين يأتي الكلام فيهما إن شاء اللّه، و تبعه علي ذلك في الحدائق و الرياض و محكي الكفاية، و زاد في كشف اللثام أن ذلك ظاهر عبارات الأصحاب أيضا، و عن مختصر المصباح التصريح أو الظهور بأن ذلك من الغسل الواجب.

و في الجواهر: «و لعل القول باستحباب ذلك و جعله من أجزاء الغسل بناء علي ما تقدم سابقا من عدم اشتراط بقاء الإطلاق في غسلة السدر لا يخلو عن قوة».

و كأن منشأه محافظتهم علي الترتيب المعتبر في غسل الميت عندهم، لعدم اشتماله علي غسل آخر للرأس وحده، لكن من الظاهر أنه لا يناسب التصريح فيه بصب الماء عليه بعد ذلك من نصف رأسه إلي قدمه، و نحوه في ذلك غيره.

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

(2) مستدرك الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

ص: 374

______________________________

إذ الترتيب المذكور لا يناسب وجوب الأمرين، و حمل الثاني علي الاستحباب ليس بأولي من حمل الأول عليه، بل هو الأولي بقرينة ما تقدم من كونه مقتضي الجمع و غيره. و من ثم تقدم منا تقريب عدم اعتبار الترتيب، و الاستدلال عليه بالمرسل و غيره. فراجع.

نعم، لو كان دليل الترتيب قويا، بحيث لا يمكن رفع اليد عنه تعين تنزيلها علي ما ذكروه. لكنه ليس كذلك، كما يظهر مما تقدم عند الكلام فيه. و يظهر منه أيضا حال كلمات الأصحاب في المقام، لأن ما تقدم من كشف اللثام مبني علي إجماعهم علي الترتيب، و قد تقدم منعه. فراجع.

بقي في المقام أمور:
الأول: لا يبعد استحباب غسل الرأس بالسدر قبل التغسيل إن لم يغسل بالرغوة

لظهور بعض النصوص في ذلك ففي صحيح الكاهلي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«ثم تحول إلي رأسه و ابدأ بشقه الأيمن من لحيته و رأسه ثم ثن بشقه الأيسر من رأسه و لحيته و وجهه فاغسله برفق، و إياك و العنف، و اغسله غسلا ناعما، ثم أضجعه علي شقه الأيسر ليبدو لك الأيمن، ثم أغسله من قرنه إلي قدميه … » «1».

و تقريب دلالته بنظير ما تقدم في مرسل يونس. و قريب منه صحيح يعقوب بن يقطين عن العبد الصالح عليه السّلام، و فيه: «ثم يغسل وجهه و رأسه بالسدر ثم يفاض عليه الماء ثلاث مرات … و يجعل في الماء شي ء من السدر و شي ء من كافور» «2».

فإن ظاهر الإفاضة عليه استيعاب تمام بدنه بها، و به يتحقق الغسل الواجب، فيكون غسل الرأس قبله هو المستحب بالتقرب المتقدم. و لا سيما مع التعبير عن غسل الرأس بأنه بالسدر، و عن الإفاضة بأنها بالماء مع جعل شي ء من السدر فيه، لإشعاره بكثرة السدر في غسل الرأس المناسب لكون الغرض منه التنظيف من الوسخ مقدمة للغسل المطهر من الحدث و الخبث، و مع عطف اللحية علي الرأس المناسب لكون المراد به موضع الشعر، لا ما يقابل البدن بتمامه.

كما قد يستفاد ذلك من صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ثم تبدأ بكفيه

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 7.

ص: 375

______________________________

و رأسه ثلاث مرات بالسدر ثم سائر جسده» «1»، لأن التعبير بسائر الجسد و إن كان ظاهرا فيما عدا المغسول منه أولا، إلّا أن فرض غسل اليدين مع الرأس يمنع هذا الظهور، لبعد استثنائهما من سائر الجسد. و من ثم لا يبعد كون المراد به تمام الجسد، فيجري فيه ما تقدم في سابقه. فتأمل.

و كذا موثق عمار عنه عليه السّلام: «ثم تبدأ فتغسل الرأس و اللحية بسدر حتي ينقيه، ثم تبدأ بشقه الأيمن ثم بشقه الأيسر، و إن غسلت رأسه و لحيته بالخطمي فلا بأس.

و تمر يدك علي ظهره و بطنه بجرة من ماء … » «2»، لأن المقابلة بين الرأس و الشقين و إن أوهمت كون المراد بهما ما عدا الرأس، إلّا أن التعبير في غسل الرأس بالسدر المشعر كثرته، و عطف اللحية علي الرأس الكاشف عن كون المراد به موضع الشعر لا تمام ما يقابل البدن و جعل الغاية الإنقاء، و التنبيه فيه بعد ذلك لغسله بالخطمي يقرب كون المراد بالشقين ما يعم الرأس، و يكون المراد بتقديم غسل الرأس غسله استحبابا بالسدر الكثير و الخطمي لتنقيته من الوسخ مقدمة للتغسيل الواجب.

و منه يظهر قيام الخطمي مقام السدر في ذلك، كما نبه له في التذكرة و المنتهي و محكي نهاية الأحكام و التحرير. بل عمم فيها لما يقوم مقامه في تنظيف الرأس. و كأنه لإلغاء خصوصيتهما و فهم أن الغرض التنقية. فتأمل.

و أما ما يظهر من غير واحد من الاستدلال ببعض هذه النصوص أو جميعها علي الغسل بالرغوة. فلا مجال له، لابتناء الغسل بالرغوة علي عناية لم يشر إليها في هذه النصوص. فلا بد أن يحمل التعبير بالسدر علي مائه، أو كثرته بنحو يكون منظفا كالأشنان و الخطمي و الصابون.

الثاني: صرح في النافع و المعتبر و التذكرة و محكي نهاية الأحكام بغسل تمام بدن الميت بالرغوة،

بل في المعتبر: «و هو مذهب فقهاء أهل البيت عليهم السّلام». و صريح التذكرة و محكي نهاية الأحكام كونه مستحبا قبل الغسل الواجب لا جزءا منه، و قد يظهر ذلك من المعتبر، لأنه ذكره في مستحبات الغسل بعد أن صرح في بيان الواجب منه بالتغسيل بماء السدر. و لم يتضح مستنده من النصوص، حيث لم يتعرض منها للرغوة

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 10.

ص: 376

______________________________

إلا مرسل يونس و الرضوي و هما مختصان بالرأس و اللحية.

و استدل له في المعتبر و التذكرة بخبر معاوية بن عمار: «أمرني أبو عبد اللّه عليه السّلام أن أعصر بطنه ثم أوضيه بالاشنان ثم أغسل رأسه بالسدر و لحييه، ثم أفيض علي جسده منه ثم أدلك به جسده، ثم أفيض عليه ثلاثا ثم أغسله بالماء القراح ثم افيض عليه بالماء الكافور» «1»، و يظهر من المعتبر دلالة غيره أيضا. و كأن المراد به ما تضمن الغسل بالسدر.

لكن ذكرنا أن حمل السدر علي رغوته بعيد، بل يتعين حمله علي مائه، جمعا مع غيره من النصوص، بل هو الظاهر من خبر معاوية في نفسه، بقرينة اشتماله علي الإفاضة منه علي الجسد، لوضوح عدم صدق الإفاضة في الرغوة. علي أنها ظاهرة في الغسل الواجب للاكتفاء به في غسلة السدر. نعم لا مجال لذلك في خبر معاوية لاشتماله علي الإفاضة عليه ثلاثا بعد دلك الجسد في الإفاضة الأولي.

الثالث: مقتضي بعض النصوص المتقدمة استحباب غسل الرأس أمام كل من الغسلتين الأخيرتين بمائهما أيضا

ففي مرسل يونس: «ثم صب الماء في الآنية و ألق فيه حبات كافور، و افعل به كما فعلت في المرة الأولي ابدأ بيديه … ثم اغسل رأسه، ثم أضجعه علي جنبه الأيسر و اغسل جنبه الأيمن … كما فعلت أول مرة … » «2»، و في صحيح الكاهلي: «ثم تحول الي رأسه فاصنع كما صنعت أولا بلحيته ثم من جانبيه كليهما و رأسه و وجهه بماء الكافور ثلاث غسلات … ثم اغسله بماء قراح كما صنعت أولا تبدأ بالفرج ثم تحول إلي الرأس و اللحية و الوجه حتي تصنع كما صنعت أولا بماء قراح» «3».

و في موثق عمار: «ثم بجرة من كافور يجعل في الجرة من الكافور نصف حبة، ثم تغسل رأسه و لحيته ثم شقه الأيمن … ثم تغسله بجرة [بجرد] من ماء القراح … » «4».

نعم، حملها علي الاستحباب يبتني علي عدم وجوب الترتيب، علي ما تقدم في الغسلة الأولي.

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 8.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 5.

(4) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 10.

ص: 377

منها أن يغسل فرجه بالاشنان

و فرجه بالاشنان (1)

______________________________

(1) ففي المقنعة و المراسم غسل موضع النجو منه بالحرض. و لعله اليه يرجع ما في الاقتصاد و إشارة السبق و السرائر من أنه ينجيه به و عن مختصر المصباح أنه ينجيه به ثلاثا، حيث لا يبعد اختصاصه بغسل موضع النجو، كما ربما يرجع إليه ما في النافع و الإرشاد و المصباح من غسل فرجه به. و إن كان عمومه للقبل أظهر، لأنه المتيقن من العورة عرفا، كما حمله عليه في الروض و اختاره.

و به صرح في الفقيه، حيث قال: «ثم يلف علي يده اليسري خرقة يجعل عليها شيئا من الحرض- و هو الاشنان- و يدخل يده تحت الثوب و يصب عليه غيره الماء من فوق إلي سرته و يغسل قبله و دبره، و لا يقطع الماء عنه، و قريب منه في الهداية حاكيا له عن رسالة والده.

و يدل علي ما ذكروه في الجملة خبر معاوية: «أمرني أبو عبد اللّه عليه السّلام أن أعصر بطنه ثم أوضيه بالاشنان» «1»، فإن تعقب التوضئة لعصر البطن المناسب لتوقع خروج شي ء منه موجب لظهورها في غسل مخرج النجو بالاشنان لتنقيته مما خرج بالعصر أو قبله.

و ما في كشف اللثام من اشتماله علي غسله به، و الظاهر غسل جميع بدنه. مما لم يتضح مأخذه. كما أن ظاهره الاستدلال بصحيح يعقوب بن يقطين: «تبدأ بمرافقه فيغسل بالحرض» «2».

لكن في مجمع البحرين بعد ذكر هذا الحديث أو نحوه: «قال بعض الشارحين:

المراد بالمرفق العورتان و ما بينهما. و لم نظفر بما يدل عليه من الكتب. و لعل الكلمة بالغين المعجمة بدل القاف، فصحفت».

و كأنه يشير إلي ما عن ابن الأعرابي من ان المرافغ أصول اليدين و الفخذين» فيحمل علي غسل ما بينهما معها، و هو موضع العورة. لكن الاحتمال المذكور لا يكفي في الاستدلال، كاحتمال الكناية بالمرافق عن العورتين، لمناسبتهما لمعناها

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 8.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 7.

ص: 378

______________________________

الحقيقي المذكور في اللغة، و هو المغتسل و الكنيف و نحوهما، لعدم وضوح القرينة علي الكناية المذكورة، إذ يحتمل أيضا إرادة غسل مرفق اليد فما دونه. فالعمدة خبر معاوية بالتقريب المتقدم.

هذا، و في الوسيلة أنه ينجيه بماء السدر و الحرض، و زاد في الدروس أنه يفعل ذلك ثلاثا، و زاد عليها في المبسوط و النهاية أنه يكثر من صب الماء حينها، و في الشرائع و التذكرة و القواعد و محكي المهذب و الجامع أنه يغسل فرجه بهما، و قد سبق ظهوره في القبل أيضا، و كذا ما في جامع المقاصد من غسل العورة بهما. و زاد في المنتهي أنه يفعل ذلك ثلاث مرات أو أكثر.

و يشهد له في الجملة ما في صحيح الكاهلي: «ثم ابدأ بفرجه بماء السدر و الحرض فاغسله ثلاث غسلات و أكثر من الماء … » «1». لكنه زاد فيه غسله بماء القراح مع غسلته أيضا و أطلق في الغنية غسل فرجه مدعيا عليه الإجماع و ظاهره الغسل بالماء القراح.

و قد يشهد به صحيح حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الميت يبدأ بفرجه ثم يوضأ وضوء الصلاة … » «2»، و خبر عبد اللّه بن عبيد عنه عليه السّلام: «تطرح عليه خرقة ثم يغسل فرجه و يوضأ وضوء الصلاة … » «3»، و خبر أم أنس عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في تغسيل المرأة، و فيه: «فإذا أردت غسلها فابدئي بسفليها فألقي علي عورتها ثوبا ستيرا، ثم خذي كرسفة فاغسليها فأحسني غسلها، ثم أدخلي يدك من تحت الثوب فامسحيها بكرسف ثلاث مرات و أحسني مسحها قبل أن توضيها، ثم وضئيها بماء فيه سدر» «4».

و مرسل يونس: «ثم اغسل فرجه و نقه» «5». و إن لم يبعد عن سياقه حمله علي الغسل بماء السدر. و لا سيما مع ظهوره في غسله أيضا قبل كل من الغسلتين الأخيرتين بمائهما، فيطابق ما في ذيل خبر أم أنس المتقدم.

و اقتصر في المعتبر علي تنقية عورته أو عورتيه بالخرقة، مدعيا عليه الإجماع، و مستدلا عليه بصحيح الكاهلي و مرسل يونس اللذين عرفت مفادهما. و لا مجال لحملهما

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 6 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 6 من أبواب غسل الميت حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 6 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

(5) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

ص: 379

و أن يبدأ بغسل يديه (1)

______________________________

علي مجرد التنقية، لاشتمالهما علي تكرار الغسل في الغسلات مع حصول التنقية قبلها.

كما لا مجال للاستدلال عليه بما في موثق عمار: «ثم تمر يدك علي بطنه فتعصره شيئا حتي يخرج من مخرجه ما خرج و يكون علي يديك خرقة تنقي بها دبره» «1» لأنه ذكر ذلك بين الغسلة الثانية و الثالثة.

نعم، لا يبعد كون المستفاد من مجموع النصوص مطلوبية التنقية قبل الغسل بأي وجه حصلت و هي من النجاسة محتملة الوجوب علي ما تقدم في مقدمات الغسل و من غيرها يلزم البناء علي استحبابها مع كون الواجب هو إيصال الماء للبشرة. و أن الأفضل أن تكون بما يغسل به كالأشنان و السدر، بل قد يتعينان بنحو المزج، لاعتبار بعض ما تضمنهما من النصوص، و أفضل من ذلك أن يكون الغسل المذكور ثلاثا مع الاكثار من الماء. و أفضل منه تكرار الغسل قبل كل من الغسلتين الأخيرتين بمائهما.

و يناسبه مع ما في جامع المقاصد من غسله في الثانية بماء الكافور و الحرض و في الثالثة بالقراح وحده، و إن لم يتضح الوجه في ضم الحرض للكافور. كما يناسبه في الجملة ما عن الذكري: «و يستحب غسل يديه و فرجيه مع كل غسلة، كما في الخبر و فتوي الأصحاب».

و في موضع من الرضوي الأمر بغسله ثلاثا مع كل غسلة، فإن قل اجتزئ بمرة مع كل غسلة، و في موضع آخر منه التثليث مع التصريح بغسل قبله و دبره بثلاث حميديات، و هي جمع حميدي إناء كبير، كما عن الذكري، و قيل الإبريق الكبير في الغاية.

منها أن يبدأ بغسل يديه

(1) كما في الفقيه و الهداية- حاكيا له عن رسالة والده- و الاقتصاد و المراسم و الغنية- مدعيا فيه الإجماع عليه- و السرائر و الشرائع و النافع و المعتبر- مدعيا فيه أنه مذهب فقهائنا أجمع، و أن عليه عمل الأصحاب- و التذكرة- ناسبا له إلي علمائنا- و القواعد و اللمعة و الروضة و محكي جمل العلم و العمل، و عن الذكري نسبته للأصحاب. لكن قد يظهر بدوا من المعتبر و التذكرة كونه من الغسل الواجب و أن

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 10.

ص: 380

______________________________

المستحب إنما تقديمه، إلا أنه لا يناسب ما ذكراه تبعا للمشهور من وجوب الترتيب علي النحو المعروف في غسل الجنابة.

هذا، و قد يظهر من إطلاق بعض الأصحاب غسلهما بالماء القراح، كما صرح به في المراسم و السرائر، و يقتضيه قوله عليه السّلام في مرسل خيثمة: «تبدأ فتغسل يديه ثم توضيه وضوء الصلاة، ثم تأخذ ماء و سدرا … » «1».

لكن في الفقيه و الهداية غسلهما بثلاث حميديات بماء السدر، و هو ظاهر غير واحد ممن يظهر منه كونه من شئون الغسل الواجب، كالمتن و غيره ممن يأتي التعرض له عند الكلام في الترتيب بين هذا المستحب و غيره مما تقدم.

و يدل عليه قوله عليه السّلام صحيح الحلبي: «ثم تبدأ بكفيه و رأسه ثلاث مرات بالسدر ثم سائر جسده … فإذا فرغت من غسله بالسدر فاغسله مرة أخري بماء و كافور و بشي ء من حنوط ثم اغسله بماء بحت غسلة أخري» «2»، كما هو ظاهر قوله عليه السّلام في مرسل يونس: «و اعمد الي السدر فصيره في طشت و صب عليه الماء و اضربه بيدك حتي ترتفع رغوته و اعزل الرغوة في شي ء و صب الآخر في الاجانة التي فيها الماء ثم اغسل يديه ثلاث مرات كما يغسل الإنسان من الجنابة إلي نصف الذراع ثم اغسل فرجه و نقه ثم اغسل رأسه بالرغوة.. ثم أضجعه علي جانبه الأيسر و صب الماء من نصف رأسه إلي قدميه … ثم صب الماء في الآنية و ألق فيه حبات كافور و افعل به كما فعلت في المرة الأولي و أبدأ بيديه ثم بفرجه … و اغسله بماء قراح كما غسلته في المرتين الأوليتين» «3» و مثله في ذلك الرضوي «4».

نعم، مقتضي عطف غسل الرأس علي غسل اليدين اشتراكهما في أنهما جزء من الغسل الواجب أو زائدان عليه، و التفريق بينهما غير ظاهر، فلاحظ ما تقدم في غسل الرأس. ثم إنه تقدم في غسل الفرج أن صحيح يعقوب بن يقطين قد تضمن غسل مرافقه بالحرض، و تقدم احتمال كون المراد به غسل اليدين إلي المرفقين. و لو تم لم يبعد

______________________________

(1) الوسائل باب: 6 من أبواب غسل الميت حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

(4) مستدرك الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 2.

ص: 381

الي نصف الذراع (1)، في كل غسل (2) ثلاث مرات (3)، ثم بشق رأسه

______________________________

الجمع باستحباب كل من الأمرين أو بالتخيير، و لعل الأول أولي.

(1) كما في الدروس و جامع المقاصد و المسالك و الروضة و الرياض. لما تقدم في مرسل يونس. و كأنه المراد مما في الرضوي المتقدم إليه الإشارة: «تبتدئ بغسل اليدين إلي نصف المرفقين». و يجمع بينهما و بين صحيح الحلبي المقتصر علي الكفين بالحمل علي الاختلاف في الفضل.

و أما ما في صحيح يعقوب فلو كان المراد به غسل اليدين فحيث كان بالحرض لا يجري فيه الجمع المذكور، بل يتعين الاقتصار فيه علي تمام المقدار المذكور غايته يجري فيه ما سبق من الجمع بسبب اختلاف ما يغسل به.

(2) كما في الدروس و اللمعة و الروضة و المسالك و ظاهر الفقيه و الهداية- حاكيا له عن رسالة والده- و الاقتصاد و السرائر، كما قد يظهر من المعتبر و التذكرة.

و يقتضيه ما تقدم من مرسل يونس و الرضوي. كما قد يظهر من صحيح الحلبي. و أما مرسل يعقوب فلو أريد به غسل اليدين مختص بالغسلة الأولي و قد سبق مقتضي الجمع بينه و بين غيره.

(3) كما في الاقتصاد و السرائر و الدروس و جامع المقاصد و المسالك و الروضة و الرياض و محكي المصباح و مختصره. و قد يرجع إليه ما تقدم من الفقيه و الهداية من غسله بثلاث حميديات، لاستلزامه تقطع الغسل. فتأمل. كما قد يحمل عليه ما في المعتبر و التذكرة و القواعد من غسل كل عضو ثلاث مرات.

و إن لم يبعد ظهوره في الأعضاء الثلاثة التي اشتهر وجوب الترتيب بينها.

و كيف كان، يقتضيه ما تقدم من صحيح الحلبي و مرسل يونس و الرضوي.

و عن الذكري دعوي الإجماع عليه.

بقي الكلام في الترتيب بين المستحبات المتقدمة فاعلم أن ظاهر الفقيه و الهداية و محكي مختصر المصباح تقديم غسل اليدين ثم غسل الفرج ثم غسل الرأس بالرغوة.

و هو المطابق لمرسل يونس، كما هو مقتضي الجمع بينه و بين صحيح الحلبي المتضمن

ص: 382

الأيمن ثم الأيسر (1)، و يغسل كل عضو ثلاثا في كل غسل (2)

______________________________

البدء برأسه و كفيه و صحيح الكاهلي المتضمن غسل فرجه ثم رأسه.

و يناسبه الاقتصار علي غسل الفرج ثم غسل الرأس بالرغوة في المقنعة و المبسوط و النهاية و المراسم، و علي غسل اليدين ثم غسل الفرج في الاقتصاد و السرائر.

لكن ظاهر المعتبر و التذكرة تقديم غسل الفرج، ثم غسل الرأس بالرغوة، ثم غسل اليدين ملحقا بالغسل الواجب، كما هو ظاهر العروة الوثقي و المتن، و نحوه ما في الدروس من تقديم غسل الفرج علي غسل اليدين.

كما أن ظاهر القواعد تقديم غسل الرأس بالرغوة ثم غسل الفرج و اليدين.

و لم يتضح الوجه فيهما.

(1) كما في المبسوط و النهاية و الشرائع و النافع و المعتبر و التذكرة و القواعد و الدروس و غيرها. و في المعتبر أنه مذهب فقهائنا أجمع و أن عليه عمل الأصحاب، و نسبه في التذكرة لعلمائنا.

و يقتضيه- مضافا إلي إطلاق قوله عليه السّلام في صحيح الفضل بن عبد الملك: «ثم تغسله تبدأ بميامنه» «1» - قوله عليه السّلام في صحيح الكاهلي: «ثم تحول إلي رأسه و أبدأ بشقه الأيمن من لحيته و رأسه ثم ثن بشقه الأيسر من رأسه و لحيته و وجهه فاغسله برفق» «2».

نعم، لا يظهر منه كون ذلك في الغسل الواجب، للأمر فيه بعد ذلك بغسل تمام شقيه حتي الرأس، فراجع ما تقدم في غسل الرأس بالرغوة أو السدر.

منها أن يغسل كل عضو ثلاثا في كل غسل و يمسح بطنه في الأوليين إلا الحامل

(2) كما في المبسوط و النهاية و النافع و الشرائع و المعتبر و التذكرة و المنتهي و القواعد و الإرشاد و الدروس و اللمعة و غيرها، و في المعتبر أنه مذهب فقهائنا أجمع، و أن عليه عمل الأصحاب، و في التذكرة: «قاله علماؤنا». و عن الذكري الإجماع علي تثليث غسل أعضائه كلها من اليدين و الفرجين و الرأس و الجنبين.

و يقتضيه قوله عليه السّلام في صحيح الكاهلي: «ثم اغسله من قرنه إلي قدميه، و امسح

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 9.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 5.

ص: 383

و يمسح بطنه (1)

______________________________

يدك علي ظهره و بطنه ثلاث غسلات» «1»، ثم ذكر فيه مثل ذلك في بقية الغسلات علي نحو من الاضطراب في متنه لا دخل له بما نحن فيه.

و أما قوله عليه السّلام في مرسل يونس: «ثم أضجعه علي جانبه الأيسر و صب الماء من نصف رأسه إلي قدميه ثلاث مرات … ثم أضجعه علي جانبه الأيمن و افعل به مثل ذلك … ثم صب الماء في الآنية و ألق فيه حبات كافور و افعل به كما فعلت في المرة الأولي … و اغسله بماء قراح كما غسلته في المرتين الأوليتين» «2».

فهو ظاهر في تكرار الصب مع وحدة الغسل للاستظهار في الغسلة الواحدة بقرينة وحدة الدلك. و مثله في ذلك قوله عليه السّلام في خبر معاوية: «ثم اغسل رأسه بالسدر و لحييه ثم أفيض علي جسده منه ادلك به جسده ثم أفيض عليه ثلاثا … » «3».

اللهم إلّا أن يستفاد منهما تثليث الغسلات بتعدد الصب مع الدلك في الأولي منها للاستظهار، كما يظهر من الرضوي، حيث تضمن تثليث غسل كل من الأعضاء الخمسة من اليدين ثم الفرج ثم الرأس ثم الجانب الأيمن ثم الجانب الأيسر في كل غسل من الأغسال الثلاثة، ثم قال: «فيكون الغسل ثلاث مرات كل مرة خمسة عشر صبة» «4».

نعم، لم يتضمن تثليث غسل الرأس وحده إلّا الرضوي. ثم إن المستفاد من جملة من كلماتهم- منها ما تقدم من الذكري- استحباب التثليث في غسل الفرج و اليدين أيضا. و تشهد به بعض النصوص. فلتلحظ.

(1) يأتي اتفاق النص و الفتوي علي ذلك في الجملة. و في جامع المقاصد:

«و الغرض به التحفظ من خروج شي ء. و أنكره ابن إدريس لمساواة الحي الميت في الحرمة». و ظاهره أن ابن إدريس حرم المسح المذكور بلحاظ ما أشار إليه في التعليل من احتمال خروج شي ء بسببه، و أنه محرم في الميت كما هو محرم في الحي، لما تضمن أن حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا «5».

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 8.

(4) مستدرك الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

(5) راجع الوسائل باب: 25 من أبواب ديات الاعضاء.

ص: 384

______________________________

و يأتي عن الشهيد نسبة ذلك إليه أيضا. لكن لم أعثر علي ذلك في السرائر، بل المنسوب له موافقة الأصحاب، و هو الموجود في موضعين من السرائر.

نعم، قال في بيان المكروهات: «و لا يقعده و لا يغمز بطنه»، قال في مفتاح الكرامة بعد أن حكي ذلك عنه: «فنسب إليه الشهيد و الكركي إنكار ذلك بعد الاعتراف به في أول الباب. و لعل المراد لا يغمزه غمزا شديدا، أو لا يغمزه قاعدا. فتأمل» و لعل أمره بالتأمل للإشارة إلي أن التعليل المتقدم للمنع لا يناسب إرادة الكلام المذكور.

و كيف كان، فالتعليل المتقدم لا ينهض بالمنع. إذ حرمته في الحي إن كانت بلحاظ كونه تصرفا في بدنه، فلا دليل علي جريانها في الميت، لابتناء جميع التصرفات فيه علي ذلك. و إن كانت بلحاظ هتكه فحصوله في المقام ممنوع، إذا كان المسح بالنحو المتعارف، و لا سيما مع كون الغرض منه تجنب خروج شي ء بعد الغسل بسبب بعض الحركات التي لا بد منها. هذا مضافا إلي ما أشرنا إليه من إجماع النص و الفتوي علي رجحان ذلك، حيث لا بد من الخروج به عما قد تقتضيه القواعد العامة.

هذا، و قد اشتملت جملة من النصوص علي المسح إلّا أنها علي طائفتين:

الأولي: ما تضمن المسح حين صب الماء في أثناء الغسل. و الظاهر أن الغرض منه الاستظهار لاستيلاء الماء علي البشرة و قبولها له و نفوذه فيها. و هو لا يختص بالبطن و يجري في جميع الغسلات. ففي صحيح الكاهلي: «و أكثر من الماء فامسح بطنه مسحا رفيقا ثم تحول إلي رأسه … فاغسله برفق و إياك و العنف و اغسله غسلا ناعما ثم أضجعه … ثم اغسله من قرنه إلي قدميه و امسح يدك علي ظهره و بطنه ثلاث غسلات … » ثم تضمن الأمر بالغسل بالكافور و القراح علي نحو الغسلة بالسدر «1»، كما تضمنه مرسل يونس بعد قوله في بيان الغسل بالسدر: «و ادلك بدنه دلكا رفيقا» «2»، و في موثق عمار: «و تمر يدك علي ظهره و بطنه بجرة من ماء … ثم بجرة من كافور …

و تمر يدك علي جسده كله» «3» و في خبر معاوية بن عمار: «ثم أفيض علي جسده منه ثم أدلك به جسده» «4».

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 8.

ص: 385

في الأوليين (1)

______________________________

الثانية: ما تضمن المسح قبل الشروع في الغسلة لخروج ما يسهل خروجه من الغائط و هو يختص بالبطن. و الظاهر أن محل كلامهم في المقام هذا دون الأول و من ثم يأتي الكلام في مفاده عند التعرض لكلماتهم.

(1) كما صرح به جماعة كثيرة، و ادعي الإجماع عليه في الغنية و المعتبر و ظاهر الخلاف. و علل في كلام غير واحد بخروج ما يسهل خروجه تحفظا من خروجه بعد الغسل. هذا و ظاهر المتن إرادة المسح حين الغسل و في أثنائه، كما هو ظاهر التعبير بنظير ذلك في الهداية- حاكيا له عن رسالة والده- و الفقيه و المقنعة و الغنية و الاقتصاد و المراسم و السرائر و النافع و الشرائع و القواعد و المنتهي و اللمعة، و نحوه ما في الوسيلة و الإرشاد من غمز بطنه فيهما. لكن صرح غير واحد من شراح بعضها بأن المراد المسح قبل كل منهما، كما صرح به في الخلاف و المعتبر و التذكرة و الدروس و المنتهي في الأولي. و إن كان ظاهر الفقيه و الهداية المسح بعد كل منهما، بل هو كالصريح مما يأتي من المنتهي.

كما أنهم صرحوا بعدم استحباب المسح في الثالثة، و في المعتبر و التذكرة و جامع المقاصد و الروض و عن الذكري و ظاهر نهاية الأحكام الإجماع عليه. و علل في كلام بعضهم بحصول المطلوب بالمرتين. بل في الخلاف و الوسيلة و الدروس و جامع المقاصد و الروض و عن الذكري و الجامع كراهيته، و ظاهر الخلاف الإجماع عليه.

و عن الشهيد: «لأنه تعرض لكثرة الخارج». و قد يظهر من المنتهي أيضا حيث علله بأن المسح هناك يستعقب الغسل، فإذا خرج منه شي ء أزاله ماء الغسل، بخلاف الغسلة الأخيرة.

هذا، و لا يخفي أن التعاليل المذكورة لا تنهض بإثبات حكم شرعي، بل هي لا تناسب الأحكام المذكورة، إذ لو كان الغرض الاقتصار علي إخراج ما يخرج بأدني حركة لزم الاكتفاء بمرة واحدة، و لو كان الغرض إخراج كل ما يمكن خروجه لزم استحباب الثلاث، بل الزيادة عليها. و من ثم ينبغي النظر في النصوص، و إن لم يظهر منهم الاهتمام بمفادها.

ص: 386

______________________________

و ظاهرها الاكتفاء بالمسح مرة واحدة مع الاختلاف في محلها. فظاهر بعضها أنها قبل الغسلة الأولي، ففي صحيح الفضل: «أقعده و اغمز بطنه غمزا رفيقا ثم تضجعه من غمز البطن ثم تضجعه ثم تغسله … » «1»، و في خبر معاوية بن عمار: «أمرني أبو عبد اللّه عليه السّلام أن أعصر بطنه ثم أوضيه بالاشنان ثم أغسل رأسه بالسدر» «2». و في خبر أم أنس: «أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال: إذا توفيت المرأة فأرادوا أن يغسلوها فليبدأوا ببطنها فلتمسح مسحا رفيقا إن لم تكن حبلي، فإذا كانت حبلي فلا تحركيها، فإذا أردت غسلها فابدئي بسفليها … » «3».

و ظاهر بعضها أنه بعد الغسل الأول قبل الشروع في الثاني، ففي مرسل يونس:

«ثم صب الماء في الآنية و ألق فيه حبات كافور، و افعل به كما فعلت في المرة الأولي ابدأ بيديه ثم بفرجه و امسح بطنه مسحا رفيقا فإن خرج منه شي ء فأنقه، ثم اغسل رأسه … » «4». كما قد يظهر من صحيح الكاهلي، لقوله بعد ذكر الغسل الأول علي اضطراب فيه: «و امسح يدك علي بطنه مسحا رفيقا، ثم تحول إلي رأسه فاصنع كما صنعت أولا بلحيته ثم من جانبيه كليهما و رأسه و وجهه بماء الكافور … » «5» و في ثالث أنه بعد الغسل الثاني قبل الشروع في الثالث، ففي موثق عمار: «ثم تمر يدك علي بطنه فتعصره شيئا حتي يخرج من مخرجه ما خرج، و يكون علي يديك خرقة تنقي بها دبره …

ثم تغسله بجرة [بجرد] من ماء القراح … » «6».

و منه يتضح عدم مناسبة ما ذكره الأصحاب لمفاد النصوص، سواء كان مقتضي الجمع بينها استحباب مضامينها بنحو الجمع و تعدد المطلوب، أم بنحو التخيير. و لا سيما ما صرح به في الخلاف و يقتضيه كلام الأكثر من عدم استحباب المسح قبل الثالثة، بل صرح هو و جماعة بكراهته، لأنه مناف لصريح موثق عمار. و من ثم يشكل متابعتهم فيما ذكروه، كما لا مجال للتعويل علي دعاوي الإجماع المتقدمة منهم، لما هو الظاهر من طريقتهم من التسامح في أدلة المستحبات و المكروهات و عدم التقيد فيها بمفاد النصوص.

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 9.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 8.

(3) الوسائل باب: 6 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

(4) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

(5) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 5.

(6) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 10.

ص: 387

______________________________

نعم، في الرضوي بعد ذكر إقعاده و غمز بطنه قبل الشروع في الغسل ثم تطهيره و ذكر الغسل الأول، قال: «ثم اقلبه إلي ظهره و امسح بطنه مسحا رفيقا، و اغسله مرة أخري بماء و شي ء من الكافور … و أغسله الثالثة بماء قراح و لا تمسح بطنه في ثالثة» «1».

و هو قد يناسب ما عليه الأصحاب. لكنه قد يحمل علي النهي عن مسح البطن و دلكها أثناء الغسلة الثالثة تحفظا من خروج النجاسة المنجسة. علي أنه لا ينهض برفع اليد عما سبق من النصوص المعتبرة سندا الظاهرة دلالة.

ثم إن في صحيح يعقوب بن يقطين: «و لا يعصر بطنه، إلا أن يخاف شيئا قريبا، فيمسح [به] رفيقا من غير أن يعصر … » «2». و مقتضاه الاقتصار في المسح علي ما إذا خيف أن يكون هناك شي ء قريب قد يخرج بنفسه لو لم يخرج بالعصر، دون ما لو لم يحتمل ذلك و إنما احتمل إيجاب المسح دفع ما ليس من شأنه أن يخرج بنفسه و لا يبعد حمل النصوص المتقدمة علي ذلك جمعا معه، و يكون الاقتصار فيها علي المرة الواحدة لغلبة عدم الخوف من ذلك بعدها. فلو فرض الخوف بعد بسبب تغسيله بعض الغسلات، لخصوصية فيه، أو لتعرضه لحركة عنيفة احتمل تحرك شي ء بسببها يحتمل خروجه شرع تكرار المسح و لو في غير الموضع الذي تضمنته النصوص المتقدمة، كما لو خيف منه بعد إكمال الغسل و خشي خروجه عند نقله من المغتسل لموضع التكفين.

كما أن مقتضي الجمع بينه و بينها أيضا الاقتصار علي المسح الرفيق الذي تضمنته بعض تلك النصوص أيضا، و هو الذي لا يخرج به إلّا ما يكون قريبا يخشي من عدم المسح خروجه بنفسه. و عليه ينزل الغمز الرفيق في صحيح الفضل و العصر في موثق عمار و خبر معاوية. و لعله مراد الأصحاب و إن أطلق بعضهم العصر، و آخر الغمز. بل ظاهر صحيح يعقوب حرمة العصر الزائد علي المقدار المذكور، و لا يبعد البناء عليه.

و لعل منشأه تجنب احتمال خروج ما ليس من شأنه الخروج، لأنه نحو من الهتك المنافي لحرمة الميت من دون مصحح له، بخلاف المسح برفق المقتضي لخروج الشي ء القريب، لأنه فيه تجنب احتمال خروجه بنفسه بنحو يكون أهتك للميت و أشكل علي

______________________________

(1) مستدرك الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 7.

ص: 388

إلّا الحامل التي مات ولدها في بطنها (1) فيكره ذلك (2)، و أن يقف

______________________________

من يقوم بتجهيزه. فلاحظ.

(1) أما لو كان حيا فيجب إخراجه مهما أمكن علي ما يأتي في المسألة الواحدة و السبعين إن شاء اللّه تعالي.

(2) كما في الوسيلة و المنتهي و كشف اللثام و محكي الجامع. و لعله المراد من استثنائه من الاستحباب في السرائر و الشرائع و النافع و القواعد و الإرشاد و الدروس.

بل قد يظهر الحرمة من المعتبر و التذكرة و جامع المقاصد و الروض و الروضة و محكي الذكري، لتعليله في كلامهم بخوف الإجهاض، و لا سيما المعتبر، لقوله فيه: «لأنه لا يؤمن معه الإجهاض، و هو غير جائز، كما لا يجوز التعرض لإجهاض الحية. و يؤيد ذلك ما روته أم أنس … » ثم ذكر الخبر المتقدم في تحديد المسح المستحب.

لكن التعليل المذكور يقصر عن المسح برفق الذي تضمنته النصوص المتقدمة، لبعد حصول الإجهاض به جدا. و ضعف سند الخبر مانع من التعويل عليه في نفسه، فضلا عن الخروج به عن إطلاق تلك النصوص المقتضي للاستحباب.

نعم، لو كان المسح عنيفا فلا ينبغي التأمل في كراهته فيها كما في غيرها، علي ما يظهر من النصوص المتقدمة و غيرهما مما تضمن الأمر بالرفق بالميت و النهي عن العنف به «1».

بل قد تقدم تقريب حرمة مسح خصوص البطن بعنف عملا بظاهر صحيح يعقوب. و أولي بذلك ما إذا احتمل الإجهاض به، لأنه أولي بالهتك من خروج الغائط.

بل يشمله حينئذ ما تضمن أن حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا «2»، المطابقة للمرتكزات.

نعم، لا مجال لما في الجواهر من التمسك فيه بالاستصحاب. للإشكال فيه:

أولا: بتعدد الموضوع حقيقة علي ما هو الحال في أكثر موارد استصحاب الأحكام التكليفية.

و ثانيا: بأن المحرم حال الحياة مع قطع النظر عن الاحترام هو قتل الجنين،

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 9 من أبواب غسل الميت.

(2) راجع الوسائل باب: 25 من أبواب ديات الأعضاء.

ص: 389

الغاسل علي الجانب الأيمن للميت (1)

______________________________

و المفروض في المقام موته، و بلحاظ الاحترام فالدليل كما دل علي تحريم ما ينافيه في الحي دل علي تحريم ما ينافيه في الميت، بلا حاجة للاستصحاب، بل لعل إجهاض المرأة الميتة أظهر في منافاة الاحترام من إجهاض الحية.

هذا، و في جامع المقاصد: «و لو أجهضت فعشر دية أمه. نبه علي ذلك في البيان» و نحوه في الروض. لكن في مفتاح الكرامة: «و لم أجد ذكر ذلك في البيان، و إنما استثني الحامل التي مات ولدها».

و كيف كان، فثبوت الدية لا يخلو عن إشكال، لأن الظاهر أن موضوع الدية في إجهاض الحية هو قتل الجنين، لا مجرّد الإجهاض، ليكفي ما تضمن أن حرمة الميت كحرمة الحي في إثباتها. و الأمر محتاج لمزيد فحص و تأمل.

منها أن يقف الغاسل علي الجانب الأيمن للميت

(1) كما في النهاية و الغنية و الوسيلة و السرائر و الشرائع و النافع و القواعد و الإرشاد و التذكرة و عن المصباح و مختصره و الجمل و العقود و المهذب و الجامع، و في الغنية الإجماع عليه. لكن اقتصر علي الوقوف علي جانبه من دون ذكر لليمين في المقنعة و المبسوط و التهذيبين و المراسم و المنتهي، و في المعتبر أنه أولي. و كأنه لاقتصار النص عليه، و هو ما رواه في المعتبر مرسلا عن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: و لا يجعله بين رجليه في غسله، بل يقف من جانبه» «1»، و أرسل في غيره أيضا.

لكن في الجواهر بعد ذكر إجماع الغنية علي خصوص اليمين: «و هو الحجة فيه بعد المسامحة. مع عموم التيامن المندوب إليه … نعم قد يقال باستحباب مطلق الجانب مع زيادة الفضيلة في الأيمن. فتأمل».

و لعل أمره بالتأمل إشارة لعدم وضوح عموم التيامن بنحو يشمل المقام و نحوه من الوقوف علي يمين الغير. و لا سيما مع تعرض الميت للتقليب تبعا لما يقتضيه التغسيل. مع أن ظهور الخبر في استحباب الوقوف علي الجانب لا يخلو عن إشكال، بل يقرب كون ذكره لمجرد تجنب جعله بين رجليه، لعدم تعارف غيرهما. فلاحظ.

______________________________

(1) المعتبر ص: 74.

ص: 390

منها أن يحفر للماء حفيرة

و أن يحفر للماء حفيرة (1)

______________________________

(1) ظاهره ككثير من عبارات الأصحاب إفراد غسالة كل ميت بحفيرة، و إن كان قد يظهر من بعضهم كفاية حفيرة واحدة لماء التغسيل و لو لأموات متعددين.

و كلماتهم في المقام لا تخلو عن اضطراب.

و توضيح الحال: أنه لا إشكال عندهم في كراهة إرسال ماء التغسيل في الكنيف- علي ما يأتي في المكروهات- لمكاتبة الصفار إلي أبي محمد عليه السّلام المروية في الصحيح: «هل يجوز أن يغسل الميت و ماؤه الذي يصب عليه يدخل إلي بئر كنيف، أو الرجل يتوضأ وضوء الصلاة أن ينصب ماء وضوئه في كنيف؟ فوقع عليه السّلام: يكون ذلك في بلاليع» «1».

و حيث كان محمولا علي كراهة الكنيف فهو ظاهر جدا في عدم كراهة البالوعة، لأن ابتداء الإمام عليه السّلام بالتنبيه لها و اختيارها علي الكنيف لبيان كراهته كالصريح في عدم كراهتها، و مقتضي إطلاقه عدم الفرق في عدم كراهتها بين إمكان الحفيرة و تعذرها. و يناسبه الرضوي: «و لا يجوز أن يدخل الماء ما ينصب عن الميت من غسله في كنيف. و لكن يجوز أن يدخل في بلاليع لا يبال فيها أو حفيرة» «2».

فما يظهر من المبسوط و النهاية و التذكرة و عن نهاية الأحكام، بل هو صريح الوسيلة من اشتراط ارتفاع كراهة البالوعة بتعذر الحفيرة. غير ظاهر الوجه. و كأن ما في جامع المقاصد و عن الذكري من الإجماع علي اختصاص الكراهة بالكنيف دون البالوعة، مبني علي تنزيل كلام من سبق علي مجرد أولوية الحفيرة من البالوعة. و إن كان في غير محله.

و مثله ما في الغنية و إشارة السبق و السرائر و الشرائع و النافع و المنتهي و القواعد و الإرشاد و الدروس و غيرها من استحباب الحفيرة لماء الغسل، بل في الغنية الإجماع عليه، حيث لا شاهد بذلك من النصوص عدا ما استدل به في المعتبر و المنتهي و غيرهما، و هو صحيح سليمان بن خالد: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إذا مات لأحدكم ميت فسجوه تجاه القبلة، و كذلك إذا غسل يحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة، فيكون

______________________________

(1) الوسائل باب: 29 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(2) مستدرك الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

ص: 391

و أن ينشف بدنه بثوب (1) نظيف (2)

______________________________

مستقبل باطن [مستقبلا بباطن] قدميه و وجهه إلي القبلة» «1».

و هو مبني علي تنزيل حفر موضع المغتسل علي حفر موضع ماء الغسالة، كما تقدم تقريبه عند الكلام في استحباب وضع الميت علي مرتفع. لكنه لو تم ظاهر في استحباب الاستقبال بالميت حال التغسيل، لأن قوله عليه السّلام: «يحفر … » مسوق لبيان الاستقبال، كما يشهد به التفريع في قوله: «فيكون … » لا لبيان مطلوبية الحفر، أو كون الحفيرة تجاه القبلة، و فرض الحفر فيه تجاه القبلة لتعارف الحفيرة و المفروغية عن كونها في جانب الرجلين. و منه يظهر ضعف ما في جامع المقاصد من الاستدلال به لاستحباب كون الحفيرة تجاه القبلة زائدا علي استحباب الحفيرة.

هذا، و قد علل في المعتبر استحباب الحفيرة بأنه ماء مستقذر، فيحفر له ليؤمن من تعدي قذره. و هو لو تم إنما يقتضي كراهة التعرض لتعدي قذره، لا استحباب خصوص الحفيرة. و من ثم يشكل البناء علي استحباب اتخاذ الحفيرة و ترجيحها علي البالوعة، فضلا عن إفراد غسالة كل ميت بحفيرة. و لعله لذا اقتصر في اللمعة علي استحباب إرسال الماء في غير الكنيف، الذي لا يبعد رجوعه إلي كراهة إرساله في الكنيف، لما تقدم، و يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالي.

منها أن ينشف بدنه بثوب نظيف أو نحوه

(1) كما صرح به غير واحد، و في المنتهي: «و لا نعلم فيه خلافا»، و في المعتبر و التذكرة و عن نهاية الأحكام الإجماع عليه. و يقتضيه قوله عليه السّلام في صحيح الحلبي:

«حتي إذا فرغت من ثلاث غسلات جعلته في ثوب نظيف. ثم جففته» «2»، و في موثق عمار: «ثم تجففه بثوب نظيف» «3»، و في مرسل يونس: «ثم نشفه بثوب طاهر» «4».

و علل أيضا بأن أكفانه إذا ابتلت أسرع إليها الفساد. لكنه غير ظاهر، و لا سيما مع إمكان جفاف الكفن قبل الدفن.

(2) كما تضمنته النصوص المتقدمة. و إليه ينصرف إطلاق من أطلق من

______________________________

(1) الوسائل باب: 35 من أبواب الاحتضار حديث: 2.

(2) الوسائل باب 2: من أبواب غسل الميت حديث: 2.

(3) الوسائل باب 2: من أبواب غسل الميت حديث: 10.

(4) الوسائل باب 2: من أبواب غسل الميت حديث: 2.

ص: 392

أو نحوه (1).

______________________________

الأصحاب، خصوصا مع استدلالهم بالنصوص، لما هو المعلوم من لزوم طهارة بدن الميت قبل الدفن.

(1) كالمنديل، لإلغاء خصوصية الثوب في النصوص. بل لا يبعد كون المستفاد منها بمناسبة الحكم و الموضوع استحباب إدراجه في الكفن جافا و لو لطول الفاصل بينه و بين التغسيل أو لتعرضه للهواء الحار.

مستحبات التغسيل التي لم يذكره المصنف
اشارة

و بقي في المقام بعض ما قيل باستحبابه أو تضمنت النصوص الأمر به مما لم يذكره سيدنا المصنف قدّس سرّه.

منها: توضئة الميت وضوء الصلاة.
اشارة

و ظاهر الاستبصار أو صريحه وجوبه، كما قد يستظهر من محكي كلام أبي الصلاح الحلبي، و حكاه في كشف اللثام عن صريح النزهة، و قال: «و حكي عن المحقق الطوسي».

و قد يحمل عليه إطلاق ذكره في بيان كيفية الغسل في المقنعة و محكي المهذب، و إطلاق الاستدلال عليه في التهذيب، و جعله أحد القولين في المعتبر و النافع، و نسبه في المنتهي لبعض أصحابنا، و في المنتهي لجماعة.

و في النهاية: «و قد رويت أحاديث أنه ينبغي أن يوضأ الميت قبل غسله. فمن عمل بها كان أحوط».

و الأحاديث المذكورة هي صحيح حريز: «أخبرني أبو عبد اللّه عليه السّلام قال:

الميت يبدأ بفرجه ثم يوضأ وضوء الصلاة» «1». و خبر عبد اللّه بن عبيد: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن غسل الميت. قال: تطرح عليه خرقة ثم يغسل فرجه و يوضأ وضوء الصلاة … » «2» و في خبر خيثمة عنه عليه السّلام: «تبدأ فتغسل يديه ثم توضيه وضوء الصلاة ثم تأخذ ماء و سدرا … » «3».

و قد استدل بنصوص آخر تضمنت التعبير بالوضوء لا يبعد ظهورها في التنجية تقدمت عند الكلام في غسل الفرج.

______________________________

(1) الوسائل باب 6: من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(2) الوسائل باب 6: من أبواب غسل الميت حديث: 2.

(3) الوسائل باب 6: من أبواب غسل الميت حديث: 4.

ص: 393

______________________________

و مثله الاستدلال بما تضمن أن كل غسل فيه وضوء إلّا غسل الجنابة «1». حيث لا يبعد قصوره عن تغسيل الميت، و لا سيما مع عدم ترتب غايات الوضوء عليه. و لو فرض عمومه له فلا يبعد كونه محكوما أو مورودا لما تضمن أن غسل الميت مثل غسل الجنابة، و أن الميت يغسل غسل الجنابة «2». فتأمل.

و من الغريب ما في المختلف من الجواب عن ذلك بمنع المماثلة من كل وجه، و الإلزام الاتحاد و نفي المماثلة، و إذا حمل علي البعض لم يتم الاستدلال. إذ فيه- مع اختصاصه باللسان الأول دون الثاني- أنه يكفي في التعدد اختلاف الذات تبعا لاختلاف الحدث و السبب. فالعمدة ما تقدم.

لكن المعروف من مذهب الأصحاب عدم الوجوب، بل عن التنقيح عن بعض الفضلاء أنه لم يقل أحد بالوجوب، و قد يظهر مما يأتي من الخلاف و من التذكرة المفروغية عن عدمه. و قد صرح باستحبابه في الغنية و إشارة السبق و المعتبر و النافع و المنتهي و المختلف و القواعد و الإرشاد و الدروس و المدارك و ظاهر جامع المقاصد و المسالك و الروض، و عن المصباح و مختصره و الجامع و الذكري و البيان و غيرها، و نسب للأكثر في الغنية و محكي غيرها و للمشهور في المسالك و المدارك و محكي كشف الرموز، و عن الكفاية أنه أشهر، و في الحدائق أن الظاهر شهرته عند المتأخرين.

و كأنه للجمع بين النصوص المتقدمة و النصوص الكثيرة الشارحة لكيفية التغسيل الخالية عن التعرض له. و ما في الحدائق من أنها من سنخ المطلق المقيد بالنصوص الآمرة بالوضوء، كما تري، لأن ظهورها في بيان تمام الواجب أقوي من ظهور النصوص الآمرة بالوضوء في الوجوب.

و مثله دعوي: أن الوضوء إن وجب فليس جزءا من الغسل، بل واجبا في قباله، فعدم التنبيه له فيها في مقام شرح الغسل لا يدل علي عدم وجوبه.

لاندفاعها: بأن جملة منها قد تعرضت لما يصنع بالميت من مقدمات التغسيل و لواحقه و آدابه من حين وضعه علي المغتسل و تجريده من ثيابه إلي تنشيفه و تكفينه،

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 35: من أبواب الجنابة.

(2) راجع الوسائل باب 3: من أبواب غسل الميت.

ص: 394

______________________________

فعدم التعرض له فيها يجعلها كالصريحة في عدم وجوبه حتي تبعا للغسل. فلاحظ صحاح الحلبي و الكاهلي و الفضل و موثق عمار و مرسل يونس «1». و لعل الأظهر منها في ذلك صحيح يعقوب بن يقطين: «سألت العبد الصالح عليه السّلام عن غسل الميت أ فيه وضوء الصلاة أم لا؟ فقال: غسل الميت تبدأ بمرافقه فيغسل بالحرض، ثم يغسل وجهه و رأسه بالسدر ثم يفاض عليه الماء ثلاث مرات … » «2».

لظهور أن المسؤول عنه هو الوضوء مع غسل الميت علي النحو الذي ورد في غيره من الأغسال، فإعراض الإمام عليه السّلام عن ذكره في الجواب كالصريح في عدم وجوبه، كما اعترف به في الجملة في الحدائق مع مناقشته في غيره بما سبق.

بل قد يظهر منه عدم استحبابه، لقرب كون السؤال فيه عن أصل المشروعية، لا عن خصوص الوجوب، و لا سيما مع التعرض في الجواب لبعض المستحبات. و يؤيده تعرض جملة من النصوص الشارحة لكيفية التغسيل و الخالية عنه- مما أشير إليه آنفا- لكثير من المستحبات و الخصوصيات الخارجة عن الغسل، إذ لو كان مستحبا لكان المناسب جدا التعرض له فيها معها.

و من ثم احتمل بعضهم حمل النصوص الآمرة به علي التقية، لإطباق الجمهور عليه، كما في المنتهي، أو علي استحبابه كما في التذكرة. و قد يشعر به الإعراض عن جواب السؤال عنه في صحيح يعقوب المذكور.

و لعله لذا نسب تركه لعمل الطائفة و إجماعهم. قال في المبسوط: «و قد روي أنه يوضأ الميت قبل غسله، فمن عمل بها كان جائزا، غير أن عمل الطائفة علي ترك العمل بذلك، لأن غسل الميت كغسل الجنابة، و لا وضوء في غسل الجنابة» و في الخلاف: «غسل الميت كغسل الجنب ليس فيه وضوء. و في أصحابنا من قال: يستحب فيه الوضوء قبله. غير أنه لا خلاف بينهم أنه لا تجوز المضمضة و الاستنشاق فيه …

دليلنا عمل [إجماع] الفرقة علي ما قلناه. و من قال من أصحابنا بالوضوء فيه عول علي أخبار مروية في هذا الباب ذكرناها في الكتابين».

و عن السرائر رمي الرواية المتضمنة للوضوء بالشذوذ. لكن لم أجده فيه، و إنما

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 2، 5، 9، 10، 3، 7.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 2، 5، 9، 10، 3، 7.

ص: 395

______________________________

الموجود فيه بعد الإشارة للرواية و مخالفتها للطائفة علي نحو ما تقدم من المبسوط:

«فإذا كان عمل الطائفة علي ترك العمل بذلك فإذن لا يجوز العمل بالرواية، لأن العامل بذلك يكون مخالفا للطائفة. و فيه ما فيه».

و لعله لجميع ما تقدم يظهر التردد حتي في استحبابه من التذكرة و محكي نهاية الأحكام، كما مال إلي عدم مشروعيته في الحدائق، و قد يظهر من كل من تركه عند بيان الواجبات و المستحبات. فتأمل.

بقي في المقام أمور:
الأول: مقتضي إطلاق غير واحد أن الوضوء علي نحو وضوء الحي بالماء المطلق،

و إن كان قد يظهر من استدلال بعضهم بمثل خبري معاوية بن عمار و أم أنس المتقدمين في غسل الفرج المشتملين علي التوضئة بالاشنان و بماء السدر عدم تعين الماء المطلق. لكن أشرنا آنفا إلي ضعف الاستدلال المذكور، لظهور الخبرين في التنجية، فلا مخرج عن إطلاق النصوص المتقدمة الظاهر في إرادة الماء المطلق. و لا سيما خبر خيثمة، للتنبيه فيه علي السدر بعد التعرض للوضوء.

نعم، في مرسل دعائم الإسلام عن الصادق عليه السّلام أنه قال: «و كل غسلة منها كغسل الجنابة يبدأ فيوضأ كوضوء الصلاة … » «1». و ظاهره أن لكل غسلة وضوؤها التابع لهما و بمائها. لكن لم أعثر عاجلا علي موافق له من الأصحاب، و إنما اقتصروا علي وضوء واحد. نعم صرح في العروة الوثقي باستحباب الوضوء قبل كل من الغسلين الأوليين. و لم أعثر علي موافق له و لا شاهد من النصوص.

الثاني: المذكور في كلام جملة ممن تقدم هو الوضوء قبل الغسل،

كما هو مقتضي النصوص المتقدمة. لكن حكي عن جماعة التصريح بالتخيير بين تقديمه علي الغسل و تأخيره عنه. و كأنه للبناء علي كون الوضوء في المقام من صغريات عموم: في كل غسل وضوء. مع البناء علي ابتناء العموم المذكور علي التخيير المزبور.

و يظهر الأشكال في الأول مما تقدم هنا من عدم نهوض العموم بذلك، و في الثاني مما تقدم عند الكلام في العموم المذكور في المسألة التاسعة عشرة في فصل أحكام الحيض.

______________________________

(1) مستدرك الوسائل باب: 6 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

ص: 396

الثالث: تقدم من الخلاف نفي الخلاف في عدم جواز المضمضة و الاستنشاق،

______________________________

كما نفي في الغنية الخلاف في نفيهما. و أفتي في المنتهي بكراهتهما.

هذا، و لا إشكال ظاهرا في عدم كفاية إدخال الماء في الفم و الأنف في صدق المضمضة و الاستنشاق، بل لا بد فيهما من تحريكه في الفم بشي ء من القوة، و جذبه في الأنف، كما يظهر مما تقدم في مستحبات الوضوء.

و من الظاهر تعذر ذلك في الميت، فيسقطان لأجله حتي لو فرض عموم إطلاقات استحبابهما في الوضوء بدوا لتوضئته، و لو لا ذلك لكفي فيهما ما تضمن الأمر بهما في غسل الجنابة بضميمة ما تضمن مماثلة غسل الميت له أو أنه من أفراده «1»، و إن لم يؤت بالوضوء أو لم نقل بمشروعيته.

و أما مجرد إدخال الماء في فم الميت أو أنفه أو مع تحريكه فيه بتحريك رأسه فلا دليل علي تشريعه بعد عدم صدق المضمضة و الاستنشاق عليه. بل يدل علي مرجوحية إدخاله في الأنف قوله عليه السّلام في مرسل يونس: «و اجتهد أن لا يدخل الماء منخريه و مسامعه» «2». لأنه و إن ورد في حال غسل الرأس بالرغوة، إلّا أن الظاهر عدم الخصوصية له عرفا. بل قد يتعدي منه للفم لإلغاء خصوصية الأنف و المسامع عرفا.

نعم، يشكل البناء علي حرمته، لقرب ظهوره في الكراهة، و لا سيما مع كثرة التعرض له عند غسل الرأس. بل يبعد بناؤهم علي الحرمة حينئذ.

و منها: إمرار الغاسل يده علي بدن الميت حين الغسل،

كما صرح به في المعتبر و التذكرة و غيرهما. كما قد يستفاد مما ذكره في الوسيلة من استحباب كون الصاب غير الغاسل، و ما ذكره غيره من أن الغسل يكون ناعما. إذ ذلك لا يتجه إلّا مع مسح بدن الميت حين الغسل و عدم الاكتفاء بصب الماء، فهو ظاهر في المفروغية عنه.

بل قد يحتمل منه البناء علي وجوبه، كما قد يشعر به ما في المنتهي من تعليل الاكتفاء بصب الماء علي المجدور و نحوه بالضرورة، كما قد يحمل عليه إطلاق الأمر بالمسح في المقنعة. بل هو الظاهر من التعبير في كلام جماعة بالغسل، كما تقدم في أول

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 3: من أبواب غسل الميت.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

ص: 397

______________________________

فصل كيفية الوضوء، لو لا ظهور المفروغية عن اتحاد الأغسال في الكيفية، و أن المعيار فيها وصول الماء للبشرة، كما تقدم هناك. غاية الأمر أنه تقدم الكلام في مقدار الماء الواجب في خصوص تغسيل الميت في أوائل الكلام في كيفيته.

و كيف كان، فيدل علي رجحان المسح و الدلك ما تقدم من النصوص في أول الكلام في استحباب مسح بطن الميت.

نعم، لا يبعد حملها علي الاستحباب بقرينة ما تقدم من ظهور المفروغية عن اتحاد الأغسال في الكيفية، كالمفروغية عن عدم وجوب الدلك في المقام، كما يظهر من جملة من كلماتهم، بل قد يظهر من كشف اللثام الإجماع عليه. و للاكتفاء بالإفاضة في صحيح يعقوب بن يقطين «1».

اللهم إلّا أن يخرج عن ذلك في الغسلة الأولي بماء السدر، فيلزم فيها الدلك، لأن التنظيف الذي هو الغرض من السدر ارتكازا لا يتأتي بمجرد الصب و الإفاضة.

و لعله لذا اقتصر في خبر معاوية بن عمار «2» علي الدلك في الغسلة المذكورة. فتأمل جيدا.

و منها: جعل الغاسل علي يده خرقة.

فقد ذكر ذلك حال غسل العورة أو تنقيتها في الفقيه و الهداية- حاكيا له فيها عن رسالة والده- و المقنعة و المراسم و الوسيلة و المعتبر و التذكرة و غيرها. و ظاهر المعتبر الإجماع عليه و قد يظهر من إطلاق الفقيه و الهداية و المقنعة و المراسم و غيرها وجوب ذلك، لمناسبته لحرمة مس العورة من الحي، بل الظاهر عدم الإشكال بينهم في حرمة مس عورة الميت في غير حال التغسيل، كما يظهر مما يأتي من التذكرة.

و كيف كان، فيقتضيه ظاهر قوله عليه السّلام في صحيح الحلبي: «فإذا أردت أن تغسل فرجه فخذ خرقة نظيفة فلفها علي يدك اليسري ثم أدخل يدك من تحت الثوب الذي علي فرج الميت فاغسله من غير أن تري عورته» «3» معتضدا بمرسل الدعائم و الرضوي «4».

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 7.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 8.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 2.

(4) مستدرك الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 2، 3.

ص: 398

______________________________

و أما قوله عليه السّلام في موثق عمار: «و يكون علي يدك خرقة تنقي بها دبره» «1». فلا يبعد عدم سوقه للأمر يجعل الخرقة حذرا من المس، بل للأمر بالتنقية مع المفروغية عن وضع الخرقة حينها، لحرمة المس، أو لعدم استكمال التنقية باليد أو للاستقذار. فهو نظير قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في خبر أم أنس: «فإذا أردت غسلها فابدئي بسفليها فألقي علي عورتها ثوبا ستيرا ثم خذي كرسفة فاغسليها فأحسني غسلها، ثم أدخلي يدك من تحت الثوب فامسحيها بكرسف ثلاث مرات و أحسني مسحها قبل أن توضئيها ثم وضئيها بماء فيه سدر» «2».

فالعمدة صحيح الحلبي، لظهور الأمر فيه في الوجوب، و لا سيما مع ما تقدم من مناسبته لحرمة المس في الحي و الميت في غير حال التغسيل.

و دعوي: أن حمله علي الاستحباب هو المناسب لسكوت بقية النصوص عنه، و لا سيما ما تعرض منها لغسل الفرج.

مدفوعة: بقرب الاتكال في النصوص المذكورة علي ارتكاز الحرمة لما سبق، فلا مجال لجعلها قرينة علي عدم الوجوب و رفع اليد عن ظهور الصحيح فيه. و منه يظهر ضعف ما في الوسيلة و التذكرة و قد يظهر من المعتبر من استحباب جعل الخرقة علي اليد عند التنجية و عدم وجوبه. و ما في التذكرة من منع التحريم مع الحاجة. كما تري، لأن الحاجة لتنقية العورة و غسلها لا يستلزم الحاجة للمس مع إمكان وضع الخرقة.

مع عدم صلوح ذلك للخروج عن ظاهر الصحيح.

هذا، و في صحيح ابن مسكان: «أحب لمن غسل الميت أن يلف علي يده الخرقة حين يغسله» «3». و في الرضوي: «و يكون الغاسل علي يده خرقة» «4».

و مقتضاهما استحباب التغسيل مع الخرقة حتي في غير العورة. و به صرح في الدروس و المستند. و لم أعثر علي موافق لهما، بل صرح بإلقائها بعد غسل الفرج في المقنعة و المراسم، و في الوسيلة باستحباب غسل ما عدا العورة بدونها، بل ظاهر

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 10.

(2) الوسائل باب: 6 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 6 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(4) مستدرك الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

ص: 399

______________________________

التذكرة وجوبه، حيث قال: «عملا بالأصل». و كأنه لأن مقتضي القاعدة تنجس الخرقة بملاقاة بدن الميت فيمتنع تغسيله بها.

لكن مقتضي الصحيح العفو عن النجاسة المذكورة و عدم مانعيتها من التغسيل، و لا موجب لرفع اليد عنه بعد ما أشرنا إليه آنفا من عدم موهنية إعراضهم عن الحديث له مع صحته، و عدم جبر عملهم به مع ضعفه، في المستحبات و المكروهات.

و منها: إضافة الذريرة للكافور في ماء الغسلة الثانية،

كما يظهر من المنتهي، لقوله عليه السّلام في صحيح ابن مسكان: «ثم اغسله علي أثر ذلك غسلة أخري بماء و كافور و ذريرة إن كانت» «1».

كما أن في خبر مغيرة الوارد في تغسيل النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم: «و الثانية بثلاثة مثاقيل من كافور و مثقال من مسك» «2». و لا بأس بالعمل بهما إذا لم يخرج الماء بإضافة الذريرة أو المسك عن كونه ماء كافور، و إلّا أشكل بظهور النصوص الكثيرة المعول عليها عند الأصحاب في اعتبار ذلك، بل هو المجمع عليه بينهم.

و مثله ما قد يستظهر من صحيح الكاهلي من إضافة الحرض للسدر في ماء الغسلة الأولي، لقوله عليه السّلام فيه: «ثم أبدأ بفرجه بماء السدر و الحرض فاغسله ثلاث غسلات و أكثر من الماء فامسح بطنه مسحا رفيقا ثم تحول إلي رأسه و ابدأ بشقه الأيمن … » «3»، حيث لم ينبه فيه إلي الاقتصار علي السدر في ماء الغسلة الأولي بعد غسل الفرج به و بالاشنان. و قد يعتضد بما في صحيح الفضل «4» من الاقتصار فيه علي الحرض، بحمله علي استحباب جعله مع السدر جمعا بين جميع النصوص. فإن ذلك كله مخالف لظاهر بقية النصوص المعول عليها من الاقتصار علي ماء السدر. إلّا أن لا يخرج بإضافة الحرض عن كونه ماء سدر. فتأمل.

و منها: نفض رأسه لتنظيف أنفه،

كما نبه له في المنتهي، لما في موثق عمار من قوله عليه السّلام بعد ذكر الغسلتين الأوليين: «ثم ميل برأسه شيئا فتنفضه حتي يخرج من منخره ما خرج» «5».

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 11.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 5.

(4) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 9.

(5) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 10.

ص: 400

و منها: غسله بست أو سبع قرب،

______________________________

علي ما تقدم الكلام فيه في تحديد ماء الغسل، في أوائل الكلام في كيفيته.

و منها: غسل الغاسل يديه،

كما صرح به جماعة علي اختلاف في تفصيله، بل ادعي بعضهم الإجماع. كما صرح به في العروة الوثقي بغسل رجليه إلي الركبتين إذا أراد أن يكفنه.

أما النصوص ففي مرسل يونس الأمر بعد كل من الغسلين الأولين بغسل الغاسل يديه إلي المرفقين «1» و في صحيح محمد بن مسلم: «يغسله ثم يغسل يديه من العاتق ثم يلبسه أكفانه» «2» و في صحيح يعقوب بن يقطين: «ثم يغسل الذي غسله يده قبل أن يكفنه إلي المنكبين ثلاث مرات … » «3». و في موثق عمار: «ثم تغسل يديك إلي المرافق و رجليك ثم تكفنه» «4» و مقتضي الجمع بينها استحباب غسل اليدين بين الغسلين الأولين، و بين الغسلين الأخيرين إلي المرفقين مرة واحدة، عملا بالمرسل، و كذا بين التغسيل و التكفين عملا بالموثق.

و أفضل من الأخير غسلهما إلي المنكبين مرة واحدة عملا بصحيح محمد بن مسلم ثم ثلاثا عملا بصحيح يعقوب. كما أن مقتضي الموثق استحباب غسل الرجلين إلي الركبتين بين التغسيل و التكفين.

هذا، كله بناء علي حمل النصوص علي الاستحباب، للمفروغية عن طهارة اليدين تبعا، فإن تم و إلّا لزم حملها علي الوجوب لتطهيرها من النجاسة الحاصلة من مماسة بدن الميت قبل إكمال التغسيل و من إصابة ماء غسله، و إن عفي عن نجاستها في أثناء كل غسلة بنحو لا يضر إصابتها له حينه. و ربما يأتي الكلام في ذلك في مبحث الطهارة بالتبعية.

و منها: وضوء الغاسل إذا كان جنبا،

كما في الفقيه. لحديث شهاب بن عبد ربه:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الجنب أ يغسل الميت، أو من غسل ميتا أله [فله] أن يأتي أهله ثم يغتسل؟ قال: هما سواء، و لا بأس بذلك، اذ كان جنبا غسل يديه و توضأ

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب غسل المس حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 7.

(4) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 10.

ص: 401

______________________________

و غسل الميت و هو جنب، و إن غسل ميتا ثم أتي أهله توضأ ثم أتي أهله، و يجزيه غسل واحد لهما» «1».

و منها: غسل الأواني،

من ماء كل غسلة للغسلة اللاحقة، كما نبه له بعضهم.

و تضمنه مرسل يونس «2» المحمول علي الاستحباب قطعا، لاستهلاك ما يتبقي في الإناء من الخليط في ماء الغسلة اللاحقة، و لخلو بقية النصوص عن التنبيه له، مع شدة الحاجة إليه لو كان واجبا.

و منها: الدعاء بالمأثور،

كما نبه له بعضهم. و في صحيح إبراهيم بن عمر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: ما من مؤمن يغسل ميتا مؤمنا و يقول و هو يغسله: يا رب عفوك عفوك، إلّا عفا اللّه عنه» «3»، و في معتبر سعد الاسكاف عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: أيما مؤمن غسل مؤمنا فقال إذا قلبه: اللهم [إن] هذا بدن عبدك المؤمن قد أخرجت روحه منه و فرقت بينهما فعفوك عفوك عفوك، إلّا غفر اللّه له ذنوب سنة إلّا الكبائر» «4».

و منها: كتم عيب الميت.

كما في المعتبر و العروة الوثقي. و كأنه لصحيح سعد ابن طريف عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: من غسل ميتا فادي فيه الأمانة غفر له. قلت:

و كيف يؤدي فيه الأمانة؟ قال: لا يخبر بما يري [رأي]» «5»، و نحو حديث عبد اللّه ابن سنان «6»، و زاد في مرسل الصدوق: «وحده إلي أن يدفن الميت» «7». بدعوي: أن بيان الثواب ظاهر في الاستحباب.

لكن تطبيق عنوان أداء الأمانة ظاهر في حرمة الإبداء. و مجرد بيان ترتب الثواب أعم من الاستحباب مع أن ظاهر النصوص كون الكتم شرطا في ترتب الثواب علي التغسيل الذي يستحب المباشرة فيه عينا، لا أن الثواب عليه بنفسه، فهو ظاهر أو مشعر بأن الإبداء من سنخ المانع من ترتب الثواب علي التغسيل أو المحبط له، و ذلك مناسب لتحريمه، كما هو كالصريح من النبوي: «من غسل ميتا فأدي فيه الأمانة كان له بكل شعرة منه عتق رقبة، و رفع له مائة درجة. قيل: يا رسول اللّه و كيف يؤدي

______________________________

(1) الوسائل باب: 34 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 7 من أبواب غسل الميت حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 7 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(5) الوسائل باب: 8 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(6) الوسائل باب: 8 من أبواب غسل الميت حديث: 4.

(7) الوسائل باب: 8 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

ص: 402

و ذكروا أنه يكره إقعاده حال الغسل (1) و ترجيل شعره،

______________________________

فيه الأمانة؟ قال: يستر عورته، و يستر شينه، و إن لم يستر عورته و شينه حبط أجره و كشفت عورته في الدنيا و الآخرة» «1».

و من هنا لا يبعد البناء علي حرمة إبداء كل ما يكون إبداؤه نقصا علي الميت و شينا له عرفا، كما يظهر من الوسائل، و إن لم يبلغ مرتبة الهتك و التوهين اللذين لا إشكال في حرمتهما لا من جهة نصوص المقام.

بل لا يبعد حرمة إبداء ما كان الميت في حياته مهتما بستره، بحيث لا يرضي بظهوره حتي بعد الموت، لغرض خاص، و إن كان هو تخيل منافاة ظهوره لكرامته و لم يكن مخلا بها عرفا. كل ذلك عملا بظاهر تطبيق الأمانة في نصوص المقام، حيث لا يبعد كون مصحح تطبيقها عدم تيسر اطلاع المغسل علي العيب لو لا التغسيل، فتسليطه عليه من سنخ الاستئمان علي السر منه تعالي.

نعم، ما لا يهتم الميت بستره لا يبعد جواز إبدائه إذا لم يكن موهنا للميت، لانصراف النصوص عنه.

هذا، و مقتضي إطلاق النصوص عموم ما ينبغي ستره لغير العيوب البدنية، كخروج القذر من جوفه و نحوه مما يوجب شينه، حتي ما يتجدد بعد الموت. و لعله إليه يرجع التحديد المتقدم في مرسل الصدوق. و إلّا فمن البعيد رجوعه لوجوب الكتمان، لبعد خصوصية حال ما قبل الدفن فيه. كما لا يبعد أن يستفاد من النصوص تبعا مرجوحية كثرة المطلعين علي الميت حال تغسيله و رجحان الاقتصار علي من يحتاج إليه للتغسيل و نحوه. و كذا حرمة إبداء غير المغسل لو اطلع علي الأمر المستور، لإلغاء خصوصية المغسل عرفا، و قرب كون ذكره لغلبة تعرضه للاطلاع. فلاحظ.

و اللّه سبحانه العالم.

مكروهات التغسيل
اشارة

(1) كما صرح به جماعة كثيرة، و في الحدائق أنه المشهور، و في كشف اللثام «قطع به معظم الأصحاب» و في الخلاف أن عليه إجماع الفرقة و عملهم، و نسبه في

______________________________

(1) الوسائل باب: 8 من أبواب غسل الميت حديث: 5.

ص: 403

______________________________

التذكرة لعلمائنا. لما في صحيح الكاهلي: «و إياك أن تقعده أو تغمز بطنه … » «1».

و لما ذكره غير واحد من أنه مؤذ للميت و مناف للرفق به المأمور به عموما و خصوصا في الميت. لكن الثاني ممنوع و الأول معارض بصحيح الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن [غسل] الميت. فقال: أقعده و اغمز بطنه غمزا رفيقا … » «2». بل في المدارك: «و قد ورد في عدة روايات الأمر بإقعاده» و إن لم أعثر عاجلا علي غير صحيح الفضل.

هذا، و قد قال في كشف اللثام بعد ذكر صحيح الفضل: «و حمل علي نصب رأسه شيئا، كما قال عليه السّلام في خبر عمار: «و تنصب رأسه و لحيته شيئا ثم يعصر بطنه».

و يجوز كونه بمعني اخدمه، و أن يكون بكسر الهمزة من قعد له إذا ترصده، كقوله تعالي: لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرٰاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ. لكن الأول مخالف للظاهر جدا.

و ما في حديث عمار و إن ورد كما نقله في المطبوع حديثا من التهذيب، إلّا أنه ورد في الوسائل و الحدائق نقلا عنه بالضاد المعجمة. و لعل المراد به الكناية عن إخراج ما تجمع في الرأس و اللحية من ماء التغسيل، لأن نضوب الماء ذهابه في الأرض، كما يناسبه عطف اللحية علي الرأس، إذ لو أريد به ما ذكره لم يحسن العطف، حيث يكون المراد بالرأس تمام العضو.

و الثاني و إن نقل في اللغة من معاني أقعد، ففي لسان العرب: «و يقال: قعدت الرجل و أقعدته أي خدمته، و أنا مقعد له و مقعّد، و أنشد: تخذها سرية تقعده. و قال الآخر:

و ليس لي مقعد في البيت يقعدني و لا سوام و لا من فضة كيس

إلّا أن الظاهر أنه مجازي بلحاظ ملازمة خدمة الشخص لراحته المناسبة لقعوده، و يبعد الحمل عليه في المقام لخلوه عن المناسبة.

و الثالث لا يناسب تعدية الفعل للميت بنفسه في الحديث، لا باللام كما في الآية الشريفة. و بالجملة: ليست الوجوه المذكورة مقبولة عرفا في مقام الجمع بين الحديثين. و مثلها حمل صحيح الفضل علي بيان الجواز. فالظاهر استحكام التعارض

______________________________

(1) الوسائل باب 2 من أبواب غسل الميت حديث 5.

(2) الوسائل باب 2 من أبواب غسل الميت حديث 5.

ص: 404

و قص أظافره (1)

______________________________

بين الصحيحين.

و من ثم يتعين ما في التهذيبين و غيرهما من طرح صحيح الفضل لموافقته للعامة، فقد حكي في الخلاف استحباب إقعاد الميت عن جميع فقهائهم، و نسبه للجمهور في المنتهي، كما نسب في المعتبر الخلاف في الكراهة لجميع فقهائهم. و لا وجه مع ذلك لما في المعتبر من أنه لا يبعد العمل بذلك، و لا معني لتنزيله علي التقية.

هذا، و عن ابن سعيد النص علي تحريم إقعاد الميت، و ظاهر الغنية الإجماع علي عدم جوازه. و لا يبعد تنزيل كلامهما علي الكراهة. و إلّا أشكل ببعد خفاء ذلك علي الأصحاب مع شيوع الابتلاء به، حتي لم يتعرضوا لاحتمال التحريم، فضلا عن أن يفتوا به. و لو لا ذلك كان المتعين البناء علي الحرمة، عملا بظاهر صحيح الكاهلي بعد سقوط صحيح الفضل بالمعارضة و عدم حمله علي بيان الجواز، كما تقدم.

ثم إنه اقتصر في الخلاف في كراهة الاقعاد علي حال التغسيل. و أطلق في المعتبر و الشرائع و القواعد و غيرها، و إن ذكروه في حال التغسيل. بل صرح في كشف اللثام بالتعميم لكل حال. و يقتضيه إطلاق خبر الكاهلي. مضافا إلي بعد خصوصية الحال المذكور في الكراهة. بل لعله أولي بعدمها، لكونه في معرض الحاجة له. فلاحظ.

(1) تعرض الأصحاب لهذين و لما يأتي من حلق الرأس و العانة و قص الشارب و تخليل الظفر، و لنتف الابط و الختان و نحوها، و يظهر من جملة من كلماتهم المفروغية عن اتحاد حكم الكل أو الجل و إن اختصت الأدلة بالبعض، و إن كان قد يظهر من بعضها الاختلاف بينها فيه.

و كيف كان، ففي المقنعة: «و لا يجوز أن يقص شي ء من شعر الميت و لا من أظفاره» و زاد في المبسوط و النهاية و السرائر: «و لا يسرح رأسه و لا لحيته»، و قريب منه في إشارة السبق مع زيادة الختان، و حرم في محكي الجامع قص الظفر و تسريح الرأس و اللحية، و زاد في الوسيلة قص الشعر و حلقه.

و في الخلاف: «لا يجوز تسريح لحيته كثيفة كانت أو خفيفة.. دليلنا إجماع

ص: 405

______________________________

الفرقة»، ثم قال: «لا يجوز تقليم أظافير الميت و لا تنظيفها من الوسخ بالخلال …

دليلنا الإجماع المتردد»، ثم قال: «حلق شعر العانة و الابط و حف الشارب و تقليم الأظفار للميت مكروه … دليلنا إجماع الفرقة»، ثم قال: «حلق رأس الميت مكروه و بدعة.. دليلنا إجماع الفرقة و طريقة الاحتياط التي قدمناها». و في الغنية: «و لا يجوز قص أظفاره و لا إزالة شي ء من شعره بدليل الإجماع المشار إليه».

لكن صرح في المعتبر و الشرائع و النافع و القواعد و الإرشاد بكراهة ترجيل شعره و قص أظفاره، و اليه يرجع ما في اللمعة من استحباب تركهما، و ادعي في المعتبر الإجماع عليه، و نسبه في كشف اللثام إلي الأكثر، و في جامع المقاصد و الروض إلي المشهور بعد أن زادا عليه تنظيف أظفاره من الوسخ بالخلال، و الحق بهما في المعتبر حلق الرأس و العانة و الابط و حف الشارب و تسريح اللحية، و في الدروس:

«يكره … قص أظفاره و تنظيفها بالخلال و تسريح لحيته و رأسه … و كذا حلق الرأس و العانة و الابط و حفّ الشارب».

و في التذكرة: «يكره قص أظفار الميت و ترجيل شعره. ذهب إليه علماؤنا أجمع، حتي أن الشيخ في الخلاف قال: لا يجوز تسريح اللحية. و كذا حلق العانة و نتف الإبط و حف الشارب مكروه عند علمائنا أجمع … و قال أحمد بالجواز … فروع:

أ: لا يحلق رأس الميت عند علمائنا. و قال الشيخ انه بدعة … ب: يكره تسريح اللحية و إن كانت ملبدة … لأدائه إلي نتف شعره … ج: لو لم يكن الميت مختتنا لم يختن بعد موته … د: ينبغي إخراج الوسخ بين أظافره بعود لين، و إن شد عليه قطنا و يتبعها به كان أولي … ».

و في المنتهي: «قال علماؤنا: لا يجوز قص شي ء من شعر الميت و لا من ظفره و لا يسرح رأسه و لا لحيته … لنا: ما رواه الشيخ في الحسن عن ابن أبي عمير … فروع:

الأول: حلق العانة عندنا مكروه … لنا ما تقدم، و لأن أخذها إنما يكون بعد الإشراف علي عورة الميت و هو حرام … الثاني: لا فرق بين أن يكون الأظفار طويلة و قصيرة و بين أن يكون تحتها وسخ أو لا في كراهية القص … الرابع: نتف الإبط مكروه، لما تقدم … الخامس: لا يجوز حلق رأس الميت … لنا: ما تقدم … السادس:

ص: 406

______________________________

لا يجوز ختن الميت إذا لم يكن مختونا بالإجماع، و لما تقدم … ». و من جميع ذلك يظهر استحكام الخلاف بينهم.

و أما ما في الجواهر من أن دعاوي الإجماع المتقدمة علي التحريم من الخلاف و المنتهي يحتمل تنزيلها علي شدة الكراهة، بقرينة التعبير بالكراهة في بعض كلماتهما الأخري المتقدمة، كما يحتمل مثل ذلك في دعوي الغنية. فلا تحرز دعوي الإجماع علي التحريم، و لا تبقي إلّا دعواه من المعتبر و التذكرة علي الكراهة المعتضدة بالشهرة.

و لأجله يمكن رفع اليد عن ظهور بعض النصوص الآتية في الحرمة. فهو كما تري لا يناسب بقية فقرات كلامهما. بل التأمل في بعض فقرات كلام التذكرة و المنتهي و غيرها، و نقلهم للخلاف، و استدلالهم، يشهد بأن المراد من الكراهة في معقد الإجماع ما يعم الحرمة في قبال الإباحة أو المشروعية المحكية عن العامة.

علي أنه لو تم إرادتهم الكراهة المصطلحة فلا مجال للتعويل علي دعوي الإجماع المذكورة بعد ظهور القول بالتحريم من متقدمي الأصحاب. و ليست الشهرة المدعاة- لو تمت- إلّا بين المتأخرين الذين لا تصلح شهرتهم للطعن في النصوص بالهجر، و لا للقرينية علي مفاد النصوص و صرفها علي ظاهرها. و من هنا لا مجال للتعويل علي أمثال ذلك، بل يلزم النظر في مفاد النصوص.

و يدل علي الحرمة منها موثق عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الميت يكون عليه الشعر فيحلق عنه أو يقلم [ظفره] قال: لا يمس منه شي ء اغسله و ادفنه» «1». و حديث أبي الجارود «2»: «أنه سأل أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل يتوفي أ نقلم أظافيره و ننتف ابطاه و نحلق عانته إن طالت به من المرض؟ فقال: لا» «3»،

______________________________

(1) الوسائل باب: 11 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

(2) لا يبعد كونه موثقا، إذ ليس في سنده إلّا أبو الجارود الذي قيل عنه انه تبري و ورد فيه بعض الذم، لكن الذم- مع ضعف الطريق الذي روي به- لا ينافي وثاقته المستفادة من وقوعه في إسناد كتابي كامل الزيارة و تفسير القمي. و ما عن المفيد من عده من الأعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال و الحرام و الفتيا و الأحكام الذين لا يطعن عليهم و لا طريق إلي ذم واحد منهم، مؤيدا بأن له أصلا و برواية الأجلاء عنه و اشتهار رواياته بين الأصحاب. فتأمل جيدا.

(3) الوسائل باب: 11 من أبواب غسل الميت حديث: 5.

ص: 407

______________________________

و مرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا يمس من الميت شعر و لا ظفر، و إن سقط منه شي ء فاجعله في كفنه» «1».

و أما صحيح غياث أو موثقة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: كره أمير المؤمنين عليه السّلام أن يحلق عانة الميت إذا غسل أو يقلم له ظفر أو يجز له شعر» «2» و موثق طلحة بن زيد عنه عليه السّلام: «قال: كره أن يقص من الميت ظفر أو يقص له شعر أو يحلق له عانة أو يغمز له مفصل» «3». فالكراهة فيهما إن لم تكن ظاهرة في نفسها في المنع- كما هو مقتضي مدلولها اللغوي- فاللازم حملها عليه بقرينة النصوص الأول. و لا أقل من عدم نهوضها بصرف النصوص الأول عن ظاهرها و هو التحريم، و لا سيما مرسل ابن أبي عمير المتضمن دفن ما ينفصل عنه معه، لظهور أن الاهتمام بدفنه معه يناسب الاهتمام بإبقائه عليه، بل هو ارتكازا من سنخ الميسور منه الذي يكشف الاهتمام به عن شدة الاهتمام التام. و منه يظهر ضعف ما في المعتبر، حيث قال: «و الذي أراه في ذلك كله الكراهية، لأن التكاليف المختصة بالميت موقوفة علي الدلالة الشرعية، و حيث لا دلالة فلا تكليف، و حيث لا منع فلا تحريم».

ثم إن مقتضي إطلاق موثق عبد الرحمن حرمة فصل كل شي ء عن الميت حتي غير الشعر و الظفر، فلا يجوز ختانه أو فصل بعض أجزاء بدنه الأخري، بل هو المستفاد من باقي النصوص بالأولوية العرفية و يظهر من المعتبر الإجماع عليه. نعم قد تقصر النصوص من مثل ترجيل الشعر و تمشيطه، لأن مرسل ابن أبي عمير و إن تضمنا النهي عن مس الشعر و الظفر و أي شي ء منه، إلّا أنه لا يراد به المعني الحقيقي، فالمتيقن منه إرادة الفصل بالحلق و نحوه، لا ما يعم مثل التمشيط.

و لذا قد يحكم بكراهة ذلك احتياطا لاحتمال سقوط الشعر بسببه. اللهم إلّا أن يدعي أن حمل النهي عن المس علي الكناية عن مطلق التغيير الشامل لذلك أقرب عرفا للمعني الحقيقي من حمله علي الكناية عن خصوص الفصل و الإزالة. و من ثم لا يبعد البناء علي عموم الحرمة لذلك. و لا سيما مع احتمال سقوط شي ء بسببه، حيث قد يكون إطلاق النهي احتياطا للاحتمال المذكور. فتأمل جيدا.

______________________________

(1) الوسائل باب: 11 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 11 من أبواب غسل الميت حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 11 من أبواب غسل الميت حديث: 4.

ص: 408

و جعله بين رجلي الغاسل (1)،

______________________________

هذا، و أما تخليل الأظافر فمقتضي القاعدة وجوبه لو كان مانعا من وصول الماء للظاهر الذي يجب غسله من الحي، و الظاهر أنه المراد مما في الروض من وجوبه، و جوازه لو لم يكن كذلك، لكون ما تحته من الباطن، أو لعدم بلوغه مرتبة الحجب.

بل قد يستفاد استحبابه مما تضمن الأمر بغسل المواضع التي يجتمع فيها الوسخ مبالغة في التنظيف، كغسل الرأس و اللحية برغوة السدر، و غسل الفرج بالحرض و الاشنان.

و لعله عليه أو علي الأول يحمل ما تقدم من التذكرة.

لكن تقدم من غير واحد البناء علي حرمته أو كراهته، بل يظهر من محكي الذكري منافاة ما في التذكرة للإجماع. و يشهد به قوله عليه السّلام في صحيح الكاهلي: «و لا تخلل أظفاره» «1».

و حمله علي ما يوجب فصل بعض اللحم بعيد جدا، بل لعله ممتنع عرفا. كما يبعد أيضا حمله علي خصوص ما لا يتوقف عليه وصول الماء للظاهر الذي يجب غسله من الحي. و إن كان الحمل المذكور قد يلزم جمعا مع مقتضي القاعدة. فتأمل.

و لو بني علي العمل به لزم البناء علي الحرمة، كما هو ظاهر ما تقدم من الخلاف.

و لا وجه للبناء علي الكراهة بعد مخالفتها للظاهر و مشاركتها للحرمة في مخالفة مقتضي القاعدة أو موافقته.

(1) كما صرح به جماعة، و نفي في الجواهر وجدان الخلاف فيه، و اليه يرجع ما صرح به جماعة من كراهة ركوبه الذي نفي في مفتاح الكرامة وجدان الخلاف فيه. كما قد يرجع إليه ما في الغنية من استحباب أن لا يتخطاه، مدعيا عليه الإجماع. و يقتضيه مرسل عمار المتقدم في استحباب وقوف المغسل علي جانب الميت: «و لا يجعله بين رجليه في غسله … » «2». و هو- مع ضعفه في نفسه- محمول علي الكراهة، جمعا مع صحيح العلاء بن سيابة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا بأس أن تجعل الميت بين رجليك

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 5.

(2) المعتبر: ص 74.

ص: 409

و إرسال الماء في الكنيف (1)،

______________________________

و أن تقوم من فوقه فتغسله إذا قلبته يمينا و شمالا تضبطه برجليك كي لا يسقط لوجهه» «1». فإن جواز ذلك لأجل ضبط الميت، و عدم الأمر بضبطه بوجه آخر، و لو بتجنب تغسيله في موضع يتعرض فيه للسقوط، لا يناسب حرمته في نفسه جدا.

و منه يظهر ضعف ما في الحدائق من أن الأظهر تخصيصه بحال الضرورة و تعذر الغسل بدون ذلك، كما هو ظاهر سياق الصحيح. إذ لو أراد ثبوت الحرمة في غير حال الضرورة و ارتفاعها معها- كما هو الأنسب بما ذكره غير مرة من منع الجمع بين النهي و الترخيص بالحمل علي الكراهة- أشكل بما ذكرناه من ضعف خبر عمار الذي ينحصر به الدليل علي الحرمة، و عدم مناسبة الصحيح للحرمة في غير حال الضرورة، لعدم اختصاصه بحال الاضطرار للتغسيل بالنحو المستلزم لسقوط الميت، كما تقدم.

و لو أراد ثبوت الكراهة في غير حال الضرورة و ارتفاعها حالها، فمقتضي إطلاق مرسل عمار عموم ملاك الكراهة لحال الضرورة. و لا ينافيه الصحيح، لأن الجواز في مورده أعم من فعلية الكراهة، فضلا عن ثبوت ملاكها.

نعم، لا مجال لفعلية الكراهة مع الضرورة و فرض وجوب التغسيل. لكنه بحكم العقل، لا للجمع بين المرسل و الصحيح.

(1) كما صرح به جماعة كثيرة من الأصحاب، كما تقدم عند الكلام في استحباب الحفيرة، و تقدم هناك دعوي الإجماع من جامع المقاصد و محكي الذكري علي كراهة الكنيف دون البالوعة. كما تقدم الاستدلال عليه بمكاتبة الصفار إلي أبي محمد عليه السّلام المروية في الصحيح: «هل يجوز أن يغسل الميت و ماؤه الذي يصب عليه يدخل إلي بئر كنيف؟ أو الرجل يتوضأ وضوء الصلاة أن ينصب ماء وضوئه في كنيف؟ فوقع عليه السّلام:

يكون ذلك في بلاليع» «2».

لكن في الفقيه: «و لا يجوز أن يدخل الماء الذي ينصب عن الميت من غسله في بئر كنيف … ». و هو موافق لظاهر المكاتبة و الرضوي الآتي في عدم الجواز. و قد

______________________________

(1) الوسائل باب: 33 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 29 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

ص: 410

و حلق رأسه أو عانته (1)، و قص شاربه (2)، و تخليل ظفره (3)،

______________________________

يظهر من الحدائق الميل إليه. لكن لا مجال للبناء عليه بعد ظهور مفروغية الأصحاب عن الجواز في المقام و في الوضوء، حتي لم يذكره جماعة كثيرة في الوضوء مع شدة الحاجة للتنبيه عليه لو كان محرما، و امتناع خطئهم عادة في حكمه مع كثرة الابتلاء به في المقامين، خصوصا الثاني، و ذلك كاف في حمل المكاتبة علي الكراهة. بل قد تكون فتوي الصدوق بها و تعبيره بعدم الجواز لمطابقة مضمون النص، لا لفتواه بالحرمة.

و كأنه علي ذلك يبتني ما في المعتبر من نسبة القول بالكراهة له.

ثم إنه تقدم إن مقتضي النص عدم كراهة البالوعة، و في المسالك: «و المراد بها بالوعة الماء كالمطر و نحوه، لا بالوعة البول، فإنها كنيف» و نحوه في الروض. و هو قد يتم فيما يتخذ للبول و يعد له- كما لعله ظاهره- اذ لو لم يكن كنيفا عرفا فمناسبة الحكم و الموضوع قد تقضي بعموم الحكم له. فتأمل. و أما ما يتفق وقوع البول فيه من دون أن يعد له فلا وجه لإلحاقه به.

نعم، في الرضوي: «و لا يجوز أن يدخل الماء ما ينصب عن الميت من غسل في كنيف «1» و لكن يجوز أن يدخل في بلاليع لا يبال فيها أو حفيرة» لكن تقدم غير مرة الإشكال فيه، و كذا الحال فيما يتفق وقوع الغائط فيه. و أوضح منهما ما يقع فيه غير البول و الغائط من النجاسات، و لا سيما مع قلة البلاليع الخالية عنها. و من ثم استظهر في كشف اللثام عموم البالوعة لما يشمل عليها، و وافقه صاحب الجواهر و الفقيه الهمداني «قدس سرهما».

(1) تقدم الكلام فيه عند الكلام في ترجيل الشعر و قص الأظافر، و تقدم أن الأقرب التحريم.

(2) الحال فيه كما قبله.

(3) تقدم الكلام فيه عند الكلام في ترجيل الشعر و قص الأظافر.

______________________________

(1) مستدرك الوسائل باب: 25 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

ص: 411

و غسله بالماء الساخن بالنار (1) أو مطلقا (2)، إلّا مع الاضطرار (3)

______________________________

(1) كما في المقنعة و النهاية و الخلاف و الغنية و الوسيلة و التذكرة و المنتهي و غيرها. بل في المنتهي و الخلاف الإجماع عليه. و يقتضيه صحيح زرارة: «قال أبو جعفر عليه السّلام: لا يسخن الماء للميت» «1»، و معتبر يعقوب بن يزيد عن عدة من أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا يسخن للميت الماء، و لا تعجل له النار» «2» و مرسل عبد اللّه بن المغيرة عنهما عليهما السّلام: «لا يقرب الميت ماء حميما» «3». و في المنتهي: «و لأن الماء البارد يفيده استمساكا و الحار يفيده استرخاء، فكان الأول أولي».

و مقتضي إطلاق النص و الفتوي عموم الكراهة لغير صورة الغليان، إذ بعد عدم إمكان استعمال الماء بدرجة الغليان، فكما يتحقق الغرض بتبريد الماء بعد غليانه يحصل بكسر برودته بالماء المغلي و بتسخينه بدون الغليان، و لعله الأكثر. و معه لا وجه لما في المراسم من الاقتصار علي النهي عن أن يغلي الماء للغسل. كما أن مقتضي النص و صريح بعضهم العموم لغير التغسيل من مورد الحاجة لاستعمال الماء للميت.

نعم، لا إشكال في قصوره أو انصرافه عن صورة برودة الماء المسخن حين مماسته للميت و اختصاصه بصورة مماسته له قبل أن يبرد، كما لعله ظاهر.

(2) كما هو مقتضي إطلاق غير واحد. و يقتضيه إطلاق الصحيح و المرسل. بل لا يبعد فهم عدم الخصوصية للنار عرفا من حديث يعقوب.

(3) فقد استثني في الخلاف ما إذا كان علي الميت نجاسة لا يقلعها إلّا الماء الحار، كما استثني هو و جماعة شدة البرد الذي يخاف منه الغاسل علي نفسه، و ظاهره الإجماع علي زوال الكراهة حينئذ، بل صرح في المنتهي بعدم الخلاف فيه في الثاني.

و يقتضيه فيه مرسل الصدوق، حيث قال في الفقيه: «و روي في حديث آخر: إلّا أن يكون شتاء باردا، فتوقي الميت مما توقي منه نفسك» «4». و ظاهره ارتفاع ملاك الكراهة حينئذ و حصول جهة الرجحان، بخلاف الأول و غيره من موارد الضرورة، حيث ترتفع فعلية الكراهة مع بقاء ملاكها.

______________________________

(1) الوسائل باب: 10 من أبواب غسل الميت حديث: 1، 3.

(2) الوسائل باب: 10 من أبواب غسل الميت حديث: 1، 3.

(3) الوسائل باب: 10 من أبواب غسل الميت حديث: 1، 3.

(4) الوسائل باب: 10 من أبواب غسل الميت حديث: 5.

ص: 412

و التخطي عليه حين التغسيل (1).

______________________________

هذا، و في المقنعة الاقتصار حينئذ علي التسخين قليلا، و هو المناسب لقوله في المرسل: «فتوقي الميت..» لظهوره في تعلق الغرض بتجنيب الميت البرودة، فيقتصر عليه، عملا بإطلاق النصوص الأول.

كما قد يستفاد أيضا من الرضوي: «و لا تسخن له ماء إلّا أن يكون ماء باردا جدا، فتوقي الميت مما توقي منه نفسك، و لا يكون الماء حارا شديد الحرارة، و ليكن فاترا» «1». لكن ظاهر النهي عن شدة برودة الماء و لو مع حرارة الجو.

(1) لم أعثر عاجلا علي من تعرض له عدا ما تقدم من الغنية من الإجماع علي استحباب أن لا يتخطاه حين التغسيل. و قد تقدم احتمال رجوعه إلي كراهة جعله بين رجلي الغاسل. و لو أريد منه أمرا في قباله فقد يستفاد من دليل ذلك، حيث يناسب كون الملاك فيه منافاته لتكريم الميت، و هو مشترك بين الأمرين. فلاحظ.

و بقي من المكروهات التي عثرت عليها عاجلا في كلام الأصحاب الوقوف بين رجلي الميت، حيث ذكره في الوسيلة، و لم أعثر علي مستنده. و لعله لمنافاته لتكريم الميت، و إن كان لا يخلو عن خفاء. كما بقي مكروهات أخر يظهر الكلام فيها مما تقدم، كغمز مفاصل الميت، و التعنيف به، اللذين يظهر حالهما مما تقدم في استحباب تليين أصابعه، و مسح بطنه في الغسلة الأخيرة و مسح بطن الحامل مطلقا، اللذين تقدم الكلام فيهما في استحباب مسح بطن الميت. و غيرها. فلتلحظ.

تتميم:

صرح في المقنعة و المبسوط و النهاية و السرائر بأنه إذا سقط شي ء من شعر الميت أو ظفره وضع معه في كفنه، و ظاهر المعتبر و غيره المفروغية عنه، و ظاهرهم الوجوب كغيرهم ممن صرح بدفن ما يسقط من لحمه، كما في المقنع أو جميع ما يسقط منه، كما في الدروس.

كما أن الظاهر بناء من اقتصر علي الشعر و الظفر علي العموم للحم و غيره بالأولوية. بل صرح بوجوب دفن كل ما يسقط من الميت في الشرائع و المنتهي

______________________________

(1) مستدرك الوسائل باب: 10 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

ص: 413

______________________________

و القواعد و الإرشاد، و عن الذخيرة: «لا أعلم فيه خلافا».

و في التذكرة: «و إن سقط من الميت شي ء غسل و جعل معه في أكفانه بإجماع العلماء، لأن جمع أجزاء الميت في موضع واحد أولي»، و نحوه عن نهاية الأحكام، و عن جماعة ممن تأخر عنه أنه فهم منه الوجوب. لكن التعليل فيه قد يشعر بالاستحباب الذي حكي عن الجامع النص عليه.

و الأولي الاستدلال للوجوب بظاهر قوله عليه السّلام في مرسل ابن أبي عمير المتقدم في حكم ترجيل الشعر و قص الظفر: «و إن سقط منه شي ء فاجعله في كفنه» «1».

و استدل له في المنتهي بأنه جزء منه، فكان له حكم الكل، لاستوائهما في صفة الموت. و هو كما تري، لعدم الإطلاق لدليل وجوب أفعال التجهيز يشمل جميع أجزاء الميت بعد انفصالها، خصوصا مثل الشعر مما لا تحله الحياة و يعد من التوابع.

و ما ورد في جريان بعض أحكامه أو تمامها علي ما ينقطع منه «2» لو تم يقصر أو ينصرف عن الأجزاء الصغيرة، فضلا عن مثل الشعر فالعمدة مرسل ابن أبي عمير الذي تقدم غير مرة حجية مراسيله. و لا سيما مع قرب استناد جملة ممن تقدم إليه و تعويلهم عليه.

هذا، و مقتضي ما في التذكرة التغسيل أيضا، و به صرح في جامع المقاصد و الروض و المسالك و الجواهر.

و قد يستدل بما تقدم من المنتهي، الذي قد يستفاد من المرسل الجري عليه، و أن الحكم فيه بجعل الساقط في الكفن إنما هو لأنه جزء من الميت يلحقه حكمه، و ذلك يقتضي تغسيله مثله. لكن تقدم الإشكال فيما تقدم من المنتهي. و ما في المرسل قد يبتني علي مطلوبية ضم ما يسقط من الميت إليه لأنه إلي إبقائه علي حاله الذي هو المطلوب الأولي. بل لما كان مقتضي إلحاق أجزاء الميت المنفصلة به في الأحكام المحافظة علي الترتيب المعتبر في تغسيله لو كان متصلا. و هو محتاج إلي عناية مغفول عنها، فالسكوت عن التنبيه إليه فيه موجب لظهوره في عدم ابتناء جعله في الكفن علي ذلك.

______________________________

(1) الوسائل باب: 11 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

(2) راجع الوسائل باب: 38 من أبواب صلاة الجنازة.

ص: 414

______________________________

نعم، قد يدعي وجوب تجنيبه النجاسة الخبثية لو طرأت عليه، لمناسبة ذلك لحال الميت بعد الغسل. فتأمل جيدا.

بقي شي ء،

و هو أن في خبر عبد الحميد بن أبي جعفر الفراء: «أن أبا جعفر عليه السّلام انقلع ضرس من أضراسه فوضعه في كفه، ثم قال: الحمد للّه، ثم قال: يا جعفر إذا أنت دفنتني فادفنه معي، ثم انقلع أيضا آخر فوضعه علي كفه ثم قال: الحمد للّه، يا جعفر إذا أنا مت فادفنه معي» «1». و مقتضاه استحباب دفن سن الانسان المقلوع حال حياته معه بعد وفاته.

لكن ظاهر بعض النصوص الأمر بدفنه حين قلعه، كالصحيح عن عبد اللّه بن الحسين بن زيد عن آبائه عن علي عليه السّلام عن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال: «أمرنا بدفن أربعة: الشعر و السن و الظفر و الدم» «2» و غيره.

و لعل مقتضي الجمع العرفي البناء علي أفضلية الأول، لأن وصيته عليه السّلام بدفنه معه مع كون دفنه حين قلعه أيسر ظاهرا في أفضلية دفنه معه. فلاحظ. و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

و الحمد للّه رب العالمين.

انتهي الكلام في أحكام غسل الميت ليلة الأحد العاشر من شهر ربيع الأول سنة ثلاث بعد الألف و الأربعمائة للهجرة النبوية علي صاحبها و آله أفضل الصلاة و أزكي التحية، في النجف الأشرف ببركة الحرم المشرف علي مشرفه أفضل الصلاة و السلام، بقلم العبد الفقير (محمد سعيد الطباطبائي الحكيم) عفي عنه.

كما انتهي تبيضه بعد تدريسه عصر اليوم المذكور بقلم مؤلفه حامدا مصليا مسلما.

______________________________

(1) الوسائل باب: 77 من أبواب آداب الحمام حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 77 من أبواب آداب الحمام حديث: 4.

ص: 415

ص: 416

الفهرست

المقصد الخامس في غسل الأموات و فيه فصول 5

(الفصل الأول): في أحكام الاحتضار 5

الكلام في وجوب الاستقبال بالميت حال الاحتضار 5

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، مصباح المنهاج - كتاب الطهارة، 6 جلد، مؤسسة المنار، قم - ايران، ه ق مصباح المنهاج - كتاب الطهارة؛ ج 6، ص: 417

وقت الاستقبال و مدته 13

الاستقبال بعد الموت 14

حكم الكافر و المخالف 17

لو اشتبهت القبلة 18

كيفية الاستقبال. مع الكلام فيما لو تعذرت الكيفية المطلوبة 19

كيفية الاستقبال بعد التغسيل و حكمه 20

الكلام فيمن يكلف بتحقيق الاستقبال، و أنه يعم المحتضر نفسه 21

الكلام في وجوب استئذان الولي 22

استحباب نقل المحتضر إلي المصلي إن اشتد عليه النزع أو مطلقا 23

استحباب التلقين، مع الكلام فيما يلقن به 27

تحديد كلمات الفرج 30

ما يكره حال الاحتضار. و منه حضور الجنب و الحائض 34

تحقيق حال علي بن حمزة البطائني 34

يكره مس المحتضر حال النزع 36

ما يستحب بعد الموت 36

الكلام في تعجيل التجهيز، و في منافاته لإعلام المؤمنين بموته 39

الكلام فيمن اشتبه موته 42

علامات الموت 44

ص: 417

الكلام في مدة الانتظار مع الاشتباه 45

ما يكره بعد الموت 46

(الفصل الثاني): في الغسل 49

وجوب التجهيز كفائي 49

الكلام في وجوب إزالة النجاسة عن بدن الميت قبل تغسيله 53

هل يعتبر غسل النجاسة بالنحو المعتبر في التطهير منها 56

وجوب الأغسال الثلاثة 58

الكلام في وجوب الخليطين السدر في الغسلة الأولي و الكافور في الثانية 61

الكلام في وجوب الترتيب في كل غسلة 63

الكلام في خصوصية تقديم الرأس علي البدن 69

البدء بالميامن 69

إلحاق الرقبة بالرأس 70

الكلام في تغسيل الميت بالرمس في الماء 70

الكلام في عموم تنزيل غسل الميت غسل الجنابة 71

مقدار ماء غسل الميت 73

وجوب النية في غسل الميت 76

هل يكفي نية واحدة للأغسال الثلاثة؟ 81

الكلام فيمن ينوي الغسل 84

الكلام في تعدد الغاسل 84

وجوب الرجوع للولي في أحكام الميت 85

الكلام في أن الولاية علي نحو الوجوب أو الاستحباب 88

الكلام في ولاية من له المباشرة 89

الكلام في أن مرجع الولاية وجوب مراجعة الولي أو عدم جواز مزاحمته 89

الكلام في منافاة الولاية للوجوب الكفائي 91

الكلام في عموم الولاية لصلاة المنفرد و المأموم 91

الكلام في وجوب متابعة الولي لو طلب صورة خاصة أو من شخص خاص 93

الولاية في المستحبات 94

لا تسقط الولاية بالإسقاط 94

ص: 418

الكلام في صحة العمل الواقع بدون إذن الولي 95

الكلام في ولاية الزوج علي زوجته 96

عموم الحكم للتمتع بها 97

الكلام في عموم الحكم للأمة 99

لا فرق بين المدخول بها و غيرها 100

الكلام في المطلقة رجعيا. مع الكلام في عموم جريان أحكام الزوجة عليها 100

الكلام فيما لو كان الزوج رقا 101

لا ولاية للزوجة علي زوجها 102

ولاية المالك علي مملوكه 103

ولاية الأرحام. مع الكلام في الآية الشريفة 103

الكلام في أولوية الإمام 114

الكلام فيما لو تعدد الأولياء من طبقة واحدة 116

فروع تعيين الأولياء 117

الكلام في الصبي و إن وليه هل يقوم مقامه في الولاية؟ 119

لو انحصر الميراث بالصبي 119

الكلام في ترجيح الذكور علي الإناث 120

ترجيح أب الميت علي أولاده، علي كلام 122

الكلام في ترجيح الجد علي الإخوان 123

ترجيح الأخ من الأبوين علي الأخ من أحدهما، و الأخ من الأب علي الأخ من الأم و العم علي الخال 124

لو تعذر استئذان الولي 128

الكلام في الوصية بالتجهيز، و في تقدم الوصي علي الوارث و الحاكم 131

الوصية بمستحبات التجهيز 139

بقية شروط التغسيل من طهارة الماء و إباحته و إباحة متعلقات الغسل 140

تغسيل الميت قبل برده 141

إذا تعذر الخليطان 143

هل يقوم مقام السدر شي ء 150

إذا تعذر أحد الخليطين 151

ص: 419

إذا تيسر الخليطان بعد الغسل بالخالي منهما 151

إذا تعذر التغسيل ثلاثا 153

مقدار الخليطين 156

الكلام في الماء القراح 160

لزوم مزج الخليطين بالماء 169

الكلام في لزوم كون الكافور من جلاله الذي لم يطبخ 170

الكلام في ضم غير الكافور إليه في الغسل 172

الكلام في الغسل بالحرض 173

التيمم عند تعذر التغسيل 174

الكلام في المجدور و المحترق 180

هل يجب تعدد التيمم بدل الأغسال الثلاثة أو يكفي تيمم واحد؟ 183

هل يجب تعدد الغسل في مورد وجوب الصب من دون ذلك 184

كيفية التيمم للميت 186

الكلام في تطهير من يتيمم الميت يده 186

تحديد التعذر الذي يشرع معه التيمم 188

الكلام في وجوب تطهير بدن الميت لو تنجس بعد الغسل أو في أثنائه 189

إذا خرج من الميت بعد الغسل أو في أثنائه أحد نواقض الطهارة 192

الكلام في أخذ الأجرة علي تغسيل الميت. مع الإشارة لحال عموم الواجبات 196

الكلام في تغسيل الصبي للميت 198

اعتبار المماثلة بين الميت و المغسل في الجملة مع الكلام في أنه يبتني علي شرطيتها في صحة التغسيل أو مجرد حرمة النظر 202

تغسيل النساء الصبي، و الرجال الصبية 204

المعيار في السن علي حال السن لا حال الموت 209

الكلام في تغسيل غير المماثل للصبية و الصبي مجردا عن ثيابه 210

تغسيل أحد الزوجين للآخر، مع الكلام في جواز تجريده من ثيابه 211

نظر أحد الزوجين لعورة الآخر بعد موته 217

المعيار في الثياب التي يجب أو يستحب التغسيل فيها 218

التغسيل في الثياب ليس لشرطيتها بل لتجنب النظر 220

ص: 420

الكلام في اللمس 220

الكلام في تغسيل أحد الزوجين للآخر اختيارا 222

عموم الكلام في الزوجة للأمة و المنقطعة 225

الكلام في المطلقة الرجعية، و فيما إذا افتضت عدتها بعد الموت 226

الكلام في الزوجة الكافرة 228

الكلام في تغسيل المحارم من دون مماثلة 229

الكلام في تغسيل المحرم غير المماثل اختيارا 235

هل يجوز تجريد المحرم غير المماثل من الثياب؟ 236

الكلام في تغسيل المولي أمته 237

مستثنيات الأمة من هذا الحكم 240

تغسيل الأمة مولاها 242

من إذا اشتبه الميت و تردد بين الذكر و الأنثي 246

الكلام في نظر كل من الرجل و المرأة للخنثي و نحوه ممن يشتبه حاله 246

لو تعذر تغسيل الخنثي بالنحو المطابق للاحتياط اللازم هل ينتقل التيمم؟ 252

الكلام في تغسيل الكافر للمسلم مع الاضطرار 255

يترجح المخالف علي الكافر 264

إذا تعذر المماثل و نحوه 266

من دفن بلا تغسيل صحيح 271

تغسيل الميت المحدث بالحدث الأكبر 272

تغسيل الميت المحرم 273

المحرم الذي أفسد حجه 276

هل يجوز تغطية رأس المحرم و رجليه؟ 276

لا يغسل الكافر و من يلحق به 278

الكلام في تغسيل المخالف 278

الكلام في حكمهم بكراهة تغسيل المخالف 291

الكلام في حكم البغاة 293

كيفية تغسيل المخالف 294

الكلام في ترتيب الأثر علي تغسيل المخالف، كطهارة جسده و نحوها 299

ص: 421

الكلام في أطفال المخالفين 300

الكلام في المستضعف و مجهول الحال 300

تغسيل ولد الزنا 301

قاعدة إلحاق الولد بأبيه في الإسلام و الكفر 302

الكلام في إلحاق ولد الزنا بأبيه 304

تبعية المجنون لأبيه 306

تبعية المسبي للسابي 308

لقيط دار الإسلام 310

الكلام في سقوط غسل الشهيد، و في تحديده 312

اعتبار خروج روح الشهيد في المعركة في سقوط غسله علي كلام 318

إذا اشتبه المسلم بالكافر في المعركة 324

كيفية الصلاة مع اشتباه المسلم بالكافر 329

وجوب الصلاة علي الشهيد 330

الكلام في تكفين الشهيد 330

الكلام فيما يدفن مع الشهيد و ما ينزع منه 333

إذا كانت ثياب الشهيد مملوكة للغير 340

إذا كان الشهيد جنبا 341

عموم الحكم لأقسام الشهيد من الذكر و الأنثي و الصغير و الكبير 343

عموم الحكم لجميع أنحاء القتل 344

من وجد في المعركة و ليس به أثر القتل 344

لا يترك علي الشهيد شي ء معقود إلا حلّ 346

المرجوم و المقتص منه يقدم غسلهما و تكفينهما علي القتل 346

يجب تقديم الغسل و التكفين و لا يجوز تأخيرهما 348

لا يجب إعادة الغسل بعد الموت 350

الكلام فيمن يباشر التغسيل و التكفين، و أنه هل يعتبر الأمر به؟ 351

هل ينتقض هذا الغسل بالحدث المتخلل بينه و بين القتل؟ 353

الكلام في تداخل هذا الغسل مع غيره من الأغسال 354

الكلام فيما لو مات بسبب غير الذي غسل له 356

ص: 422

اختصاص هذه الوظيفة بالمسلم. مع الكلام في تثليث الأغسال 357

تحنيط المرجوم و المقتص منه و تكفينهما، مع الكلام في وجوب تطهير الكفن من الدم بعد القتل 359

تجب الصلاة علي المرجوم و المقتص منه بعد القتل 360

مستحبات التغسيل: وضع الميت علي مرتفع 360

وضع الميت تحت الظلال حين التغسيل 362

توجيه الميت للقبلة حين الغسل 363

نزع قميص الميت من طرف رجليه، مع الكلام في فتقه بإذن الوارث أو بدونه 365

تغسيل الميت في قميصه 367

ستر عورة الميت 367

تليين أصابع الميت و مفاصله 372

غسل رأسه برغوة السدر، مع الكلام في غسل سائر جسده 373

غسل اليدين 380

الترتيب بين شقي الرأس 382

التثليث في غسل الأعضاء 383

مسح بطن الميت، مع الكلام في تحديده و موقعه 384

مسح بطن الحامل 389

وقوف الغاسل علي جانب الميت الأيمن 390

الكلام في استحباب الحفيرة لماء الغسل 391

تنشيف الميت بعد التغسيل 392

الكلام في مشروعية وضوء الميت، و وجوبه 393

الكلام في ماء الوضوء 396

الكلام في محل الوضوء 396

مضمضة الميت و استنشاقه 397

إمرار الغاسل يده علي بدن الميت حين التغسيل 397

جعل الغاسل خرقة علي يده حين التغسيل 398

إضافة الذريرة و الحرض للكافور و السدر 400

تنظيف أنف الميت 400

ص: 423

مقدار ماء التغسيل 401

غسل الغاسل يديه و رجليه 401

وضوء الغاسل إذا كان جنبا 401

غسل الأواني بين الغسلات 402

الدعاء بالمأثور 402

كتم عيب الميت 402

مكروهات التغسيل: إقعاد الميت 403

ترجيل شعر الميت و قص أظفره و شاربه و حلق عانته و شاربه 405

تخليل الأظافر 405

ركوب الميت 409

إرسال ماء الغسل في الكنيف 410

تسخين الماء للميت 412

تخطي الميت 413

الوقوف بين رجلي الميت 413

يجب دفن ما يسقط من الميت معه 413

دفن ما يسقط من الحي 415

الفهرست 417

ص: 424

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.